انثي بمذاق القهوة

رينووووو`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-06-19ضع على الرف
  • 40.5K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الثاني

انثي بمذاق القهوة

بعد عدة محاولات فاشله من الطبيب حمزه لجذب انتباه ود، استلقت علي فراشها واغمضت عينيها هربا لا يعلم ان كان من اسئلته او من الدنيا بما فيها،

فتنهد ووقف وامسك حقيبته وخرج من الغرفه تاركا لها المجال لتستريح قليلا مع برغم انه يعلم جيدا انه لاتوجد راحة فالهرب، واغلق الباب عليها جيدا من الخارج واخذ طريقه الي مريض آخر ولكن عقله وفكره مع تلك التي تشبه نسيم الصباح في هدوئها وتنزف عيناها الما من جرحها الغائر الذي عاهد نفسه ان يعرف سببه بأي ثمن.

دلف الي مريضه القديم ذلك الكهل الذي غدر اولاده وجحودهم اودي بعقله في غياهب الجنون وجعله ثائرا دائما وابدا، ساخطا علي الدنيا وعلي البشر، ساخطا علي حاله، متمنيا الموت في كل لحظه، احيانا يكون اعلى قائمة العقلاء وارزنهم، وفي ثانية التي تليها تنقلب احواله فيتصدر قائمة المختلين عقليا فلا تأمن تصرفاته من لحظه الي اخرى ومن يتعامل معه عليه الحذر دائما،

نظر الطبيب حمزه الي احسان متفحصا لحالته بنظرة سريعه فانفرجت اساريره علي الفور وهو يري ابتسامة احسان الصافيه مما يدل علي انه في قمة هدوئه النفسي اليوم وان حالته مستقره ، فتقدم منه بهدوء وجلس علي الكرسي امامه وهو يكاد يجزم ان اليوم هو يوم حظه.

تحدث معه كعادته مخففا لوحدته والامه النفسيه فهو اليوم لا يحتاج اكثر من التحدث الي شخص ما يكون مستمعا جيدا، ومن يضاهي الدكتور حمزه في هذه النقطه؟
انهي معه اخيرا حديثاً طويلاً ازاح عن صدر احسان هما كبيرا ثم تركه متمنياً له يوما سعيدا داعيا الا تنقلب احواله لنهاية اليوم مشفقا علي جسده النحيل من تعب التخبط.

اكمل طريقه بعدها الي غرفة الاطباء حيث كان ينتظره كلا من رفيقي العمل دكتور وحيد ودكتور عمرو وبمجرد دخوله وجدهم علي وشك البدء في تناول الطعام وقد كانت الساعة شارفت علي الحادية عشر..

حمزه : ياااه ولاد حلال دنا ميت من الجوع مفطرتش.
وحيد : ياضنايه يبني
عمرو : تعالا حماتك بتحبك

رد عليهم حمزه ضاحكا وهو يجلس بجانبهم : وانا بس الاقي بنتها هعشق امها.. قالها وشرع في تناول الطعام معهم وبدأو في تجاذب اطراف الحديث عن المرضي وحالاتهم الصحيه ومدي تقدمها وتأخرها وفي وسط الحديث توقف حمزه عن الاكل حينما تحدث وحيد مازحا :

لا بس القر شغال عليك من امبارح بالليل ياميزو من اول ماجات المريضه ال Vip والمدير رفض ان اي حد يباشر حالتها غيرك، متعرفش ياجدع انت عامل ايه للمدير او ماذا بينك وبين الله عشان تعالج الحاله القمر دي لوحدك يابن المحظوظه !!

اكمل حمزه مضغ مابفمه بهدوء قبل ان يرد عليه : يمكن عشان انا هتعامل مع الحاله كأي حاله تانيه من غير مايشغلني شكلها او مواصفاتها ودا اللي المدير عارفه وعشان كده كلفني انا دونا عن الاوباش بالمهمه؟

عمرو غمض علي علي شفته السفلي قبل ان يلكم حمزه في كتفه وهو ينطق من بين اسنانه : اوباش ها.. احنا اوباش برضوا يلا..
وكرر وحيد نفس حركة عمرو ولكن فالكتف الاخر لحمزه وهو يقول له : طب يلا قب بتمن الاكل عشان الاوباش زعلوا، فضحك حمزه وهو يتنحي عن كرسيه ويبتعد عنهم ليجلس علي مكتبه ويقوم بفتح حقيبته واخراج قلمه ودفتر ملاحظاته وهو يرد عليهم :
يبقالكم عندي فطار وبعدين مانا ياما اكلتكم ياجعانين ولو هحاسبكم هبيعكم هدومكم وبرضوا مش هتسدوا اللي عليكم.
صمت الاثنان بعدها فهو لايقول سوي الحقيقه فبالفعل حمزه افضاله عليهم وعلي الجميع لا تعد ولا تحصي، فهو نعم الاخ ونعم الصديق ونعم الخل، هو من يلبي النداء مسرعا في اي وقت وتحت اي ظرف، هو من يحبه الجميع بلا استثناء الا من بعض النفوس المريضه الحاقده علي كل انسان ناجح محبوب..

بدأ حمزه في وضع ملاحظاته لليوم وكانت كلها حول حالة ود وبعد الانتهاء اخرج حاسوبه المتنقل من الحقيبه وبدأ في البحث عن كل مايخص حالتها فيما درسه فالطب.

وبعدها دخل صفحتها الشخصيه علي الفيس بوك وعلي كل مواقع التواصل التي تملك عليها حسابا بأسمها مثل تويتر وانستجرام وغيرهم وجمع المعلومات المتاحه عنها ثم اخيرا وآخراًحصل علي رقم هاتفها وقرر الاتصال عليه فهو بالتأكيد الان مع اولي القربي منها..

خرج الي حديقة المشفي وتمشي بضعة خطوات وهو يضع هاتفه علي اذنه بعد ان طلب الرقم ووقف مكانه فور اجابة الطرف الاخر من المحادثه فتنحنح دكتور حمزه وهو يتحدث بجديه :

حمزه : ايوه السلام عليكم، معاكي دكتور حمزه الصاوي من مستشفي الامراض العقليه، حضرتك انا المشرف علي حالة مدام ود والمتابع لحالتها، ممكن اعرف حضرتك تبقيلها ايه عشان لو حضرتك قريبتها محتاج اتكلم معاكي شويه عن حالتها.

اخذت المرأه نفسا عميقا ثم زفرته بقلة صبر واجابته بعدها بحنق.. انا امها ، افندم عايز تقول ايه بخصوص المجنونه دي؟
حمزه بهدوء : مااسمهاش مجنونه يافندم اسمها مريضه وهتخف باذن الله تعالي بس محتاج مساعدتك عشان دا يحصل بسرعه
ردت عليه السيده بنبره مازحه : وهو المجنون بيعقل تاني يادكتور؟ بص احنا عارفين ان ود ملهاش علاج ودماغها لحست خلاص ومتفتكرش اننا محاولناش معاها بكل الطرق، لا يادكتور دي بقالها سنتين بتتعالج عند دكتور نفسي من اكبر الدكاتره فالبلد وعلاجه ولا جاب معاها اي نتيجه بالعكس حالتها كانت كل يوم تسوء عن اليوم اللي قبله لغاية. ماتعبتنا معاها هتقوم انت بقي يادكتور الحكومه تقدر تعالجها؟
بص يادكتور احنا مش طالبين منكم غير انكم تخلوها عندكم وتسيطروا عليها ومتخلوهاش تنتحر مره تانيه ويبقي كتر الف خيركم.

الطبيب حمزه استقبل حديثها بصبر ورحابة صدر كعادته الي ان انتهت ولكنه كان مستنكرا لحديثها جدا فهذا الكلام لايمكن ان يصدر من ام اطلاقا! ثم اردف بهدوئه المعتاد :
يافندم مش معني فشل محاوله ان كل المحاولات تفشل انا بأكدلك ان ود، وقبل ان يكمل باقي جملته سمع صافرة انتهاء المكالمه فأبعد الهاتف من فوق اذنه ونظر له وضم حاجبيه بغرابة لتصرف تلك السيدة!! وقام بطلب الرقم مرة اخري اعتقادا منه ان المكالمه قد انهيت لسبب ما خارج عن ارادتها ولكن ظنونه تبددت حين أُنهيت مكالمته قبل الرد عليها فالمرة الثانيه وتأكد الان انها كانت مقصودة.

فوضع الهاتف في جيبه وعاد للداخل وهو يتسائل : هو ايه اللي بيحصل بالظبط؟ هو فيه ام ممكن تتصرف كده تجاه بنتها فعلا؟ ايه القسوة دي! ولا هي كتر المحاولات والفشل فقدتها الامل ووصلتها لدرجة الاحباط دي وكل اللي بيتمنوه دلوقتي انهم يرتاحو منها؟ تسائل في قرارة نفسه كثيرا ولم يجد لاسئلته اية اجابات فعاد الي الداخل وبدأ في اكمال مهامه تجاه مرضاه ومتابعتهم والتنقل بينهم حتي نهاية اليوم، واجل الدخول لتلك الحورية حتي النهاية لكي يختم بها يومه كما استهله بها.

دلف اليها اخيرا وحاول معها مرة اخري ان يجعلها تتحدث معه بكافة الطرق لكنه فشل مجددا فزفر بقلة حيله وخرج تاركا اياها غارقة في صمتها المطبق.

مر على مديره قبل ان يعود للبيت محاولا ان يخرج منه بأي تفصيلة ولو صغيره بخصوص حالة ود ولكن المدير قال له انه لايعلم عنها اكثر من المعلومات التي في ملفها الطبي،

حمزه : ايوه يامدير بس حضرتك وصيت عالحاله جامد ودي مش عادتك لدرجة اني شكيت انها قريبتك او حد من العيله او حتي معرفه قريبه.
المديد : لا ابدا كل ماهنالك انها شخصيه معروفه وجوزها شخصيه ذو نفوذ وسطوه ونوعية الناس دي مبيجيش من وراهم غير وجع القلب فامش عايزين اي تقصير من ناحيتنا يفتح علينا وعلي المستشفي ابواب جهنم.

حمزه : ومن امته احنا بنقصر فشغلنا يادكتور عشان نخاف؟
المدير :عارف انك مش بتقصر ياحمزه وعشان كده انا اخترتك دونا عن غيرك لمتابعة الحاله دي، وهكون مطمن طول ماانت بنفسك اللي متولي علاجها ورعايتها، بص كلام جوزها كان واضح وصريح انه مش طالب مننا اكتر من اننا نحافظ علي حياتها ونحافظ عليها بصحه جسديه جيده ودا هو السبب الاكبر اللي خلاه يقرر يودعها المستشفي عندنا لانهم تعبوا من محاولاتها المستمره للانتحار وحالات الانهيار الحاد المتكرره.

زفر حمزه بحنق بعد سماع هذا الكلام فها هو المدير يؤكد لحمزه الفكره التي بدأت تتكون في ذهنه بأن امر هذه المسكينه لا يهم احد حقا وكل ما يصبون اليه هو التخلص من مسئوليتها..

استأذن حمزه من مديره وخرج من المشفي عائدا الي بيته وهو شارد الفكر ولكن شروده لم يمنعه هذه المره من تذكر ان بيته لا يوجد به شيئ قابل للاكل، او حتي للشرب فدلف الي هايبر ماركت وقام بالتسوق وشراء كل ما يلزمه.

وصل شقته وقام بافراغ ما تسوقه ووضع كل غرض في مكانه المخصص ثم دلف الي الحمام لأخذ حمام دافئ يزيل عن بدنه ارهاق العمل، ثم خرج وشرع في تحضير وجبة خفيفه من النقانق وفور طهوها قام بتغطيتها وتركها قليلا الي ان يحضر بعضا من الخبز والماء والقليل من المخلل وزجاجة من المياه الغازيه لكي تكتمل عناصر وجبه شهيه من وجهة نظره،
احضر كل شيئ ووضعه على منضدة صغيره في غرفة المعيشه ثم احضر اخيرا طبق النقانق وجلس براحه،
فها هو سيأكل اخيرا بعد التعب وقام بتشغيل التلفاز من الريموت الذي بجانبه واداره على قناة الاخبار ثم وضع الريموت بجانبه مرة اخري وشرع في تناول الطعام.

هي فقط بضع لقمات صغيرة دخلت جوفه وانتبه على نغمة هاتفه تصدح لتعلن عن اتصال، مد يده بجواره وامسك الهاتف ونظر في شاشته لكي يفاجأ بنفس الرقم الذي هاتفه في الصباح والعائد لام ود هو المتصل..
ففتح الخط سريعا وهو يهمس لنفسه مبتسما : اييييون
وقام بالرد بمنتهي الهدوء والرزانه : ايوه يافندم.. وانتظر بعدها ام ود لكي تبدأ بالحديث لكنه فوجئ بصوت آخر يرجف خائفاً يجيبه بدلا من ذلك :
الووو، ايوه يادكتور انا مامت ود واللي ردت عليك الصبح مش مامتها.. اسمعني يادكتور للآخر ومتتكلمش انا بترجاك يادكتور انك تعمل المستحيل عشان تعالج بنتي وترجعها زي الاول تانى.. رجعهالي تاني ود العاقله الجميله، عالجها يادكتور ولك مني كل اللي تطلبه من فلوس.

حمزه بذهول : امها؟ امها ازاي!! امال مين اللي اتكلمت معاها الصبح دي، وليه قالت انها امها؟
ردت السيدة سريعا وبنفس نبرة الخوف : اسمعني كويس يادكتور الكلام دا مش وقته وانا مش هقدر اتكلم معاك اكتر من كده اديني عنوان اجيلك عليه واقابلك واقولك علي كل المعلومات اللي محتاج تعرفها عشان تعالجلي بنتي، بس اهم حاجه انك متتصلش علي الرقم دا مره تانيه ولا تكلم حد منه، وبعدين هفهمك ليه وانا هاخد رقمك وارنلك من تليفوني اللي هنتواصل عليه بعد كده.
قالتها وانهت الاتصال سريعا تاركة الطبيب حمزه في حالة من العجب الذي يزداد تدريجيا من بداية اليوم وحتي لحظته هذه فاكل مايتعلق بمريضته الجديده لا يدعوه الا للمزيد من العجب.. لماذا تدعي امرآة غريبه انها امها، وما سر الخوف الذي كان يسيطر على امها الحقيقيه ويجعل احبالها ترجف وكلماتها خرج خائفة؟ بالتأكيد هناك سر كبير وراء كل هذا، وسيفعل المستحيل لكي يكتشفه.

يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي