نورسين الدمية البشرية

حنان عبد الرحمن`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-12-21ضع على الرف
  • 19.1K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

الفصل الأول

(ولادة نورسين)

في إحدى القرى النائية ولدت طفلة جميلة بيضاء،
في بيت متواضع، شعرها أشقر مائل للبياض، طفلة من هؤلاء الذين يطلق عليهم (الألبينو) أي عدو الشمس
نظرا لعدم قدرته على الرؤية الواضحة في النهار.

لها عينان واسعتان بلون الليل، رموشها شقراء
كشعرها، ذات حواجب خفيفة، هذه الطفلة الجميلة
ولدت في ليلة قمرية، من أجل هذا أسمتها أمها
(نورسين) أي ضوء القمر.

في هذه القرية يغلب السمار على لون البشرة، فأغلب
النساء والرجال والأطفال لهم بشرة سمراء، من هنا
بدأت الغيرة تدب في نفوس نساء القرية.

غارت النساء من نورسين، وامتلأت قلوبهن بالحقد
لوجود مثل هذه الطفلة الحسناء وسط أطفالهن،
انزعجن كثيرا من الأمر، فهن يعرفن جيدا معنى أن
تربى طفلة بالغةالحسن وسط بناتهن.

حتما ستسحوذ على إعجاب شباب القرية والقرى
المجاورة، ولن يلتفت أحد لبناتهن عندما يصلن إلى
سن الزواج.

ومن الغريب في الأمر أيضا أن والد نورسين ووالدتها
كانا يشبهان أهل القرية في سمارهم، فاستغلت
النساء هذا واتهم البعض والدي نورسين بأن الطفلة ليست ابنتيهما، فهما لا ينجبان وأنهما قاما
باختطافها.

بالفعل كان الأبوان لا ينجبان ولكن الله منحهما هذه الطفلة بعد طول صبر، فرح الأب كثيرا بهذه الطفلة
الجميلة وقال لأمها:

- أنحن أنجبنا هذه الطفلة الجميلة؟! أكاد لا أصدق.

ردت عليه الأم قائلة:

- إنها إرادة الله، أراد أن يكافأنا على صبرنا.

بعد أن عرف الأبوان عن اتهامات نساء القرية لهما،
وهذا الحقد في قلبهم تجاه الطفلة المولودة خافا
عليها كثيرا، خاصة بعد أن كبرت وأصبح عمرها خمس
سنوات.

خرجت وقتها لتلعب مع بنات الحي الذي تسكن فيه، نظرت إليها البنات الصغيرات على أنها كائن غريب
يختلف عنهن، ورفضن اللعب معها كما أوصتهم
أمهاتهن.

أما الأولاد الصغار فأعجبن بها ورأين فيها شيئا مثيرا، نظروا لها نظرة إعجاب بهذا الكائن الصغير الجميل
الذي يختلف كثيرا عن بقية بنات القرية.

كانت نورسين تبكي لابتعاد البنات عنها، وتنزعج من
مداعبات الأولاد لها، عندما رأى أنيس والد نورسين
حزنها وبكائها فكر في أن يصطحب ابنته نورسين
وزوجته أنيسة إلى أعلى القرية عند الوادي.

اختار هذا المكان لهدوئه، فهو مكان خال من البشر، لا يذهب إليه أحد إلا القليل، فكانت الناس تهابه لما شيع عنه بأن الأرض مسكونة، وكل من يذهب إلى
هناك لا يعود وتحل عليه لعنة الموت.

ومنهم من يرى أشباحا تتحرك في المكان، بعضها
يطير، وبعضها يمشي، وأكثرها يضحك بصوت مخيف ضحك هستيري.

كان يعيش في الوادي خمس نساء أطلق عليهن أهل القرية المجذومات، هن أيضا من فصيلة (الألبينو) عدو الشمس.

نساء حسناوات، إذا نظرت إليهن تحس شيئا غريبا، لا
تدري إن كن مجذوبات بالفعل أو أن هيئتهن هو ما
أوحى بهذا.

هؤلاء النساء دائما ما يجلسن عند البحيرة يتحدثن
سويا، من راقبهن من بعد ظن أنها تعويذة لهن يلقين بها في البحيرة لحمايتهن من أي غريب قد يأتي إلى
الوادي.

كان الأب والأم خائفان جدا من المكان ومن ساكنيه،
ولكنهما اضطرا إلى الذهاب إلى هناك ليلا.

وعندما وصلا إلى البحيرة أحسا رعشة تسري في
جسديهما بمجرد أن رأيا هذا الدخان الأبيض المتصاعد عند الكبري الذي يصل نهاية القرية بأول الوادي.

أما الطفلة نورسين فلم يبد عليها أي خوف، كانت
هادئة ومطمئنة، تنظر بشغف للمكان وكأنها تألفه.

وفجأة أخذ الدخان يختفي شيئا فشيئا إلى أن ظهرت
المجذومات تجلسن عند حافة البحيرة.

ارتعدت الأم من الخوف، وأمسكت بذراع زوجها، حاول الزوج أن يتمالك نفسه فنادى على المجذومات:

- أيتها النساء، السلام عليكن.

ردت عليه إحداهن بصوت يثير الرعب في النفس خاصة وأن له صدى:

- من أنت؟ وكيف تجرأت على الحضور إلى هنا؟!.

قال أنيس بصوت مهزوز:

- أحتاج إلى مساعدتكن، أريد أن أتكلم معكن.

ردت عليه إحدى المجذومات قائلة:

- هيا تحدث نسمعك.

وقالت أخرى:

- إن لم يعجبنا حديثك فسوف ترى منا ما لا يعجبك.

قالتها ونظرت له نظرة حادة تحاول أن ترسل رسالة
مخيفة.

شعرت أنيسة بخوف شديد من نظرة عينيها، وقالت
لزوجها باضطراب ملحوظ:

- دعنا نعود من حيث أتينا.

رد عليها وكان أكثر اضطرابا منها بعد هذه النظرة من المجذومة:

- لا يمكننا ذلك، علينا أن نقنعهم بالأمر، دعيني
أتحدث إليهن.

قالت إحدى المجذومات بغضب:

- هيا تحدث.

رد أنيس عليها بشيء من الخوف والذي انتقل إليه
عبر عينيها اللامعتين، ارتبك وهو يحكي لهن حكايته قائلا:

- أيتها السيدات انظرن إلى هذه الطفلة التي تقف
هنا بجواري، كيف تبدو لكن؟!.

تنظر المجذومات إلى نورسين ثم ترد عليه إحداهن:

- طفلة جميلة.

قال أنيس:

- كما أنكن لاحظتن أنها تختلف عن فتيات القرية،
فهن سمراوات بينما هى بيضاء كالثلج.

تنظر المجذومات لبعضهن ثم يقلن في صوت واحد:

- هذا صحيح.

- إني أخشى على ابنتي كثيرا من غيرة نساء أهل
القرية، أخشى أن يلحقن بها أذى، كما أن البنات في
القرية يرفضن أن يلعبن معها، وهذا جعلها حزينة
دائما.

تنظر إحدى المجذومات إلى نورسين الواقفة بجوار
والديها نظرة تفحص ثم تقول:

- ولكنها لا تشبهكما في شيء؟!.

رد عليها الأب قائلا:

- هذا ما حدث، أصدقك القول، لقد أراد الله أن
يعوض صبرنا خيرا، منحنا هذه الصغيرة الجميلة.

نظرت المجذومات لبعضهن ثم قالت إحداهن:

- انتظر قليلا حتى نتشاور في الأمر.

المجذومة رقم (١) واسمها نورهان: أرى أن نقبلهم.

المجذومة رقم (٢) واسمها نورة: ولماذا؟! لسنا
مضطرين.

المجذومة رقم (٣) واسمها نوران: أنا أؤيد رأي
نورهان.

المجذومة رقم (٤) واسمها نور: لسنا مضطرين لذلك.

المجذومة رقم (٥) واسمها نوارة: إذا قبلناهم
سنستغل الأمر لصالحنا، الأب والأم يقومان على
خدمتنا، يقوم الأب بالأعمال الشاقة التي لم نعد نقدر عليها، والأم تقوم على خدمتنا نحن، تطهو لنا
الطعام، تنظف لنا المكان في مقابل أن نحفظ
لهما ابنتيهما.

نورة: إذا سكنوا معنا سيعرفون كثيرا من أسرارنا.

نورهان: لا يهم طالما أنهما لن يخرجا من المكان.

نورة: ولو خرج احدهما.

نوارة: لن نسمح لهما.

نورهان: ما رأيكما؟.

المجذومات بصوت واحد: موافقات.

تخاطب إحدى المجذومات الغريبين قائلة:

- لقد وافقنا على أن تظلا معنا هنا في الوادي ولكن بشرط.

تحدث الأب بصوت عال قائلا:

- نحن نوافق على أي شرط في سبيل أن تحمونا من
أهل القرية.

المجذومة: شرطنا هو ألا تخرجوا من هذا الوادي
نهائيا.

نظرا أنيس وأنيسة لبعضهما ثم قال أنيس لأنيسة
بصوت خافت:

- مضطرون أن نوافق.

ثم علا صوته وقال للمجذومات:

- نعم لن نخرج من هذا الوادي أبدا، لكن ما
تشاءون.

قالت مجذومة أخرى:

- وهذه زوجتك سوف تقوم على خدمتنا نحن النساء.

ردت أنيسة في توتر قائلة:

- نعم سوف أخدمكن لا مشكلة لدي، المهم ابنتي
تكون بخير.

سألت مجذومة أخرى:

- ما اسم ابنتك؟!.

أنيسة: اسمها نورسين، لقد ولدتها في ليلة اكتمال
القمر لذلك سميتها نورسين.

نظرت المجذومات لبعضهن وقالت إحداهما بصوت
خافت:

- اسمها نورسين.

قالت ثانية:

- مثل اسمنا، كلنا على معنى النور.

قالت ثالثة:

- ربما سيحدث أمر ما لوجود هذه الطفلة معنا،
إن قصتها تشبه قصتنا.

قالت الرابعة:

- قد تزداد قوتنا بوجودها.

قالت الخامسة:

- لننظر ولنرى ما سيحدث.

ضحكت المجذومات ضحكات هستيرية عالية انزعج
لها الأبوان، ولكنهما اطمئنا عندما رأيا نورسين
تضحك لضحكات المجذومات.

أخذت نورسين تتجول في الوادي، أحبته كثيرا، في
البداية كانت خائفة قليلا ثم زال أي خوف بعد أن
ألفت المكان.

خافت أيضا من هذا الصوت الذي كان يناديها ولا
تعرفه، ينادي عليها بصوت ناعم، صوت أنثوي عذب.

تتجه نورسين ناحية الصوت؛ فتجده اختفى ثم ينادي
عليها من ناحية ثانية، وعندما تذهب ناحية الصوت
يختفي، ليعاودها النداء.

وبمورو الأيام اعتادت الصوت، ولم تعد تخف منه، وإن كانت تتساءل في نفسها:

- من هى صاحبة الصوت، ولماذا تنادي عليها؟!.

ثم تطور الأمر من النداء فقط إلى الحديث، فبعد أن
نادي عليها الصوت ذات مساء كما تعود، قالت له نورسين:

- من أنت؟ لماذا تنادين علي؟ كيف عرفت اسمي؟
أتريدين مني أن أساعدك؟

ضحك الصوت ضحكا عاليا له صدى في المكان لم
يسمعه غير نورسين، انفعلت نورسين قليلا ثم قالت
للصوت:

- هل توقفت عن هذا الضحك أيها الصوت؟.

فأجابها الصوت قائلا:

- سأفعل.

وبالفعل توقف الصوت عن الضحك، ثم أخذ يتحدث مع نورسين قائلا:

- لا تقلقي مني، فأنا صديقتك.

قالت نورسين:

- ولكني لا أعرفك.

قال الصوت:

- سوف نتعرف، ولكن بشرط.

سألت نورسين الصوت:

- وما هو؟.

الصوت: لا تخبري أحدا عني.

نورسين: ولماذا؟!.

الصوت: إذا أخبرت أحدا سوف أختفي ولن تسمعيني ثانية.

نورسين: لن أخبر أحدا، ولكن رجاء لا تختفي.

الصوت: أريد منك وعدا.

نورسين: أعدك أيها الصوت أني لن أخبر أحدا.

الصوت: شكرا لك يا نورسين.

نورسين: أنا أيضا لي شرط.

الصوت: ما هو؟.

نورسين: أريد أن أعرف من أنت.

الصوت: سوف تعرفين كل شيء، لا تستعجلي، ستكون بيننا أسرارا جميلة.

راح الصوت يضحك ضحكات عالية، لا يسمع صداها إلا
نورسين، وضعت نورسين يديها على أذنيها لتخفف من حدة الصوت الذي تسمعه.

ثم فجأة ظهرت لها نورهان، سألتها منزعجة:

- ما بك يا نورسين؟.

شعرت نورسين بالخوف لرؤية نورهان فجأة ثم قالت
لها:

- لا شيء.

وجرت نورسين ناحية القمر خلف جبل الوادي، وكأن
قوى سحرية قد قامت لجذبها، ولكي تقترب نورسين
أكثر من القمر وتراه من قريب صعدت إلى أعلى الجبل، ونظرت إلى القمر؛ فرأت امرأة ذات جمال، امرأة حسناء، أشبه بملاك طائر، كانت تنظر إلى نورسين وهى
تبتسم.

أحبت نورسين هذه الجنية التي رأتها تقف في
منتصف القمر، ونظرت لها نظرة إعجاب، وعرفت أنها صاحبت الصوت التي تحدثت إليها منذ قليل، ولكنها
لم تعرف من تكون، هى الآن تراها بعد أن كانت
تسمعها فقط.

قالت نورسين: ربما تكون جنية الوادي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي