4

الفصل الرابع:

اعتذرت منهم ثم توجهت إلى الزنزانة.. طلبت من الحارس أن يفتح الباب.

ارتعشت مفاصلي وأنا أقترب منه، جلست أمامه على الكرسي المقابل له.

قلت لنفسي:

"اهدأي، وأبعدي كل شكوكك على جنب، وتصرفي ككريستين، هيا ماري."

نظرت إليه لأجد كل وقاحة وجرأة العالم في ملامحه فقلت له:

-فتشنا منزلك في مدينة الورود وعثرنا على أكياس مخدرات، ما تفسيرك لهذا؟

قهقه عاليا وقال:

-لا، لا شيء سمعت أن هناك محققة جميلة هنا فقررت أن أتاجر بالمخدرات؛ لأراك.

تبسمت وقلت له:

-ولديك حس فكاهي عال أيضا.

تابعت اسئلتي معه:

-ما علاقتك بعصابة الكف الأسود.

نظر إلي نظرة المستنكر:

- إما أنك تهزأين بي أو أن الحادث الأخير أثر على عقلك.

تظاهرت بأني أفهمه وقلت له:

لاتتحاذق، من مصلحتك الاعتراف؛ لأن قرار اعدامك وشيك وأنا أعدك بذلك وهممت بالخروج فاستوقفني بتعليقه:

-ذكرتني بساطتك سيادة الضابطة بفتاة ساذجة تزوجتها يوما ما وأنجبت منها أطفالا وكانت مجرد سخرية تائهة في حبي ولاتفهم او تعرف أي شيء عني.

فالتفت خلفي وعدت إليه بسرعة وأمسكته من شعره وشددته:

-ومن هي تلك الزوجة؟ ما اسمها؟ وما مصيرها الآن.

لكنه صرخ:

-ابتعدي عني، ليس لك الحق بهذا الأمر.

فلم اتمالك نفسي وقلت له:

-أيها السافل أنا أعرف كل شيء وستندم وسترى.

نظر إلي وقال لنفسه:

"ما بها هذه الضابطة وكأنها تعرفني بشكل شخصي."

ثم قال لي:

-ماخطبك أيتها الضابطة؟ هل أنت متعبة؟
قلت له:

-انتظرني، سأعود والمشنقة مصيرك أيها المتحاذق.

فضحك عاليا وقال:

-بانتظارك يا جميلة.

خرجت من الزنزانة وقلبي يخفق بسرعة وعقلي مصدق أنه أيهم.

"أجل إنه أيهم نفس الأسلوب والصوت ربما بدا عليه اختلاف في لون الشعر وطوله لكن قلبي الأخرق يضعف كلما رآه."

اتجهت إلى البيت وأنا في قمة التوتر والغضب، فدخلت غرفتي فورا واستلقيت على السرير بعد أن أقفلت الباب بالمفتاح.

لحقت بي الأم قلقة وقالت وهي تطرق الباب:

-كريس، حبيبتي هل أنت بخير؟

لم أكن أستطيع الرد خفت أن أقول كل شيء للعائلة المسكينة فأصدمهم بأني لست ابنتهم.

بكيت وبكيت وربما أخيرا قد غفوت، ولم أستيقظ إلا على صوت صراخ الأم فقمت هلعة وبسرعة فتحت الباب؛ لأجد ويدي وقد سقطت مغميا عليها.

فأسرعت إليها ورحت أسأل بخوف:
-ماذا بها، ماذا حدث؟

أمسكتها ورحت أهزها؛ لتستيقظ لكن جدتها قد منعتني، فنظرت إليها بصدمة وهي تقول بغضب:

-ابتعدي كريس، هل نسيت وضع ابنتك الصحي أيضا، بسرعة اتصلي بالطبيب خاصتها إنه مسجل على جوالك.

فورا اتصلت بالطبيب و اكتفيت بالنظر إلى السيدة وهي تقوم ببعض الاجراءات المساعدة حتى يصل الطبيب.


قلت لها:

-مابها ويدي؟ أرجوك يا أمي.

قالت:

-انتظري، لقد وصل الطبيب.

قام الطبيب بعلاجها واعطى التعليمات لنا لنساعدها على الشفاء.

الطبيب:

-كريستين، سعيد لأنك أصبحت بخير.

رددت له:

-شكرا سيدي.

وبعد انصرافه عدت بسرعة إلى غرفة الفتاة وجلست قربها ورحت أبكي بقهر.

ديفيد:

-أرجوك يا أمي، لا تبكي.

ضممته وتمالكت نفسي، وهنا عادت جدته ومعها صحن الحساء الساخن وقالت لي:

-أسفة كريس، خوفي على ويدي جعلني أنسى أنك فقدت الذاكرة.
مسحت دموعي التي لازالت عالقة على خدي وفلت:

-لا عليك يا أمي، هلا شرحت لي وضعها.

فقالت ومسحة الحزن تملأ عينيها:

-لقد أصيبت منذ سنة بعد شجار بينك وبينها أصيبت بارتفاع ضغط الدم ويتكرر كلما غضبت.

فقلت لها:

-وما الذي أغضبها اليوم؟

قالت وهي تنظر إلي:

-قلقت عليك جدا فساء وضعها.

قلت لنفسي وأنا أنظر إليها:

"حبيبتي، أنا أسفة"

اقتربت منها أكثر وفجأة فتحت عينيها وقالت:

-أمي، أمي.

قلت لها:

- حبيبتي أنا هنا، أنا معك.

قبلتها وقررت أن أكون أقوى في المرات القادمة، وعندما اطمأنيت عليها قدت ديفيد لغرفته ثم حكيت له قصة ما قبل النوم، حتى خلد للنوم.

وفي الصباح فتحت جوالي لأجد على برنامج الواتس آب رسائلا وصلتني من فريدرك وكلها تذكير لي لما كان بيننا سابقا على أنني كريستين.

"كريس، لا أستطيع نسيان الأمر، أحبك جدا، أرجوك فكري بنفسك وفكري بي"

فقلت لنفسي:

"يا إلهي! كيف سأعالج هذا الأمر؟ أنا هنا فقط لاثبات براءتي، كيف سأتصرف."

دخلت أمي فجأة -قررت أن أعاملها فعلا على أنها أمي- وقالت:

-حبيبتي مستيقظة، لم أعتد هذا النشاط لديك سابقا، ما الذي يشغلك؟

قلت لها:

-هل أطلب منك النصح يا أمي؟

اقتربت مني وقالت:

-عيناي لك قولي.

قلت بتوتر:

-فريدرك لايزال يراسلني بحثا في الماضي، كيف أتصرف معه؟

فقالت لي:

-اتبعي قلبك يا كريس.

قالت هذا وخرجت.

فهمت ما قصدت وفكرت بالطريقة التي تجعل هذا
عونا لي في مهمتي وليس عائقا، فقمت وارتديت ملابس الشرطة وتجملت ثم انطلقت إليهم لأشاركهم الطعام .

اقتربت من ويدي وقبلتها وقلت:

-كيف حال حبيبتي اليوم؟

ضحكت بتلك العينين البنيتين الساحرتين وقالت:

-أمي يا أروع شرطية في العالم.

ثم نظرت إلى ديفيد وقلت:

-وانت يا بطلي.

فقال والفرحة تشع من عينيه:

-بخير
يا أمي.

ودعتهم ثم انطلقت وأنا أخطط للقادم هذه المرة.
وفي الطريق كلمت فريدرك وقلت له:

-كيف حالك؟ هل لي أن ألتقيك فورا؟

رد:

-تمام إذن في نفس المطعم نلتقي.

تلعثمت وقلت لنفسي:

-ورطة جديدة، سأتصل بسارة لتنقذني.
وبعد أن اتصلت بسارة وشرحت لها، فهمت منها اسم المطعم وعنوانه وانطلقت إلى هناك بسرعة.


وهناك جلست على طاولة أتتظر قدومه وعندما وصل كان يحمل باقة من الزهور في غاية الجمال.
قال فريدرك بعد أن فاحأني بتقبيله يدي:
-حبيبتي كريستين، كم اشتقت لك!

اضطربت مشاعري تذكرت أيهم وكذب أيهم ولكني تمالكت نفسي ثم قلت:

-تفضل بالجلوس فريدرك.

نظر إلي وعيونه ممتلئة بالعشق ثم قال

-لقد تغيرت كثيرا يا كريستين!

أجبته فائلة:

-لم تقول هذا؟ لم أفهم.

طأطأ رأسه وصمت قليلا ثم قال:

-لنطلب شيئا لنأكله ثم نكمل حديثنا.

قلت في نفسي:

"علي أن أخبره بالحقيقة وأن أطلب منه مساعدتي."

وبعد أن فرش النادل أصناف الطعام، وتناولنا بعضا منه قال فريدرك:
-أتذكرين سبب انفصالنا؟ عندما شعرت بتأنيب الضمير تجاه ديفيد بعد اصابته.

تظاهرت بالفهم وقلت:
-إنه ابني يافريدرك.


وكانت الصدمة أكبر عندما أخبرني بأهم تفصيل في حياتي ككريستين.

فوقفت فجأة كالمجنونة، ثم تركته ورحت أركض ودموعي تهطل على وجهي.

فريدرك:
كريستين، كريستين.

وانا أركض وأركض ولم أعره أي انتباه ورحت أسأل نفسي:

"كريستين لماذا؟ من أنت لقد تعبت وأريد العودة إلى أسرتي."

لحظات ولحق بي بسيارته وعندما نزل منها ضمني لصدره وقال:

-تركتني مرة ولن أسمح لك أن تعيدي الكرة ،أفهمت؟

نظرت له وشعرت بالضعف
قلت لنفسي:

"ما بك ماري؟ هل صدقتي أنك كريستين حقا؟ هل وقعت في حبه حقا؟ اهدأي ماري فكري بعقل وروية، وركزي في هدفك الأساسي."

ثم دفعته وقلت له:

-أرجوك فريدرك، أنا متعبة جدا وفقدان الذاكرة الجزئي يتعبني أكثر.

شعرت بنبضات قلبه
الصادقة ولكنني لا أستطيع أن أكذب عليه وعلى نفسي.
-هلا أوصلتني إلى البيت فريدريك، لو سمحت.


قال فريدرك متفهما الأمر:
-لك ذلك ولكن ما أخبرتك به ليس بجديد وأنت تعرفينه مسبقا فما الجديد؟

قلت له:
-أنا تائهة ولو كنت تحبني فعلا لتحملت ظروفي.

فقال:
-سأنتظرك إلى الأبد، هيا بنا.

فكرت طيلة المسير إلى البيت:

-مسكين، كيف لي أن أخبره أن محبوبته لم تعد موجودة، كيف لي أن أصدمه بهكذا خبر وأنا أرى كمية هذا الحب في عينيه لكريستين.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي