2الفصل الثاني

"عودة إلى ذكريات ليث"
فجأة أنتفض "ليث" واقفاً، كتمت "كيرا" شهقتها بيدها وهي تنظر بهلع صوب الفيديو.
وجد "ليث" عائلته كلها على سطح بنايته، والدته، شقيقاته الأثنتان، شقيقه الصغير، والمرعب في الأمر أن والدته كانت معلقة من قدمه في حبل خفيف وجسدها متدلي في الهواء صوب الشارع، اما أشقاءه فهناك من يمسك كلاً منهم وعلى رقبتهم سلاح حاد يشبه الخناجر المسننة الخطيرة.

لم يعرف كيف أرتدي "ليث" سرواله وقفز خارجاً من شقته إلى سطح بنايته، وفي الأعلى صدم برؤية المشهد يحدث أمامه، نظر لعائلته برعب شديد، لمح من يمسك الحبل الضعيف الذي تتدلى منه والدته، فرغ فاهه على وسعه، حملق بعيناه بعدما عرف هوية الفاعل.

عاد "ليث" بذاكرته على شهقة أحدهم، فتح عيناه وهو مفزوع، وجد أمامه فتاة في العقد الثاني من عمرها تقريباً، تقف أمامه لكنها تسند يدها على درابزين الكورنيش وترفع إحدى قدمها على أول درجات الدرابزين، تنظر إلى "ليث"

بلامبالاة وهي تقول:
_لديك كل الحق، ما أبشع تلك الحياة، لكن يا صاح إن أردت الإنتحار لما تلقي بنفسك من هنا؟ فهذا المكان مخصص للعشاق وليس للبؤساء أمثالك، هيا يا رجل أنزل وتعقل، لا يوجد مشكلة لا حل لها، هيا أنزل مؤخرتك المثيرة إلى هنا قبل أن اجذبها أنا بنفسي.

قفز "ليث" برشاقة إلى الأرض وهو يرمق الفتاة بنظرات نارية ساخطة، لكنها فرغت ثغرها بإبتسامة إنتصار ساخرة، تركها وسار مبتعداً عنها، سارت خلفه وهي تقول بمشاكسة:
_أظن أنه من الواجب أن تشكرني وتكن ممتن لحضوري في اللحظة المناسبة وإلا لــكنت ندمت بعدما تقتل نفسك ببلاهة، لكن لا يوجد مشكلة، لا شكر على واجب، ما أسمك؟ أنا أدعى--


قبل أن تكمل كلامها توقف "ليث" وفي حركة خاطفة مسك عنقها بيد واحدة ورفعها عن الأرض ببضعة سنتيمترات، نظرت له بصدمة، يخنقها "ليث" في لحظة غضب، لكن لا يبدو عليها أنها تختنق، ضيق "ليث" عيناه كأنه يتسأل كيف تتحمل تلك الفتاة قبضته؟

لكن يبدو أنها أنتبهت للأمر، فركلته بقدمها ومثلت الإختناق، تركها "ليث" وهو يدفع بها للخلف، لكنها سقطت على قدمها كأن قوته الهائلة ودفعه لها لم يؤثرا بها أبداً مما زاده فضول وغضب، لكنه الأن ليس في مزاج يسمح له بالتحقيق في أمرها.

قال لها وهو يستدير مبتعداً:
_أبتعدي عني أيتها الثرثارة، أنا لست مدين لأحد بأي شئ، أبتعدي قبل أن ألقي بكي في الهاوية بنفسي.

لم يسمع رداً منها، أراد أن ينظر ليتفقدها، لعلها فقدت الوعي بسبب قبضته الحديدية، لكن كبرياءه منعه من هذا وأكمل سيره حتى خرج من المنحنى ودخل لزقاق بعيد عن الشوارع العامة، وقف فجأة بعدما وجد شبان يدخنان بعض الممنوعات ينظران خلفه بإعجاب شديد.

توقف "ليث" وهو يتنفس بضيق لأنه أستشف من الموقف أن هؤلاء الشباب الحمقى يتغازلون فيها، أوشك على الألتفاف لها ليصرخ فيها، لكنه تراجع وسارت تجاه باب البار، دفعه بقدمه ودلف للداخل، جلس على أقرب مقعد أمامه، مسك كأس المشروب البارد.

لكن ضميره يؤنبه لأنه ترك الفتاة في عرض الزقاق وهو يعرف بأنها ستتعرض لمضايقة من الشباب السكارى، لكن فجأة، دوت صرخات مفزعة تقشعر البدن، وتهز القلوب.

"عودة إلى روفيدا"
فتحت "روفيدا" عيناها وهي تشعر بأنها ماتت والأن ميعاد الحساب، لم تستطع فتح عيناها من شدة ضوء الشمس الذي يضرب في وجهها مباشرة، غطت وجهها بذراعها، وقفت بصعوبة وهي تحاول أن تتفحص المكان حولها.

ظنت في بداية الأمر أنها بداخل الجحيم نفسه من شدة الحرارة العالية، لكنها فتحت عيناها لتجد نفسها في بستان ملون من زهور غريبة، وهناك بعض الماره الأغرب، الناس يمرون من جوارها ولا يهتم أحد لكونها ملقاة على الأرض فاقدة الوعي، الأغرب من هذا ما يرتدونه من ثياب مبهرجة غريبة

شعرت أنها عادت للعصر الفيكتوري حينما كان الأثرياء يرتدون الكنزات الفخمة الشتوية، لكن هنا تلك الكنزات تصل للأرض ويزينها جواهر فخمة غير منطقية.

"روفيدا" وقفت أمام أحدهم وسألته بتوتر وقلق:
_المعذرة سيدي، هل تخبرني إين نحن؟ أشعر أنني في مكان غريب لا أعرف إين أنا؟

رمقها الرجل ذو الوجه الصارم بنظرات تقزز كأنها متشردة تطب منه حسنة، أبتعد عنها مسرعاً، صدمت "روفيدا" أوقفت سيدة شعرها أخضر لامع، ترتدي كنزة ممتلة مصنوعة من جلد حيوان وجيب قصير للغاية، تزينها المجوهرات والأكسسوارات كــغيرها من المارة.

لكن تلك الإمرأة عندما وجدتها تعترض طريقها، اخرجت من حقيبتها ما يشبه الصافرة الذهب المدببة ونفخت فيها وهي ترمق "روفيدا" بكل إحتقار، فجأة دوت أصوات مزعجة عالية لأجهزة إنذار موضوعة في كل زواية في ذاك البستان.

شعرت "روفيدا" بالخطر ووجدت نفسها تركض ولا تعرف لماذا؟ أو إلى أين؟

ظلت تركض وهي تتطلع حولها بهستريا كــالمجانين، وجدت نفسها في زقاق ممتلئ بالمحال التجارية وما يشبه المطاعم، لكن الوجهات كلها زجاجية ومرايات، وقفت تتأمل وجهها أمام إحدى تلك المرايات وصدمت مما رآت!

"عودة إلى ليث"
خرج يعدو من البار مع عدة أشخاص، ولصدمة الكل، وجدوا بعض الرجال السكارى معلقين من أقدامهم في درج البنايات ويصرخون بهلع وأوجههم ممزقة بوحشية، هنا أغمض "ليث" عيناه وعاد يتذكر مشهد والدته المشابه لهذا.

"عودة إلى سطح بناية ليث وزوجته"

ليث بهلع:
_من، من أنتم؟ ماذا تريدون من عائلتي؟

سمع صوت غليظ من خلفه يقول:
_ها قد آتى يوم الحساب إيها "الليثور"، تعال ليأخذ كلاً منا حقه من الأخر، لقد قتلت أطفالي الأبرياء بيدك القذرة وها أنا قد أتيت لأخذ منك كل من هو غال وثمين على قلبك القذر.

حملق فيه ليث برعب كبير، تذكر وجه هذا الرجل، فهو بعينه الذي هدده بعدما إلقى بزوجته وأطفاله إلى مدينة البراخ النافية بعدما تلقى الأوامر بهذا الشأن.

قال له "ليث" وهو يرتجف بعنف:
_لكن لما تحاسبني أنا يا رجل؟ أنا فقط عبد المأمور، أنا أنفذ ما يملى علي من أوامر، لما لا تذهب للمسئول وتصفي حسابك معه؟ تأخذ ثأرك منه، لماذا تعاقب عائلتي على عملي بالله عليك يا رجل؟

_أخرس سيا وغد، أنت رجل جبان، قذر، لا ضمير له، أنت من ألقى بصغاري في الهاوية، كنت أتوسل إليك أن ترحمهم، توسلت لك، تضرعت إليك أن تتركهم ووعدتك أن أخذهم ونرحل، لكنك بلا ضمير لكي أؤنبه، والأن ستشعر بجحيم الألم الذي حييت أنا فيه وسأحيا فيه للأبد.

أقترب ذاك الرجل من رجله الذي يمسك بحبل والدته، أخذ منه الحبل ونظر إلى "ليث" بكل شماتة وقال له:
_هيا يا "ليث"، ألقي نظرة جيدة على والدتك القذرة التي ربت حيوان بلا قلب مثلك، شاهد جيداً ما سيحدث فيها.

أشعل الرجل سيجارة ووضع جمر السيجارة المشتعل قرب الحبل كي يتمزق بالبطئ، صرخ ليث وأوشك على الركض ليمنع الرجل من حرق الحبل.

لكن قال الرجل له بسخرية وهو يشير على أشقاءه وكلاً منه على رقبته خنجر مدبب:
_لالالا، لا أنصحك بهذا يا رجل، أترى أن كل أشقاءه سيذبحون في اللحظة التي ستتحرك فيها من مكانك.

شعر "ليث" بأنه هو من يحترق، سقطت والدته أمام عيناه وهي تبكي وتصرخ فيه أن لا يتحرك وينقذ أشقاءه، ركض "ليث" إلى سور البنايو ورآي جثة والدته الذي أنفجر أثر السقوط وتناثرت أشلاءها في كل مكان، صرخ "ليث" بجنون.

عاد ينظر للرجل، لكنه صدم به يضحك، ألقى عليه رصاصة فجأة، صدم "ليث" أكثر من كيفية حصول هذا الرجل على ذاك السلاح الحربي، فتحت شبكة حديدة من الرصاصة التي أطلقها الرجل على "ليث".

قيدته الشبكة كلياً كـأنه فأر وسقط في المصيدة، وهنا رآي المجزرة التي تعرض لها أشقاءه، ذبح الشقيق الصغير، أعتدوا على زوجته وشقيقاته البنات، قلب "ليث" كاد يخرج من قفصه الصدري جراء صراخه الهستيري.

أنتهى اليوم بألقاء عائلة "ليث" بأكملها من أعلى البناية، وتم جر ليث إلى مدينة "الإنكا" الخاصة بالفقراء الموبؤون، وتم ربط "ليث" بالشبكة الحديدية إلى قطار البضائع، أنتهى الرجل من "ليث" بعدما وجده ممزق والدماء تكسو كل جسده حتى أنه لم يتبقى منه شيئاً مرئياً.

مجدداً عاد "ليث" بذاكرته إلى الواقع، لكنه لم يجد أحداً حوله، ضرب يده بالجدار وسار خارجاً من الزقاق قاصداً منزله.

يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي