الفصل الثالث

( الفصل الثالث )


في الواقع حاول أصدقائي معي مرات لأضحك، ولكن كيف لي أن أضحك ولم يعد لي ظهر يحميني بعد أن كنت أحمل إثنين أما الأول فكان أبي وقد مات والثاني وقد انقسم بخبر وفاته.

لم اضحك وأتخلى عن حزني حتي في الأوقات التي كنت فيها معه كنت أجلس كصنم يتكلم من حولي ولا أتكلم، يضحك الجميع ولا أضحك.

وبعد ثلاث أشهر تحديداً من موت أبي هجرني الجميع حتى هو لم أعد أره لم يعد يهتم بمواساتي كما كان يفعل كنت أنا من أتصل وأنا من أهتم وأنا من أحاول ترميم المكسور.

وفي الواقع كان همي أكبر بكثير من أن أنظر للجميع، في يوم استيقظت لاقول أين هو؟! لقد قلقت عليه كثير وذهبت في يوم بعد محاضرات الجامعه إلي منزله كانت المره الأولي التي أذهب فيها هناك، ولكنه قابلني ببرود تام دون تلك اللهفه التي كانت تظهر عليه عند رأيتي في السابق، وعندما سألته عن سبب غيابه، فقال بمنتهي الهدوء:

- سٔاترككي حتي تفيقي من خبر وفاه والدكي وبعدها سنعود كما كنا .. ببساطه لا أريد أن أري وجهكي بهذا المنظر.

غادرت من أمام باب منزله وأنا مخدره من كلماته، وكانه صفعني مائه كف في لحظه واحده حتي وصلت الي سيارتي وعندما نظرت إلي آنعكاس صورتي في المرآه، وجدت الحال قد تبدل كأني أنظر إلي آمرأه آخري في المرآه غيري، الحزن كسي وجهي والآسي جلس بين تجاعيد وجهي، عيناي محاطه بالهالات السوداء، ولا ادري ماذا اصاب شعري؟! وكأني شخت فجاءة.

ولكني كنت في سيارتي أفكر هل مظهري لفت انتباهه الي هذا الحد؟! أليس حزين علي وفاة أبي كما أنا حزينة؟! ألم يقل لي إنه أباه الذي أهدي قطعه من السماء؟! ألم يقل لي إنه يتحري شوقاً لمقابلته ورايته والجلوس معه ليتحدث فقط مع ذلك الرجل الذي لديه عقل من ماس؟! الم يكن يجلس امامي مبهورا وأنا أتحدث عنه ويصمتني فيقول غدا سأكون يده اليمني؟! أكان كل ذلك كذباً؟! جاء آخر جمله في أذني لترن ألف مره فيهز اثرها قلبي، كنت كالجبل الذي ينهار حجراً حجراً.

مرت علي شهر كانت كرامتي تمنعني من الإتصال به بالرغم من اشتياقي له، ولكن كنت منشغله أيضا في حزني وهمي ودراستي، كنت أذهب خلال هذا الشهر لجامعتي يوميا، وكنت أسمع سب أصدقائي لي في ظهري وكيف أنهم ارتاحوا مني ومن سخافتي.

جاءني أبي في المنام كانت أولي الليالي الذي أراه فيها بعد الموت، قال لي كلام غير مفهوم انشغلت بهذا الكلام طوال اليوم التالي حتي أتاني الليلة التاليه مرددا نفس الكلمات وفي تلك المره فهمتها جيداً:
[احذري .. احذري الايام والاناس .. احذري من المستقبل جميل لكنه يؤلم .. أنا أحبك .. لا أحد يحبك .. في الواقع أنا فقط الذي أحبك .. ولا أحد يحبك أكثر مني انا .. أقرر لا أحد يا حياه .. حبيبتي اجتهدي في دراستكي .. وصلي رحمي .. صلي رحمي لأرضي عنكي .. ]

استيقظت بعد أن انقطع وصول الأكسجين إلى صدر فتحت النافذة ليدخل بعض الهواء إلي، كان جسدي يتصبب عرقاً؛ بعد برهة من الزمن كانوا تقريبا خمس دقائق حتى هدأت من روعي، وانتظمت أنفاسي من جديد، ذهبت وجلست علي طرف السرير أفكر في هذا الحلم؛ وبعد دقائق كنت في السيارة متوجهه لمنزل أعمامي جلست معهم نتبادل أطراف الحديث عن أحوالي واحوالهم، حتى جاء عم الأكبر وقال لي مالم أقدر علي استيعابه:

_ حياه هل تعلمي متى سيظهر إعلان الوراثة؟! نظرت له في حاله من الصدمة، فاردف:

_ نريد حقنا من ثروت المرحوم والدكي!

نظرة لباقي أعمامي حتى يسكته أحد منهم، ولكن نظراتهم لي تعنى بأنهم يوافقون على كلامه فقلت وأنا ألملم اشلائي داخل حقيبتي وألملم الباقي من كرامتي وكرامة أبى:

_كل شيء مع المحامي يمكنكم أن تسأله عما تريده، استئذانكم للمغادرة.

عندما رحلت لم يستوقفني أحد أو يصحبني إلي الباب فيأست من هذه الزيارة وفى الطريق إلى كنت أسأل نفسى هل بتلك السرعة نسوا؟! ماذا فعل لهم؟! كل ما يردونه هو التركة بئسا عليهم توقفت على جانب الطريق صرخت صرخة كانت مكتوم في صدري منذ وفاة أبي وكانت اسأل لما جعلني أذهب إليهم؟! لم يأتي أحد لزيارتي بعد الإنتهاء من مراسم الدفن كأنهم كانوا يتأكدون بأنه قبر، هل كانوا يكرهون لهذه الدرجة؟! ما الذي فعله هو لهم لك ذلك؟!

وعندما لم أجد أجابت علي أسئلتي بهت ووقفت مكاني كالمجنونة اتسأل من أسأله لافهم؟! هل أذهب لها لتشرح لي؟! وهي زوجته التي لم تزرف عينها قطره دمع واحده بل ولونت في ثيابها بعد أسبوع واحد بل ومارست حياتها بشكل طبيعي أيضا، أهذا كله لأنه مات قبل أن يصالحها فعل؟! لكنه حاول إرضاءها عدة مرات أمامي ولكنها ابت وتلوت أم إنها سامت العيش معه وفرحت لأنه توفي؟! لما تعامله تلك المعاملة حتى بعد وفاته عاملته وكأنه كلبها الذي توفي وليس زوجها.

توقفت عن الكلام من أثر البكاء ذو الصوت العالي نظرت لها وشفقت علي حالتها وتسألت ماذا تخبئين في قلبكي أكثر يا حياه؟! حاولت أن اهدئها وقلت لها:

- هوني علي نفسكي لستي المذنبة في ذلك هدئي من روعكي ستقابلني أناس أقذر من ما مر عليكي.

- لن اقابل أقذر مما قلبت ابداً.

صدمت ليس من الكلمات وانما من نبرة صوتها الذي كان كله ثقه فيما تقول وكأن ما تخبئه في قلبها يصعب علي جبل حمله.

حاولت الطرق علي الحديد وهو ساخن وقلت لها هل يمكنني أن اسألكي سؤال؟ وبالطبع لم أنتظر أن تجبني وقلت:

- من هن ناهد ومرفت علي الحسنى؟ ومن ذالك الشخص الذي تقولي عن هو؟

نظرت الي بعينان مكسورتان وقالت:

- أما هو معتز الزهري .. وأما هن فزوجة أبي والأخرى أختها.


- زوجت أبيكي تقصدي أن مدام ناهد أمكي؟!

نظرت إلي بعينان محمرتين من البكاء ووجها يكسوه الغضب، وقالت بعصابيه:

- لم تكن يوم أمي.

كانت تبكي وتشهق، علمت أنها لن تستطيع الكلام فلم أرد الوقف مربوط الأيدي، حركة عيني في جميع ارجاء الغرفة، حتي وقعت عيني على الأوراق والألوان كانوا في نفس المكان لم يلسمهم أحد منذ وضعتهم بالأمس، قمت وأمسكت الأوراق والألوان ووضعتهم امامها، وقلت لها:

- ما رأيكِ أن تلوني هذه الصفحة البيضاء بتلك الألوان.

فقالت لي وهي تحبس بكائها:

- لا أريد فعل هذه الأشياء.

ولكني لم أهتم لما قالت، وقمت من مكاني أمسكت بكوب زجاجي كنت أشرب فيه قهوه ملائته بالماء ووضعته امامها لتبدأ بوضع قطرات على قرص من الأقراص المائية والذي لم يدهشني إنها اختارت اللون الأسود الذي قد احاط بحياتها ثياب سواد شعر اسود وجهه يلطخه السواد وغرفه مظلمه وحياه أوشكت علي الإنتهاء.

ما لم أفهمه وقتها أنها قالت لي قبل أن تبدأ بالتلوين:

- ما رأيك أن تكمل لي قصتك وأنا اللون!

كانت تنظر إلي لم أتحدث أشرت إليها فقد بالموافقة عدلت من موضع نظارتي وبعد دقائق من مراقبتي لها كانت فيها قد وضعت الورق علي قدميها فلم أري منهم شيء وما الذي جعلني.

أتعجب أنها لم تستخدم الفرشاة بل كانت تضع إصبعها في اللون الأسود ثم تضعه علي الورق لم أدقق في ماذا تفعل كان الأهم عندي أنها تتوقف عن البكاء وقد فعلت.

مرت علي سنين عاديه كنت فيها ولد لا يعي لكثير من الأمور حوله حتي أصبحت في الصف الثالث الإعدادي تحديداً بعد الإنتهاء من امتحانات هذا الصف وكنت أفكر ما هي الشعبة التي سأكتب في استمارة المدرسة انني سأدخلها وكنت علي عكس الكثير من الطلاب لم يكن لدي طموحات لمستقبلي لم يكن لدي رغبات أو توقعات مثل باقي أصدقائي فذهبت إلي أمي، وبلا وعي سألتها:

- أي الشعبتين أدخل يا أمي؟!

فردت علي رد حكيم ومنطقي بعد الشى:

- بني ماذا تريد أن تصبح عندما تتخرج من الجامعه؟!

فممدت لها شفتاي في بلهاء دليل علي أنني لم أكن أفكر في ذلك:

- إذن أدخل الشعبة الأيسر عليك، فأنظر أي المواد تفضل وأيهما التي لا تفضل وأدخل التي تفضل لأنك ستبرع فيها.

نظرت إليها نظرت البلهاء، وأنا أقول:

- أنا لا أفضل أي من المواد فأنا أراهم جميعهم حشو لا يستفد منهم أي طالب من الأساس.

نظرت مصعوقه وقالت:

-حقاً لا أصدق ما تقول.

قبل أن أحدد شعبتي حدث ما غير سير حياتي بأكملها في ليله استيقظنا فيها علي صراخ أختي الصغير زينب كانت زينب صغيرة المنزل فكانت تصغرني بخمس سنوات، لقد مرضت مرض شديد عندما ذهبنا بها إلي المستشفي في الواقع لم يكن حالنا يسمح بالمستشفى خاصه وعندما دخلنا إلي مستشفي حكومية قال قسم الطوارئ لأبي ان القسم ممتلأ ولا يمكنه إستقبال حالات إضافيه جن جنون أبي خاصه وهو يسمع صراخ أختي المتواصل فقرر الذهاب إلي مستشفي خاصه، صرخت فيه أمي قاله:

- لا نملك ثمنها.

فأجابها قائلا:

-لن أترك إبنتي تموت أمامي بسبب الأموال.

وبالفعل ذهبنا إلي مستشفي خاص كان المكان رائعاً بالمقارنة إلي المستشفي الحكومة.

دار بين أبي وممرضة الإستقبال ليلتها حوار لا أستطيع نسيانه وكيف أنسي ما قلب حياتي رأساً علي عقب وجعل لي هدف أعيش لأجله.

نظرت لنا الممرضة نظره متفحصه وكأنها تتعجب أن أمثالنا استطاعوا الوصول إلي تلك المستشفي، فقالت لأبي:

- أعطيني بينات المريضة لأسجلها وأدفع رسوم الدخول وأصعد بالمريضه لدكتور الطوارئ وهو سيتكفل بالباقي.

- وكم هي رسوم الدخول؟!

- ٥٠٠٠ جنيه والباقي عند الإنتهاء من الفحوصات، ما أسم المريضة؟!

نظر أبي إلي أختي التي تصرخ أرضاً وأمي بجانبها تحثها علي الصبر فقترب أبي من الممرضة، وقال لها:

- أيمكنكِ أن تسمحِ لها بالصعود إلي الدكتور وأنا سأدبر لكِ المبلغ.

فقالت له بقله صبر واضحه:

- لا يمكن ذلك انها القواعد أن لم تستطع دفع الرسوم فلا يمكنك الدخول وببساطه يمكنك أن تصحبها إلي مستشفي حكومي.

فقال لها أبي بعد أن أستشاط غضباً ونفذ صبره وذبل قلقلاً علي أبنته:

- تبا لكم ولقواعدكم ألا تري أنها ستموت مني ولن تتحمل الوقت الذي سآخذها فيه إلي مستشفي آخر.

تدخل في الحوار رجل في الخمسين من عمره أو أكبر بقليل، فقال بلهجه حزم بعد أن أرتعبت الأوجه في قسم التمريض لروايته:

- ماذا يحدث هنا؟!

قالت الممرضة في توتر ظاهر:

- لا عليك سيدي سأنهي الموضوع حالاً أنهم حثالة المجتمع يتجادلون سأطلب من الأمن طردهم الآن.

نظر أبي إلي وجهه هذا الرجل وقال بحزن بالغ:

- ليس معي رسوم الدخول، ولكن سأدبر الاموال لكم إبنتي زينب ستموت من الوجع أنظر إلي حالها أنقذها أرجوك.

ألقي الرجل نظره علي أختي التي تتلوي وتصرخ من الوجع علي الأرض وأشار إلي الممرضة لتترك سماعه التليفون، وقال بحزم:

- فلينتظر أحد هنا ليدلي بمعلومات عن المريضة وأكتبي أنت حساب هذه المريضة علي حسابي الخاص.

وبالفعل رافقنا هذا الطبيب حتي أستعادت أختي عافيتها وجلست بعدها يومين كاملين في المستشفي لا يدفع فيهم أبي فلساً واحد حتي بعد دخولها العمليات وقاموا باستئصال الزيده الدودية التي تورمت والتهبت، كان الطبيب يقف معنا كرجل في منتهي الأحترام، وعلمنا فيما بعد انه مدير المستشفي.

حينها قررت أن أصبح طبيباً ليس لأعالج الناس وأخدمهم ولكن لمساعدتهم فدخلت الشعبة العلمية قسم علم علوم.

كان ينظر إليها من حين إلي آخر فيجدها تفعل أشياء غريبه فكانت تضع قرص من أقراص الألوان في الماء وتقلبه بأصبعها حتي يذوب تمام فيكتسب الماء لون القرص ثم تضع إصبعها المبلل علي اللون الأسود وترسم شيء علي الورقة فأعتقدها تتخلص من باقي الألوان التي لا تريدها.

وعندما تذكر بأن والده لم يترجى مدير المستشفي فقد بل حاول تقبيل يده فضاق صدره قام إلي النافذة ليستنشق بعض الهواء النقي وأغمض عينيه وحاول نسيان ما تذكره؛ لم تمر سوي بضع دقائق حتي آفاق علي صوت تحطيم زجاج حتي وجدها هي ملقي علي السرير، في البداية اعتقدها نائمه فتقدم والتقط تلك الورق التي كانت تلون فيها وجدها قد كتبت عليها:

( أرأيت قذارة الدنيا .. أنت لا تدري حقا أوجهه البشر .. ولا تعرف ما مررت به .. قلت لك من أول يوم التقينا فيه أنني خالده لن اموت أبدًا، وهذا لتعرف مدي صدق كلامي .. وما فائدة الحديث ما دمت سأعيش بنفس الوجع طيلة حياتي )

أدركت حينها أنها قامت بفعل شيء ما بنفسها ذهب إلي جانب السرير الآخر فوجدت كوب الماء مكسور ولم يجد ماء منسكب علي أرضيت الغرفة شهق بعدما فهم ماذا فعلت؟! لقد شربت الماء بعدما أضافت عليه كل السموم الممكنة كانت تدرك ماذا تفعل، حاول إمساك يدها ليقيس نبض قلبها فوجها قد قطعت شرايين يدها اليمني نتج عن ذلك الدماء حول رسخها.

بسرعه فائقة طلب أحد الأطباء ليخيط لها جروح يدها مما استدعي ذلك أربعه غرز، وقام بإسقائها محلول ملح حتي تقيئات ما في معدتها، واعطي لها مهدي ما جعلها تغطس في ثبات عميق.

جلست أمام باب غرفتها مكتوف الأيدي أثناء نوبه من الهدوء العارمة ولكن هدوءِ بعد العاصفه، بدأت افكر في الكلام المكتوب على هذه الورقة التي بين يدي كلماتها ليس فيها أي أمل لا تدل إلا علي كامل اليأس.

بعد فتره قد تتعدي النصف ساعه خرج الطبيب من غرفتها وأخبرني أنها لا تحتاج إلي عمليه غسيل معده فقد تقيأت كل ما شربته من سموم ناتجه عن أقراص الألوان.

أخبرني بذلك ورحل وتركني اتخبط في تساؤلاتي دلفت الي غرفتها جلست أمامها كتلميذ ينتظر توبيخ من أستاذه حدثتها وكأنها تسمعني:

كنت أعلم أن هذا سيحدث، نعم مرض مثل هذا سيجعلكِ تعرضي حياتك للمرض عده مرات، سيجعلك تواجهين الموت كل يوم، أعتقد أن الرعب الذي تعرضت له اليوم علي يدكِ فقط لأنها المرة الأولي ولكني سأحاول أن اتكيف علي هذا الوضع من الآن فصاعداً، واظن أنه بداية من الغد سأتخذ طريق آخر في علاجك يا حياه قد يكون قاسي بعض الشى ولكن هذا لمصلحتك أنتِ.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي