شفق

Doaa123`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-03-17ضع على الرف
  • 61.8K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الاول

كان يوما شتويا كئيبا، كنت في الجامعة، حضرت المحاضرة الأولى، وشعرت بملل وضيق، خرجت، لم أجد مكانا مناسبا لي، كي أجلس فيه، وقفت أنظر بعيون زائفة، لا أصدقاء لي في الجامعة كلها، سوى نور، لسوء حظي، لم تحضر اليوم، لذلك شعرت أنني وحيدة وتائهة، ولا أعرف كيف أتصرف، فصار اليوم ثقيلا كئيبا، لم أعد قادرة على حضور باقي المحاضرات، كنت أكره كليتى، وبالأخص القسم الذي أنتمي إليه، وهو قسم اللغة العربية!
رغم أنني دخلته بإرادتي، لكن أكتشفت أن أساتذته أكثر تعقيدا من باقي الأقسام الأخرى، علاوة على طلاب الدفعة نفسهم، الذين كان بينهم إتفاق ضمني، سواء كان معلن، أو غير معلن، بأن يستحقروا أي شخص لست شبهم، ولا يميل لتوجهاتهم الدينية والتعلمية، بل والتربوية !
أما عن شبههم، فكانوا كذلك، البنات أغلبهم، أن لم يكن جميعهم،كانوا يرتدون الخمار الطويل، والعباءة الإسلامية، أو النقاب والعباءة الإسلامية، والطلاب، أغلبهم أطلقوا اللحى، وقصروا بنطالهم، هكذا أخذوا من الدين ظاهره، ورفعوا رأيات التدين الشكلى، حيث بدأوا يتعاملون مع من يخالفهم ، على أنهم أقل منهم دينيا وأخلاقيا، بل قادهم الغرور على أنهم بدأوا يروأ أنفسهم من الصفوة الأخيار، الذين يرضى عنهم الله ورسوله، ويخصهم بالجنة ونعيمها، وباقي البشر هالكين لا محالة !
كان يشجعهم على ذلك بعض الأساتذة المعقدين، والذين ينتمون لجماعة الأخوان المسلمين المتشددة التي تحركها المصالح أكثر.
والطلاب يجهلون حقيقتهم، فالطالب فى الغالب يبحث عن هويته، ويكون سخصيته، فأول ما يبحث عنه وفيه، دينه، ومن هذا الباب يتم استقطابه.
المهم ولهذه الأسباب، أصبحت لا اطيق دفعتي، ولا أجيد التعامل معهم، فكاد أجزم أننى أنا الوحيدة في الدفعة التى تذهب الى المحاضرة، وأنا أرتدى بنطالا، حتى لو كان واسعا ولا يشف ولا يصف، لكن في نظرهم بنطالا، أي مخالفا للزي الشرعي، وبالتالى مخالفا للدين، ومن ثم فأننى مذنبة مخطئة في نظرهم، وبالتالى لا يتركوني دون حرقي بنظراتهم اللائمة المبغضة المعنفة، هؤلاء الطلاب نسوا، أو تنسوا أن الدين في الأساس معاملة، وأن الدين قبل أن يكن عبادات، كان معاملات ، وأنه يحث على المعاملة الحسنة، حتى مع غير المسلمين، فما بالك بالمسلمين مثلهم !
المهم ظلت نظراتهم الاستنكارية تلاحقني، وظللت اتجاهلها، حتى تطورت لأن تبقي كلمات ناصحة، وأحيانا لائمة، ثم تطورت اكثر، لتصبح مواقف معادية ضدى، ومن هنا لم أزد إلا عنادا ومكايده لهم، حيث أنني ، بدأت بوضع بعض مساحيق التجميل على وجهي، وكنت أتفنن في لفات الحجاب، سواء كانت للوراء وتكشف عن رقبتي، أو للامام، وتظهر خصلة من شعري.
هكذا كنت، شفق أبراهيم عبد الحميد، طالبة ترتدي البنطال، وتضع الميكب، وتتلاعب بالحجاب، وما زاد الوضع سواءأ، أن صديقتي الوحيدة والمقربة، نور المسيحية، التي تأت لتسأل عنى بعد كل محاضرة، وهي تطلق شعرها، وترتدي بلوزات نصف الكم، وبناطيلا من الجينز الضيق !
كل ذلك كان كافيلا، باستحلال دمي من دفعة قسم اللغة العربية، ولست سوء معاملتى، والتعالي عليّ وأطباق المزيدات، لذلك ولد الكره والنفور المتبادل بيننا، فكنت أتهرب من وجودى بينهم، إلا للضرورة القصوى، ولا اندمج فيهم ولا أسأل عن أي شيء، حتى لو كان يخص الدراسة، وذلك أثر بالسلب على تقديراتى في الكلية، بل وصل الأمر بأن أسقط في بعض المواد، التى يدقق مدرسينها على الحضور والغياب فيها.
وكنت أتمنى أن انتهى من ذلك الثقب الأسود الذي سقطت فيه، طوال ثلاث سنوات مضوا، كنت لا أعرف كيف أتعامل مع هؤلاء، فقط أتعجب من حفظهم للقرأن، وجريهم على أداء الصلاة في أوقاتها، والتزامهم بالمظهر الدينى، وعلى الجانب الآخر يسيوءن معاملة الناس المختلفة عنهم حتى ولو كان أختلافا ظهريا فقط، فقد كنت أصلى مثلهم الصلاة في أوقاتها، وكنت احمل الكثير من الكتاب الله، وإن كان ذلك بعيدا عن عيونهم، فأنا أفعل ذلك لله، فهذا بينى وبين الله، لا يهمنى أن يطلعون هم عليه، أما عن حجابي واهتمامي بالزينة، فذلك كانت غريزة بداخلي، كان يصعب عليّ مقاومتها، وإن كنت أدعو الله أن يأخذ بيدى ويهدينى، علاوة على أن ثقتى بنفسي كانت مهزوة، فكنت اضع المكياج، لتجميل شكلى، الذي دائما ما كنت أشعر أنه غير جميل، فأنا أكره بشرتي الخمرية، وأحب البشرة البيضاء، لذلك أغطيها بالكريمات والبودر !
على كلا، حمدت الله وشكرته، أن أياما قليلة باقية، على إنتهائي من الدراسة في قسم اللغة العربية، وأننى لن التقي ثانية، بهؤلاء الناس الذين يتألهون مع الله، ويحاسبون عباده، بل ويطلقون الأحكام !
خرجت زائغة العين بعد انتهاء المحاضرة، فعلى عكس العادة، لم تكن نور في انتظاري، لم أتحمل أن اقضي الوقت الباقي على المحاضرة الثانية بينهم، أو مع أحدا منهم.
 فذهبتُ إلى مكتبة الكلية، وكنت أحب المكتبة، وأحب الذهاب إليها باستمرار، حيث كانت المكان الذي أجد راحتي فيه، لكن هذه المرة، لم يكن من أجل القراءة، بل تذكرت البحث  الذي طلبه منه أحد الأساتذة،ولم يبلغنى أحدا به، ولم أحضر انا في هذه المحاضرة، فقد بالصدفة، عرفت من حكاويهم بعضهم مع بعض عن  طلب الدكتور للبحث  في الشعر الأندلسي، ومن لم يفعله، ستضيع عليه اربع درجات، وكنت في حاجه لنصف درجة، فهذا عامي الأخير في الجامعة، لا أريد أن أعيده ثانية، أو أن أخرج فيه بمواد، فقد أتمنى النجاح، حتى ولو كان بتقدير مقبولا، كعادتى، وإن كان ذلك يغضب أبي، ويعنفني عليه، حيث أرسلت من المنيا للقاهرة، كى ادرس، وأصبح دكتورة في الجامعة، يتفاخر بي، أبدا لم يظن أو يعتقد، أننى أسقط في بعض المواد، فاحملها للسنة القادمة، وأنجح بتقدير مقبول في أغلب المواد !
الأمر الذي كان يحبطه ويحزنه، وأكثر من مره، يهددنى بجلوسي في البيت، مادمت غير قادرة على تحقيق حلمه.
 فوقت من التفكير في كل ما مضي، نفضت رأسي، ودخلت المكتبة، كنت متخبطة، لا أعرف أي جهة أقصد، رغم أنى ادخلها كثيرا، لكن هذه المرة الأولى التى أذهب إليها بمفردى، وبدون نور صديقتي،  التفتُّ يمينًا ويسارًا.
-       اؤمري.
نطق بها أحد مسؤولي المكتبة، وهو يلتهم ساندوتش فول.
سألته بتوجس عن كتب في الأدب الأندلسي، أشار بيده إلى ركن بعيد به مئات الكتب والمجلدات، ومعنون بـ"الأدب العربي".
نظرت على إشارته، سرعان ما قصدت الركن ، وسرعان ما مللته، حيث  قلبت في كتبه لكن كان تقليبي دون جدوى، فجلست على أحد المقاعد انتظارًا لإنهاء المعركة بين المسؤول وساندوتش الفول، كان انتظاري أيضًا كان دون جدوى،حيث قام المسؤول لعمل كوبا من الشاي بعد ما انتهى من الأكل، بقى ليشرب شايه، كان لا نية له لمساعدتي، حيث كان يهرب بنظره بعيدا، لدلالة على إنشغاله.
عدت إلى أرفف الكتب متأففة، أقول لنفسي:أنا مخطئة، كيف لي أن أدخل المكتبة في العاشرة صباحًا،  في وقت أزدحامها، ومن دون صديقتى نور؟
لو كانت معي نور، لتركوا ما في أيديهم، وساعدونا على الفور، وأن لم يفعلوا، كانت ستنهرهم هي ليفعلوا.
بضجر قلبت في المجلدات الضخمة المتراصة، التى لا أعرف ماذا تحوي، سقط مجلدا، وبعده آخر، وسط نظرات استياء نفر من القراء يبدوا أنني، تسببت في إزعجهم هم.
أعتذرت لهم، حاولت إعادة المجلدين بهدوء، ومن توتري سقط الصف كله، مما جعلني أشعر بالحرج والضيق معا
وقفت حائرة مستاءة، لا أعرف ماذا افعل ؟
بغتنىصوت هاد، جاء من الخلف قائلًا :
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي