قرية أتلانتس

الشاذلية`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-02-10ضع على الرف
  • 6.1K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول عالم جديد

الفصل الأول (عالم جديد)

في صباح يوم جديد، بدأت الشمس تعلن عن بداية مشرقة، وهناك فتاة تنام على فراشها، بشكل فوضاوي.

شعرها الأسود المنسدل، تأخذ كل خصلة منه طريق مختلف على وسادتها، وذراعيها النحيفتان، الجميلتان كل واحدة فى إتجاه، وأما قدميها، فواحدة أسفل السرير، والأخرى أعلى الوسادة.

لو رأيتها تكاد تجزم، أنها تتصارع فى الليل، أو أنها تلعب إحدي الألعاب البهلوانية ليلاً

أستيقظت بنصف أعين مفتوحة -كعادتها- كل يوم، عندما تشعر بدخول الشمس غرفتها، وأخذت تنادى على أمها، ويتعالى صوتها أكثر، وأكثر، يكاد يجزم من يسمعها، أنها تصرخ، لا تنادي.

تأففت الأم من صراخ إبنتها المستمر، وذهبت إليها في ضجر، وضيق شديد، ثم قالت لها:
_ما بكِ يا نور!

نظرت نور إلى أمها بنصف أعين مفتوحة؛ تدل على مقاومتها النعاس الشديد، وقالت لها:
_ألم أقل لكِ يا أماه أن تغلقي هذه النافذة؟ كل يوم أستيقظ مبكرًا؛ بسبب هذه الشمس المتسلطة.

زفرت الأم، وضجرت بسبب أفعال أبنتها؛ فقد تعبت معها كثيرًا، ولكن دون جدوى، أخذت تصرخ عليها:
_كفاكِ نور، يكفي، ألم تملين من النوم؟! أنت لا تفعلين أي جديد بحياتك، أستيقظي، وأصنعي شيئا نتفاخر به

نفرت نور من أمها؛ فهي دائمًا ما تصرخ عليها، بحجة أنها تريد أن تفتخر بها، ألا ينبغي للأم ألا تفتخر بإبنتها إلا عندما تحقق شيئًا عظيمًا؟!

وأخذت نور تسب هذا العالم الذي لا يراها كنور الإنسانة، بل لابد لها أن تحقق المستحيل؛ لينظر لها بعين الرضا.

نهضت نور من على فراشها بثقل شديد، وهي مُستاءة، تشعر بتخدر بجسدها، كأنه يقول لها لا أوافقكِ على النهوض، كأنه يرفض الخضوع لها، وبالأحرى لوالدتها النشيطة.

أخذت نور تتمني أن يحدث معها كما حدث مع أهل الكهف؛ فتذهب في سبات عميق مائة عام، أو أكثر دون أن يُقظها أحد.

سمعت نداء أمها ثانية؛ فأخذت تدبدب بقدمها في الأرض كا الأطفال، وهي منزعجة من صراخ أمها، كانت تشعر أنها في حرب كل يوم بين أمها، وفراشها.

ذهبت نور إلى أمها، بخطوات متثاقلة، وبأعين نصف مفتوحة، وصوت يشبه البكاء، ثم قالت لها:
_لماذا كل يوم هذا الصراخ يا أمي؟ دعيني، وشأني.

نظرت لها أمها بنصف عين دلالة على عدم رضاها على ما تتحدث عنه ابنتها، ثم قالت لها:

_أنا من لا يعرف ماذا يفعل معكِ؟ لما تحبين النوم إلى هذه الدرجة لا أعلم؟ هيا يا نور أستحمى، وأقضى صلاتك، وبدلى ملابسكِ؛ لكي لا تتأخرين على جامعتكِ.

ضربت نور وجها بيديها؛ فكانت تنسى الجامعة، وتذكرت أنها أن ظلت واقفة هكذا؛ فحتما ستتأخر، ركضت من أمام أمها سريعًا، وهى تصرخ أن تحضر لها طعامها.

أخذت الأم تضحك على جنون ابنتها، وكيف أنها كل مرة تنسي جامعتها فهي لا تريد إلا النوم، وأخذت تعد لها الطعام.

انتهت نور من ملابسها، ثم ركضت إلى أمها تأكل معها سريعًا، كانت نور تخشى أن تتأخر على جامعتها؛ فدكتور المادة لا يُهمه أحد، ويطرد كل من يأتي المحاضرة متأخرًا، أخذت الأم تضحك على هرولة ابنتها، ثم قالت لها:
_مهلًا نور، لما كل هذه العجلة؟

نظرت نور إلى أمها؛ فهي تعلم أنها تسخر منها؛ فهي محقة؛ فنور أستاذة في النوم، ثم قالت لها:
_أسخري كما تريدين يا أمي، فأنا سأنطلق قبل أن يطردني الدكتور العزيز من محاضرته.

نظرت الأم إلى ابنتها نظرة تملئها الإستعطاف، والرقة، حنان الأم الذي يُذاب منه الجليد، ثم قالت لأبنتها:
_أذهبي يا بنيتي، وأنتبهي جيدًا إلى نفسك، سأشتاق لكِ لحين تعودين.

ترقرقت الدموع في عين نور، ولا تعلم لما شعرت أنها ممكن أن لا ترى والدتها مرة أخري؟ ولما كل هذا الوداع؟ فهي ذاهبة إلى الجامعة، وليست مهاجرة، قبلت أمها من وجنتها، ثم ذهبت إلى جامعتها.

أنتهى يوم نور الممل من نظرها سريعًا، وهي عائدة إلى المنزل، وجدت مجموعة من الشباب تعترض طريقها، نظرت إليهم نور برعب شديد، وقررت أن لا مفر سوى الركض؛ فركضت بأعلى سرعة تستطيع الوصول إليها، دون النظر حولها.

ظلت نور تركض إلى أن وجدت نفسها ضلت الطريق، ولم تعد تعرف طريق العودة، أخذت تبحث هنا، وهناك، ولكن دون جدوى؛ فالليل أشرف، ولم تعد تعرف أي وجهة، قررت الدخول إلى المنزل الفارغ الذي أمامها؛ لتختبئ فيه إلى طلوع الشمس.

فتحت نور الباب، ومن ثم لم تعِ ما يحدث.
_أين أنا؟! ما هذه الصحراء؟! أين أنا؟!

خافت نور، وأرتعبت؛ فهي لا تعرف أين هي، ولا من أتى بها إلى هذا المكان، أخذت تبكي، وتبحث هنا، وهناك عن أحد تستطيع أن تسأله، أخذت تركض، وهي تجفف دموعها المنهطله، كنزول المطر، يُشفق عليها كل من يراها.

ظلت نور تنظر حولها تتمنى أن تجد أحد ينجدها مما وقعت فيه، ولكن دون جدوى؛ فهي في صحراء قاحلة، من يبقى فيها يموت لا محالة، ظلت نور تبكى إلي أن فقدت وعيها، وأرتطم جسدها النحيل بأرض الصحراء.

اشتدت الرياح، وكأنها تصرخ من يساعد نور، وأخذت تشتد أكثر، وأكثر، وتحرك نور هنا، وهناك إلى أن وجدها رجل كان يسير بالصحراء.

ركض الرجل سريعًا، عندما رأى نور كجثة هامدة، أخذ يحرك فيها، وينادي عليها أن تفيق، ولكن دون جدوى؛ فما وجد حلًا إلا أن يأخذها معه، رفعها على كتفيه، وأكمل بها طريقه إلى أن وصل إلى وجهته، نادى الرجل بأهل القرية:

_يا أهل قرية "أتلانتس"، تعالوا إلى هنا معي فتاة فاقدة لوعيها.

تحاشدت الناس على صوت هذا الرجل، وتسارعوا على مساعدة نور؛ ففعلوا لها كل ما يتطلب لتفيق، ولكن دون جدوى؛ فتكلمت امرأة عجوز، ثم قالت:
_الأمير ليس هنا، وهذه الفتاة لن تذهب إلى أي مكان إلا منزلي إلى أن يأتي الأمير، ويعلم بها، سأعتني بها، لا تقلقون.

صاح الجميع موافقون؛ فهم يعلمون من هذه المرأة المعروفة بحكمتها، وحسن صنيعها، وطيبة قلبها، وأخذ الجميع يعودون إلى أعمالهم بعدما أدخلوا نور إلى منزل المرأة العجوز.

نادت المرأة العجوز التي تدعى "خولة" إلى خادمتها التي تدعى "رقية":
_رقية يا ابنتي، تعالي إلى هنا.

جاءت رقية بسرعة؛ فهي تحب سيدتها كثيرًا، ولا تستطيع التأخر عليها أبدًا، أتت رقية تلبي نداء سيدتها قائلًا لها:
_أمركِ سيدتي، بما تأمرينني.

أجابتها الست خولة بصوت حنون قائلًا لها: _أذهبي يا بنيتي، وأستدعي الحكيم نورالدين، قولي له أني أريده في السريع.

أجابت رقية سيدتها بقلب ملبي لأوامرها قبل أن يلبي لسانها، وهى تقول لها:
_أمركِ سيدتي، سأذهب بسرعة إلى الحكيم نور الدين، وأتى إليكِ بسرعة.

أبتسمت السيدة خولة؛ فهي تعلم خادمتها، وكيف تلبي لها طلباتها بسرعة شديدة؛ فمن حبها لها لا تستطيع أن تجعلها تنتظرها أبدًا، ولو دقائق؛ فقالت لها:
_حسنًا بنيتي، أذهبي، وعودي سريعة.

ذهبت نور إلى الحكيم نور الدين، وقصت عليه ما قالته لها سيدتها؛ فلبي الحكيم النداء سريعًا، وذهب إلى السيدة خولة، نظر إلى السيدة خولة؛ فوجد فتاة في مقتبل عمرها؛ فتحدث الحكيم إليها متسائلا:
_من هذه الفتاة يا سيدة خولة؟

أجابته السيدة خولة، وهي تنظر إلى نور، وهي مشفقة عليها؛ فمن هيئتها من يراها يعرف أن واجهت الكثير؛ فقالت له:

_هذه الفتاة وجدها رجل من القرية وهو يسير بالصحراء، وكانت فاقدة لوعيها؛ فجاء بها إلى هنا.

تعجب الحكيم من السيدة خولة، ثم قال لها:
_سيدة خولة ألا تعلمين ما بيننا وبين مملكة العظماء، أتظنين أن هذا الأمر سيمرره الأمير؟ الأمير يزن سيفعل الكثير بعد هذه الواقعة التي أوقعتينا جميعنا بها، ما أدراكِ أنها ليست بجاسوسة أرسلتها مملكة العظماء؟ أنسيتى ما حدث؟

أجابته السيدة خولة، وهى تعلم حقًا ما هي مقبلة عليه، وكيف الأمير سيغضب منها؟ وهو يحبها كثيرًا، ويعتبرها كأمه؛ فقالت له:

_أعلم أيها الحكيم، ما أقحمت نفسي فيه؟ كما أعلم غضب الأمير، ولكن ما باليد حيلة؛ فالفتاة فاقدة لوعيها ولا أستطيع تركها أبدًا، أفعل اللازم، ولا تحمل هم؛ فأنا من يتصدر للأمير

جائها صوت الأمير من خلفها قائلا لها:
_ تتصدرين لي على ماذا سيدة خولة؟

أنتفضت السيدة خولة، وكل من بالغرفة من الصوت، والجميع بصوت واحد:
_الأمير يزن!

نظر الأمير إلى الجميع في تعجب، ثم ما لبث أن فهم الأمر عندما وجد فتاة شاحبة شحوب الموتى نظر إلى الجميع، ثم قال:
_من هذه الفتاة؟

أسرعت السيدة خولة تجيبه بخوف شديد، وهي تقول:
_مولاي الأمير سأشرح لكَ كل شيء، هذه الفتاة جاء بها رجل من القرية، بعدما وجدها فاقدة لوعيها في الصحراء، وكنت سأخبر جلالتك بكل شيء فور وصولك.

غضب الأمير يزن؛ فصاح في السيدة خولة:
_ماذا فعلتِ يا سيدة خولة؟ أنسيتِ ما حدث قبل ذلك؟ أتريدين أحد يذكركِ بالأمر؟

عودة للماضي

يجلس الأمير يزن في غرفته يفكر في أمر مملكته؛ فمملكة العظماء لا تكل، ولا تمل أن تؤذي قرية أتلانتس طيلة الوقت، الأمير يعلم علم اليقين ما تريده مملكة العظماء؛ فهي تريد القضاء نهائيًا على قرية أتلانتس.

يقطع حبل أفكار الأمير دخول حارس غرفته، وهو يقول:
_عذرًا مولاي، ولكن هناك فتاة مجروحة جروح بالغة، وجدوها بالقرب من القرية.

أنتفض الأمير واقفًا من مكانه، ثم صاح بالحارس:
_أدخلوا الفتاة، واستدعوا الحكيم نور الدين فورًا.

جاء الحكيم نور الدين مسرعًا، يُلبيء نداء الأمير له:
_أمرك مولاي الأمير.

أسرع إليه الأمير هاتفًا:
_أسرع يا نور الدين الفتاة تنزف، حاول أن تفعل شيئًا.

نظر نور الدين إلى الفتاة، ثم أخذ أدواته، وظل يعمل مسرعًا؛ لإنقاذ حياة الفتاة مجهولة الهوية، أنتهى نور الدين من عمله، ثم قال للأمير يزن:
_ستكون بخير إن شاء الله مولاي.

نظر الأمير لنور الدين يريد الإطمئنان منه:
_متأكد أنها ستكون بخير نور الدين؟

أجابه نور الدين سريعًا:
_إن شاء الله مولاي، لا تقلق، ولكن هل لي بسؤال؟

أرتاح الأمير لما قاله نور الدين، ثم قال له:
_تفضل يا نور الدين، أسال ما تريد.

أجابه نور الدين قائلًا:
_من هذه الفتاة يا مولاي؟ ولما أُصيبت بهذا الشكل؟

أجابه الأمير، وهو تائه يفكر فى أمر:
_لا أعلم من هي يا نور الدين، أنت تعلم أن من يحتاج مساعدتنا، لا يهمنا من كان، ولكن أخشى أن تكون مكيدة مدبرة من مملكة العظماء.

رد نور الدين:
_وكيف سنعلم هذا الأمر يا مولاي؟

أجاب الأمير يزن قائلًا:
_هذا ما أفكر به يا نور الدين.

أجابه نور الدين:
_إذن ننتظر إلى أن تفيق مولاي، ونعلم نواياها، وماذا ستفعل؟

أقتنع الأمير يزن بما قاله نور الدين، ثم قال له:
_معك حق يا نور الدين، ننتظر؛ لنرى ما سيحدث.


أستأذن نور الدين بالذهاب، ووعد الأمير أن سيأتي غدًا؛ ليرى الفتاة، مرت الأيام وفاقت الفتاة وذات يوم، والناس نيام فاق الأمير من نومه؛ لكي يشرب؛ فرأى هذه الفتاة تقف مع شخص لا يعرفه، يرتدي ملابس مملكة العظماء.

أيقن الأمير أنها جاسوسة بالقرية، تنقل الأخبار إلى مملكة العظماء.

عودة إلي الحاضر

أجابت السيدة خولة:
_أعلم ما حدث يا مولاي، ولكن كيف لهذه الملاك أن تكون جاسوسة، ننتظر يا مولاي، وتراقبها ليل نهار، وأن لاحظت عليها أي شيء تصرف بما تريد.

أحتار الأمير ماذا يفعل! فهو بين نارين، كيف سيترك مريضة؟ وماذا سيفعل إن كانت جاسوسة؟ قرر أن يترك الأمر، ويفعل ما يمليه عليه ضميره، ويراقبها كما قالت السيدة خولة، ثم ألتفت إلى نور الدين قائلًا:

_لا تهمل في علاجها نور الدين، وبلغني بما يحصل، وأول ما تفيق أخبروني فورًا.

أجاب نور الدين قائلًا:
_أمرك مولاي، كما تريد.

ألتفت الأمير يزن إلى السيدة خولة:
_أدعو الله يا سيدة خولة ألا تكون جاسوسة؛ فأنا أحمل لكِ الكثير، ولا أريد أن أغضب عليكِ.

أجابته السيدة خولة بحنان بالغ:
_إن شاء الله مولاي، سيكون كل شيء خير.

تركهم الأمير يزن، ورحل، وأكمل نور الدين عمله، ثم قال:
_سيدة خولة أعتنِ بها كثيرًا، وفور أن تفيق أرسلي إلى الأمير، وأعلميه بالأمر.

أجابته السيدة خولة:
_لا تقلق يا سيد نور الدين، سأعتني بها كثيرًا، لا تقلق.

أبتسم نور الدين ثم رحل، مرت الأيام وما زالت نور فاقدة لوعيها ترفض أن تعود إلى الواقع المرير الذي وقعت فيه، تجلس السيدة خولة، تمرر يديها على شعرها، وهي تدعو الله أن يشفيها، دخل الأمير قائلًا:

_السلام عليكِ سيدة خولة.

أجابت السيدة خولة بإبتسامة خفيفة:
_وعليكَ السلام مولاي.

نظر الأمير إلى نور، ثم عاد ببصره إلى السيدة خولة قائلًا:
_أما زالت كما هي سيدة خولة؟

نظرت إلى نور نظرة استعطاف، وهي تقول:
_كما هي مولاي، لم يتغير شيء.

حزن الأمير؛ لأجل نور؛ فهو لا يعرفها، ولكنها فتاة مريضة، وفاقدة لوعيها، ثم قال للسيدة خولة:
_سيدة خولة، أرسلي لي أن حدث أي جديد.

أبتسمت السيدة خولة للأمير، وقالت له:
_أمرك مولاي.

وفجأة علت الأصوات، ورجل يهتف بصوت عال، رجال مملكة العظماء هنا، أنتبهوا!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي