2

عودة للاحداث امام الأكاديمية، وفي مكان يختلف كثيراً، عن الذي كنا فيه.

نهضت رايما عن الارض تنفض ما ترتديه و تنظر لمن يقف امامها و هي تتأوه من الخدوش التي حدثت لها بسبب السقوط: اوه، انا سوف اقتلكم جميعاً ايها الحمقى الملاعين!

ثم رفعت بصرها فلمحت اولريك و هو يهرب وشعره الاشقر لفت انتباهها: انت، عد الى هنا الى اين تظن انك ستذهب؟

تعجب توماس من انصراف اولريك المفاجئ و تعابير بولين الميتة، ليتحدث مستغرباً: ماذا هناك؟

نظر بولين اليه و عيناه تكاد تخرج من مكانها و لا يقول اي شيء، فقرر ان يحافظ على صمته و يهرب هو الاخر مبتعداً، لكن توماس قرر البقاءفي مكانه، واثقاً من نفسه وينظر اليها بأحتقار.

يتحدث بنبرة غاضبة مؤنباً لها: انت تستحقين ذلك، لا اعلم مالذي وجده بذات شعر اشعث ومجعد مثلك. انتِ حتى لا تناسبين فارساً لتحظي بشرف مرافقته، او الاقتراب منه، ايتها السحلية!

ثم لاحظ فستانها المرفوع عن ساقيها ليزداد انفعالاً بنبرته: هه انظروا الى هذه؟.. العديمة الحياء!، انت لا تخجلين حقاً! اليس كذلك؟

استقامت رايما لتقوم بفتح عقدة فستانها لينفرد و يغطي ساقيها وتلتحم اطرافه بالارض، بينما تتحدث اليه بنفاذ صبر: اوه حقا؟!

توماس يرفع حاجبيه و يلف ذراعيه حول صدره بقوة: حقا.

رايما: مالذي تتحدث عنه بحق خالق السماء ايها الغبي القصير القامة؟

ضحك توماس بسخرية: هه انا لستُ قصيراً، انا مازلت في السادسة عشر و بقي لدي عامان لأزداد طولاً بهما،  ولكن انت فتاة سافلة و سيئة السمعة تتصرف على انها نبيلة ذات شأن، هذا ما اتحدث عنه ايتها المخادعة.. المشعوذة.

تنفست رايما بغضب بينما تقف في مكانها تفرغ فمها بينما عيناها مركزة بالنظر اليه و حفظ تفاصيله وتكاد تخرج لكي تفترسه و لا تترك من اثره شيئاً. و من شدة صدمتها بما نعتها به الان لم تنبس بحرف بل كورت قبضتيها بغضب.


بعد دقائق معدودة، يقف الثلاثة على حائط في المَمر، توماس، بولين وأولريك. اصدقاء و شركاء سكن في مدرسة داخلية تدعى (اكادمية نورن) مختلطة فقط في مكان الدراسة والتعليم، واما اماكن النوم و السكن يبقى الفتيان في مبنى و الفتيات في مبنى اخر. بينما مبنى المدرسة يتوسط البنائين.

تحدث توماس رافع كفيه قرب اكتافه: حسنا، حسناً، لم اعرف انها لم تكن الفتاة ذاتها، انتما تفهمان جيداً ما يعنيه هذا.

حدق بولين بتوماس و تحدث ب انزعاج:  الحق ليس عليك، بل على من وثق بك.

وضع اولريك يديه خلف رأسه و استند بجذعه العلوي على الحائط خلفه: اهدئا انتما الاثنان فـبكل الاحول هذه هي النتيجة.. الم تخبره ان ينعتها بالسافلة؟

شعر توماس بدعم صديقه: اجل هو اخبرني.

ثم تبدلت ملامح وجهه للحزن: لكنها بريئة، الان ضميري يؤنبني، لقد نعتها بأشياء عدة مثل سحلية و مخادعة، لقد وجهت لها اتهامات عديدة ومخجلة، اظن انه سيتم اخضاعي لمحاكمة عسكرية، بسببكما انتما الاثنان.

نظر الإثنان اليه بإنزعاج ليتحدث اولريك:  فليؤنبك ضميرك علينا نحن ايضاً. نحن صديقاك و شريكاك ، ولن يتم معاقبتك لوحدك ايها الجبان.

جعد توماس شفتيه بعدم رضا ثم نفث كلماته في اذن اولريك الذي تضايق من حرارة انفاس الاخر على اذنه: ليس و كأنك لم تتعود على هذا بعد ..! و انت هو الذي كنتَ توقعنا بهذا النوع من المشاكل دائماً.

قام اولريك بدفع توماس لينزل الاخر عن اصابع قدميه والذي كان يستخدمها لرفع نفسه لاجل ان يصل لطول اولريك، فوقف بشكل مستقيم بينما بولين يكاد ان يختنق من كتمه لضحكته.

حينها خرج المعلم البرت من الادارة ليقف امامهم وهو يحمل كتاب سميك جداً بين يديه.

فتحدث بعد ان نظر اليهم على التوالي من خلال نظاراته الطبية و هو يبتسم بإشراق: صباح الخير ايها الفتيان، مبارك لكم تنظيف المستودع قبل نهاية المدرسة.

سعل بولين فتحدث: انا لدي حساسية من الغبار .

لم يدعه اولريك ينعم بتمثيله: انه كاذب.

ابعد بولين يده عن فمه و توقف عن التمثيل لينظر الى اولريك بغضب.

فظهر صوت توماس يقاطع نظرات التحدي فيما بينهما و هو يحدث المعلم:  معلم البرت. من تكون تلك الانسة؟

ابتسم البرت و تحدث بهدوء شديد و هو ينظر في عيني توماس: انها تكون ابنة صديقي.

ابتلع توماس لعابه و بلل شفتيه بينما يفكر انه اصبح في ورطة دون ادنى شك.

فنظر البرت الى الساعة التي اخرجها من سترته، يتأهب للمغادرة بينما يتحدث معهم: لا تظنوا بأن الامر أزعجني فقط لانها ابنة صديقي ولكن.. ما فعلتوه هو تصرف غير لائق لأي أنسة.

انتم ايها الفتيان عليكم ان تتعلموا كيف تكونوا لطفاء مع الجنس اللطيف.

:اوه انا لطيف جداً، صدقني ايها المعلم . . !
تحدث اولريك بغرور ليجعل اصدقاءه يغصون بضحكاتهم التي يكتمونها.

نظر البرت  اليه و هو يعلم تماماً كيف يقوم ب اغاضته: احب ان اشاهد لطافتك.. و انت تنظف المستودع وترتب الكتب في القبو الذي يكون اسفل هذه الارض.

ثم دق البرت بقدمه على الارض ليصدر احتكاك حذاءه فيها صوتاً خفيفاً و اكمل:  و قبل ان اذهب، دعوني اخبركم ان هناك عناكب ايضاً واتمنى ان تكونوا لـطفاءً معها كذلك.

شدد المعلم البرت على كلمة لطفاء و تحرك مبتعداً و هو يمسك كتابه في يده التي ضمها لمعدته.

بعثر بولين شعره القصير و تحدث بحنق: سحقاً. هذا ما كان ينقصني!

فضحك اولريك بـ توتر و هو غير مصدق لما سمعه ثم لحق بالمعلم ليتحدث معه بصوت منخفض:  خالي! ماذا انت فاعل؟ ارجوك اجعل هذا الامر يمر اليوم.

توقف المعلم البرت، ثم دفع نضاراته الطبية نحو عيناه بينما ينظر الى الاخر و يتنهد: انا لست خالك في المدرسة، ربما خارجها انا كذلك، لا تستخدم هذه الكلمة في هذا الموقف.

:ماذا ؟ انا اعيش هنا منذ الابد،  لم تجعلني اشعر يوماً انني مميز.

قال اولريك و هو يؤشر ب اتجاه نفسه.

البرت: لانني معلم، و علي ان اعامل الجميع ب إنصاف.
ثم  اكمل البرت طريقه مباشرةً.

لحق به الاخر معترضاً: اوه لا، انت لن تذهب الان و تتركني انظف المستودع القذر و الممتلئ بالغبار و الفئران.

وضع البرت ابتسامة جانبية على شفتيه:  والعناكب. يجب أن تكون راضياً، اذ اراد المعلم جاك ان تنظفوا الاسطبلات. و هناك عشرة منهم.

يجب ان تشكرني لانني اقترحت مستودع الكتب وتشكرني مرة ثانية لانني اقنعت المدير ان يوافق على اقتراحي.

شعر اولريك بالرضا: يا الهي شكراً لك، ولكن كيف اقنعته؟

البرت: لقد اخبرته انكم بعد التنظيف سوف تحظرون الكثير من الجراثيم من براز الحيوانات معكم. لذلك انت يجب ان تشكر الله لان المدير وافق بعد ان قمت بإقناعه بصعوبة.

زفر اولريك الهواء من فمه و تحدث برضا:  الحمد لله

ثم توقف  في مكانه يشاهد البرت و هو يتقدم والذي يبدو عليه الانشغال. فمرت رايما من قربه لتنظر اليه بحقد و غضب.


ولأنه شعر بهالتها القاتلة استدار ليقابل وجهها ثم تحدث معها رافعاً ذقنه و معيداً لرأسه من الخلف: ماذا تفعلين هنا ايتها الانسة؟ انت لست طالبة في مدرستنا حتى، اليس كذلك؟.

لفت رايما يديها حول صدرها و نظرت اليه بدونية لتتحدث وشفتيها تلتوي ب امتعاض: انا جديدة، وقد نلت ترحيباً حاراً ومبهجاً جداً منكم ايها الشبان.

اضاف اولريك ضحكة خجول مصطنعة: اااه هذا ..  انااسف بشأن هذا أنستي. لكن ربما السبب يعود لعدم قدرتك على الانتباه، فمن تعمدنا ان نوقع بها غبية بعض الشيء. لكنك وقعتِ بدلاً منها و اظن انها ليست مجرد غبية بل محظوظة كذلك.

رفعت رايما حاجبيها و تحدثت بنبرة مهددة: و سافلة!؟

لم يصدق اولريك انها تلفظت بهذه الكلمة فكتم  ضحكته وتحدث بعد ان افرغ صوته و كفه مغلقة امام فمه: أأحم، المعذرة؟

رايما: انه الاسم الذي اطلقه علي صديقك الاحمق، القصير ذاك، مع اسامي عدة لا اتذكرها مرفقة بإتهامات مشينة و باطلة بحق انسة مثلي.

هز اولريك رأسه بتفهم ثم بلل شفتيه ليضيف: اذاً  هذا الشخص يكون صديقي توماس، و نحن نعتذر بشأن هذا ايضاً.

هزت رايما رأسها للجانبين وعدم رضاها كان واضح جداً بسبب ملامح الغضب التي تكسو وجهها.

تعقد حاجبيها و تنظر اليه بحدة، بيننا عضام فكيها تطحن بعضها.

طال التواصل البصري بينهما و شعر اولريك بكره شديد يخرج مع هالتها.

:يا للفتيان!

تحدثت بذلك و هي تضيق شعاع عينيها نحوه، ثم استدارت عن اولريك و انصرفت، ليعود اولريك ادراجه الى اصدقائه و هو متعجب من ما حدث.

بولين: هل حدث معك شيء جديد؟

اضاف توماس قبل ان يجيب: ارجوك اخبرنا اننا لن ننظف ذلك المكان.

اطلق اولريك ضحكة ساخرة: انت من ستنظفه، انا متأكد ان شتيمتك لها هي السبب.

عقد توماس حاجبيه بحزن: انا لم اكن اعرفها، ثم انه انت من اقترح هذا الفخ

اولريك يؤشر باصبعه نحو بولين: هو من اشتكى كالنواحات من معاملتها له.

نظر توماس و اولريك الى بولين ليتحدثا في الوقت نفسه: انت من يجب عليك ان تنظف المستودع ..

بعد عدة دقائق ..

اصبح الفتيان الثلاثة في المستودع يحملون عصي المكانس و يغطون نصف وجوههم بقطع من قماش.

فقال اولريك: اظن ان هذا افضل من حظور درس المعلم جاك.

حرك بولين كتفيه للاعلى: معك حق !.

توماس يتذمر:  يا الهي، اتمنى ان لا اصادف شيء غريباً.

رد بولين عليه: شيء مثل ماذا؟

اولريك: مثل جرذ كبير، او عنكبوت؟

ثم اشر على كتف توماس: و بالمناسبة هناك عنكبوت على كتفك.

فصرخ توماس ذعراً و بدأ ينفض عن كتفيه: اين .. اين ؟

ضحك الاثنان عليه فعرف انها مجرد خدعة. ثم وجه كلامه لأولريك:  ماذا؟ هل انت بالثامنة من عمرك حتى تقوم بهذه الخدعة السخيفة؟

ضحك اولريك: انت هو من يخاف العناكب.

توماس: انها فوبيا، لا دخل للعمر في هذا الشيء، لا يمكنني المساعدة مع ذلك ايها الاحمق.

صفق بولين بيديه يعلن البدأ في العمل:  حسناً حسناً، دعونا ننتهي من الامر بسرعة.

اعاد الثلاثة قطع القماش فوق انوفهم وبدأو بالتنطيف، كانوا فوضويين بشكل كبير؛ اذ لا يوجد لديهم تنظيم ولا يعلمون من اين يبدأون و كيف سينتهون.

ومرت ساعتان بين ضحك و انزعاج فيما بينهم. وبين أوامر من اولريك الذي قرر ان يوجه عملية التنظيف في النهاية.

أولريك: هذا المستودع كبير جداً! ، ربما بحجم المدرسة.. يا اصحاب فلنتوزع الان، هيا حركوا مؤخراتكم الصلبة ايها الفرسان.

رد توماس بينما ينفذ اوامر الاخر: انا اصغر منكما بعامين ما كان يجب ان اكون هنا؛ لكن العقوبة تحدد حسب الكثرة. هذا مشين.

اجابه بولين و هو يتكئ على عصى المكنسة: الم تكن تشتكي خوفاً من المحاكمة؟ اظن انك تعلم جيداً ان هذا افضل، تحرك دون ان تزعج اذني اكثر من ذلك.

توجه اولريك الى قسم اخر بينما يسمع شكاوي توماس من بعيد، فتعثر بكتاب يكسوه الغبار، ثم نزل على الارض و اخذه.

عندما فتح الكتاب وجده قديماً جداً ليرفع نبرة صوته و يسأل اصدقائه: يا رفيقاي، في اي عامٍ نحن؟

جاء صوت بولين من بعيد: 1870 لماذا؟

رد اولريك عليه بصوت عالي كذلك وهو مذهول من تاريخ الكتاب:  لقد وجدت كتاباً قديماً جداً، انه منذ 30 سنة.. يا الهي!

تحدث توماس بتعحب:  يا الهي! هل كانوا يدرسون حتى؟، وانا كنت اتمنى لو انني خلقت في زمن قديم. كالقصص التي يحكيها لنا اولريك.

ابتسم بولين بينما يعمل يسخر منه: و ماذا ستكون؟ فارس؟

اومئ توماس برأسه  وقال بفخر: و لماذا لا اكون؟ الان انا فارس. وانا بارع في حصة الفروسية هنا.

رد بولين عليه: كلنا كذلك. المملكة تحتاج جنوداً في المستقبل؛ لهذا يتم تدريبنا، نحن اليتامى و بشكل صارم.

اجابه توماس بخيبة: انا لا اشعر انني يتيم بينكما.

ظهرت ابتسامة بولين الواسعة من خلف قطعة القماش: حسناً، لا تقلب الامر الى دراما لقد قلت ذلك للتعبير.

تنهد توماس  وقرر ان يكمل حديثه: صديقي انظر الى الامر الايجابي، لدينا مكان ننام فيه، ندرس ويتم الانفاق علينا، من طعام، رداء وعلاج. ويتم تأمين مهنة لنا كجنود في المستقبل، هكذا اشعر انني لا اريد ان اغادر هذا المكان مطلقاً.

بولين: لكن انا اريد. و صدقني عندما أُتم سن الثامنة عشر سأذهب و لن اعود.

تحدث توماس معترضاً: و الى اين تنوي ان تذهب؟

بولين: الى البحر..

توماس: ماذا حدث بالاحلام التي كنا نخطط لها بأن نصبح فرسان ولي العهد؟

بولين: لقد غيرت رأي منذ فترة وجيزة

توماس: منذ ان رحلت هي؟

بولين: غير الموضوع لو سمحت.

في هذه الاثناء بعد ان غاب صوت الاثنان، بدأ اولريك بسماع صوت غريباً كـ الوميض.

فضيق عينيه وتناسى اصوات اصدقائه؛ ليركز اكثر في الصوت، و قرر ان يعرف من اين يأتي ؟

اغلق الكتاب الذي بين يده و انغمس بمسيره في الظلام الى الامام.

شعر كما لو انه يناديه، و كلما اقترب منه وضح الصوت اكثر "تعال إلي". اقشعر جسد اولريك واصابه الذعر لكنه لم يستطع ان يتوقف.

-من ؟

سأل اولريك كما لو انه يحدث شخصاً.

صدر الصوت مجدداً كالفحيح في اذنه "انا قدرك"

-قدري ؟

نظر اولريك امامه، فوجد انه انتهى بالوقوف امام زاوية ممتلئة بالكتب المكدسة فوق بعضها. فبدأ يقلب بينها بينما يسمع الصوت ذاته "جدني" شعر ان عليه ان يجده كما طلب منه، رغم شعور الخوف الذي يقترح عليه الهروب.

وصل اخيراً الى يديه كتاب كبير و قديم، يبدو غلافه ممسوحاً بلمعة من الفضة فحدث نفسه ما هذا الكتاب؟ لقد اختفى الصوت!

ثم نادى بصوت عالِ : مرحباً ..  اين ذهبت ؟

لم يأتيه اي رد فهمس لنفسه: الهي يارب السماوات! هل فقدت عقلي حتى اتي الى هنا وحيداً؟

ثم سمع اولريك صوت الوميض من جديد؛ ليشعره بتوتر اكبر. فابتلع رمقه و مسح العرق الذي جعل شعره الاشقر يلتصق  بجبهته و جانبي وجهه.

وشعر برغبة كبيرة تدفعه لفتح الكتاب و عندما فعل ذلك لم يرى اي كلمات "ما هذا؟"

ثم بدأت الكلمات تظهر بالتدريج سطر خلف سطر صفحة تلو صفحة، وبدأت صفحات الكتاب تنقلب لوحدها بسرعة قوية كما لو ان عاصفة تحركها.

كادت عينا اولريك تخرج من مكانها لشدة الصدمة، اذ ظن ان هناك اشباح تفعل ذلك. فتصنم في مكانه وهو يمسك الكتاب بين راحتي يديه التي بدأت تهتز.

ثم تدفقت الكلمات لتطفوا من فوق الصفحات، فبدأت تصعد و تدور حول رأس اولريك الذي شعر وكأنه سيموت الان.

خرجت المزيد من الكلمات بلونها الاسود تقترب منه،  لتزيده رعباً و ارتجافاً. و عندها فقط اخترقت جسده و دخلت اليه من كل صوب.

صرخ اولريك و سجد على ركبتيه اذ شعر كما لو ان جسده يتم تقطيعه.

تدخل الكلمات من اذنه من عينيه، من صدره ومن فمه. لم يعد قادراً على التفكير بشيء او النطق ب اي كلمة.

فاستمر على هذا الوضع حتى توقفت الكلمات عن الخروج و اختفت من الكتاب مرة اخرى.

شعر اولريك بالهدوء و اختفاء الاصوات من حوله، ثم شعر بالوهن الشديد؛ ليسقط الكتاب من يده بعد ان ارتخت اصابع يديه.

ثم اغمض اولريك عيناه و غاب عن الوعي لينتهي بسقوط جسده على الارض.

وفي هذا الوقت كان صديقاه، توماس و بولين يبحثان عنه و يناديان ب اسمه.

و بعد وقت من البحث اقترب توماس من اولريك مع قنديل صغير، فصرخ منادياً: هذا هو.. انه هنا، بولين انه اولريك تعال بسرعة فهو على الارض

لم ينتهي توماس من مناداته حتى وصل بولين مسرعاً، ليفتح عينيه على اوسعها بعد ان شاهد اولريك على الارض، فجثى على  ساق واحدة و هو يحاول رفع اولريك: ماذا حدث له ؟

توماس مذعور: انا لا اعرف لقد وجدته هكذا!

تمكن بولين اخيراً من وضع ذراع اولريك حول كتفه: ساعدني بنقله من هنا، هيا يا توماس..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي