الفصل الثاني يوهان

كانت تلك صورة دانيل أمامي.

دانيل الفتى الذي قدم لي الفيلم، الشاب الذي قدم لي الطعام كل ليلة أيضًا.

ما علاقة شاب بسيط بكل هذا؟ لماذا تم أسره؟ لماذا كان عالمًا.

أرغب في الذهاب لمقابلته، لكن أين أو كيف؟

ازدردت ريقي ثم تركت هاتفي لكن رسالة ما وصلتني وحين تفحصته كان الشاب الذي نال أعجابي في المدرسة.

لم أسجل رقمه بعد، لا أعرف اسمه؟

هل يجب أن اسأله؟

سيظن أني لا أهتم لأمره لأنه معي بالصف ولم أعرف اسمه مسبقًا، لذا لن اسأل وأتمنى أن يسألني هو.

سجلن رقمه بأسم "فتى الشوكولا" لأنه أسمر البشرة ولأنه اختار ايس كريم الشوكولا.

كان محتوى رسالته:
-هل سأراكِ غدًا؟

أجبتُ:
-بالتأكيد.

-لقد عثرت على أغاني جميلة، متحمس لإرسالها لكِ.

-أعطيني واحدة الآن، أرجوك.

أرغب في شيء لسماعه بعد هذا الكم من الصدمات اليوم.

أرسل لي:
-the night we met.

ذهبت فورًا للإستماع لها ثم توجهت لنافذة غرفتي وحدقت في السماء المرصعة بالنجوم.

اشتغلت الأغنية وكانت عند شخص يرغب في العودة بالزمن لمقابلة الفتاة التي أحبها مجددًا.

بالتفكير في دانيل، ربما هذا ما أشعر وما أرغب به.

الفتى الذي تبين أنه عالم وقدم لي الفيلم الذي أعطاني فرصة لتغيير كل شيء، الفتى الذي تبادلنا البسمات والكلمات كل يوم، حين لم يبقى معي أصدقاء أو أهل.

إن عدت بالزمن لحياتي السابقة كما تقول تلك الأغنية، فبالتأكيد سأخبر دانيل كم واسى وحدتي، وسأخبره كيف غير حياتي بتلك الفرصة.

لكن أيجب علي أن أتمنى العودة لحياتي السابقة مجددًا؟ لماذا لا أذهب له الآن؟

كانت الرسائل تضرب هاتفي، لكني في ذلك الوقت كنت منشغلة للغاية بالتفكير في دانيل ولم أهتم بفتى الشوكولا.

فجأة رفعت هاتفي وتواصلت مع الأشخاص بالجريدة، لقد نشروا صور الأسرى ليتعرف عليهم أهاليهم.

سأخبرهم أني صديقته، فربما دانيل لا يملك أحد الآن.

قدموا لي العنوان ودون أن أتحكم بنفسي كنت أحمل معطفي وأغادر المنزل.

أخذت أركض نحو المحطة، أركض دون النظر خلفي.

بالرغم من أن تلك الحياة مختلفة وبالرغم من كون دانيل غريبًا عني أكثر من كونه صديقي، لكن جسدي يركض له.

أنا أذهب له مجددًا، ولا أعلم لماذا.

استقليت القطار الأخير وبعد بضعة محطات خرجت منه وركضت نحو مركز الشرطة.

دلفت من بوابة المركز لأرى عدد من رجال الشرطة.

توجهت لموظفة الإستقبال ووصفت لي الطريق بعد أن جعلتني أمضي على ورقة وحين توجهت للقاعة التي وصفتها لي وقفت ألتقط أنفاسي بينما أحرك عيناي بحثًا عنه.

سقطت عيناي على عيناه بين هذا الحشد الكبير.

لم يبعد عيناه، ولم أفعل أنا، بدا وكأنه تعرف عليّ، بدا وكأنه مدرك أني أنا هي الفتاة التي جاءت لإصطحابه.

ابتسمت بخفة له ليبادلني الابتسامة، لكنها لم تكن ابتسامة صادقة.

-آنستي.

نظرت نحو شرطي كبير وسألني:
-ماذا تفعلين هنا؟

-دانيل، هو صديقي.

أشار الشرطي للآخرين بإحضار دانيل ليحضروه نحوي ثم وقف أمامي حينها سأل الشرطي:
-هل تعرفها؟

هو لا يعرفني، ليس في هذا العالم، لكن أرجوك، أتمنى أنه يقول نعم، لا أرغب في العودة للمنزل وتلك الوحدة مجددًا، ليس في حياتي تلك أيضًا.

حدق دانيل بي لثواني ثم أجاب:
-أجل.

ابتسمت في راحة ثم قال الشرطي:
-لا يمكن سوى لأهل اصطحابه، لكن يمكنكِ الحديث معه قليلًا ومن بعدها اعطي أرقام هواتف أهله لموظف الإستقبال إن كنتِ تملكينها.

اومأت له ثم أشاروا لنا بالدخول لغرفة.

دخلت مع دانيل وتركونا بمفردنا.

أخذت كرسيًا وجلس دانيل قبالتي ثم نظفت حلقي وسألته:
-لماذا قلت أنك تعرفني؟

صمت هو لدقيقة لدرجة أني ظننت أنه لن يجيبني لكنه أجاب بالنهاية:
-لأنكِ جئتِ لأجلي.

ابتسمت في خفة، وكنت حقًا أرغب في سؤاله عن كل شيء بدايةً من وجوده بين العلماء والأسرى الذين حاولوا القتال مع مصاصي الدماء حتى كونه الشخص الذي قدم لي فيلمًا جعلني أسافر بالزمن، أو شيء كالسفر عبر الزمن.

لكنه يبدو مرهقًا وفي حالة نفسية الآن، هو غير مستعد ليكون تحت التحقيق أو للإجابة على عدد كبير من الأسئلة، ربما هو لا يعلم اجابتها حتّى، ربما هو هنا من قبيل الصدفة، هذا منطقي أكثر.

سأل دانيل ليقطع سيل أفكاري:
-لكن، ما هو اسمكِ؟

أجبتهُ:
-روسيندا.

-هل تعرفين شيئًا عن أهلي؟

طأطأت رأسي:
-للأسف لا.

همهم هو متفهمًا ثم قال:
-إذًا لماذا أنتِ هنا؟

نظرت له ولم أعلم حقًا ما يجب أن أقوله فـأنا لا أعلم لماذا أنا هُنا، لكني أجبته:
-رغبت في الإطمئنان عليك، في الواقع أظن أني أعرفك لكن لا أعرف من أين.

حدق هو في عيناي وقال:
-أظن أني أعرفكِ أيضًا.

هل يتذكر؟

بالتأكيد لا، أنا هي من سافرت عبر الزمن، ليس هو.

قلت له:
-إلى متى ستبقى هنا؟

-حتى يأتي فرد من أهلي لإصطحابي.

كدت أتحدث لكن أحدهم فتح الباب الحديدي محدثًا صوتًا ودلف الشرطي قائلًا:
-لقد انتهى وقت الزيارة، الرجاء المُغادرة.

نظرت نحو دانيل في بعض الحزن ليبتسم لي ويقول:
-شكرًا لقدومكِ، سأعود لرؤيتكِ مجددًا حين أتحرر!

ابتسمت نحوه:
-سأكون في انتظارك، دانيل.

أخذت معطفي وهاتفي وسرت نحو الخارج، لم أمر بموظف الإستقبال لأني لا أملك أية معلومات عن عائلة دانيل لذا سرت للخارج مباشرًة.

تذكرت رسائل فتى الشوكولا لأفتح هاتفي وكان قد أرسل لي:
-بالمُناسبة، ألا تحبين نوع الموسيقى الميتال؟
وأرسل بعدها:
-أملك الكثير من تلك الأغاني.

أجبتهُ:
-أحب كل الأنواع في الواقع، وأيضًا أسفة على الرد المتأخر، لقد خرجتُ لزيارة أحدهُم.

بعد دقائق أجاب:
-هذا جيد، سأرسلهم لكِ بالمدرسة غدًا، وأيضًا ألم تعودي للمنزل بعد؟

-لا، لقد فوتت القطار الأخير، لذا سأنتظر سيارة أجرة.

-لا داعي للإنتظار، أخبريني أين أنتِ، أنا أيضًا بالخارج، يمكنني توصيلكِ.

-حقًا؟ لماذا أنت بالخارج في هذا الوقت؟

هل هو بائع مخدرات أو شيء من هذا القبيل؟

سألني هو:
-لماذا أنتِ بالخارج في هذا الوقت؟

لم أعرف كيف أجيبه، كالمعتاد لأن السبب مجهول بالنسبة لي أيضًا لذا قهقهت وكتبت له:
-حسنًا سيدي المحقق، أنا في المنطقة الجنوبية على مقربة من محطة القطار، سأنتظرك.

-لن اتأخر، سيدتي المتهمة.

قهقهت مجددًا ثم أعدتُ الهاتف في جيبي وأخذت أنظر حولي على الشارع المظلم والهاديء، لكنه الصيف لحسن الحظ، لذا لا أشعر بالبرودة.

أحب ليالي الصيف الدافئة.

سمعتُ صوت خطوات أقدام من خلفي لذا استدرت نحوها في حماس ظنًا مني أنه فتى الشوكولا، لكن ابتسامتي تلاشت بمجرد أن رأيت مجموعة من الشباب ذو البدل الرسمية والشعر المهندم، يبدو عليهم الثراء، لكن يبدو عليهم أيضًا التمرد.

كانوا ينظرون لي ويسيرون نحوي ليتملكني الخوف، لكني وقفت بثبات وارتديت قناع الشجاعة حينها قال واحدًا منهم:
-تعرفينه؟ ياللسخرية!

قلت له متسائلة:
-ماذا؟

أشار بإصبعه ليركض اثنين من الرجال نحوي ورأيت واحدًا منهم يفتح فمه وأنيابه بارزة وعيناه تلمع باللون الأصفر.

عدت للخلف خطوتين لأتعثر وأسقط أرضًا واتأوه في ألم.

وقف قائدهم على ما يبدو يضحك ساخرًا علي لأستغل تلك اللحظة وبيدي أحاول الإمساك بأي صخرة أو عصا حولي وبالفعل أمسكت بعصا خشبية لكن سميكة.

تحدثتُ في بعض الشجااة الزائفة:
-من تظن نفسك حتى؟ هل تعرف من أكون؟

هو مصاص دماء، ما أعرفهم عنهم من الكتب أنهم مغرورين بشدة، لذا سأحاول المماطلة عبر إستفزازه حتى تتسنى لي فرصة للهرب.

دون هذا أما سيتم قتلي كضحايا الأخبار أو سيصل فتى الشوكولا وسيتورط في هذا وربما يتم قتله.

رمقني القائد في برود ثم تحدث:
-أجل، أعرف من تكونين، روسيندا!

اتسعت عينايّ وشعرت بقلبي يتوقف عن ضخ الدم لدقيقة كاملة لكن فجأة من العدم ظهر فتى الشوكولا وأخد يتقاتل معهم جميعًا في ذات اللّحظة.

كان قويًا للغاية، يتحرك بمهارة ومرونة كبيرة، وكأنه ما من رادع له، وكأن لا أمل لمصاصي الدماء أمامه.

في لحظة ما تركهم وانخفض لمستواي ماسكًا بيدي وساعدني على الوقوف ثم سحبني خلفه وأخذنا نركض بينما مصاصي الدماء يلحقون بنا.

شعرت وكأني أرغب في التحدث مع مصاص الدماء ذلك أكثر، الفضول ينهشني، لكن حديثي معه قد لا تعني موتي فقط، بل موتي وموت فتى الشوكولا أيضًا.

دخلنا زقاق مظلم ولم يعثر مصاصي الدماء علينا، وغادروا وبعد مرور دقيقة من الهدوء نظر فتى الشوكولا لي وسأل:
-هل أنتِ بخير؟

نظرت له وكأني أقول "هل أبدو بخير؟" لكني اومأت له في صمت، ما علاقته بمعرفة هؤلاء الرجال من مصاصي الدماء لاسمي؟

أخذت نفسًا عميقًا حينها أمسك هو بيدي بقوة أكبر وقال:
-هيا، سأعيدكِ للمنزل.

أخذنا نسير في صمت نحو سيارته، وبالواقع لم أعرف يومًا أنه يملك سيارة، لكنها كانت سيارة فخمة ذات موديل حديث وسوداء اللون.

فتح الباب لي لابتسم في خفة، لكنه لم يكن الوقت المناسب لأنبهر بهذا.

دخلت للمقعد وتوجه هو لمقعد السائق ثم أخذ يقود بعيدًا وعم الصمت، صمت غريب بالواقع.

قطع هو هذا الصمت بقوله:
-كانوا مصاصي دماء أليس كذلك؟

اومأت له حينها قال:
-لهذا السبب وسائل الإعلام تحذرنا من الخروج من المنزل بعد منتصف الليل، لماذا كنتِ مستهترة للغاية؟

-أسفة.

لا أعرف لماذا اتأسف، لكنها الكلمة الوحيدة التي تمكنت من النطق بها، وربما جعلت من فتى الشوكولا نادمًا على حديثه لأنه قال بنبرة ألطف:
-لا داعي للاعتذار، أنا فقط قلق، لا أملك فكرة عما كان ليحدث إن لم أتمكن من إنقاذك أو الوصول سريعًا.

-أنت محق، في الواقع خرجت سريعًا دون تفكير حتى، لن يتكرر هذا، لذا لا تقلق.

ابتسم هو في راحة:
-أتمنى هذا.

أوصلني فتى الشوكولا للمنزل ولم أعلم إن كان يتوجب علي دعوته لشرب قهوة أم أنه قد يعتبرها رغبةً مني في التقرب له وهذا سيكون محرجًا، لذا بعد تفكير طويل لم أدعوه للدخول وودعته في السيارة ثم توجهت لمنزل.

عدت بين أربعة جدران في وحدة، في تلك المرة بدلًا من أن ينشغل عقلي بوحدتي، انشغل بِكلمات مصاص الدماء ذلك وكل ما حدث منذ بداية اليوم حتى نهايته.

غفوت أخيرًا بعد عناء وفي الصباح رن المنبه واستيقظت للذهاب للمدرسة، كنت لم أنم جيدًا أو بالقدر الكافي، وكنت متعبة نفسيًا وجسديًا، لكني ذهبت بالرغم من ذلك لمقابلة فتى الشوكولا.

لكن عكس ما توقعت، لم يكن هُناك.

لم أراه طوال اليوم ولم يجب على رسالتي، وفي لحظةً ما وأنا في داخل الصف بدأ المطر يهطل، أمطار الصيف.

بدا وكأنه يوم كئيب لأنه فتى الشوكولا لم يأتي، لكن ماذا عن الأغاني التي اتفقنا بمشاركتها؟ عن فرق الميتال؟

شعرت بالإحباط وخرجت من المدرسة بعد نهاية اليوم الدراسي دون مظلة، وحين لم تخف شدة المطر استسلمتُ وسرت نحو المنزل بينما الماء يغطيني.

وفي أذناي السماعات أستمع لأغنية -the night we met

عدت لمنزلي وأول ما قمت به كان تغيير ملابسي لملابس أكثر دفئًا ثم جففت شعري وطلبت الطعام من الخارج، أنا أحب الطبخ وأملك مهارات طبخ جيدة، لكن من المرهق الطبخ بعد يوم طويل وممل في المدرسة.

جلست في انتظار وصول الطعام بينما أقلب في هاتفي حينها استوقفني خبر عن العثور على جثة لأربعة مصاصي دماء.

حين تم عرض صورهم خرجت شهقة من فمي!

كانوا هؤلاء هم العصابة التي تعرضت لي ليلة البارحة!

لقد تم العثور عليهم مقتولين في ذات المكان الذي قابلتهم به، تم قتلهم بوحشية وتمت إذابة بعض الأجزاء من جثثهم، وسائل الإعلام ورجال الشرطة يتوقعون أن القاتل واحد من العلماء، علماء منظمة سيرن المعادية لمصاصي الدماء.

لكن لماذا سيقتلوهم بعد الإفراج عن الأسرى مباشرًة؟ هل يحاولون القول أن تلك الحرب لن تتوقف هنا؟ ماذا يحدث في هذا العالم بحق السماء؟

صورت الخبر وأرسلته لفتى الشوكولا قائلة:
-لقد كنا آخر من رآهم قبل القاتل، هذا يشعرني بالخوف قليلًا.

لكنه لم يجيب أيضًا، ولم يراها ولم تصله.

هو مختفي تمامًا اليوم، ربما هو لم يستيقظ بعد، فبسببي قد تأخر البارحة كثيرًا بالخارج.

حسنًا، الآن قد عدت لوحدتي.

وصل الطعام وجلست أتناوله وحيدة في صمت.

***

أدعى لونا.

لونا هي إلهة القمر في الأساطير الرومانية.

كان والدي يحب القمر، يحب القمر الدموي خصيصًا، يحب كل ما يخص مصاصي الدماء، بالرغم من ذلك كنا علماء في سيرن.

في سيرن يوجد أشخاص يهتمون بما يخص الفيزياء والبعض بالفضاء، لكن في فريقي، نحن نسعى خلف الخوارق، كل ما يعادي الطبيعة، كمصاصي الدماء مثلًا.

بدأ الأمر كرغبة مننا في معرفة قوة وأسرار دمائهم ونشأتهم لكن مع مرور الوقت ازددنا طمعًا، الآن نسعى لسرقة دمائهم، نرغب في صنع بشر بذات القوة التي يملكونها، نرغب في التعلم منهم وتلك الأطماع أقامت حربًا مخفية بين سيرن ومصاصي الدماء.

لكن تلك الحرب لم تنتهي، ففي يوم اختطفوا فريق كامل من العلماء الذين يحققون في أمر مصاصي الدماء، وحتى بعد إعادة هؤلاء الأسرى، لن نغفر لهم.

الحرب تزداد عنفًا الآن مع مرور الوقت، لكن لسوء الحظ، كان موقفنا أشد ضعفًا منهم، وكأنهم يتوقعون كل حركة منا، وكأن بيننا خائن يسرب لهم الأخبار، لذا مع مرور وقت طويل للغاية لم نتمكن من قتل أو اختطاف واحد منهم.

لكن كل هذا تغير ليلة البارحة، حين تم قتل أربعة أشخاص من مصاصي الدماء.

أحدهم قتل هؤلاء الأشخاص بوحشية تامة، لكن إن كان عالمًا كما تتناول الأخبار، لماذا لم يختطف واحدًا لنجري تجاربًا عليه؟ لماذا قتلهم جميعًا؟

بالأغلب هو ليس عالمًا، بالأغلب هو شخص أقوى من مصاصي الدماء، قد يكون مصاص دماء بنفسه ليملك تلك القوة.

على كل حال، كنت أسير نحو المختبر بينما مساعدي يسير خلفي ويتلو علي آخر الأخبار، كانت أخبار عادية ومتوقعة إلا حين قال:
-لقد اكتشفنا الشخص المسؤول عن قتل مصاصي دماء ليلة البارحة.

توقفت عن السير حينها ونظرت له في فضول كبير:
-من هو؟

قرأ مساعدي أسم هذا الشخص من الدفتر:
-يُدعى يوهان.

يوهان؟

هذا الوغد!

أسرعت نحو المختبر وبمجرد أن دلفت رأيت يوهان هناك وبدا وكأنه كان في انتظاري حينها قلت:
-سأستمع لمبرراتك ومن ثم سأقتلك على كل حال.

قهقه هو:
-إذًا لا يهم وإن قلت أن غضبي تملك مني.

-غضبك؟ لقد مر الكثير دون أن نتمكن من الاقتراب لهم وأنت لا تساعد ومختفي وحين أخيرًا تعود تقتلهم؟ لماذا لا تساعد؟ هل تكره تلك المنظمة كثيرًا؟ لماذا لا تتركها فحسب؟

-هاي، لونا إهدأي! أسف على هذا، سأحضر لكم واحدً قريبًا حسنًا؟

أطلقتُ تنهيدة وجلست أمام حاسوبي ثم رميت بسؤالي:
-كيف تمكنت من قتلهم؟

-قوتي.

-أنت لست مضحكًا.

-وانتِ مملة.

رمقته بطرف عيني ثم أدركت أن الحديث مع سيسبب الصداع لي فقط لذا استسلمت.

اطلق هو تنهيدة عميقة ثم قال:
-في الواقع، أملك شيئًا لقوله.

نبرته كانت مختلفة الآن، أكثر جدية لذا سلبت انتباهي وبعد أن نظرت له في فضول تحدث هو:
-لقد حاولوا، عصابة مصاصي الدماء تلك حاولت قتل فتاة لأنها قالت أنها تعرف دانيل.

-فتاة تعرف دانيل؟ لقد تم قتل عائلته بأكملها، من تكون تلك الفتاة؟

صمت يوهان قليلًا وبدا مترددًا لكنه أجاب:
-ابنة ويليام.

-ابنة ويليام؟ كيف لأبنة ويليام أن تعرف شيئًا عن دانيل؟ بالرغم من أن دانيل بقى لسبعة سنوات مع الأسرى.

-هذا ما لا أعرفه، أيضًا تلك الفتاة تدعى روسيندا، روسيندا لم تخبرني أو تتحدث ان دانيل، لذا سيكون من الغريب أن اسألها بنفسي.

-هل تعرف روسيندا أنك تعمل في سيرن؟

-بالتأكيد لا.

-يوهان!

-هي لا تعرف.

-إذاً لماذا تتحدث معها؟ لماذا تتقرب لها؟ هل تحبها؟

أحمر وجهه وقال فورًا:
-عما تتحدثين؟ هل جننتِ؟

هو يحبها.

أبعدت نظري عنه ونظرت لشاشة حاسوبي قائلة في جدية:
-هذا اسوأ شيء قد يحدث، أن يقع أقوى عنصر في سيرن في حب ابنة ويليام، يمكنني رؤية النهاية من موقعي هذا، لا أحد منكم سعيد، لا أحد منكم على قيد الحياة.

كانت كلماتي قاسية، لكني أضررت لقولها لجعله يستيقظ ويستعد وعيه، هو غير مناسب للحب، ليس الآن، وليس مع ابنة ويليام، ليس مع روسيندا.

تحدث يوهان بعد الصمت طويلًا:
-أيمكنني أن أكون على مقربة لمراقبتها فقط؟ لعلنا نعرف كيف تعرف دانيل، هي تملك أسرارًا بالتأكيد.

-فقط لمراقبتها، يوهان؟

-فقط لمراقبتها، لونا!

-حسنًا، لنرى.

استقام يوهان من كرسيه وكاد أن يذهب لكن قبل أن يخرج وقف وسأل:
-ألن نذهب لإصطحاب دانيل؟

-لا، سنطلق سراحه، والده قد مات، لا نحتاج له.

حينها غادر يوهان في صمت.

تحدث مساعدي:
-روسيندا؟ هذا الاسم يبدو مألوفًا.

اومأت له:
-أظن ذلك أيضًا.

***

لم يرد فتى الشوكولا على رسائلي طوال اليوم وقد حل الليل أخيرًا وكنت مستعدة للنوم لكني سمعت صوت باب المنزل يطرق.

خرجت سريعًا ونزلت السلالم، قد يكون هذا أبي أخيرًا وقد يكون فتى الشوكولا وقد يكون دانيل، أيًا كان هذا الشخص فـ وجوده يعني أني لن أكون وحيدة!

فتحت الباب في حماس وقد كان هذا فتى الشوكولا الذي قدم لي لوح شوكولا وقال مع ابتسامة خافتة:
-اقبلي اعتذاري عن عدم ذهابي للمدرسة اليوم كما خططنا واتفقنا.

ابتسمت وشعرت أن جميع الحزن والغضب بداخلي قد تلاشى وحينها أخذت الشوكولا منه وقلت:
-لا بأس، أسامحك، سيدي المحقق.

مازحت ليقهقه هو ويقول:
-بالمناسبة، أُدعى هاري، روسيندا!

لا أعرف ما الذي جعل قلبي ينبض في تلك اللحظة، قوله اسمي بلسانه وصوته الجميل، أم أن أسمه آخاذ ولطيف، أم أنه كان يدرك أني لا أعرف اسمه طوال هذا الوقت.

كان هذا اليوم يومًا لا ينسى بالنسبة لي، لم أعلم في تلك اللحظة أن يوهان كذب علي قائلًا أن اسمه الحقيقي هو هاري ليس يوهان، وأنه كان يملك هوية مزيفة لأنه أهم عميل في منظمة سيرن.

لكن حتى في تلك اللحظة الآن، حين أنظر للماضي لهذا اليوم حين أخبرني أن اسمه هاري، قلبي لايزال يخفق، الابتسامة ترتسم فوق ثغري.

يوهان، شكرًا لأنك قدمت لي الشوكولا هذا اليوم، شكرًا لأنك نطقت اسمي بتلك الطريقة الجميلة.

شكرً لأنك كنت الشخص الذي لم يجعلني أعيش وحيدة مجددًا، لأنك واسيت وحدتي، حتى إن كان هذا تحت مسمى مراقبتي، حتى إن كان هذا لأنك رغبت في معرفة كيف أعرف دانيل، سأظل شاكرة حتى يومي الأخير، بعد أربعة سنوات من الآن!

يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي