الفصل الثالث

دخلت سامية إلي المطبخ بخطوات بطيئة والدموع محتبسة خلف رموشها تأبى السقوط.. قامت بتقليب الطعام بصمت ونظرات شاردة ومر الوقت وهي مازالت واقفة في نفس المكان، تصاعد رائحة احتراق الطعام.. دخلت تقى المطبخ مسرعة عندما أشتمت رائحة الدخان
لترى امها واقفة كالتمثال وتتصاعد أمامها ابخرة الدخان، مدت يدها بسرعة وأغلقت شعلت الغاز واسرعت بإشعال الشفاط.
هتفت بفزع عندما رأت جمود أمها ونظراتها الساكنة :
-ماما وعندما ظلت صامتة صرخت مااااااما.
ساميه فاقت من قوقعة صمتها على صوت ابنتها لترى الطعام المحترق وغيوم الدخان :
- أول مرة أحرق إلاكل و بنبرة حزينة رددت أول مرة.
ربتت تقى بحنية على ذراع أمها :
- روحي أرتاحي ياماما.
ردت بصوت حزين:
-والبهدلة دي من هينضفها
رسمت بسمة مزيفة نقيض مابداخلها من حزن:
- أنا ياماما، أنا كبرت من زمان وتقدري تعتمدي. عليا.
تابعت سامية كلامها:
- والغدا
أردفت قائلة:
- هعمل مكرونة بالصلصة مع البانيه، روحي أرتاحي ياماما، بالله عليكي ياماما.
رددت باستنكار:
- مكرونة وبانيه! ده انتي عمرك ماسلقتي بيضة.
ردت بثقة:
- النت بيخلي الصعب سهل، وأنا اه مكنتش بعمل حاجة بس ليا عينين بشوف بيهم وعارفة ازاي اعملهم.
تقوست شفتيها بعدم إقتناع وهي تردف:
‐ مادام متأكدة من نفسك اعملي اللي انتي عايزه، أنا جسمي همدان ومحتاجة أرتاح شوية هروح أوضتي أنام شوية وعايزه لما أصحى ملقيكش مولعة في الشقة.
دخلت سامية إلى غرفتها وأحكمت أغلاق باب حجرتها، رمت نفسها على الفراش ودخلت فى نوبة بكاء هستيرية صامتة.
بعد فترة قامت من على فراشها وعيناها تنظر بشرود إلى مكتب زوجها وبعقل مغيب لا واعى اتجهت ناحية المكتب، ثم فتحت الدرج وأخذت الكتر الخاص بزوجها، جلست أعلى فراشها وبيد مرتعشة قربتها ببطء من ذراعها اليسرى،أغمضت عينيها وسرت قشعريرة فى جسدها مع إحساسها ببرودة النصل تلامس جلدها لم تلبث أن تجاوزت ترددها بشهيق عميق...ورفعت الكتر وشرعت في قطع وريدها وقبل التنفيذ الفعلي صدح صوت الشيخ الصادر من تليفزيون الجيران قائلا " وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يسيرا"...اتسعت عينيها بصدمة على ماكادت أرتكابه من معصية.. ألقت الكتر بسرعة كأنه ثعبان ينفث سم ووضعت وجهها بين كلتا يديها، وأخذت تستغفر كثيرا والدموع تنهمر فوق وجنتيها بلا توقف...صوت الطرق على الباب جعلها تمسح دموعها بسرعة واخذت عدة انفاس متتالية ثم قالت بصوت جعلتها شبه متماسك نعم ياتقى بتخبطي ليه؟
تقى من خلف الباب قالت بتردد:
-ماما لو سمحتي هو أنا ممكن أروح ل غادة صحبتي.
نهضت سامية من فوق الفراش ونظرت إلى نفسها في المرأة تتأمل وضعها المزري..رأت عيونها حمراء ومنتفخة من البكاء فقالت بنبرة عالية:
- مفيش خروج ياتقى وأمشي عشان عايزه أنام.
رددت بتوسل:
- محتاجة أروح ليها يا ماما عشان أصور منها مذكرة المادة اللي هنمتحنها كمان يومين
- ومش اشتريتها ليها؟
- عشان تصويرها أرخص لو اشتريتها
- مينفعش، ابوكي لو عارف انك خرجتي النهاردة هيخلي ليلتنا سودة.
تقى بتوسل:
- لو سمحتي يا ماما محتاجها ضروري النهاردة عشان الحق اذاكرها وأنا هروح وأجي بسرعة ومش لزم بابا يعرف..
سامية بعد لحظات من الشرود قالت :
-تعالي بسرعة.
تقى بسرور:
- حاضر يا ماما.
ذهبت إلى غرفتها وارتدت ملابسها بسرعة لكي تذهب لصديقتها وتأتي قبل قدوم والدها..
سأل هيثم مستفسرا:
_لسه مصمم يزين على اللي في دماغك
قال بضحكة خبيثة وهو يقوم بلف سيجارة مخصوص بداخلها أحدث من أنواع المخدرات، النوع الجديد الذي اتنشر كالنار في الهشيم داخل طلاب مدرسة انترناشونال:
_ طبعا ومش هرجع اللي في دماغي خلاص البنت نغششت في دماغي ومش هتخرج منه إلا مجيب شرفها الأرض.
تمتم هيثم وهو يشد من انفاس سيجارته:
_ ده انت ابليس يابني ياخاف منك
ضحك بشر وعينيه تلمع بنظرات خبيثة
_ ههه ده انا ملاك ياهثيم
ضحك هو الآخر قائلا:
_ انت هتقولي، ده انت غلبت ابليس، انت تعرف؟
_ اعرف اه؟
_ ان عدت لفل الوحش في الأذى والشر
قهقه زين :
_ كنت بحسبك هتقول حاجة مش عارفه.
قال هيثم :
_ بس تصدق أن الصنف ده عالي اوي، مش هتقولي من الديلر بتاعته
رد زين:
_ لا ده سر وهيفضل سر
قال هيثم متوسلا:
_ ده انا صاحبك الانتيم يازينو، مش هتقول لصحبك حبيبك
رد بلهجة مصممة:
_ لا ياحب مش هقولك عشان لما تعرف تشتغل من ورايا في الصنف، ده بيعينك.
اجابه بضيق:
_ يعني انت محتاج اوي، الفلوس اللي بتيجي من ورا بيعه، سيب سبوبة لصحبك الغلبان.
ضحك بخبث:
_ لسه مش بتفهمني يا صاحبي وضغط بشفتيه على كلمة صاحبي، ثم قال الموضوع هنا مش فلوس.
سأل هيثم:
_ اومال ايه يابرنس؟
رد قائلا:
_ الكلام هنا عن السيطرة ويبقا الكل تحت رجلي
قال هيثم:
_ انت من غير كده الكل تحت رجلك، كفاية باشارة من صبعك الصغير
تمتم بنبرة شريرة :
_ إلا هيا ياهثيم مش عايزه تخضعلي
**
وهي تمشي سمعت وراءها صوت زمور سيارة ثم توقفت بجوارها لبطل زين برأسه من خلف الزجاج الذي قام بخفضه وقال بابتسامة ماكرة:
-تقى ياحظي الحلو.
تقى بصوت متحشرج من الصدمة:
-أنت اللي جابك هنا ثم نظرت برعب في كل اتجاه لتتأكد من عدم رؤية أحد من أهل منطقتها لها..أمشي من هنا الله يخليك انت كده هتعملي مشاكل
أردف بهدوء بارد:
- مش همشي ولا هسيبك إلا ما تركبي معايا، واحسن حاجة تركبي بسرعة قبل ما حد يشوفك وانا عارفة الوالد كويس ممكن يعمل معاكي أيه لو وصلو خبر انك واقفة مع شاب في وسط النهار..
لم تنتظر تقى انهائه باقية كلامه لتدلف إلى داخل السيارة ملقية نفسها في المقعد الخلفي ...ليغلق زين الباب وينطلق.
تقى بصوت مختنق:
- أنت ليه كده؟ ليه مصمم تأذيني وازاي عرفت مكان بيتي وعرفت ازاي أني نازلة في الوقت ده.
ابتسم بتهكم:
- عرفت ازاي؟ عشان مراقبك وحطط عيون عليكي بتقولي كل تحركاتك.
ردت بذهول:
- بتراقبني ليه؟ بتراقبني انا ..انت بجد انسان مش طبيعي.
ابتسم بسخرية وهو يقول:
- الأصح تقولي مهووس بيكي، مهووس بالوقت اللي هتكوني فيه ملكي.
شمت تقى رائحة غريبة فحاولت فتح الباب ولكنه كان مغلق اوتوماتيك، شعرت بثقل في جفونها شعرت بالنعاس..حاولت المقاومة مخاطبة نفسها بوهن ودمعة وحيدة تسقط على وجنتيها..أوعي تنامي..
شعرت بأنها تفقد السيطرة على وعيها وتمنت رفضها الركوب معه من البداية، تمنت الرحيل وحاليا الموت، بدا لها زين شيطان بابتسامته واللعاب الذي تقسم أنه رأيته كاد يسيل من أحدى زوايا شفتيه، ثم أستحال شبح حتى أختفى من أمامها وراحت في سبات عميق، وبعد أن تأكد من تمام تخديرها أنطلق بسرعة بالسيارة إلى الجهة المحددة سابقًا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي