3

الفصل الثالث:


اتصلت بي سارة وأخبرتني بضرورة التحاقي بقسم الشرطة فورا.

أخبرت الأم بأنني خارجة وقلت لها:

-دعاءك يا أمي، كم أنا بحاجته!

رفعت يديها إلى السماء وقالت:

-يا رب كن معها، وضعتها في حفظك.

قبلت رأسها وودعت الأولاد وركبت السيارة واتجهت إلى المغفر بسرعة.

الأم:
-هل لاحظتم يا أحبتي حجم التغير في تصرفات كريستين.

تبسم ديفيد ثم قال مفصحا عن مشاعره:

-إنها تبدو ألطف وأكثر حنانا.

فالت ويدي:

-أنا أفضل شخصيتها السابقة أكثر

فقالت الجدة:

-كاذبة.

قهقه الجميع وانصرفوا إلى أمورهم.

وهناك في قسم الشرطة وجدت سارة وفريدرك ينتظران قدومي.

فريدرك:

-تطور جديد في القضية، كريستين.

تساءلت قائلة:

-وما هو؟

فريدرك:
-تم القبض على أخطر رجل في هذه العصابة ويعتقد أنه المسؤول عنها.

سارة:
-لقد تم القبض عليه بعد ملاحقتهم من قبل العناصر، ونقل هنا للتحقيق معه.

فقلت :
-جيد، إذن هل أستطيع رؤيته والتحدث إليه.

فريدرك:
-بالطبع، لك ذلك، إنه في قسم التحقيق، أتمنى لكما التوفيق.

تظاهرت ببعض المغص وحاولت المشي بتباطؤ خلف سارة حتى وصلنا إلى قسم التحقيق.
وهنا كانت المفاجأة التي أجابت جزئيا على تساؤلاتي.

حيث دخلت أنا وسارة؛ لنجد الرجل وقد طأطأ رأسه، نظرت إليه ثم ذهلت وقلت بتفاجئ:

-كيف هذا لا أصدق؟إنه يشبهه، يستحيل أن يكون هو.

لاحظت سارة أنني أنظر إليه بتوترشديد فقالت:

-هل من خطب كريستين؟

فأجبتها:
لا، لا شيء تابعي.


سارة:
اسمك،سنك وعملك بسرعة.

قال الرجل وقلبي ينتفض وأنا أحدق به:

-اسمي مكتوب في البطاقة.

قلت في نفسي:

"هل أنا أحلم؟ هل يعقل أن أيهم لم يمت؟ هل يعقل أنني سجنت بسبب مكيدة، يارب كن معي."

غرقت في أفكار عدة أيقظني صوت الصفعة التي وجهتها سارة له وهي تصرخ:

-هل تتذاكى يا هذا؟

لكنه لم يرد، فاقتربت أنا منه ويداي ترتجفان وصرخت في وجهه:

-هل أجلدك لتنطق ياهذا.

نظر إلي تلك النظرة المستهزأة وكأنه عرف أني ماري وقال:

-اسمي مارك جون، من مدينة الورود، عمري 46سنة.

صعقني جوابه فقلت له:
انت تكذب، انت شخص أخر.
فنظر إلي مع نفس الابتسامة السابقة وقال:

-يبدو أن محققتنا الجميلة لا تعرف القراءة، بالفعل أمر مضحك.

تذكرت للحظة كل الذكريات المؤلمة التي عشتها مع أيهم وخاصة سخريته مني، فأمسكت بشعره وتمنيت لو أفرغ كل الألم الذي سببه لي وقلت:

-أيها الحقير، إن لم تلتزم بالإجابة سوف أجلدك.

لاحظت سارة شدة توتري فصرخت على الحارس وقالت له:

-خذوه إلى الزنزانة.

ثم وجهت الكلام للمتهم وقالت:

-سنعود انتظرنا.

وعندما ذهبا قالت لي سارة:

-ما بك كريستين لست كعادتك، هل أنت بخير؟

لم أستطع إخبارها بشكوكي وقلت لها:

-يبدو أني لا أزال متعبة.

فمدت لي يدها وقالت لي:

-لا تقلقي، هيا بنا.

ركبنا السيارة وانطلقنا إلى مدينة الورود لنحقق في أمر الرجل وصحة شخصيته، وهناك لاحظنا أن سكانها غريبوا الأطوار ويبدو أنهم أشخاص خارجين عن القانون.

قلت لسارة بعد أن نزلنا من السيارة ورحنا نتجول في شوارع تلك المدينة:

-أشكالهم تدعو للشك ولا تدعو للأمان.

سارة:

-معك حق.

وفجأة توقفت سارة عند محل يبيع أدوات حادة،
سألت صاحبه بعد إظهار شارة الشرطة:

-هلا دللتنا على منزل مارك جون يا سيدي.

فقال بطريقة تظهر الاشمئزاز:

-وهل فعل شيئا هذه المرة.

قلت له:

-أجب عن السؤال لو سمحت دون مراوغة.

رد بغضب مشيرا باصبعه:

-هناك قرب الفرن في الطابق الثاني، الشقة رقم 15

لكنه رمقني بنظرة مخيفة.
واتجهنا باتجاه المكان وصعدنا إلى الطابق الثاني ثم طرقنا الباب.

وهناك وجدنا امرأة في الأربعين من عمرها.

-شرطة نحن من الشرطة.

خافت المرأة وتراجعت إلى الخلف.

قلت لها بعد أن أظهرت لها ورقة الأمر بالتفتيش:

-معنا أمر بتفتيش المكان، تنح جانبا لو سمحت.

ولكنها تلعثمت ثم قالت:

-نعم، نعم تفضلوا.

وبينما نحن نبحث عن دليل وجدنا أكياس مساحيق بيضاء، قمنا بضبطها وقمنا بالتحقيق مع تلك المرأة التي صدمت أنها زوجته الثانية.

قلت في نفسي:

-هل يعقل أنه أيهم فعلا وأنه كان يخدعني طيلة الوقت، ذلك الخائن.

خرجنا واتجهنا باتجاه السيارة ولم تتعدى ثوان من وقت انطلاقنا تعرضنا لهجوم.

سارة وهي تقود السيارة:

-انتبهي كريستين، احمني من الخلف وأنا سأسرع.

همست لنفسي وأنا أشعر بالخوف:

"يا إلهي! كيف سأحميها من الخلف."

تذكرت لقطات الأفلام التي شاهدتها والملاحظات التي كتبتها كريستين في مذكراتها، فأمسكت مسدسي ولقمته وبدأت أسدد الطلقات باتجاه السيارة التي تلاحقنا.

اتصلت سارة بفريدرك:

-نحتاج مؤازرة سيدي نحن نتعرض لهجوم.

قال فريدرك:

-حددي موقعك، المؤازة في طريقها إليكم.

وارتفع صوت الرصاص المتبادل، لكن كل تفكيري كان وقتها:


"علي أن أنجح حتى أحقق هدفي في تحقيق العدالة، أجل سأفعلها يا كريستين."


استطعت بالنهاية أن أعطل السيارة عندما أطلقت رصاصة اخترقت عجلة السيارة.

تصاعد منها الدخان، وفجأة وصلت المؤازرة

تذكرت عندها المشاهد التلفزيونية وقلت:

"فعلا أنتم لا تصلون إلا متأخرين."

فنزلت مع سارة وقبضنا على المجرمين، لقد كان عددهم اثنان وأشكالهم شريرة، والسيء أن ثالثهم قد هرب.

فوضعنا السلاسل بأيديهم، ثم عدنا إلى قسم الشرطة.

وهناك كان فريدرك بانتظارنا.

فريدرك:

-أحسنتما عملا استطعتما اختصار الوقت على مجريات التحقيق.

سارة:

-يبدو أنك نسيت أنها كريستين سيدي، لقد أبلت بلاء حسنا كعادتها.

قلت لها:

-لم تكوني أقل شجاعة، لقد أحسنت عملا.
وفجاة تحركت يدي دون وعي و ضربتها بالكف على ظهرها.


شعرت بالخجل وقلت لنفسي:

"ماذا يحصل لي؟ ماهذه التصرفات الغريبة."

ضحكت سارة وقالت:

يكفينا اليوم علينا الالتحاق ببيوتنا لأخذ قسما من الراحة.

فريدرك وهو ينظر إلي:

-عجبا كريستين لم! أنت صامتة لست على عادتك.

فقلت له بتهرب:

-لست بخير فعلا.

ولكنني رأيت نظرات غريبة في عيني فريدرك هذا لم أفهمها.

وعندما خرجنا من مكتبه قالت سارة:

-يبدو أن فريدرك لا يزال يحتفظ بمشاعره تجاهك حتى الأن.

فقلت لها:

-ماذا؟ مشاعر؟ أية مشاعرتقصدين؟

فرمقتني بتلك النظرة المليئة بالتكذيب ثم قالت:

-مابك كريستين؟ أنا سارة.

فصمت قليلا وقلت في نفسي:

"يا إله السموات، يبدو أن تفاصيلا جديدة بدأت تظهر أمامي، أية امرأة كنت يا كريستين."

سارة:

-ها، ماذا؟ أين وصلت في شرودك؟

قلت لها لأنني لا أملك إجابة:

-هيا بنا سارة، اشتقت لأولادي وأمي.

شعرت أنها غضبت مني لأنني لم أجبهاوقلت لنفسي:

"أسفة سارة، اضطررت للمماطلة، فأنا فقط في ورطة."

وعدت إلى البيت وأنا في قرارة نفسي أشعر من ظهور تفاصيل جديدة تعيق هدفي.
كما أنني شعرت بالشوق لعائلتي الحقيقية

"للأسف لا أستطيع الذهاب الآن إليهم حتى أثبت براءتي."

وعندما دخلت المنزل وجدت ديفيد وويدي قد ناما أما الأم فقد كانت لاتزال تنتظر عودتي.

قالت لي بكل حنان:

-حمدا لله على عودتك لي بسلام حبيبتي.

قلت لها بعد أن قبلت رأسها:

-كم أنا متعبة وجائعة يا أمي، سأدخل غرفتي لتغيير ملابسي ثم أدخل المطبخ.

قالت الأم:

-الطعام جاهز امنحيني فقط عشر دقائق؛ لتسخينه.

فقلت لها:

-شكرا يا غالية، لكنني أرغب بالحديث معك بأمر مهم بعد الطعام، فهلا كنت عونا لي؟

وضعت اصبعي يديها على عينيها وقالت:

-عيوني لك.

تناولت الطعام معها وجلسنا معا فطلبت منها:

-هلا حدثتني يا أمي عني وعن ماضيي فأنا أتعرض للكثير من المواقف، لأنني نسيت الكثير من التفاصيل.

فردت لي:
-أجل حبيبتي.

وراحت تقص لي كيف كانت حياة كريستين قبل زواجها بوالد ديفيد وويدي، وكيف تعرفت عليه وأحبته إلى أن انفصلت عنه الخ من تفاصيل حياتها
وما صدمني أنها قالت:

-ارتبطت فيما بعد بفريدرك ونشأت علاقة محبة بينكما، لكن ديفيد رفضها وحدثت مشاكل كثيرة،
إلى أن وقع ذلك الحادث لديفيد وفقد حركة رجليه فعدلت عن أمر الزواج بفريدرك.

قلت لها:

-يا إلهي! كل هذا كان في حياتي، وأنا أجهله.

ثم وعدتها:

-أعدك يا أمي أنني لن أتخلى عنك وعنهم تحت أي ظرف.

قبلتها وطلبت منها أن تكثر لي الدعاء فرفعت يدها إلى السماء:

-يارب احفظ حبيبتي وأولادها من كل شر.

دمعت عيني وتذكرت أمي وأبي ثم دخلت غرفتي وتمددت على سريري خاصة كريستين وبكيت كثيرا، وفكرت كثيرا بكل ما سمعته عن حياة كريستين، ولا أدري كيف غفوت ومتى؟

وفي الصباح استيقظت على صوت الجوال يرن وإذا بها سارة.

سارة:

-صباح الخير، جهزي نفسك فريدرك ينتظرنا في مكتبه.

قلت لها:

-فورا، سأوافيك وأقلك معي، اتفقنا.

سارة:

-تمام.


وعندما وصلنا أخبرنا فريدرك قائلا:

-إن الأكياس التي وجدناها في بيت مارك، كانت نوع من أنواع المواد المخدرة، وبالتحقيق معه من قبلي اعترف بأنه يتعامل مع عصابة الكف الأسود.

فسألته بغباء ناسية أنني كريستين:

-الكف الأسود! ومن هؤلاء.

ضحك فريدرك وسارة مستهزءين بي، ثم قالت سارة:

-يبدو أن الحادث أثر على ذاكرتك تماما عزيزتي كريستين.

وقال فريدرك:

-لا عليك كريستين، المهم أنك بخير وبيننا الآن سنعالج أمر ذاكرتك فلا تهتمي.

مسحت سارة عينيها من الدموع التي نزلت لكثرة ما ضحكت ثم قالت:

-أجل حبيبتي، لقد عدت من الموت، وكل شيء سيهون.
تبسمت لهم ثم قلت :

-أريد مقابلة أيهم بنفسي.

فقال فريدرك:

- من؟

تلعثمت وقلت :

-أقصد مارك جو، هل يمكنني؟.
قال مارك وهو ينظر إلى سارة بحيرة:

-أجل، لك ذلك.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي