الفصل الرابع من قوت

عندما تمتد أنامل المساء الى ذؤبات الليل تفرد أجنحة الظلام ظلالها فوق الأمكنة والأنفس لتحتل نواصي الحب فتيفات أشواق وقليل من الحنين لتتصدر الذكريات الزمان وتقلب صفحاتها أيادي السهارى وهم يقرأون ويتمتعون بأحداث مضت ومفاعيل توقفت كانها أحلام اليقظة مع خيالات المنام
تتفتع براعم الحروف عن ورود وزهور في كلمات تصاغ في نصوص وتحكي عن قوت الحروف
وأكثر ما أحبه هو جواب لأولئك الجهابذة كم ولد عندك وهل تزوجت تبتسم روحي بجمال ويطلق شاهدي العنان ليكتب ما هو آت
لست متهمة ولن أكون ولكن ردي ليس لارضاء غرور و
انما للتبيان والحسم وهو أن لي من الولدان سبعة وعشرين وكل واحد منها له سبعة وعشرين وكل حفيد له سبعة وعشرين وهكذا تتوالد خواطري وتتزايد رواياتي وأكون أم الحروف وابنة اللغة والدواة وصاحبة القلم وعلى بلاغة وفصاحة وسحر وبيان
قوت أو ياقوت
كلاهما لي اسم ولي منه قدر وقضاء
ياقوت أنا وقوت الحروف
وعليه مسيرتي يتحفها اليقين وهي ساحة سلام ودروب انطلاق ولو انتكست راياتي يوماً سأعاود الوقوف وأرفع مجدي وأنعم بعزي وأكون كما كتب لي قوت الحروف
كبرت وصار لي موسوعة من الأحلام وقواميس من الأمنيات ولو أنني وحدي بقيت أعالج أيامي الا أنني في زحام بين الكتب والكتابة وخطوطي دائرية وأحياناً أتمنى أن أرتاح من عناء الفرح والاطمئنان وبلا مغالاة ولا كبرياء
سلاحي كرامتي وآبائي وكل ما في نفسي من قساوة لا تخضع لضعفي
لا كنوز أكثر من الحروف ولا قلم أروع من قلمي وزجاجات عطري ترفدني بمداد أملأ منه سطوري وأحكي عن شعوري وعن زلاتي وهناتي وهفواتي وكلها تشكل ذاتي وتعني لي
ومع العشق أطلت المسير عساني أجد ما يفسر توقي الى لقاء الحبيب وشغفي لارضائه ولو بعد حين
يا رجلاً من طين هلا أعدت لي رسالتي وهلا رجعت الى ميادين الفرح والحبور وألقاك بحب وسرور
لنقرأ معاً ونخط معاً ونمضي غير آبهين بمرور الزمن ولا بمشيب النواصي ولا بارتجاف الأنامل
هنا العجز يحلو مع طلتك ويصبح الكبر جميلاً وان كان لا بد من وجود الانس فلتكن حروفك وان كان لا بد من وجود القوت فقلبي حاضر كأنه شاب عشريني الهوى
وأستفتي حبات المطر في فرحي وحزني وحبي وشغفي وفي تفاصيلي وكل كلماتي وانصت الى صوتها وأحيا صقيع شباط وصغره وتقلباته فتنعكس على سطوري حروف لؤلؤية وتصيغها ريشتي مفردات ناصعة نواياها الخفية تظهر في حركات الكلمات وفي الفواصل والنقط وعلامات الاستفهام والتعجب
أتلو على الملأ حكاياتي الشتائية وأجتمع مع أصحابي في اطارات الصور وضمن غلافات الكتب وأكلم كل شخص بلغتي الممتنعة عن الزور والبهتان وعن مظاهر الاثم والعدوان والسهلة في مضامير البلاغة والبيان
وأراك يا ملك الزمان تراقب حماستي وتبارك حكمتي وتواكب أحلامي وتساير فقراء الحال وأغنياء الوجدان وتدلني على نماذج الابداع كي أحلق مع نوارس الشطأن وأركب الموج الهائج وأنا فوق مركب شراعي تسيره رياح صرصر ثرثارة وعاصفة هوجاء تصفر في آذان الشتاء وتردد كفاك يا مطر وعافاك لقد مكنت ابنة الحروف من الدروب مشياً وغرقاً وتحليقاً
ونشرت تعاليم الشوق ذرات هوائية بحسب ذبذبات النفس الزكية
وأخبرت عن الدفء في أخر الشتاء وعن وصايا القلم بعد سبات وعن اقلاع روح الكتابة الى فضاءات مزدحمة بزينة من النجوم والكواكب
ويعتلي القلب عشق الحياة وعندما تسلم الأمنيات يمنة ويسرة تقصد بها كل الانفعالات من رجاء ومديح وفخر وهجاء
اليك أيها الساكن في قصور أحلامي مع بنات الهامي جاريات جميلات وسلطانات حياتي
تكسبني الأمل والسلام والسكينة والتقى وكل جميل قادم ورضى بما أنا فيه حتى الشدة لها مفاعيل القوة والتنوين معه جوار حور وجملتي تهدهدها ملائكة الركوع والسجود
صلاتي لكل صامت أصم ودعواتي لكل أعمى وفاقد الحواس وليكن الله معك في اغناء احساسك ودعم بصيرتك وتزكية سريرتك
معك أيها الضعيف ايماني شديد وعمري مديد وحروفي دافقة مضاعفة
ليغدو حرثي كتاب وليصبح نسلي رواية عنوانها أريج الذكريات
والحب صولجاني والحنين جوهرة تاجي وليلي نهارات ويأسي سعادة وانطلاق
عصافير الشتاء فوق نوافذ أيامي تغرد للعشاق وتدعو الأمطار لتعانق التراب وتبشر باخضرار الأوراق وانبعاث الأزهار وتفتق البراعم عن الثمار
في النفس شعلة كبيرة ستكون قبل الرحيل وستضىء العديد من الأمكنة وتنير أسرار القلم والدواة
وتفشي للورق والشاشات عن حكايات العشاق وعن العناق الأزلي بين الحاء والباء
أحب حياتي بفصولها كلها وخاصة فصل الشتاء والذي هو اليوم شتائي الثامن بعد عقودي الخمس
وقلمي يترجم مشاعر دفينة ويخبر عن نبض القلوب ويكتب قوت الحروف
ان كنت رجلاً شيطاناً أم ملاكاً في كل صفاتك تبقى نعوتي الساحرة وسيئاتي الفاجرة وحسناتي السديدة
اذا كنت رأي فأنا موقف وان كنت رشدا فأنا حكمة فلا تترك يميني شاهدي يحتاج عضد حضورك وبنات أفكاري تجمل أحداثي ويومياتي
كل جماد ميت وكل حركة حيوات
أنت يا مالك القلب حيوات عديدة لعمري العتيد وسند لقلمي الجرىء واليوم تخطيت وجلي ودست فوق الخجل ووصلت اليك لأسلمك كتابي
اقرأه بتأن وابد نقدك ولو كان حطب أو نار أصحح معك المسار وأصل الى مصير صريح بكل ما تلفظني الحروف الهجائية من أصوات
عدنا معاً الى الكهف حيث فعل اقرأ يصدح بأعلى الأصوات
ورجعنا الى الكتابة فوق الجدران وعلى الورق وفوق الصخور بأشكال رائعة الجمال ساحرة المعاني وثائرة على الأسلوب
تبقى أنت مصدر راحتي ودمت لدواتي بحورها وبقيت لقلمي ريشاته
ولحروفي قوت من شهد الود وحلاوة الروح
ناهيك عن الحبور والسرور وعن المكوث في ظلال الجنان وفوق قمم الجبال
صعدنا معاً وها نحن في عناق سرمدي كلمات وسطور قلم ومحبرة
خذيني يا جلالة اللغة الى وطني حيث عشقي الدائم وهوايتي ومهنتي
رسم الكلمات بألوان زاهية ومتالقة ومفردات بأمنيات محققة
تدربت على الكتابة كما أتقنت رسم أحلامي وصناعة أفكاري وكان الحب دربي ومسعاي منذ شقاوة طفولتي ومنها انتقلت الى المراهقة بأقل ضرر وبدون خسائر تذكر
من عمق الطفولة عقوبة كانت تذلني وهي وقوفي على الحائط مرفوعة اليدين ودمعاتي تنهمر بغزارة ووجعي كالصحارى
وبقيت تلك العقوبة تؤلمني حتى تغلبت على آثارها واستبدلت فظاعتها بالتسامح والأعذار لكل من تصرف بفعل البذاءة المجتمعية والجهالة الفردية مررت على القهر مرور النسيم فوق وريقات البنفسج وعطرت ألمي باستعاب تصرفات تحت ذرائع التربية أو بحجج واهية
والعقوبة التالية هي كتابة السطور من الشعر والأمثال وعشرات المرات وتكاد أناملي تتكسر من الكتابة ولكنني هنا تمرنت يدي على فنون الكتابة وروائع الخطوط وكانت محفزا"لي كي أتمرن على الكتابة بمرونة وحنكة وسهولة
وأما الثالثة فهي الأدهى والأمر وهي قراءة كتاب وتلخيصه وملء دفتري بأحداثه وممنوع النوم والأكل واللعب حتى أنهي القراءة وأكتب التلخيص.
وبكل محبة كانت تلك العقوبة قوت أفكاري وقوة لغتي.
وعليه كان الماضي شاحب أصفر وحاضري بات ساطع أغبر وغدي ممكن أن يكون متألقا"أو متثاقلا"
واليوم رغم العواصف والرياح وتساقط الثلوج والأمطار وانزواء البدن وابتسامة النفس وهدأة الروح تنبعث مني شعاعات وتوزع مكتبتي أفكار وأحلام مشاكل وحلول وغوص في أغوار العمر بحثا"عن السكينة والراحة وكل الأمور التي رسمتني ووسمتني وجعلت مني عجوز شابة حسناء طفولية وبحالاتي كلها سلام عظيم واطمئنان رغيد ومحبة عصماء ونغمات ساحرة وورود وريحان وأزهار وأنوار
ومن قوتي العقلية الى جبروت عاطفتي الخارقة التي توجت شخصية قلمي تنتج واقعة تلو الأخرى وتحدث عن عظيم مشاكل وتحديداً باسم الحب سواء أكان مادياً أم كان معنوياً
ولا عجب اذا ما تنقل قلمي بين سمو الأدباء الى الدرك الأسفل من بذاءة الشهوات حيث ترتكب الجرائم وتجرى التجاوزات ومن أقرب المقربين للاناث
ولا شك أنه يوجد فرق شاسع بين نصاعة القلوب وبين سوادها
في مجتمعاتنا كثر الحديث عن التحرش وعن الاغتصاب وعن سفاح القربى ولم أدرك حينما وقعت على قصة قاصرة اعتدى عليها أحد الذئاب البشرية بحجة الضعف والحاجة الى فعل الفاحشة ولو مع صغيرة من لحمه ودمه ووبوحشية المدعي بأنه شيخ العقلاء ومن هؤلاء الذين يثرثرون دائماً بهذا حلال وهذا حرام ويخشون الناس ولا يهابون رب الناس
قالت بالفم الملآن وعلى الشاشات وأمام الملأ انه قريبي اعتدى علي ومنعوني من الصراخ وهددوني بالقتل لأنني فقدت العلامات الحمراء وعشت سنوات أخاف من نفسي وأرتجف أمام ظلي
انه مجتمع لا يفقه شىء وعلى ازدواجية المعايير وبوجوه متعددة ودائماً الاأنثى تدفع الثمن الباهظ وتحمل أوزار الخطيئة ولو أنها بريئة
هنا لا مكان للحب ولا عنوان هنا عقوبة تنفذها طفلة شوهوا كل ما فيها
وتوصلت الى حقيقة وهي أن التخلف مصدره الجهل وخاصة للغة حتى ما قالوه لنا اليوم تصدمنا محدودية المفاهيم وقلة التفاسير
ويجتزئون من الكلمة حروفاً ويقلبون الحركات يكسرون عند الجبر ويجبرون عند الكسرويغالطون الحقيقة ويقفون كالصخرة بلا حراك
يتشبثون بعادات بالية ولا يسعون الى المعارف ولا الى سبل الافهام
كم كنت أتمنى وفي الأمنيات عثرات شيطانية أن ينقلب الدور وتثأر لنفسها الصغيرة الغانية والتي وضعوها هناك بكل وقاحة ويلقون عليها التهم الجزاف كأنها هي من اغتصبت ذاك الوحش وجعلته في حالة ضياع
وليس لكشف المستور ولكن لضمانة حقوق الحب المسلوبة من ذكورية ناكرة لحقوق الاناث
الحب حرام في قواميسهم ولكن الاغتصاب واقع في غمار الظلمات ومفاعيله تتلقاها ضعيفة مهيضة الجناح
ومن مكر الرجال الى مكر النساء وكل حالة حب بحسب المسموح والمتاح
حيث امرأة تعتد بجمالها تنقض بشهوانيتها على شاب بتول لتشبع رغباتها الدنيئة وتتهمه بالتهجم عليها وبأنه هتك سترها ويقتل تحت ما يسمى بجرائم الشرف
ولا عزاء هنا الا للحب المفقودة منه الباءتارة وتارات الحاء
قلمي أبى أن يلوث كلماته ولكنه رضخ لأمر الدواة فالحياة الدنيا فيها غرائب وعجائب وقصص وحكايات منها المبكي ومنها المضحك وعلى من تقرأ سطوري أيها المارد العارف بخبايا النفوس وما بها من فجور
وترجم مشاعر العشاق وسود أحاسيس الهمجية وسرد من الواقع ومن الخيال قوت وما سمعت وما رأت وما هو ادراك الحروف لمجريات الأحوال والأمور
وبكل الألوان سأكتب الحب من أعماق التراب الى قمم الجبال فلا ضير بالغوص في وحول الرذائل لردع الناشئة عن القيام بالأعمال الشنيعة وبالتسلح بالتقوى وبالايمان ومعهما احترام الذات
هي السر والسحر عندما يرتقي الحب الاباحي ويتواضع الحب العذري وبالتالي يكون الميزان بكفتية المرأة والرجل وكل بما كسب رهين ويكون الارتباط وتترتب عليه العوائل
وتعمر الأرض وتزدهر بما تنتجه من فاعلين من الآدميين
اذاً الحب هو العائلة وبلا مبالغة ولا مغالاة
ومفاعيلها روائع بشرية تتحف العالم بركائز أساسية تزيل البأس وتنزع الأفكار الهادمة فالمجتمعات المتحضرة تقوم على نجاح المجتمع الصغير ألا وهو العائلة
لا مكان للتطور ولا للازدهار في ظل تبعات مسيئة للوجود البشري كالمثلية وبكل صراحة وكالانهيارات التي تهدم أواصر العلاقات السليمة
ومن ما رأيته وعشته ولاحظت أهميته ومدى حمايته للاستمرار في الحياة الدنيا بأقل خسارة وبأريحية هو تأسيس العائلة وتتويج الحب بالزواج وليوصف بما يوصف من شرعي الى مدني المهم أن تتوحد الدول في ايلائه الأهمية المثلى حتى لا نصل الى يوم الانقراض للجنس البشري والابقاء على الحيواني بجلود من طين
عائلتي الأولى تجمع روعات الحب بكل أطيافه ولا أدعي المثالية ولكن هي الحياة بأدراجها لتعقل الأمم ولتنتج ولتنمو البشرية
وما أجمل الحب العذري الذي يبدأ بنظرة أولى ويعيش طرفيه أجمل لحظاته قبل اللقاء
ويصير الارتباط وتتغير نظرتهم لا بل تنضج ويصبحون ويمسون على يقين أن الحب هو الولد وهو الحفيد وهي الاستمرارية الى ماشاء الله بآثار وأسماء وبيوت ونفوس تتوارثها الأجيال وتكون الدنيا بذلك مقدمة للخاتمة
وعائلتي هنا هي بيتي الذي فيه ولدت وترعرعت وجئت فوق حصان طروادة منتصرة وهزمت كل الاحباط والفشل وبدلت بقوة الله السلبيات وسرت في دروب النور مع العظماء وبين المبدعين وصلت الى مكان يرجوه معظم الناس وأراه خطواتي الأولى
ارتبطا وجاهدا وكان لهما من الأولاد عشرة ولا غرابة ولا دهشة أنا وحيدتهم ومعي أخوة لم تلهم أمي ولكنهم من تربيتها ورعايتها هي وأبي
ولا علاقة للفقر ولا للغنى المادي الرزق ببركته وموائد الطعام تعمر بكثرة الأيدي
واللباس يكون زينة بتعددية الحاضرين وابريق الماء يروي العابرين العشرة هم أقربائي وجيراني وما زالوا لي أخوة وأهل وعائلة وكل في ميدانه
ويا فرحتي وأنا بينهم ويا هنائي وأنا محاطة بأبنائهم كأن المراحل تعيد نفسها وتتكرر ومع فروقات الزمن والوعي والذكاء الاصطناعي والحقيقي والتقدم التكنولوجي وتقارب الأجيال وكل ما بان وظهر من بدع هذا الزمان
ولكنني مسرورة بانتمائي الى بيت عامر بالمحبة ومزدحم بالخير وملىء بقصص من واقع الحياة وكفاح بين اثنين انتصروا على الرفاهية المخادعة باثبات الأساسيات والتركيز على نموها باستطراد ودوام وجودها وحتى لا يمر العمر وهما يركضان وراء تفاهات وسذاجة عرجاء وأشياء لا تعمر بيتاً ولا تصلح حالاً
أم العشرة وأنا ووالد العشرة وأنا قوت القلوب والحروف فخري وعزي ونجاحي وسندي عند الزلات وحتى في غيابهما
وتركوا لي من الارث الكثير العديد المتنامي ولو وزعته سنين على الناس لما نفذ ولما نقص منه شىء بالعكس كلما وزعت منه كلما تضاعف وازداد
وهو معنوي بامتياز مبادىء وقيم وسمعة طيبة أنهل من معينها وأتنعم من ملذاتها وأتفيأ ظلها ساعة القيظ وأتدثر بها ساعات الصقيع وأستعين بها عند الأزمات وتباركني وقت الفوز وتكون على صدري وسام
من أيام زماني لحظات لا تنسى ولا تندثر وتترك في ذاكرة تاريخي آثارات مضيئة وأكثرها اجتماعات حول الموائد وتناول الغداء وكنا نفوق العشرة ومعنا العمة والجارة والخالة والجد والجدة والكل مسرور واللقمة لذيذة والنفس قانعة والأجواء ساحرة
اليوم عندما أنصت الى نقمة كثيرين واعتراضهم على الواقع الثقيل يحضرني حديث لوالدي عن الدنيا وكيف تكون جواز عبور برضى وقناعة ويقين وأقارن بين صبر القدماء وقلة حيلة هذا الجيل فأرغب بالبكاء على جهود الآباء والذين نحتوا بأظفارهم الحجر والحديد وعملوا باخلاص وقوة وايمان كبير وورثنا منهم الجلد وحلاوة الصبر والذي سقط من مفاهيم كثيرين اليوم
حزنت لأجل كل من حولي وغالبيتهم ضعفاء وحاملي صفات قبيحة من النقم الى الحسد والحقد على ما آلت اليه أوضاعنا وأميز بين ما يمكنني وأشقائي على اظهار الابتسامة الدائمة والوجه الجميل والحفاظ على التوازن وابقاء كفتي يميني ويساري متعادلتين على طول السنين .
صور وكلمات تمر في شريط الذكريات أسترجع فيها مواقف وأعمال ونصائح وعبر وكلما ضاقت علينا الدنيا كلما اتسعت قدراتي على استعابها والتغلب على كل ما يسىء ويحزن ويطفىء الوجدان ويخفت العاطفة ويوقف عقارب العقل عن التفكير
والمقارنة بين منزلي وحياتي ومنازل من حولي ليس لمد نفسي بالغرور ولا لضخ الكبرياء في شخصيتي وانما في الحقيقة أثق بأنني أكرمت بجذور تمدني حياة طيبة في كل الفصول
وقسما"بالله خالق الأقدار ومقدر القضاء لا أحمل لأي آدمي الا الخير والأمنيات بأن نكون على صورة أبينا آدم عليه السلام وسنة سيد الخلق محمد نبينا عليه الصلاة والسلام وعلى سير الأنبياء والرسل والقديسين لقد ابتعدنا كثيرا"وأمعنا بالتحجر وصببنا كل اهتمام للماديات لذلك قست القلب واختلطت الأمور وبتنا في فوضى التكنولوجيا والحداثة والاعلام المسىء والمعيشة الضنكة .
واختلاف قوة التحمل عند الأحياء طبيعي الا أن اللاطبيعي هو نسيان اللغة وتهميشها حتى وصلنا الى جهل معانيها للأسف
وتتأرجح أحلامي بين الحاضر والماضي وتحلق أمنياتي في الفضاء وأرجو الصلاح لعقد أبناء جلدتي حيث تفرق وانفرط واجتماعنا بات مستحيلا
ومع ذلك كل واحد منا غصن من شجرة العائلة نبت من جذعها وكبر في جهة خاصة وفي بيئة مختلفة وتوزعت مبادىء الأهل علينا وتقسم الارث المعنوي أيضا"
صفاتنا واحدة
الحنان والوداد والرشاد والسداد والتقبل والرضى والسعي والانطلاق والتغلب على الأشرار وقوة الايمان والتشبث بالتراب وكل من مكانه وواقعه وبحسب أحواله وظروفه .
كل من ارتوى من معين بيتنا ومن تعاليم والدي الدنيوية واقتات من رواياتهم وحكاياتهم وقصصهم المشوقة المفيدة الحقيقية
وعليه من قلمي الجميل اليكم نشرة أخبار كل منا على حدة وتحديد الاختلافات والتي هي سنة الحياة
قاف قوية قادرة قريرة
واو وردة ولادة واردة
تاء تائبة تابعة تاج
مني أنا قوت وصايا عشرة وكل وصية مضعفة عشرات ولا أنكر أنني قلم ريشته من الطاووس ودواته أنهار وبحور من عطور الزهور
وأكتب عني وعن عائلتي وعوائل أحبائي بكل حبور وشجون
بالحب والحنين وبأبجدية عظيمة أرسم كلماتي الخالدة وأعبر الدروب وليس معي من أطايب الدنيا سوى شغفي وكأسي ووشاحي وقاموس مفرداتي أشع نورا وأوزع سكوني وأستعمل مكابح للوقوف عند صعودي ولو أجبرت على الفشل والاحباط أتمهل قليلا"وأشد وثاقي وأتسلق القمم.
ولوالدي الفضل والمنة وغيابهم دائما"في وجداني حضور جميل
والحمد لله على نعمة الوالدين حتى بعد مماتهما نكسب الرضى والبركة والرغد والغنى وعندما ارتقيت قدمت مشاعري على ردائي وفضلت قوامة لساني العربي على اعوجاج عجمي لا يثمن وتأتأة لا تسعد ثرثرة مزيج لهجات ملحق لغات عدة .
وأفضي بمفاعيل أيامي للأحفاد وللأصحاب ولكل قريب وجار وغريب وراحل وباق
لقد تفتحت براعم ورودي وتزينت شرفات أبجديتي وتعطرت أرجاء نفسي وتناولت قرطاسي وقلمي وشرعت أكتب ذكرياتي مع أهلي حيث كانت الحياة محبة والود شرعة والألفة سائدة وكل شىء يوحي ببساطة الأمور وبركة الأرزاق
كانت الحلويات محفز كي ننجز واجباتنا وسبب كي نكون مطيعين وسريعي الاجابة
وأكثر متعة هي الاجتماع في غرفة المعيشة حول قالب مزين وصحون عدة وأكواب العصير نتناول الحلوى اللذيذة ونتبادل أطراف الحديث وترتفع الضحكات ونقضي أجمل الأوقات
كانت الحبيبة تحضر الأطايب في يوم محدد من العام وتوزع للجيران وتقدم للضيوف وتفخر بقول انه يوم مبارك عندما ولدت ابنتي قوت وكنت لا أعقب على كلماتها مع أنني اليوم أفتقد لذاك الاهتمام واللحظات الساحرة التي تتوجني ابنة أسعدت أمها وأبيها وكل من حولها بوجودها
ويمر في ذاكرة فرحي ليلة العيد والحذاء اللماع والفستان المزركش وربطات الشعر وكلها معروضة أمامي طيلة الليل وأحلم بها وأنتظر الصباح كي أرتديها وأقبل وجنتي أمي وجبين والدي وأنال عيديتي وأخرج الى الشارع مع أترابي كي نلعب بالمراجيح ونأكل كعك العيد ونشتري البالونات الملونة
وعندما كبرت نسيت ذاك الاهتمام وتلك السعادة وبات العيد يقتصر على الاستقبال والقيام بواجب الضيافة لكل من يزورنا
وبدأ الجفاف يزداد يوما"بعد يوم وصار ت أيام العيد كغيرها من الأيام
ولا أحن ولا أحب ولا أفضل من حضن الوالدين فيه تغلب الصعاب وفيه تنعم بالرخاء فلا تسأل عن فرح ولا عن رغيف ولا قميص كلها معهم أمور هينة
وعندما تنسلخ عنهم لأي سبب قاهر شعور الغربة يتملك فؤادك ونفسك تبكي من الأتعاب
وتكبر وسنة الوجود تفرض عليك الابتعاد وتلزمك بالفراق
نظراتك للدنيا تتغير واما أن تواجه أو أن تتلقى سهام من كل الأنواع
واذا دافعت عن نفسك وقيمك ومبادئك يصنفونك بالرجعية تارة وبالانحلال تارات
واذا اتخذت من الصمت سبيلا تكون في قاموسهم غبي أحمق
وهنا لا مجال للمناصفة هنا التطرف يجذب الناس ويرتأوون أنه هو الصواب
أما أنا فمواجهتي جميلة أسد ثغرات الحقد والشر بالجود وبالخير
وصمتي يكون حكيما"رشيدا ينطق اللسان بدون كلام ويسكت جهابذة الخطابة عند الضرورة وفي ذروة الضيق والحنق حتى لا تتعود نفسي على حمل أشياء وتفاهات لا تناسب رؤيتي للحياة
ومن وجداني أرسم جملتي بكلمات مصهورة بوقائع ومصقولة من الخيال
كنت صبية عندما أصبحت بدون عائلة ولا أهل أخذتني خالتي الى منزلها وفي تلك اللحظة تمنيت لو أنني مت مع أمي
وبكيت شهورا"ولكن لطف الله نجاني وجعلني قوية ورأيت أنها اتخذتني بالظاهر لتكسب ثوابا" وبالحقيقة كي أكون لها خادمة
فرق شاسع بينها وبين أمي معها تعرفت على مرادفات لا تستسيغها نفسي وتحطمت آمالي وبكل جرأة حط الحزن في أعماقي
تنعتني بأشياء أفهم أنها بذيئة ولكن لم تمر مع حواراتي مع أمي
غالبت ارادتها وانتفضت على ظلمها وحزمت حقيبتي ورجعت الى داري
وهنا الكارثة وجدت فيه غرباء وعرفت أنها تستغله وتؤجره وتقول هو للابنة الحزينة
وقفت وحيدة شريدة ضعيفة وعزمت على أن لا أرجع اليها ولو اضطررت للبقاء في الشارع
التقيت برجل كبير طاعن عرض علي عملا وركنا ريثما أتدبر أمري
وساعدني على طرد من احتلوا بيتي ورجعت مسرورة اليه أعيش مع ذكرياتي ومطمئنة البال
وبقيت أعمل في دكانه وأدرس حتى نلت شهادتي وتجاوزت الثامنة عشرة ورتبت أمور حياتي وتعودت على نمط حياتي
لا أتقن فن العد ولا أعلم من الحساب الا تبدل الأرقام ولا يعنيني كل ما يتعلق بالتحديد وبالازدياد
فقط أعتبر أن الأعوام وحدة والعمر ولو أنه فصول الا أنه مرة يعيشها المرء في هذه الدنيا
عشت حياتي وحيدة اكتسبت قوة وفظاظة تمكنت بهما أن أواجه العالم وأن أصون نفسي
وتدربت على مواجهات الصعوبات وجعلت مني ممحاة للأزمات
وفي لحظة كان كل من حولي وحش وشيطان حتى الأبواب والنوافذ والجدران
ارتقيت بخوفي ونجوت من وسواسي وتحول الخوف من ظلي الى ثقة بكل ما منحني اياه الله من مكرمات لمباركة نفسي وأيامي وأعمالي ولتعزيز مزاجيات أحلامي
ارتضيت لقلمي أن يكون مترجما"للعواطف وللأحاسيس ولنبضات الحب والحنين
واللغة التي أجيد منزهة ومرموقة تكاد تكون كواكب ونجوما"وأقمارا
تشع فوق سطوري أنوارا"وشعاعات وألوان ذهبية براقة ولماعة تؤثر في القلوب وتأسر العقول
وتشرح الأمنيات بغزير من الأبجديات ووافر الكلمات.
الحذر من حصوني السارية والتي تجعلني أخفف عني وطأة التعب وتنزع عني الهم وتزيل الكد والغم
لأنني مترددة في اتخاذ أي قرار دائما لا أملك سرعة البديهة خاصة في التعامل مع الناس وفي مكان ما أتمنى لو ارتجل مواقفي ولكن مرات عديدة أثني على ترددي وأبجل نفسي لأنني بذلك أنجو من الشرور ومن علة الفجور
نعم الوحدة سياجي وهي ثقافتي ووجائي ولكن لا يغرنك شجني ولا سكوني ما في النفس عارم والذات ضجيجها وسط الأوجاع وفي ذروة الاحتياج يثور الشوق ويحرقني الحنين ويطفىء لهيب العذاب أمل عظيم وحلم جميل
جميل أن تكون أنت والأجمل أن تهىء لك حياة بعيدة عن الأشواك وراجية للسعادة وللهناء
والغرابة في الأمر أنني أتقبل زادي وأرضى بأقداري وأفرح باطمئناني
كل ابن أنثى هو أخ لي الا من اتخذ ابليس له قرينا فالوسواس في شرعتي خناس والغلبة لآية الكرسي
مع روح اللغة وبين الأوراق والكتب نمت شخصية قلمي واكتسبت معارف ومعالم وكثير من المرادفات والمعاني
حتى كلمات اليسار تميل معي الى اليمين وسطوري تقرأمن اليمين الى الشمال
والقلب يتلقف كل المفردات الأسماء والأفعال والحروف وتسير في الهاماتي قوافل السرور وفي عز الألم لا أعلم من الحزن الا نقيضه ولا من السوء الا الجود وعليه اذا ما زل اللسان وهوى القلم ترفعني خلفيات تربيتي وعقيدتي وروح طيبة هبة من الرحمن .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي