الفصل الخامس

محمد محاولاً نصحه: أبعد ما أهنت خالها و زوجته تريد أن تفوز بها، اسمع كلامي وخذ بقاعدة أن الباب الذي تأتيك منه الريح ابتعد عنه لتستريح .
رد عليه مازن وقد تذكر جرح رأسه: خذ أنت بهذه القاعة و اذهب من أمامي بسرعة لأني لم أسمع منك حتى الآن سوى الكلام الذي لا فائدة منه، و إن لم تذهب خلال عشر ثواني سأكسر لك رأسك و آمرهم بأن يجلبوا لك سريراً بجانبي، هيا أغرب عن وجهي و لا أريد أن أرى وجهك حتى يوم عرسي. ضحك محمد ثم قال: حسناً لا تغضب هكذا، فالانفعال مضر بصحتك، وتأكد أنك لن تراني حتى يوم عرسك، أقصد جنازتك يا حالم، وذهب محمد وتركه لوحده، وفي صباح اليوم الثاني خرج سليم من المستشفى وأمضى أسبوعا من الراحة في البيت دون أن يسمع أي شيء عن أخته المشاغبة.

منزل حسين بيه

كان الشرر يتطاير من عينيه بسبب خسارته لثلاث صفقات متتالية خلال أسبوع واحد فقط، فقال بذهولٍ تام: مستحيل، مستحيــل أن أخسر ثلاث صفقات في أسبوع واحد فقط، لقد خسرت فيها مبلغاً كبيراً من المال، من هذا اللعين الذي أخذ مني هذه الصفقات يا جابر؟ أجبني قبل أن يكون الموت مصيرك قبله.
جابر بتردد: إنه إنه..صاح فيه حسين بغضبٍ شديد وقد احمر وجهه: إنه من أيها الأحمق؟ هل أصابك الخرس؟ أم أنه الخوف من الذي استطاع أن ينتزع مني هذا المبلغ؟ تكلم قبل أن آمر رجالي بضربك حتى الموت.
جابر بسرعة محاولا تهدئته: اهدأ يا حسين، لا داعي للثورة وخيرها في غيرها وما دمت مصراً سأقول، إنه مازن العزايزى.
وقف حسين مذهولاً وكأن صاعقة وقعت على رأسه و قال: مازن مرة أخرى، كيف حدث هذا؟ ولماذا؟ كيف استطاع أن ينتزع منكم هذه الصفقات أيها الحمقى؟ ومن؟ آه، لحظة لحظة يا جابر، هل تعتقد أني غبي حتى تضحك علي؟ أيها المحامي الذكى، تحرياتي أثبتت أن الذي فاز بالصفقات محامي مثلك و ليس رجل اعمال، هل تعتقد أنني ساذج حتى تأتي وتقول لي أن مازن هو من حصل على الصفقات؟ ماذا أفعل بك الآن يا كاذب؟ اختر مصيرك فأنت تعرف ماذا يحدث للذي يخونني، أو يكذب علي، أو يخدعني من رجالي، أمامك دقيقتان فقط.
نظر إليه جابر طويلاً، ثم قال وهو يبتسم: أيمكنني الاتصال بصديق! زاد غضب حسين عليه وقال: أتسخر مني؟ حسنا، يا رجال. قاطعه جابر بسرعة قائلاً:وما الذي تريده مني غير السخرية؟ فأنا لم أخنك ولم أكذب عليك حتى تأتي المرحلة الأخيرة من حياتي على يديك وبالاختيار أيضاً! يا حسين، المحامي الذي كسب الصفقات هو محمد صديق مازن المقرب لديه و الوحيد له هنا وهو محاميه الخاص و ساعده الأيمن و حافظ أسراره ومازن متعود عندما يتعامل مع تاجر لأول مرة أن يضع هذا المحامي مكانه و يكتب الصفقات بإسمه حتى إذا فاز محمد، يصبح مازز و كأن لا دخل له بما حصل، ثم هز جابر رأسه بأسف و أكمل قائلا: مازز أخذ هذه الصفقات و حصل لك كل هذا، فماذا ستفعل لو عرفت ما فعله بك وما نشر عنك في الجريدة و صورتك بجانب صورته؟ حسين باهتمام: ماذا فعل هذا الـ.. مرة أخرى وما الذي نشره عني؟ جابر بخوف: سأقول ولكن لا تغضب مني، لقد نشر صورته و صورتك في الجريدة في الصفحة الأولى و أعلن أنه سيتم عقد القرآن بينه وبين ابنة أختك في الشهر المقبل وأن الشهود أنا ومحمد ولقد نشر صورنا أيضا وكان هناك صورة لخاتم الخطوبة الذي سيقدمه لها وهو من الألماس و يقدر بالآلاف و قد صنع بفرنسا، ولقد بارك له عدد من الوزراء هذه الخطوبة، وقال أيضاً أن الدعوة عامة لأنه سيكتب الكتاب و يعمل العرس في نفس اليوم أي بعد شهر من الآن في منزله الكبير.
بعد صمتٍ طويل قال حسين بهدوء كبير استغرب منه جابر كثيراً: نفذ يا جابر ما سأطلبه منك دون زيادة أو نقصان، فلسوف أجعله يدفع ثمن وقاحته و تطاوله علي وعلى ابنة أختي غالياً جداً، اذهب إلى منزله الكبير واحرقه بمن فيه و أقتل مازن ومحمد معه، خذ من الرجال ما شئت ولا تبقي في منزله شيئاً صالحاً للاستعمال أبدا، وعندما تحرق المنزل أخبره أن حسين بيه دائماً هو المنتصر في اللحظة الأخيرة و أن الذي يصارع ضد الموت يكون خاسراً دائماً، فأنا الموت بالنسبة له، وأنه إذا ظل حياً بعد شهر من الآن، ستكون ميار زوجة له، لكني سأتبرأ منها و من ابنتها، وأنت أعمل خلال هذا الشهر على قتله و قتل كل من له صلة به، أريدك أن تحضر لي جثته حتى و لو كانت رماداً أفهمت يا جابر؟ لا تدع له أملاً في الحياة، وسترى يا مازن، ستتمنى الموت ألف مرة على أن تتحداني.
جابر بثقة و إصرار: اطمئن، موت جابر لن يحتاج إلا ليومين أو بالأكثر أسبوع.

فى منزل مازن العزايزى

كان مازن يشرب الشاي بهدوء و كأنه لم يفعل شيئاً و تحت عند قدميه كانت تجلس محبوبته شوشو، بجسمها الممتلئ و عيناها الخضراوان و شعرها الأبيض الناعم الذي يصل لأسفل قدميها و كان محمد واقفاً ينظر إليه بغضب و ذهول شديد، ثم انفجر محمد كبركان هائج و قال بغضبٍ شديد لم يستطع إخفاءه:مااااازن، اشرح لي لما فعلت هذا! هل تريد قتلي؟ في البداية جعلتني آخذ لك الصفقات من حسين فقلت لا بأس هذا من اختصاص عملي، مع أنك لست في حاجة للمال لتفعل ذلك، والآن جعلتني أشاركك في جريمة لم أعلم عنها شيئاً إلا من الجرائد؛ فأنت لم تخطب ميار ولن تتزوجها أبداً و رغم ذلك نشرت صورتك وصورة حسين في أول الصفحات، و حتى يتعرف علي رجال حسين نشرت صورتي معك، هل تعتقد أني لا أستطيع الحياة بدونك؟ والآن تجلس بكل هدوء و تشرب الشاي و كأنك لم تفعل شيئاً و بجانبك هذه القطة السمينة البغيضة، لا تنسى أن لدي حساسية من القطط لذلك يجب أن تتخلص منها، ويجب أن تتذكر يا سيد مازز أنني أب ولدي أُسرة مكونة من زوجة وولدين وبنت وسبع أخوات مع أمي و أبي، ولا أعتقد أني مستعد للموت نتيجة اعتراف أحمق منك.
رمقه مازز بلا مبالاة كعادته، ثم قال بهدوء واسترخاء بعد أن أمسك بـ شوشو وأخذها في حضنه وأخذ يمسح رأسها: هل جننت حتى تطلب مني هذا الطلب الرهيب؟ كيف طاوعك قلبك أن تأمرني بالتخلص من شوشو، أنت تعرف أني أحبها كثيراً و لا أستطيع الاستغناء عنها، لذلك جلبتها من فرنسا معي، إنها عندي منذ سنتين و هي هدية من ساندى وهايدى بنات أخي رحيم، ولا يهون علي أن أتخلص منها لأن رقيقاً مثلك يصاب بالحساسية من الحيوانات، ثم لماذا كل هذا الغضب و الانفعال يا صديقي، تذكر يا محمد أنه إذا جاءك الموت، فلن تستطيع الاستعداد له، وإذا توفيت اطمئن فأنا سأتكفل بعائلتك وسأزوج بعضاً من شقيقاتك إلى إخوتي، و رغم أنني لا أريد زوجة فوق ميار، إلا أني سأتزوج أرملتك، و أولادك سأكون أباً لهم، وسيكونون بالنسبة لي مثل ابنة ميار؛ أي مثل أولادي، ثم ضحك بقوة وأكمل: هيا الآن، لا تخف أيها الجبان، حسين لن يستطيع فعل شيء بنا.
محمد بانهيار تام: هل أصفق لك أم أبكي عليك؟ بعد كل الذي فعلته تسخر وتضحك! على فكرة مزاحك سخيف، و أثقل من دمك لم أرى حتى الآن، أخبرني الآن و دع سخريتك وعدم مبالاتك جانباً، ماذا سنفعل حتى لا يقتلونا؟ هل سنهرب إلى فرنسا؟ صاح فيه مازن: ماذا جرى لك أيها التافه؟ كأني أراك لأول مرة! و كأن رجال حسين الآن بجانبك وأسلحتهم في عنقك! اهدأ وضع يديك في ماء بارد، ولا تخف فأنت بجانب مازن العزايزى، ومازن لم يتعود على الهرب من أحد، بل المواجهة وبكل نتائجها حتى ولو كان الخصم حسين بيه الذي تحسب له ألف حساب يا جبان.
محمد بعناد: قل عني ما شئت، فأنا لا يخيفني شيء في الدنيا أكثر من عبارة "أنت بجانب مازن العزايزى" هذه، ولكن اعذرني يا مازن فلا أنت ولا رجالك الذين لا يبلغون عدد أصابع اليد الواحدة تقدرون على حسين، و..ثم توقف محمد عن الكلام، وقال بهلع كبير وهو ينظر إلى الدخان المحيط بهم: ألا تشم شيئاً يا مازن؟ أنظر إلى الدخان! يا إلهي! النيران تأكل المنزل بأكمله، افعل شيئاً، سنمووت.
كان جابر واقفاً خارج منزل مازن وهو ينظر إلى النيران التي تلتهم المنزل، ثم أخذ مكبر صوت من أحد رجاله المحيطين به، و تكلم إلى مازن الموجود بالقصر المحترق، و قال في لهجة لا تخلو من السخرية: أرجو أنك لم تمت بعد يا مازن؛ حتى تسمع وصية عمك المستقبلي حسين، فهو يقول لك إن استطعت البقاء حياً من اليوم و حتى شهر، فسوف تأخذ مرادك و تتزوج من ميار بعد أن يتبرأ منها و من ابنتها، و لكن خذ في بالك أنه إذا عشت و نجوت من هذا الحريق، فأنا لك بالمرصاد، وتذكر أن حسين لا يهزم أبداً، ثم أطلق ضحكة كبيرة سمعها محمد من داخل المنزل المحترق عندما كان يحاول أن يوقظ مازن بعد أن ارتطمت إحدى الأعمدة برأسه وسببت له جرحاً بليغاً وأفقدته وعيه، فقال محمد و الخوف مسيطر عليه: هيا قم، انهض يا مازن، انهض وواصل غرورك، ليتك سمعت كلامي وسمحت لنا بالهرب،
أنظر ماذا حدث لك بسبب عنادك، جابر الآن يهددك وأكيد أنه يقصدني معك، هيا قل جملتك المعتادة، لا تخف أنت بجانب مازن العزايزى، نهض مازن متثاقلاً والدماء تغطي وجهه وملابسه، و قال بلهجة أغاظت محاميه: نعم، مازلت مع مازن، فكف عن خوفك، لقد جهزت لهذه اللحظة، هناك قبو في المنزل وبه باب يؤدي إلى الخارج، هيا ساعدني قبل أن تأكلنا النيران، أما جابر فدعه الآن و أنا سأعلمه من مازن وسألعب معه كيفما يريد، هيا.

بعد ساعتين

كان جابر عائداً إلى منزل حسين وهو فخور بنفسه، وعقله يدور حول المكافأة التي سيحصل عليها من حسين، وعندما وصل إلى بوابة الحديد المحيطة بالحديقة وأراد الدخول، وقف في وجهه الحارس محرم ورفض فتح البوابة ولم يسمح له بالدخول، فقال له جابر: ان علم حسيت أنك تمنعني من الدخول، فسوف يقطعك إرباً، هيا أيها الأبله، افتح ودعني أبشره وأخد مكافأتي، بسرعة حتى لا يغضب.
رد عليه الحارس ببرود: اطمئن، لقد تبشر السيد الكبير بما فعلته، وهو بنفسه أمرني أن لا أدخلك، والأفضل لك أن تذهب وتنسى المكافأة، لأنها ستكون كبيرة ولن يستحملها قلبك المسكين وربما سيكون مصيرك في النهاية مصاباً بالأمراض مثله.
رد جابر بغضب: من أخبره؟ يجب أن أكون أول من يعطيه الخبر، ثم لماذا لا يدخلني؟ طبعاً الآن يتخلى عني بعد أن خلصته من منافسه، وسمع جابر صوت هادئ يأتي من خلف البوابة ويقول" مازن" فنظر جابر جيداً و رأى حسين من خلف البوابة قادماً نحوه، فقال له متسائلاً: ماذا؟
رد عليه حسين بغضبٍ كعادته: مازن أيها الغبي، مازن اتصل بي بالهاتف ليسخر مني وأخبرني أنك قضيت عليه.
جابر بدهشة كبيرة: كيف يتصل بك و يخبرك بذلك؟ المفروض أن الموتى لا يتكلمون و لكن.. قاطعه حسين صائحاً بوجهه: لا يوجد لكن أيها الأحمق، ألم آمرك يا جابر أن تحضر لي جثته و لو كانت رماداً، و لكنك كالعادة غرك فوزك المؤقت، وهذه كنت ومازلت أعتبرها نقطة ضعف فيك رغم قوتك، أتهدد فتحي بأني سأقطعه إن لم يفتح لك؟ أنا الآن سأقطعك يا متفاخر، تريد أن تبشرني أنك تخلصت من مازن يا جابر،أنا الذي سأتخلص منك ولن أرسل من يخبر والديك بموتك، سآمر رجالي أن لا يبقوا فيك و لا عظمة حتى لا يتعرف أحد على جثتك وستكون عبرة لباقي رجالك، ثم التفت جمال إلى الحارس وصاح فيه: ألم آمرك أيها الغبى ألا تكلمه عندما يأتي؟ هل تخاف يا محرم على جابر من أن يمرض مثلي؟ لقد سمعت كل كلامك و لو خالفت أوامري مرة أخرى سيكون مصيرك مثله هل فهمت؟ رد مخرم بخوف: نعم يا سيدي مثلما تأمر.
رد حسين: هيا الآن افتح له البوابة و أمر باقي الرجال أن يأتوا لكي أجعلهم يكافئوا جابر الشجاع لأنه أحرق منزل مازن و لم يفكر للحظة واحدة أن ذلك المنزل الكبير يمكن أن يحتوي على باب خلفي أو على قبو و فيه مخرج.
رد جابر بلهجة صارمة استغرب لها حسين: توقف يا حسين، أوقف هذه الحماقات والتسرع في الأحكام، لقد أمهلت مازن شهراً كاملاً و أنا وعدتك أن أقضي عليه خلال أسبوع و لم يمضي حتى الآن سوى يوم واحد و من المحاولة الأولى تعدني بالتعذيب و التقطيع و القتل، تذكر هو عدوك و لست أنا، ولا تنسى أنني قبل أن أكون محاميك فأنا صديقك و قائد رجالك، فهل تريد من رجال أنا قائدهم أن يقتلوني؟ ثم أريد أن أعرف لما أنت مستعجل؟ مازن نجا من الضربة الأولى، فما الذي يضمن لك أنه سينجو من الثانية؟ أعطني فرصة ثانية و دعني أحاول و إن لم أنجح، دع غيري يتولى المهمة، ولكني أعدك بأن أقضي عليه خلال هذا الأسبوع، فقط عليك بالصبر، ثم ما الذي يؤكد لك أن مازن حي؟ ربما كان أحد رجاله يقلد صوته.
صمت حسين طويلا ثم تنهد بقوة و قال:أنت لا تفهم، هذا الرجل سخر مني مرتين، مرة حين هددني في بيتي ومرة أخرى عندما اتصل بي و أيضا على رقمي السري الذي لا يعرفه سواي أنا وأنت و زوجتي، و مجرد حصوله على رقم هاتفي السري يدل على أن له نفوذاً كبيراً، فلم يسبق لأحد أن أتصل بي على هذا الهاتف قبله، و أنا أريد أن أكسر شوكته لأن لعبته التي يلعبها معي و يتفنن بها ستفتح المجال على آخرين مثله حتى يفعلوا ما فعله و أكثر، مع أنني متأكد من عدم وجود أحد مثل ذلك المغرور.
رد جابر: ومن هو حتى لا يوجد أحد مثله، تذكر أنه مجرد رجل واحد، وظهوره بتلك الطريقة التي شدت جميع الناس إليه مجرد صدفة، والصدف دائما تنتهي في وقت قصير، لذلك اعتمد علي في إنهائها.
ضحك حسين باستهزاء ثم قال: لقد تركته لك و أنظر ماذا حدث، إنه الآن يتعالج في المستشفى من حروق صغيرة ربما أصابته في أنامله الناعمة أو بشرته الرقيقة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي