الفصل 49

الفصل التاسع والأربعون والأخير
"بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم"
مرّ يوما كاملا محملاً بالفرحة والسعادة، كان الجميع يعمل بسعادة، كباراً وشبابا، كانت السعادة ترسم على وجوه الجميع، سعادةً تزورهم بعد زمن طويل، سنوات عجاف كان الحزن والألم مسيطرا عليها بعد فقد الأحبة، وهاقد آن الأوان لتشق السعادة بحور الحزن، كان الجميع يعملون بسعادة، كان الرجال يدعون كبار العائلات والأقارب ، والنساء يدعون نساء العائلات من الأقارب، والفتيات مع والدتهم الحبيبة يستعدون لهذا اليوم الذي يمثل السعادة للجميع، كانت الأحاديث بين الفتيات والأم الحنون رائعة كما عادات الجميع
كانت تنظر لكلا الفتاتين بسعادة وحب، لم تكن لتصدق أنها ستصل لهذا اليوم، كانت تحمد الله داخلها على إتمام نعمته عليها وجمعها مع أولاد ربيبة قلبها الحبيبة، بل وسيكونوا زوج وزوجة لابنها وابنتها، اقتربت منها "جنى" عندما لاحظت تجمع الدموع بعينيها وهي تنظر ل" رؤى" و"هنا" لتختضنها من يدها بحب
جنى: كنت مفتقدة الحنية دي كلها يا ماما، لما كنت بشوفك كان بيكون نفسي بس اقرب لك، دلوقتي في حضنك وحاسة بأمان الدنيا كله
تربت عليها بحنية، وابتسامة متشكلة على ثغرها،
فاطمة: حبيبتي يا جنى انتِ حضني ده ملككم كلكم تترموا فيه وقت ماتحبوا، ده انتوا عندي أغلى من روحي، بتعوضوني عن توأم قلبي اللي اتحرمت منها، ودلوقتي مش مصدقة انكم معايا وكمان " رؤى" و "محمد" هيتجوزوا "سليم" و "هنا" تخيلي فرحتي انا نفسي مش لاقية لها وصف
اقتربت منها هنا: فرحتك واضحة على عيونك يأحن أم في الدنيا دي كلها
تنظر لها رؤى بابتسامة رقيقة: ماما فاطمة ممكن تساعديني البس الفستان بتاعي، محتاجة مساعدة يا ماما
تتحه نحوها وهي تلتقطها بين زراعيها بحب وحنان أمومي،
فاطمة: ده انا فرحتي النهاردة مبتتوصفش يا حبايبي، ده انا هساعدكم كلكم وهلبسكم تاج الفرحة بإيدي
رنا: كفاية بقي دراما يماما، يلا نفرح يا بنات، بت يا جنى يلا شغلي حاجة تفرفش الليلة
كانت تتحدث وهي تمسح دمعات عينيها التي سقطت رغما عنها تأثرا بالمشهد أمامها
ساعدتهم في ارتداء ثيابهم وكانت السعادة تضج في أركان الغرفة

في الأسفل كانوا جميعا يعملون على قدم وساق، استعد الجميع لإتمام الخطبة في وسط الأهل والأقارب، كانا كلاهما بالغرفة الخاصة بهما يرتدون ثيابهم الخاصة بالخطبة، كانوا سعداء كثيرا
رائف: ألف مبروك يا شباب اليوم وأزواج المستقبل
كان يتحدث بسعادة نقية فرحا بتحقيق مرادهم
كان يتحدث بسعادة حقيقية وهو يغلق أزرار الثياب الخاصة به
محمد: الفرحة هتكمل لما تدخل خانة العشق الحلال يا رائف، دي خطوبة صح ارتباط بس لسة زي الكلام اللي على الورق، هي خطوة حلوة وفي صالحنا; لكن لسة مقيدة وهتكون صعبة لأننا في نفس البيت ولا ايه ياسليم؟
يجيبه مؤكدا على حديثه،
سليم: صح عشان كدة الموضوع هيكون صعب علينا جدا الفترة الجاية، لازم نتعامل بحذر، بس ازاي والله انا خايف
ينظر لهما بابتسامة جانبية،
رائف: تصدقوا صح، انا بقي هقعد اتفرج عليكم ياعم المسيطر انت وهو، بس مش هتستنوا كتير ده كلها ترم واحد، لكن تقدروا تتملموا وتفهموا بعض، الخطوبة برده كويسة لو التزمتوا بقواعدها، وبعدين لازم تتكلموا وتعرفوا عيوب ومميزاب بعض عشان ميحصلش مشاكل بينكم بعد كدة
سليم: ده صح بس انت عارف اننا مش بنتحكم في مشاعرنا خصوصا مع الشخص اللي بنحبه، انت لما كنت بعيد عن "رنا" كنت هتتجنن، تخيل بقي احنا هنكون زي اللي متعلق لاطايل سما ولا طايل أرض
محمد: كل كلامكم صح بس ده هيكون اختبار ربنا لينا في الفترة دي، يانبدأ حياتنا صح ويكون دينا هو سبيلنا، والاختيار التاني متمناش الشيطان يلفتنا ليه
قطع حديثهم دخول "شريف" وهو يلهث بإرهاق
شريف: ادعي عليكم في التوريطة دي منك له
محمد بابتسامة: معلش يا ابو الصحاب نردهالك في الأفراح، المهم قلي عملت ايه؟
شريف: لحقتهم على آخر لحظة، كانوا خلاص مسافرين، قابلت الدكتور "إيهاب" ومدام "هدى" وادوني كل الأوراق اللي معاهم عشان لما ننقل نسب "جنى"
ليمد يده بمجموعة من الأوراق موضوعة داخل حقيبة صغيرة
سليم: طب أهم حاجة تقرير الحمل بتاع خالتوا حنين الأخير، اللي هو أثبت فيه حملها في توأم
شريف: كل الأوراق موجودة في الشنطة دي، بما فيهم اعتراف من الدكتور "فؤاد" متسجل بصوته، بيعترف فيه بكل حاجة حصلت
محمد: بس مدام"هدى" مذكرتش حاجة عن التسجيل ده وهي هنا!
رائف: فعلا وهي هنا محابتش سيرته، انا كنت مركز معاها وهي بتحكي
شريف: عشان صورة والدها مهما حصل ممنتش حابة صورته تتهز قدام حد، ده اللي خلاها مترددة تقول عنه، لكن دكتور إيهاب اداه ليا
سليم: الموضوع فعلا صعب جدا بس الحمد لله انها بس انتهت على كدة
محمد: عندك حق، لما نرجع مصر هنخلص كل حاجة بأمر الله
رائف: تفتكروا الوضع هيكون عامل ازاي! يعني انتوا طول عمركم مفكرين انكم أخين; مرة واحدة يتفرض عليكم وجود أخت فجأة! الوضع صعب جدا، لكن...
محمد : من غير لاكن يارائف جنى ورؤى واحد، لو احنا اتعذبنا قيراط هي اتعذبت 24قيراط، وأختي هتفضل معايا وفي حمايتي لحد مموت
أغلق الحديث عند هذا الحد واتجهوا للأسفل حتى تبدأ مراسم الاحتفال

في الخارج كانت الفتيات محاطات بنساء العائلة، الفرحة والسعادة تطغى على الجميع، الفرحة عنوانا رسم بحرفية على وجوههم، كان الجميع يصفق بسعادة حقيقية، والأغاني السعيدة تصدع في الأركان، كانت الجدة تجلس بالمنتصف تصفق بخرارة والفرحة ترتسم على وجهها، تجلس لجوارها العضو الجديد للعائلة، تجلس لجوارها تستند على كتفها وتحتضنه بأمان وراحة، تنظر لوجوه الجميع من حولها السعادة طاغية، ظنت للحظات أنها ستكون مرفوضة، ولن يتقبلوها معهم; ولكن كيف هذا وهم تقبلوها قبل أن يعلموا أنها جزء منهم; كيف بعدما تأكدوا أنها منهم، نظرت نحو شقيقتها الحبيبة التي كانت تجاري النساء بحياء، وابتسامة مليئة بالحياء، أما الجميلة هنا فكانت في قمة سعادتها، كانت تعيش لحظات سعادتها بكل سعادة وفرحة،
حنان: عقبالك يا حبيبة عيني، وربنا يمد في عمري لحد ماشوفك أجمل عروسة في الدنيا
تنظر لجدتها بحب وأمان،
جنى: مش دلوقتي يا تيتا، انا عاوزة استمتع بكل لحظة وسط عيلتي وأهلي اللي اتحرمت منهم، عاوزة افرح وسطهم يا تيتة، عاوزة استمتع بالأمان في حضنهم
تتحدث الجدة بحنان وهي تربت عليها: عيشي بكل راحة وأمان، احنا كلنا هنفضل معاكم لآخر يوم في عمرنا
قطع حديثهم جنون هنا وهي تسحبها من يدها لتشاركها فرحتها، وبالأحرى جنونها السعيد
جلست لجوار والدتها وهي تنظر نحوهم بكل حب وفرحة
فاطمة: ربنا يسعدهم ويكمل فرحتهم على خير، تفتكري يا أمي " حنين" فرحانة دلوقتي ومرتاحة
تنظر لها والدتها بعيون تلمع بها الدموع: مرتاحة يا بنتي، أنا قلبي بيقولي انها مرتاحة
فاطمة: عهد عليا يأمي هحافظ عليهم زي ولادي وأكتر، وعمري مهفرق بينهم أبدا
تربت على يدها بثقة،
حنان: أنا واثقة ومتأكدة من ده يا بنت بطنيمر الوقت سعيدا على الجميع وحانت لحظة الارتباط الرسمي، وقامت والدتهم بتلبيس خواتم الخطبة، وانتهت الليلة بالاحتفال بوليمة لمن حضر احتفال الخطبة، ومر اليوم بسلام، وحان موعد رجوعهم لمنزلهم بالقاهرة، فموعد بدأ الدراسة بعد يومين فقط، وحانت لحظة وداعهم لجدهم وجدتهم اللذان أدمعت عينيهم حزنا لفراقهم، وكذلك خالهم وزوجة خالهم، وانطلقوا لوجهتهم وهي منزلهم وحياتهم القادمة

بعد مرور يومين كانوا يرتبون فيها خطواتهم القادمة، وتم تجهيز كافة الأوراق اللازمة لنقل اسم "جنى" لوالدها الحقيقي، وذهبت للعيش في منزل والديها مع إخوتها، وفضلت البقاء مع توأمتها بالغرفة الخاصة بها، لم تشأ الانفصال عنها، كانت سعيدة بوجودها وسط عائلتها التي تحبها وتقدرها، وتستمتع بحنان الأم الذي لم تعرف ماذا يعني إطلاقا منذ صغرها، في صباح أول يوم لبدأ الفصل الثاني من الدراسة، استعدوا جميعا للذهاب لجامعتهم، لكن كان هناك قلقا يسربلها،
لاحظتها توأمتها لتقترب منها بابتسامة مطمئنة، تحاول بث الأمان والاطمئنان داخلها،
رؤى: جنى حبيبتي ممكن تهدي ومتقلقيش، الموضوع مفيش فيه أي حاجة، ومحدش هيسأل عن حاجة; لأن دي حاجة متخصش حد، ثاتيا لازم يكون عندك ثقة في ربنا وقتها هيكون عندك ثقة في نفسك، وبعدين كلنا جنبك، وانا معاكِ وهنا كمان، مش عاوزاك تقلقي
كانت تتحدث وهي تضمها من كتفيها، تنظر لها نظرات الغريق الذي وجد طوق نجاته، لتتحدث بتبرة مهزوزة،
جنى: أنا متوترة يا رؤى، وخايفة، حاسة إن الكل هيحملني الذنب في اللي حصل، حاسة إن.........
رؤى: اوعي تكملي يا جنى، احنا مجني علينا مش جانيين، احنا اللي اتظلمنا، واتحرمنا من أبونا وأمنا، واتحرمنا من وجودنا في وسط أهلنا، واتحرمنا من حياتنا واتعذبنا، وشفنا الويل كله، عاوزة الناس تحملنا الذنب، فوقي يا جنى، خلاص ربنا أراد يجمعنا بعد كل العذاب ده، تفتكري ربنا مش رحيم بينا
يقطع حديثها أخيها الذي استمع لحوارهم من البداية،
محمد : انا مش هزود على كلام رؤى كتير يا جنى، بس لازم تعرفي اننا بالفعل اتظلمنا ولو حد فكر انه يوجه لنا مجرد كلام لازم نوقفه عند حده، لازم نوقف أي حد يتكلم مجرد كلمة تأذينا نوقفه بمثلها، ودلوقتي يلا عشان "هنا "" وسليم " مستنينا من زمان وكدة هنتأخر
✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍
دقائق قليلة وكانوا يهبطون الدرج، وبعد فترة من الوقت تجاوزت الربع ساعة قليلا، كانوا في طريقهم للجامعة، وصلوا وبعد دخولهم الجامعة
سليم: محمد البنات هيدخلوا وانا وانت نخلص الأوراق دي
محمد: ماشي يلا يا بنات اتوكلوا انتوا على الله واحنا هنخلص الأوراق كلها متقلقوش
هبطوا جميعا وتوجه كلٌ منهم لوجهته، أثناء سيرهم أوقفهم صوت هز قلوبهم
.........: جنى استني
نظرت له بقلق شديد من وجوده في هذا التوقيت،
جنى: نادر.....
لاحظت هنا توترها فقررت أخذ دفة الحديث بدلا عنها: خير يا أستاذ نادر.. حضرتك عاوز حاجة!
نظر لها ثم عاود نظراته لها مرة أخرى،
نادر: انا عاوز اعرف اللي حصل بالظبط، وبابا ايه اللي خلاه يقتل طنط شمس، انا عاوز افهم ايه اللي حصل!
تناقلت نظراتهم بين بعضهم البعض، ولكن أنقذهم من هذا الوضع صوت دوما عرف لهم أنه ملجأ الأمان وهو"الأخ"
محمد: انا اللي هقول لك علي كل حاجة يا أستاذ نادر، محدش من البنات يعرف أي حاجة، اتفضل معايا انا وسليم وهنشرح لحضرتك كل حاجة، اتفضل معانا، انتوا روحوا محاضراتكم يابنات
ذهب معهم نحو إحدى المقاهي القريبة من الجامعة، وبعد مدة قصيرة من جلوسهم بدأوا الحوار الذي كان ثقيلا عليهم كالدهر، بادر سليم وبدأ دفة الحديث
سليم: أستاذ نادر ممكن اعرف سؤالك ده وراه اتهام ولا حضرتك تقصد ايه!
نادر: انا عارف ان بابا هو اللي قتل طنط شمس، حضرة الظابط عدي فهمني كل حاجة; لكن في حاجات كتير مش فاهمها، ايه سبب اللي حصل وليه وكل حاجة بتحصل دلوقتي، انا مختاج افهم عشان شعور الانتقام ميكبرش جوايا
نظر له مخمد بهدوء، يدرك حقيقة شعوره لذا يجب عليه توضيح الصورة كاملة حتى لايكتسب عداء ليس له يد فيه
محمد: عارف وفاهم كل كلامك كويس اوي، انا هقلك كل اللي حصل من أول مشفت والدك ومعاه مدام شمس وهما واقفين شمتانين في موت ابويا وأمي بعد متسببوا في موتهم....
مر الوقت وهو يستمع للقصة من بدايتها، لايستطيع التصديق أن والده ارتكب أفعالا بمثل هذه البشاعة، كيف طاوعته نفسة لقتل أرواح بريئة، ولما كل هذا الأذى، الآن فهم وتوصل لكافة الخيوط، حديث والدته وهذه الحقيقة، زعزعت قلبه
بعد إنتهائه رفع بصره بعيون طغى عليها الدمع
نادر: كنت فاكر اني ممكن الاقي حاجة متهزش مكانته عندي، بس لقيت الأصعب من اللي عرفته، انا كان عندي أمل ان اللي عرفته يكون كذب; بس طلع حقيقة، انا مش عارف اقول ايه.. بس انا اسف على كل اللي حصل
سليم: شوف يا نادر لازم تعرف ان مهما حصل ممانة والدك عندك لازم تفضل زي مهي، هو والدك وده عمره مهيتغير، لكن اللي حصل زمان نقدر نصلحه ونبني عليه الجديد، بس نبنيه على نضافة
محمد: نادر انا قلت لك اللي حصل كله مش عشان اهز صورة والدك; بالعكس انا قلت لك عشان ميكنش بينا عداوة جديدة احنا مش حملها، وفي غنى عنها، لأننا بجد تعبنا
نادر: انا عمري مكون عدو ليكم مهما حصل،لو جينا نشوف الحق لمين.. هتلاقي الحق علينا ليكم، انا اسف مختاج امشي.. عن إذنكم
تركهم وغادر فلم يستطع البقاء في دائرة الاتهام أكثر من هذا
سليم: تفتكر ايه اللي هيحصل!
محمد : مش هيحصل حاجة متقلقش، هو مقدرش يتحمل ذنب الاتهام، بس هو مش شخص شرير، هو مصدوم

مرت الأيام عليهم سعيدة وعوضهم الله عن الحب والحنان الذين افتقدوهم، ومرت الأيام عليهم بخير إلى أن انتهت شهور الدراسة وقرروا اتمام الزواج وتمت فرحتهم
انتهت بحمد الله هتوحشوني ومعلش لو اتأخرت لس ده لظروف شهر رمضان وكل عام وانتوا بخير جميعا
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي