الفصل الثالث

القرية الملعونة

.
الفصل الثالث





نحن المُستاؤون من بدع الحياة، نحن الذين لا نصدق كل ما نسمعه، حتى بِتنا نشكِّك فيما نراه، نحن الذين هرمت قوانا فأصبحنا من فئة اللامبالين من فرط الانتباه السابق لكل شيء، نحن فقط لنا وعلينا كل السلام والطمأنينة، فما أوجعنا قلب أحد في هذه الحياة بمقدار ما تأذينا، نحن الذين شربنا مُر الحياة في كؤوس من جمامجنا وعقولنا، لم ترضَ علينا الدنيا ساعات قليلة بمسحة من الفرح والسلام النفسي إلا وعادت مرة أخرى خاطفة هذا السلام؛ مُبدِّلة إياه بجبال من الحزن والأوجاع.

هي الدنيا وهذا حالها، لا فرح باقٍ ولا حزن يدوم، جُلُّها أفكار تعبث بفكر "جهاد" التي تسير مع "عبد الرحمن" في دروب بين الجبال المُخيفة، تطالع ما حولها بوجل تارة، وبانبهار تارة أخرى.

للمرَّة الأولى تأتي إلى هذه الأرض، سمعت عنها الكثير من القصص والأساطير، ولكنَّها لم تخطو إليها من قبل خطوة واحدة، ولا كانت تظن أن يأتي يومًا وتأتي فيه إلى هنا، لم تظن أنها ستكون حصنًا يحمي صغيرها.

جبال عاتية بدروب ضيقة وممرات يصعب السير فيها، لم يطل الوقت في المرور بتلك الممرات الضيِّقة حتى ظهر نبع من الضوء في نهاية الطريق، تنهدت بشيء من الراحة وكأنه كان كابوسًا وانتهى بأنوار القرية التي بدأت في التجلي أمام أعينها، تحدثت إلى عبد الرحمن قائلة:
- هل تلك الأضواء في نهاية الطريق هي القرية؟

هز عبد الرحمن رأسه إيجاب على قول جهاد، ثم أجاب وهو يكمل سيره قائلًا:
- نعم، تلك هي أنوار القرية، قد اقتربنا كثيرًا من الوصول، أعلم أنك متعبة لكن لم يبقى الكثير.

- هل تعرف أنها المرة الأولى التي أزور فيها هذه القرية؟ سمعت عنها الكثير والكثير، وقص لي "رحيم" الكثير من القصص عنها، لم يخطر ببالي أن آتي إليها يومًا، ولكن كما يقال أن أقدارنا تسوقنا دائمًا سوقًا، فها أنا على أعتابها، يقول الجميع أنها مليئة بالسحر والجن، هل هذا صحيح يا عبد الرحمن؟

قالتها بفضول يشوبه بعض الخوف على الصغيرين أولًا، ثم عليها، توقف عبد الرحمن للحظات ناظرًا إلى جهاد بابتسامة عابسة ثم استرسل حديثه قائلًا:

_ ليس كل ما يقال حقيقة يا جهاد، وليس جميعه كذب أيضًا، هذه القرية عانت كثيرًا من حروب لا دخل لأهلها فيها، وبالنهاية ماذا حدث؟
تدمرت عن بكرة أبيها في كل شيء، مات زرعها، تسممت مياهها إلا القليل منها، هاجرها أغلب ساكنيها، بالتأكيد كل هذا لم يأتِ من فراغ، نعم فيها السحر وفيها الجان، ولكنهم اختاروا القبوع في مكان واحد لا يغادرونه هو الطريق السابق للقرية.

فبعد أن فعلوا فيها ما فعلوه سكنوا هذا المكان، يخرجون من آن إلى آخر ولكن الأذية لم تعد كما السابق، حيث أنه لم يعد من الأساس شيء يمكنهم إفساده في القرية، ولكن لا تنسي أنه كما يوجد فيها جن شرير يتواجد الطيب أيضًا، ولكنـ....

توقف عبد الرحمن عن الحديث صامتًا لوهلة، انتبهت إلى صمته هذا جهاد فتحدثت:
_ ولكن ماذا؟
_ ولكن لم يعد هناك إلا خيار واحد فقط لعودة هذه الأرض إلى سالف عهدها، وهذا الخيار يتمثل في رحيم، عودة هذه القرية لسالف عصرها، تلك الخيرات وصفاء المياه مرهون بعودة رحيم فقط، هو الوحيد القادر على فعل ذلك.

تعجبت جهاد من قول عبد الرحمن هذا، فكيف يكون لرحيم دخل في هذا؟ هو حقًا أخبرها من قبل عن القرية وما حدث بها، ولكنه لم يتحدث في الأمر باستفاضة كبيرة، بل اكتفى بقشور فقط حتى يخرس فضولها، فـ أجابت متسائلة:
_ رحيم؟ كيف وما علاقته بهذا؟

أشار عبد الرحمن إلى جهاد أن يستأنفا سيرهما ويكملا الحديث وهما يتحركان، أجابت تلبية لما أشار إليه فأكمل الحديث قائلا:
- لرحيم كل الدخل فيما حدث وما يحدث، وأيضًا هو طوق النجاة وعودة هذه الأرض لسالف عهدها.

رحيم هو الشخص الوحيد الذي يعلم موضوع المدينة المسحورة والتي تحتوي على ترياق الحياة لهذه الأرض.
فقط هو وحده الذي يعلم موضعها، لم يستطع شخص قبله الوصول لأعتاب تلك المدينة، وهذا ما جعل القرية لما هي عليه الآن.

صُعقت جهاد مما تسمعه، للمرة الأولى تسمع مثل هذا الحديث العُجاب، ولكن سرعان ما أنهى عبد الرحمن شرودها هذا فـ أكمل حديثه قائلًا:
- أعلم أنكٍ لا تعين ما يقال، بالفعل هو أمر يصعب فهمه وتصديقه، ولكن هذه هي الحقيقة، رحيم وصل إلى هذه المدينة من قبل.

اكن وصوله هذا كان من الأسباب الرئيسية لموت زوجته السابقة، ومنذ هذا الحادث لم يحاول مرة أخرى الذهاب إلى هناك، بل وقرر ترك القرية بأكملها والابتعاد عن هذا المكان الشؤم بالنسبة له، قرر أن يحافظ على حياة ابنته وحياته لأجلها، رغم محاولات "الشيخ سامح" و"غفران" المستميتة في إرجاعه عن قراره هذا وإبقائه هنا، ومعاودة الذهاب والبحث عن الترياق، لكن قراره كان نهائيًا غير قابل للنقاش.

بالتأكيد كان حقًا مشروع له أن يخاف على ابنته ويبعدها عن هذا المكان، لكن تلك المرة كان تفكير رحيم بشكل أناني، لم يفكر إلا بنفسه فقط دون الاهتمام بكل أهل القرية.

حينها قرر الشيخ سامح تركة فترة حتى يهدء، ومن ثم يحاول إقناعه مرة أخرى بالعودة إلى القرية، ولكن هذا أيضًا لم يفلح في ذلك، فقد عرفك في تلك الفترة وبدأ قلبه يميل إليك في صمت من لسانه، ود أن يكوِّن عائلة مرة أخرى بعيدة عن كم المخاطر المتواجدة في القرية.

ومن هنا نشب الخلاف الكبير بين كل من الشيخ سامح ورحيم حتى وصل إلى ذروته، ولكن الآن أنا أشعر أن قلب الشيخ سامح أصبح هادئا قليلا تجاه رحيم، لكن المشكلة في رحيم نفسه، لا أحد قادر على إقناعه بالعودة لا أحد، حتى السيدة "مليكة" رغم حبه لها لكنها لم تسطع فعل ذلك.



قبل أن تُجيب جهاد بشيء ظهرت أمام أعينهم القرية ببيوتها التي ما زالت تحافظ على أناقتها القديمة رغم تهالك أغلب بيوتها، وادٍ عملاق وواسع يقع بين الجبال، أرض كبيرة منبسطة يتوسط ظلامها بعض الإنارات الخافته التي تظهر من بيوتها، ابتسم عبد الرحمن ثم تحدث إلى جهاد وهو يشير إلى بيت على الأطراف بقول:

- ها قد وصلنا إلى الغالية، هذا الذي هنالك هو منزل غفران الذي ترك الخاطف الطفلين أمامه، وبقلب القرية يتواجد منزل الشيخ سامح، إلى أيِّ المنزلين تودين الذهاب؟

قالت بلهفة أم على وليدها:
- أود رؤية طفلي، هذا كل ما أريده يا عبد الرحمن، خذني إلى طفلي بالتأكيد هو في انتظاري الآن.

- إذا أعتقد أنهما في بيت غفران، فحين أتيت كانوا هنا جميعا.

- إذا لنذهب إلى منزل غفران.
- وهو كذلك.

أنهيا حديثهما ومن ثم تحركا إلى ذاك المنزل المتواجد على أطراف القرية باغين غفران والطفلين.
لم تكن المسافة بينهما وبين المنزل كبيرة، فسرعان ما وصلا إلى هنالك، خاصة وأن جهاد كانت تسير بخطوات شبه راكضة ودموع بدأت تتشكل في مآقيها كأنه مر دهر لم تراه ولم تشم ريحه.

طرق عبد الرحمن المنزل عدة مرات ولكن دون إجابة، توقف هنينة ومن ثم عاد إلى طرق الباب لكن أيضا لا أحد يجيب، أمر حول وجه عبد الرحمن الهادئ إلى قلق سُطر على ملامحه، منذ أن تعرف على غفران وهو لا يترك منزله مطلقًا، فـ أين هو إذً وإلى أين ذهب؟

بدأت الهواجس تتلاعب بفكره يمنى ويسرى مما انتقل إلى تلك التي تقف خلفه، فتحدثت بعد أن شعرت بالتوتر الذي ظهر على عبد الرحمن:
- ماذا هناك يا عبد الرحمن؟ أين ذاك الذي يدعى غفران؟ يبدو أن لا أحد بالداخل، إذا أين هم؟!

قالتها بخوف سربل قلبها، فأجابها بهدوء نسبي ليبدد خوفها:
- لا أعلم، هي المرة الأولى التي يترك فيها غفران منزله، بالتأكيد هناك شيء غامض في الأمر.

- وما الذي سنفعله الآن؟
- ليس أمامنا خيار إلا أن نذهب إلى بيت الشيخ سامح، هنالك سنعلم ما الذي يحدث، اتبعيني.

أنهى جملته تلك، ومن ثم تحرك جهة منزل الشيخ تتبعه جهاد بشيء من القلق الذي انتابها، لا تستطع خفائه والسيطرة عليه.

***

في أغلب الأوقات تقودك الحياة إلى فعل أشياء لا تتمنى ولا فكرت يومًا في فعلها، في معظم الأوقات يقودك الدهر للسير في دروب لم تخترها، ولم يكن لديك أي رغبة مطلقة في السير فيها، وإنما قادتك أقدارك إلى تلك الطرق دون أن تشعر.

تحمل شعور الطيبة والرغبة في أن تكون شخصًا ناضجًا لديه الكثير من الأحلام والطموح الكافيين لجعله أسعد من يتواجد على البسيطة، ولكن بين طرفة عين والأخرى يحدث أن تُقاد إلى منحدر لا تعلم كيف انسقت إليه أو سرت فيه، فحول حياتك جلها من الأحلام الطيبة والرغبات الجميلة في أن تكون أفضل إلى كابوس مرعب بهيئة شخص آخر لا تعرفه ولا تود معرفته.

شخص لم ترغب أن تكونه في يوم من الأيام، بحال لم تعد قادر على تغييره أو تبديله، فكُتب عليك أن تكون هذا الشخص دون غيره من الناس.

فبعد أن تصبح رغبتك في الحياة، أو الشيء الوحيد الذي كنت تبغيه وتتمناه من بين كل الأشياء؛ أن تموت ميتة طيبة، في مكانٍ طيب، على حال طيب يرضي الله! أن يُسخّر الله لك بعد موتك أناسًا تدعو لك بِلا مَلل، وتتصدَّق عنك، وأن تكون سيرتك حسَنة طيبة بين الناس.

متى ما ذكرت يتحدثون عنك بكل ما هو جميل ‏ إلى شخص يبغضه الجميع، بدل من أن يدعو له حين يرونه أو يتذكرونه باتوا يدعون عليه، شخص يخاف الموت وما سيلقاه بعد ذلك لم قدمه في الحياة من خراب ودمار وسرقة، يخشى سكرات الموت ولا يجد ما يضعه في حقيبته قبل الموت، ومهما وضع تنساب من بين ثقوبها.

عقل جَن جنونه فلم يعد "سعيد" قادر على ترويضه أو إخماد ما به من أفكار سوداوية، حتى وإن كان رجلًا قاسي الطباع غليظ الفعل، إلا أنه ما زال يحمل شيء من لين القلب كلما حاول إظهاره، هاجمه شيطانه بذكرياته المريرة التي عاشها، يذكره ما رآه وما حدث معه في صغره إلى أن وصل به المطاف إلى حالته هذه، يذكره بنتاج طيبته وإيثاره يوما.

كان يرغب في أن يكون أفضل مما هو عليه الآن، لكن الأمل الوحيد الذي كان ينير حياته قد انطفئ، لم تعد جهاد متاحة له، رغم علمه منذ البداية أنها لن تكون له، لكنه حاول أن يكذب إحساسه وقلبه، فكانت النهاية مخيبة للآمال، بل وكانت قاتلة، مما دفعه لفعل أشياء لم يرغب في فعلها، أشياء لا تنم لما جبل عليه منذ صغره.

- كيف حالك يا زعيم؟

صوت طفيف أتى من محمود، ذاك الذي يقف أمام سعيد بابتسامة ماكرة، تنهد سعيد طاردا كل تلك الأفكار الحمقاء من رأسه ناظرا إلى محمود فقال:
- بخير، اجلس.

هز محمود رأسه إجابة على ما قاله سعيد، فسحب كرسي من كراسي القهوة التي يجلس عليها سعيد، متحدثا إليه:
- سمعت أنك تبحث عني يا زعيم، هل حدث خطب ما؟

أخرج سعيد سيجار من تلك العلبة التي كان يضعها على الطاولة بجواره مشعلًا إياها، نافخًا دخانها بغضب كإعصار هبّ فجأة يقتلع كل ما في طريقه:

- هل ترى أن الهدوء الذي يعم المكان طبيعي! لا صوت لرحيم أو جهاد، لا أي ردة فعل لهما على ما حدث! هل هذا أمر طبيعي؟

توتر محمود من حديث سعيد هذا، فشعر وكأنه يشير إلى شيء ما خلف حديثه، صمت لوهلة يحاول فيها ترتيب أنفاسه وحديثه، يحاول إخفاء التوتر الذي نشب في قلبه عن ملامحه فأجاب:

- وماذا تنتظر يا سيدي، هم لم يعرفوا مكان الأطفال وسيحتاجون إلى وقت طويل حتى تظهر أخبار عن وفاة الطفلين، فقد قتلتهم وأخفيتهم في مكان بعيد جدا لا يمكن أن يصل إليه بشر إلا بصعوبة، ولكن ما أعرفه أنهم لا يكفون عن البحث.

منذ أن اختفى الطفلين ورحيم برفقة عبد الرحمن يبحثان في كل مكان تقريبا، المستشفيات وأقسام الشرطة ودور الأيتام، على ما أعتقد أنهما لم يتركا موضع قدم لم يبحثا فيه، فما الغير طبيعي في الموضوع يا سيدي؟

- لا أعلم، ولكن قلبي يخبرني أن هناك خطب ما في الأمر يا محمود.

- اهدء يا زعيم، لم يحدث إلا ما تريد وتتمنى، فقط لرغبتك الشديده في رؤية حال كل من جهاد ورحيم بعد أن يصل لهما خبر مقتل الطفلين تتعجل الأمور، ولكن كما قلت لك لن يحدث إلا ما تتمنى وتريد.

نظر سعيد إلى محمود نظرات لم يعد يفهمها الأخير ولا يعلم مقصدها، تنهد سعيد زافرًا دخان سيجاره مسترسلًا في الحديث:
- على أي حال لا يهم هذا الآن، هناك أمر هام أريدك فيه لهذا أرسلت خلفك.

- أوامرك أيها الزعيم، أنا دومًا في خدمتك.

- عملية جديدة، ستكون بمثابة ضربة قاضية، ومنها سآخذ بثأر خيري من قاتليه.

تجمدت مقلتي محمود فور سماعه ما قاله سعيد، شيء من الخوف انبث في دماءه، سرعان ما أعاد ذهنه متحدثا بمكر:

- هذا هو الكلام الصحيح يا زعيم، نريد الانتقام ممن غدروا بنا وقتلوا خيري، نريد الثأر ممن قتلته، أخبرني ما هي العملية ومتى يتم التنفيذ؟

نهض سعيد مجلسه مُغادرًا المكان، ولكنه قبل أن يشرع في الحركة تحدث إلى محمود قائلًا:

- ستعلم كل شيء في ميعاده يا محمود، أجمع الرجال وسنتقابل في المكان الذي نجتمع فيه دومًا، سلام.

أنهى حديثه مغادرًا المكان، تارك محمود من خلفه لا يعلم ما الذي يفعله، نبرات حديث سعيد هذه المرة مختلفه عن سابقتها، حديث بنظرات شك وترقب، يشعر وكأن ورقته انكشفت لدى سعيد لا يعلم لماذا أو كيف، ولكن هذا الذي يشعر به.

عقل مُلئ بالفكر، شيء يخبره أنه عليه إعلام العقيد سامي بما قاله سعيد الآن، وشيء آخر يجبره على عدم التفوه بشيء مما قيل؛ فقد يكون ما قاله سعيد مجرد فخ ينصبه له ليعلم ما إذا كان هو الخائن في المجموعه أو لًا.

استسلم أخيرًا إلى الرأي الثاني؛ وهو ألا يتحدث بشيء عن الأمر إلا أن يتأكد مما يريده سعيد، أنهى تفكيره ومن ثم بدأ في التحرك بحثًا عن الرجال لجمعهم كما أمره الزعيم.


****
يسير عبد الرحمن في طرقات وأزقة القرية، تتبعه وتسير على خطاه جهاد، تلك التي لا تسير خطوة إلا وتنظر بمقلتيها يمينا ويسار تتأمل في هذه البيوت المتراصة بشكل رائع، غير أن الزمان أتى عليها، فبعضها يفوح منها رائحة الهجران والفراق، والأخرى ضعف النور الخارج من شرفاتها بضعف وقلة ساكنيها، ولكن بشكل مفاجئ توقف عبد الرحمن حينما رأى شخصا ما يخرج من أحد المنازل في الطريق بصحبة شاب في مقتبل العمر، توقف أثار تعجب جهاد التي سرعان ما تحدثت إليه قائلة:

- لماذا توقفت يا عبد الرحمن، هل وصلنا أم ماذا؟

لم يعر عبد الرحمن أي اهتمام لحديث جهاد، فما زالت عيناه عالقتين على ذلك الذي يراه أمامه، حيث تحرك بسرعة جهتهما مسرعًا الخطوات، فور أن وصل إليهم تحدث:
- شيخي؟ كيف حالك وما الذي تفعله هنا!

استدار الشيخ إلى الصوت الذي ناديه، فإذ هو الشيخ سامح، ابتسم إلى عبد الرحمن متحدثا بحنو:
- عزيزي عبد الرحمن، كيف حالك؟ وما الذي تفعله هنا في مثل هذا الوقت؟

أجاب عبد الرحمن بابتسامة حانية على شيخه قائلا:
- أنا بخير يا شيخي، جئت أبغي غفران، لكني لم أجده فظننت أنه معك في منزلك.

أجابه الشيخ سامح بدهشة:
- لم تجد غفران في منزله! كيف هذا؟
أنه لا يغادر المنزل أبدًا، وكأنه مقيد به بسلاسل لا يمكن كسرها، ليس معي للأسف، أنا خارج المنزل منذ صلاة المغرب تقريباً، ماذا كنت تريد من غفران في هذا الوقت؟

أشار عبد الرحمن إلى جهاد أن تقترب قليلا منهما فتحدث إلى الشيخ سامح وهو يشير إليها قائلا:
- لدينا ضيف عزيز في قريتنا يا شيخي؟

نظر لها الشيخ سامح بتفحص؛ فـ الإضاءة قليلة مما منعه من تحديد أي ملامح بشكل واضح، أمر جعله يتفحص ملامحها قليلًا من الوقت، لكنه للمرة الأولى يرى هذه الملامح الملائكية، تحدث متسائلا:
- من هذه يا عبد الرحمن؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي