الفصل الثالث دانيل

أخذت الزهور من هاري وابتعدت له ليدخل لكنه لم يدخل بل نظر لي وابتسم في بعض الخجل والتردد.

في ذلك الوقت ظننته خجولًا وقد كان خجولاً أجل، لكن ذلك لم يكن السبب الذي منعه من دخول منزلي ذلك اليوم، بل لكونه مصاص دماء ويحتاج الإذن قبل الدخول لمنزل أحدهم.

في ذلك اليوم كنت أجهل كل شيء عنه، وباارغم من ذلك أعجبت به.

قلت له:
-تفضل بالدخول.

دلف هو أخيرًا لأغلق الباب خلفه ثم اصطحبته لغرفة المعيشة وقلت:
-سأحضر القهوة.

اومأ لي وأخذت الزهور الحمراء للمطبخ معي وبينما الماء يغلي وقفت أقص جذور الزهور الطويلة ثم وضعت بها في إناء به ماء.

في حياتي السابقة لم تُقدم لي الزهور.

ابتسمت في خفة بينما أراقب الزهور لألحظ هاري الذي دلف للمطبخ وقال:
-تبدو جميلة.

نظرت له مبتسمة:
-شكرًا لك.

سأل هو:
-أين والدك بالمناسبة؟

لقد سأل عن والدي، وكأنه يعلم أني لا أملك شخصًا في عائلتي سوى أب.

أجبته:
-لقد سافر لأجل العمل، هو يسافر كثيرًا بالواقع.

-ألا تملكين أصدقاء؟

-لا، لكنك صديقي.

تذكرت دانيل وحينها لم أعرف إن كنا أصدقاء أم لا لذا لازمت الصمت ولم أخبر هاري شيئًا.

عقد هاري حاجبيه:
-لكنكِ قلتِ البارحة أنكِ خرجتِ لمقابلة صديق.

هل فعلتُ هذا؟

نظرت لهاري في شك وسألت:
-أحقًا؟ لا أتذكر أني قلت هذا.

-فعلتِ، وبالواقع كنت أنتظر لقائكِ لسؤالكِ عنه.

لم أجد مجالًا للصمت لذا أخبرته:
-إنه مجرد شاب يدعى دانيل، أظن أني كنت أعرفه منذ وقت طويل للغاية، لكننا افترقنا ولا أعرف الكثير عنه الآن.

اومأ هاري في فهم:
-إذًا لستما مقربان؟

-لا لسنا كذلك، بالواقع كانت تلك المرة الأولى الذي أقابله بها منذ مدة طويلة، المرة الأولى وقد تكون الأخيرة.

-الأخيرة؟ مجددًا؟

سكبت الماء في أكواب القهوة ثم أخذت أقلبها بينما أفكر في دانيل، ماذا إن لم نتقابل مجددًا، ولم يقدم لي هذا الفيلم ولم أحصل على فرصة لتغيير حياتي مجددًا بعد مماتي؟

أيعني ذلك أن تلك هي فرصتي الأولى والأخيرة أيضًا؟

-روسيندا!

نظرت نحو هاري في تساؤل ليقول:
-لقد شردتِ.

اومأت له:
-أهه، أعتذر.

أخذت أكواب القهوة لغرفة المعيشة وجلستُ على أريكة أمامه وبيننا طاولة قصيرة من الرخام.

ارتشفت قهوتي وقلت:
-هل سآراك غدًا في المدرسة؟

-أجل، بالتأكيد.

-أتمنى أن لا تكون كما حدث سابقًا.

قهقه هو:
-لا، سأكون هناك بالطبع لنتشارك الأغاني كما وعدتكِ.

تذكرت حينها عصابة مصاصي الدماء لأقول في حماس:
-هل رأيت الأخبار؟ عصابة مصاصي الدماء التي تعرضت لي البارحة تعرضت للقتل؟ جميعهم تم قتلهم بطريقةٍ وحشية! هذا صادم ومخيف.

لكنه لم يبدو عليه التفاجئ بل تحدث في هدوء:
-أحقًا؟ لكنهم أستحقوا هذا، لقد حاولوا إيذائكِ.

-أهه، لكن التوقيت مخيف، أيضًا من قتلهم؟ لا نملك نحن البشر فرصة أمامهم، هم أقوى وأكثر ذكاءًا.

بدا عليه الإنزعاج من كلامي وقال:
-هذا ما تظنينه، لكن مصاصي الدماء هشين للغاية، يمكنني قتلهم بيدي العارية.

قهقهت ساخرة:
-أجل، بالتأكيد يمكنك، سوبر مان!

لكنه لم يضحك لذا تلاشت ابتسامتي، لماذا اصبح جدي للغاية فجأة؟

انهى كوب القهوة خاصته ثم غادر سريعًا وعدتُ لوحدتي مجددًا، لكن تلك المرة أفكار في أفعال هاري، هو مريب ومثير للشك.

كنت لأقول أنه مصاصي دماء، لكن كراهيته الواضحة لمصاصي الدماء تحطم تلك الشكوك.

ماذا يكون وما السر الذي يكمن خلفه؟

في صباح اليوم التالي توجهت للمدرسة وبمجرد أن جلست في مقعدي ودلف هاري حتى رأيت مجموعة من رجال الشرطة والمدير يدخلون الصف.

عم الصمت وانتقلت النظرات لهم في فضول حينها تحدث المدير قائلًا:
-نملك بعض الأخبار، الرجاء الانصات جيدًا.

ثم أشار لرجال الشرطة بالتحدث حينها تحدث أحدهم:
-تشير تحرياتنا أن عصابة مصاصي الدماء، الذين تم قتلهم قرب محطة القطار ليلة البارحة، أن القاتل مصاص دماء ويوجد في تلك المدرسة.

تعالت الشهقات وضرب البرق جسدي، شعرت بالقشعريرة تسير في جسدي ولم أتمكن من الحراك وإن رغبت في ذلك.

ازدردت ريقي وتسارعت نبضات قلبي ثم ببطء نظرت نحو هاري الذي كان يلعب بقلمه في برودة وكأن شيئًا لم يكن.

أعدت نظري للشرطي الذي قال:
-سنفحص كل شخص في الصف الآن، الرجاء الالتزام بالهدوء.

ماذا إن فحصوا هاري وكان هو المصاص دماء؟ هذا لا يعني أنه مصاص دماء فحسب بل أنه قاتل أيضًا.

نظرت نحو هاري مجددًا حينها رأيته ينظر لي ويبتسم في خفة وحين قرأت شفاهه كان يقول:
-واحد.
اثنين.
ثلاثة.

ضربت عاصفة النوافذ بقوة وأظلم المكان بشدة وفجأة صدر صوت إنذار الحريق ليقف الجميع في هلع.

حينها لم يتمكن المدير من إبقائهم وأشار لهم بالهرب، لكني لم أتمكن من الحراك، ليس بعد أن تبين أن هاري كان يعرف بأن هذا سيحدث.

لكن هاري اقترب وسحبني من يدي خلفه للخارج وأخذ يركض ممسكًا بيدي.

شعرت في تلك اللحظة أني في حلم، المدرسة تحترق وهاري الذي يكون مصاص دماء قاتل يأخذني معه.

كنت أرى النيران من حولنا، أرى الحشد يتزدايد والطريق مسدود والبعض يسقط أرضًا، وكأن المدرسة تحولت لجحيم.

لكن عكس ما توقعت لم يأخذني هاري لبوابة الخروج بل أخذني لغرفة بعيدًا وفي تلك الغرفة التي لم تبلغها النيران بالكامل بعد أغلق الباب ثم نظر لي وتركني التقط أنفاسي.

لم أتمكن من النظر له ولم أتمكن من الهرب وإن رغبت في ذلك، قوتي خارت والصدمة تملكت مني، لا أخاف الموت، فقد متت مسبقًا، لكني أخشى أن أعيش برفقة قاتل في حياتي تلك.

قهقه هاري وقال:
-لقد هربنا، كان هذا سهلًا.

في تلك اللحظة أرغمت نفسي على النظر له ثم قلت:
-ماذا تقصد؟ ماذا يحدث بحق الجحيم؟ هاري.

رفع حاجب وأجاب:
-لا أعلم، لكن هذا ما يحدث في كل مرة يتم فيها التحقيق في أمرنا، ألا تتذكري؟

-لا لا أتذكر.

كنت أعلم أنه يكذب ومن ثم سألت:
-أمرنا؟ ماذا تقصد بِـأمرنا؟

-أقصد التحقيق معنا نحن الطلاب.

ضيق عيناه وسأل:
-هل تظنين أني مصاص دماء قاتل؟

صمتت قليلًا ثم أجبت:
-أظن أنك تخفي الكثير من الأسرار.

كبُرت ابتسامته وأخذ يسير نحوي وبمجرد أن اقترب حتى أخذت أسير خطوات للخلف في قلق ثم قال:
-ما هي تلك الأسرار برأيكِ؟

-لا علم لي، لكنها تخص مصاصي الدماء.

-هل تعرفين روسيندا؟ أنتِ غبية للغاية، لأن أكثر ما أبغضه في حياتي، هم مصاصي الدماء.

-ألهذا السبب قتلتهم ليلة البارحة؟ ألهذا السبب تغيبت عن المدرسة بعد أن وعدتني أنك ستأتي ونتشارك الأغاني؟

في تلك اللّحظة سمعتُ صوت النافذة تنكسر لأصرخ في خوف حينها كانت كُرة قد اخترقت الزجاج وكسرته وكانت متجهة مباشرةً نحو هاري لكنه رفع بيده وأمسك بها بمهارة شديدة لتتسع عيناي في صدمة.

نظر لي هاري وكانت ابتسامته قد تلاشت، بدا عليه القلق والخوف والاضطراب وقال:
-يجب أن نهرب!

-نهرب؟ ما الذي يحدث؟ أخبرني أولًا!!

لكنه سحبني قائلًا:
-لا وقت لإخباركِ!

دفعت بيده عن معصمي وقلت في جدية:
-سأموت مجددًا هنا الآن إن لم تشرح لي ما يحدث، لن أهرب مع شخص لا أعرف.

أبعد بنظره عني وبدا مترددًا وقلقًا للغاية لكنه خضى لرغبتي أخيرًا ونظر لي قائلًا في اختصار:
-أنا فرد من العلماء، الذين يحققوا في أمر مصاصي الدماء، وأجل أنا من قتلتهم ليلة البارحة، والآن هم يبحثون عني، لقد كشفوا هويتي، وشاهدوكِ معي، لذا أنتِ أيضًا قد تورطتِ.

اللعنة..

هذا لا يصدق!

أتلك هي الحياة التي رغبت بها؟ أن أكون ملاحقة من مصاصي دماء ومتورطة مع عالم مجنون يقتلهم؟

إذًا تلك الكُرة كانت منهم؟

لقد تورطت بالفعل.

قدم هاري يده نحوي وسأل:
-الآن، هل ستهربين معي؟ أم ستفضلين الموت هنا بواسطة مصاصي الدماء أو النيران؟

ترددت قليلًا لكني بالنهاية أمسكت بيده ليركض بسرعة خارقة وجدت صعوبة في أن أجاريها.

وقف في الممر ينظر خلفه حيث المكان فارغ والنيران قليلة وبالأمام حيث بوابة الخروج والإزدحام والنيران الكثيرة.

حين لاحظت حيرته قلت له:
-لنتجه للخلف.

اومأ نفيًا:
-يجب أن يفقدوا أثرنا بين الحشد الكبير، لنذهب!

ثم ركض نحو الحشد ودخلنا بينهم وهمس لي:
-اخفضي رأسكِ.

أخفضت رأسي كي لا يروا وجوهنا وظللنا نسير في بطء مع الحشد نحو الخارج ونتبع التعليمات.

كان هناك حافلات المدرسة، قسمونا لعدة مجموعات ووضعوا بكل مجموعة في حافلة وانتهى بي الأمر بالجلوس قرب هاري.

بعد أن جلس كلانا عم الصمت، لم تكن الحافلة قد إمتلأت بعد، ولم تتحرك بعد.

عم الصمت لأني حاولت استيعاب كل ما يحدث أو حدث منذ بداية اليوم وكان هاري يحاول كشف أماكن مصاصي الدماء الذين جاءوا لينتقموا.

جلس هادئًا بالنهاية ونظر لي قائلًا:
-هل أنتِ بخير؟

لم أعرف ماذا أقول لكني اومأت في صمت حينها أطلق تنهيدة راحة:
-يجب أن نتحدث.

-في ماذا؟ في كيف سأخرج من تلك الورطة؟ هاري أنا لست بعالمة أو مصاصة دماء، ما علاقتي بكل هذا؟

-أني أحبكِ.

حدقت به في صمت حينها شرح هو:
-ما أعنيه أحبك كصديقة، أنتِ صديقتي وشخص أهتم لأمره لذا سيستغلونكِ ضدي، سيحاولون تهديدي بكِ أو حتى خطفكِ أو ضمكِ لهم عبر تحويلكِ لمصاصة دماء.

اللعنة على حياتي.

في فرصتي الجديدة للعيش وتحسين حياتي بتت معرضة للقتل والإختطاف والتحول لمصاصة دماء.

ماذا إن متت قريبًا، ما الفائدة حينها من العيش مجددًا؟ ما الذي يحدث بحق الجحيم؟

وضع هاري بيده على يدي وقال:
-روسيندا، تماسكِ! لن أسمح لهم بالإقتراب منكِ، لكن يجب أن تكوني حذرة، أعتذر أنا حقًا لم أرغب في توريطكِ، لم أظن أنهم يراقبوني.

أطلقتُ تنهيدة:
-ماذا يتوجب علي القيام به؟

-فقط عودي لمنزلكِ ولا تفتحي الباب لأي شخص، حتى إن كان أنا، حتى إن كان والدكِ، وإن شعرتِ بالريبة من أي أمر أتصلي بي، في غضون دقيقة سأكون عندكِ.

اومأت له:
-حسنًا.

رفعت بنظري نحو عينيه وسألت:
-ماذا عن اسمك؟ هل هو حتى اسمك الحقيقي؟

صمت هو لعدة ثواني ثم ابتسم واومأ:
-أجل، أنا هاري.

أتمنى ذلك، أتمنى أن اسمك الحقيقي هو هاري.

***

في المختبر.

لقد قلتُ لكم أن والدي دعاني لونا لأنه أحب القمر بشدة وكل شيء يخص مصاصي الدماء.

كنت واحدة من أفضل العلماء في سيرن، واحدة من الأذكى والأكثر كفاءةً.

الغريب أنه قبل ما يقارب الأسبوع شيء مريب قد حدث، شيء لم يتوقع أحد منا حدوثه.

مصاص الدماء الأقدم والأكبر وقائد القبيلة بأكملها تم العثور عليه ميتًا، لكن لم يتم التعرف على سبب موته حتى الآن، لم يتم قتله أو تسميمه ولم يمت ميتة طبيعية لأنه كان يملك عدة سنوات قبل السنة الستة مائة حيث يموت أغلب مصاصي الدماء.

الواقع هو أن شيئاً كهذا لم يحدث مسبقًا، بل تلك المرة الأولى بالتاريخ الذي يحدث شيئاً كهذا.

قال مساعدي بينما يضع بكوب القهوة أمامي:
-لازلتِ تبحثين في ذلك الأمر؟ هل كنتِ واقعة في حب فريدريك أم ماذا؟

فريدريك هو مصاص الدماء الذي مات.

نظرت لمساعدي بطرف عيني ثم تجاهلته دون قول شيء ليجلس هو ويقول في حماس:
-لا نملك الكثير من العمل اليوم!

قلت له:
-لا تتحمس، قد يأتي يوهان بأي مشكلة أوقع نفسه بها بعد قتله لمصاصي الدماء ليلة البارحة.

فُتح باب المختبر وظهر يوهان من خلفه بتعابير جدية.

عبث مساعدي وقال متذمرًا:
-لا! لا تمزح معي يا صاح!!

دلف يوهان في جدية وقال:
-لقد وقعت في ورطة.

قهقهتُ ساخرة:
-ماذا فعلت تلك المرة؟ وقعت في حب ابنة ويليام؟ طلبت منها الخروج في موعد؟

نظر يوهان لي لمدة دقيقة وكأنه متردد، ليجعل هذا ابتسامتي تتلاشى وسألته في قلق:
-ماذا حدث، يوهان؟

-أخبرتها بحقيقتي!

ضرب مساعدي جبهته في صدمة لأرمق أنا يوهان في عدم استيعاب، لكن ماذا، لماذا؟

لم أتمكن من سؤاله لكنه شرح في اختصار:
-لقد جاء رجال الشرطة هذا الصباح ليحققوا في أمر القاتل الذي كما أشارت التحقيقات، موجود في تلك المدرسة، ولأني كنت أعلم أن مصاصي الدماء لن يسمحوا لرجال الشرطة بِالقبض على القاتل قبلهم، توقعت أن يقتحموا المدرسة أو يشعلوا حريق.

وبالفعل، أشعلوا حريقًا ضخمًا لذا هربت مع روسيندا نحو غرفة، أردت البقاء في تلك الغرفة كي لا يعثر مصاصي الدماء علي، لكنهم رأوني ورموا بكرة نحوي ولكي لا ينتزع وجهي عن جسدي أمسكت بالكرة وهذا ما رأته روسيندا.

لهذا السبب حين حاولت أخذها والهرب لم تنصت لي ورفضت الهرب قبل أن أشرح لها ما يحدث، لذا أخبرتها أني عالم وأني من قتلت مصاصي الدماء ليلة البارحة وأنهم الآن يبحثون عني وكشفوا هويتي ورأوا روسيندا معي لهذا السبب هي قد تورطت أيضًا!

كانت كل كلمات يوهان تضرب عقلي.

تحدث مساعدي:
-إذاً، مصاصي الدماء يظنون الآن أن ابنة ويليام تعمل مع سيرن؟ هذا يبدو منطقيًا الآن، خاصةً بعد أن ذهبت روسيندا لزيارة دانيل منذ يومين.

تحدثتُ أنا:
-لكن ويليام مصاص دماء! ما حدث يشير إلى أن قريبًا ستقوم نزاعات بين مصاصي الدماء أنفسهم خاصةً بعد موت زعيمهم فريدريك.

قال يوهان:
-ألا يصب هذا في صالحنا؟

أجبتُ:
-لا أظن ذلك، لا نعلم ما الذي سيحدث، بل لا نعلم إن كان ويليام يهتم بروسيندا أم لا، قد يتخلى عنها وقد يقتلها أو يرغمها على البوح عنك وعنا.

نظرت نحو يوهان وسألت:
-هل روسيندا مصاصة دماء؟ ما حقيقتها؟

أجاب يوهان:
-لا أظن ذلك، إن كانت مصاصة دماء لما حاولت عصابة مصاصي الدماء تلك إيذائها، وربما لحاولت روسيندا الدفاع عن نفسها ضدهم، لكنها كانت خائفة وتقاتل بعصا خشبية فقط.

قلتُ حينها:
-إذًا روسيندا في الأغلب في خطر، إن عاد والدها لا نعلم ما الذي سيقوم به.

تحدث يوهان:
-لكن حتى إن لن تكن روسيندا مصاصة دماء، أظن أنها مريبة للشك.

نظرت له أنا ومساعدي في فضول حينها قال في جدية:
-حين رفضت الذهاب معي والهرب قالت شيئًا مثل "أفضل الموت مجددًا هنا!" لقد قالت مجددًا وكأنها ماتت مسبقًا.

هذا غريب، لكنه قد يكون خطأ في الحديث بسبب توترها وخوفها في تلك اللحظة.

تحدث مساعدي:
-ماتت مسبقًا؟ وبُعثت؟ هذا يشبه قليلًا تأثير دراكولا.

سخرتُ من مساعدي:
-أجل بالتأكيد.

تحدث يوهان وكأن يتذكر شيئًا للتو:
-روسيندا كانت تتغيب وفجأة عادت للمدرسة وفي يومها الأول الذي عادت به تحدثت معي، بالرغم من أنها لم تتحدث معي مسبقًا ولو لمرة.

تحدثت معه فجأة؟ هل تعرف هويته؟

مهلاً..

نظرت نحو يوهان وسألت:
-متى كان هذا اليوم؟

أجاب:
-كان يوم الثالث عشر من أكتوبر.

اتسعت عيناي:
-يوم ممات الزعيم فريدريك!

عم الصمت بين ثلاثتنا لأننا أدركنا للتو أن روسيندا استخدمت تأثير دراكولا!

قال يوهان:
-لكن هذا يعني أنها استخدمت تأثير دراكولا بعد موتها؟ هذا لم يسبق له الحدوث! أيضًا هل تقربها لي متعمد؟ ربما رأت شيئًا في المستقبل!

هز مساعدي رأسه:
-مهلًت لحظة، ماذا كان تأثير دراكولا بالظبط؟

أجبتهُ:
-تأثير دراكولا هو تأثير صنعه دراكولا ليقدم فرصة لكل مصاصي الدماء بالسيطرة على العالم وإبقاء جنسهم مستمر، ففي كل زمن حاول به البشر القضاء على مصاصي الدماء كان أحدهم يستخدم تأثير دراكولا ليعود بالرمن وينقذ بني جنسه، ينص هذا التأثير على السفر بين الزمن.

وقفتُ ممسكة بقلم اللوح وأكملت:
-يقول تأثير الفراشة أننا نسير في عالم متحرك، ومن هذا العالم الأساسي تتفرع عدة عوالم، في كل عالم من تلك العوالم يحدث شيء معاكس للعالم الحقيقي، أي أنه في أحد تلك العوالم أنا ميتة وفي عالم آخر أنا لست عالمة وفي عالم آخر أنا مصاصة دماء، تلك العوالم عددها لا نهائي وتتزايد مع مرور الوقت.

السفر عبر الزمن لا يعني بالضرورة العودة للماضي، لأنه مع العلم الحديث، لا وجود لشيء يدعى بالماضي، الماضي لا وجود له والحاضر لا وجود له والمستقبل الحالي هو فقط الموجود.

لذا السفر عبر الزمن علميًا شبه مستحيل، لذا السفر الممكن يكون عبر تلك العوالم الموازية، لزمن معين في العوالم الأخرى، أحد تلك العوالم يسير ببطء عنا بسنة، إن سافرت لهذا العالم، فأنا قد عدت بالزمن لسنة بالخلف.

تأثير دراكولا لم يكن بتلك القوة، لكنه كان قوي أيضًا، فبدلًا من السفر عبر الزمن ومن عالم لآخر، نحن ندمج عالمين معًا، ندمج عالم عاش به مصاصي الدماء مجددًا مع العالم الأساسي قد لا تنتهي سلالة مصاصي الدماء.

وبالنظر لحديث روسيندا، فهي قد دمجت بين عالم هي ماتت به، بعالم آخر لم تمت به، كي تستمر سلالتها أيضًا وحياتها، وفي العالم الذي لم تمت به، مات به الزعيم فريدريك.

اومأ مساعدي في فهم:
-إذًا، هذا يعني أن روسيندا الآن لعبة دراكولا؟

اومأ يوهان:
-هي التي تملك ذلك التأثير في يدها، لسبب ما.

تذكرتُ شيئًا لأقول ليوهان:
-لقد قلت سابقًا أن روسيندا زارت دانيل، أليس كذلك؟

اومأ يوهان:
-لقد قالت عنه صديق قديم.

تحدثت أنا:
-صديق قديم؟ لكنه اختطف منذ سبعة سنوات، منذ سبعة سنوات ماتت والدة روسيندا وتم نقلها للعيش مع والدها، قبل سبعة سنوات كانت روسيندا تعيش في الشمال قرب البحر ودانيل ووالداه عاشا بالغرب في الريف.

تحدث يوهان:
-قد يكونا قد تعرفا في مكان ما، لا يعني بالضرورة في مدينتهما.

قلتُ:
-مكان ما كـحياتهما السابقة مثلًا؟

اومأ يوهان نفيًا:
-بالتأكيد لا، دانيل قد خرج من الصورة منذ البداية، بل لم يدخل لها أصلًا، لم يكن عالمًا أو مصاص دماء، لسوء حظه فقط أنه كان برفقة والداه العالمان حين تم اختطافهما وتم اختطافه معهما، لماذا سيساعد روسيندا على دمج العوالم؟

لا أعلم، ربما بالغت بالتفكير.

نظرت ليوهان:
-لكن زيارة روسيندا له بعد دمج العوالم مباشرًة تبدو مريبة للشك.

قال مساعدي:
-أتفق في هذا.

قال يوهان:
-حسنًا، لكن ربما لأنهمر كانا اصدقاء طفولة كما قالت.

قلتُ أنا:
-لماذا لا نتحدث مع دانيل؟ رُبما سيخبرنا بشيء.

قال يوهان:
-هل ترغبون مني في زيارته؟

أجبت فورًا:
-أنت بالتأكيد لا! يكفي توريطك لروسيندا، دانيل لا يستحق التورط مجددًا بسبب والداه، هذا يكفي.

اقترح مساعدي:
-يمكنني أنا زيارته، لا أحد يعرفني.

اومأت:
-حسنًا، سأكتب لك اسئلة لتسأله عنها، أيضًا تذكر، أن تكون لطيفًا معه، هو يعاني من صدمة وعاش أغلب حياته بين مصاصي دماء.

سأل مساعدي:
-لكن أين والده الآن؟

أجبت:
-تم قتلهما.

***

في ذلك المساء توجه المساعد الذي يُدعى مارك لمركز الشرطة حيث لا يزال دانيل هناك.

تحدث مع موظف الاستقبال ومن ثم اصطحبه رجال الشرطة للداخل وحين سألوا دانيل:
-هل تعرف هذا الشخص؟

أجاب دانيل بـ:
-أجل، دعوه يدخل.

ومن ثم تم ترك الاثنين معًا.

تحدث مارك:
-هل تعرفني حقًا؟

اومأ دانيل نفيًا ليسأل مارك:
-إذًا لماذا قلت أجل؟

-لأنك رغبت في رؤيتي.

شعر مارك بالحزن الشديد لأن دانيل وحيد للغاية ولطيف بشدة أيضًا.

لكنه تمالك نفسه وسأل:
-في الواقع، أنا صحفي وأرغب في القيام بلقاء معك.

اومأ دانيل:
-تفضل.

سأل مارك:
أولًا، كم عمرك؟

-تسعة عشر.

سأل مارك:
-ألم يأتي أحد من أهلك لإصطحابك حتى الآن؟

-لا.

-ماذا عن أصدقائك؟ لم يأتي أحد من اصدقائك لزيارتك؟

نظر دانيل في أعين مارك مباشرًة ليتوتر مارك ويسأل نفسه إن كان دانيل يعرف أنه ليس صحفي أم لا.

لكن دانيل ابتسم وأجاب:
-لا أملك اصدقاء.

تعجب مارك وقال:
-كيف هذا؟

لاحظ ما يقوله ثم تحدث:
-أعني، أن موظف الاستقبال أخبرني أن فتاة ما جاءت لزيارتك قبل بضعة أيام، أتلك عشيقتك؟

أجاب دانيل:
-لم يزورني أحد، متأكد أن هذا مجرد خطأ من موظف الإستقبال.

كان دانيل يصر على اجابته لذر لم يضغط عليه مارك كي لا يثير شكوكه ومن ثم سأل:
-ماذا تخطط للقيام به بعد الخروج من هنا؟

-الإنتقام.

قشعر جسد مارك ونظر لدانيل الذي تجلى عليه الغضب والحنق والرغبة العارمة في الإنتقام ليشعر مارك ببعض الخوف.

سأل مارك:
وكيف تخطط للإنتقام؟

-لا أعلم بعد، لكني سأقتل كل مصاص دماء على وجه الأرض!

اومأ مارك في فهم ثم قال:
-حسنًا، أظن أن هذا يكفي، شكرًا لك.

استقام مارك وكاد أن يخرج لكن حديث دانيل أوقفه حين قال:
-أنت لست صحفي، أليس كذلك؟

تصنم مارك لأنه فشل في إخفاء هويته حينها استكمل دانيل حديثه:
-أي صحفي سيسأل عن تجربتي كـأسير لمصاصي الدماء، سيسأل عن مصاصي الدماء وموت فريدريك، سيسأل عن والداي العلماء المشاهير، لكنك سألت عني فقط وعن هذا الزائر المجهول، بالأغلب أنت هنا لمعرفة علاقتي بالزائر وبالأغلب أيضًا أنك شخص يعمل في منظمة سيرن.

اتسعت أعين مارك لشدة ذكاء دانيل ولم يتمكن من قول شيء.

لكن دانيل لم يعطيه فرصة للحديث واستكمل حديثه قائلاً:
-ستعود هناك لتخبرهم بفشلك في إخفاء هويتك وفشلك في التعرف على هذا الزائر واكتشافك أني لست الشخص الذي تبحثون عنه، ألهذا السبب تركتوني بعيدًا ووحيدًا؟ أمصير والداي ينتهي عند علاقتي بهذا الزائر؟

لم يفهم مارك حديثه بالكامل لكنه استدار ونظر له قائلًا:
-ذكرى والداك لن تموت أبدًا!

بدت الدهشة في وجه دانيل لكن تم فتح الباب وقال الشرطي:
-وقت الزيارة قد انتهى.

غادر مارك وعاد دانيل لوحدته، لا يعرف بمصيره ولا يعرف بقرار منظمة سيرن بأمره، لكن ما قاله مارك، كلمات مارك، تجعله يشعر أنه كان قاسيًا قليلًا على المنظمة وأنهم لم يستحقوا ظنونه عنهم.

ابتسم دانيل في خفة وحادث نفسه:
-روسيندا، هذا هو اسمها، سيرن!

***

كان مارك في المختبر من جديد مع لونا ويوهان وقال:
-لم أتمكن من سؤاله كامل الاسئلة لأن الوقت كان قليل بشدة، لذا سألت الاسئلة المهمة فقط وهذا لم يبعد الشكوك، في الواقع، دانيل يبدو عبقري للغاية.

تحدث يوهان:
-لكنه قال الإنتقام، وقال الزائر، بالأغلب دانيل بالمستقبل استخدم روسيندا لينتقم، لأن روسيندا تحمل دماء مصاصي الدماء وإن كانت بشريّة.

قال مارك:
-لكنه ظل ينكر وجود زائر، لماذا سيفعل هذا؟ هل ربما روسيندا لم تذهب له حقًا؟

قالت لونا:
-إن كانت روسيندا لم تذهب له، لما كانت عصابة مصاصي الدماء لتتعرض لها، روسيندا ذهبت وهذا لا شك فيه، وإنكار دانيل لهذا لا يغير الواقع وما حدث، بل يجعلنا نتساءل، ما الذي دفعه ليكذب؟

أجاب يوهان:
-ربما يظن أننا سنورطها معنا.

قال مارك:
-لقد تورطت بالفعل.

ابتسمت لونا:
-خائف عليها؟ هذا يعني أنه حقًا يستخدمها للإنتقام، إن لم يكونا صديقا طفولة كما قالت روسيندا.

تحدث يوهان:
-إن يكونا اصدقاء طفولة، فهذا يعني أن دانيل يملك قوة عظمى الآن، بالرغم من ذلك قدمها لأيدي روسيندا، لقد جعل القرار في يدها، لسبب ما.

قالت لونا:
-الآن يجب أن نراقب الاثنين، يوهان ابقى أعينك على روسيندا وأنت مارك فلتبحث في حياة دانيل ولتراقبه.

اومأ مارك بينما استقام يوهان من مجلسه:
-روسيندا، هي حتى لا تعرف ما الذي هي متورطة به.

كاد يوهان أن يذهب لتتحدث لونا:
-يوهان.

نظر يوهان لها لتكمل:
-فلتسأل روسيندا عنه.

***

كانت روسيندا بمفردها في منزلها مجددًا.

لكن تلك المرة أخذت تقلب في البوم الصور الخاص بها هي ووالدتها.

كانت تفعل هذا في كل مرة تشعر بها بالوحدة والحزن.

واليوم هي تعلم أنها باتت أسيرة الأربع جدران تلك، تم تغيير الدراسة للدراسة عن بعد حتى يتم إصلاح المدرسة بعد أن أكلت النيران نصفها.

والآن بسبب مصاصي الدماء لا يمكنها الخروج.

خرجت روسيندا من غرفتها لتصنع بعض القهوة لها ولتبدأ دراسة، فهي لم تدرس بجدية منذ عودتها، لكن كل تلك الأشياء تعرفها، إن قرأتها قبل الامتحان ستحرز درجة جيدة.

شعرت بالضجر الشديد لذا قررت الاتصال بـهاري وبالفعل اتصلت به وأجاب فورًا قائًلا:
-ماذا هناك؟ أحدث شيء؟

أجابت هي:
-لا لم يحدث شيء، لا تقلق، أنا فقط أشعر بالضجر.

أطلق هو تنهيدة راحة:
-هل ترغبين بالخروج؟ التسكع قليلًا، يمكنكِ الخروج معي فقط، أنا اقوى من مصاصي الدماء كما تعلمين.

فكرت روسيندا لكنها ظنت أن تلك فكرة سيئة وربما سينتهي اليوم بقتال أو قتله للمزيد من مصاصي الدماء لذا قالت:
-لا أظن أن تلك فكرة جيدة هاري، لماذا لا تأتي للمنزل؟ أظن أن هذا آمن أكثر.

-حسنًا، أنا قريب منكِ، كنت أرغب في الحديث معكِ عن أمر ما أيضًا.

-حسنًا، انا في انتظارك.

أغلقت المكالمة وحضرت بعض العشاء لأني جائعة بشدة ولأن المرة السابقة غادر هاري دون تناول أي شيء.

سمعتُ صوت الباب يطرق لابتسم في حماس وأركض نحو الباب لكن حين فتحته قابلت..أبي؟

عقدت حاجباي:
-أبي؟ لم أعلم أنك عدت.

نظرت خلفه لأرى ثلاثة رجال ببذل رسمية وشعر مهندم.

شعرت ببعض القلق ليدخل أبي المنزل برفقة الرجال ويغلق الباب قائلًا:
-حضري اغراضكِ، سنغادر هذا المنزل.

-ماذا؟ لكن ماذا حدث؟

نظر لي وتحدث في جدية:
-افعلي كما أقول لكِ!

لكن كانت طبيعة روسيندا أن لا تخضع للأوامر دون توضيح لذا قالت في جدية تامة:
-لن أتحرك دون أن تشرح لي، ما الذي حدث فجأة؟

طُرق الباب لتتذكر روسيندا هاري، حينها فتح والدها الباب ليقابل هاري حينها تبادل هاري ووالدها النظرات في صمت تام.

هاري يرغب في أخذ روسيندا والهرب لأن عودة والدها الآن لا تبشر خيرًا لكنه يحاول التظاهر بالهدوء كي لا يجذب شكوك والدها في حالة أنه لا يعلم بحقيقة هاري.

لكن والدها كان يعلم بحقيقة هاري وبالرغم من ذلك ظل صامتًا كي لا تعرف ابنته أنه مصاص دماء، لأت روسيندا لا تعلم بعد أن والدها مصاص دماء.

شعرت روسيندا بالقلق بسبب نظرات والدها لهاري ونظرات هاري لوالدها لذا قالت:
-هاري، فلتنتظر بالداخل.

أشارك له بالدخول لكن والدها قال:
-ما علاقتك بِروسيندا؟

أجاب هاري محاولًا إستفزازه:
-أنا حبيبها.

قالت روسيندا فورًا:
-ماذا؟ لا، نحن مجرد أصدقاء.

نظر هاري لها وسأل:
-ألا تحبيني؟

كان يحاول أن يخبر والدها أن لا يحاول أن يبعده عن روسيندا لأن روسيندا تحبه.

صمتت روسيندا لينظر والدها لها ويقول:
-لا وقت للحب، لا تقابليه مجددًا.

أشار ويليام لرجاله ليخرجوا من المنزل ثم أغلق ويليام الباب ونظر نحو روسيندا وشرح:
-رجال الشرطة قالوا أن هذا الفتى قد قتل أشخاص وأحرق المدرسة، وأنتِ لا تحبين الفتيان السيئين.

قالت له:
-لا لم يحرق المدرسة، لقد كنت معه، لم يفعل شيئًا.

-بلى فعل!!

صرخ والدها عليها:
-وقتل رجال بمفرده، هذا الشخص بالخارج خطير وسيؤذيكِ!!

روسيندا صرخت عليه:
-وأين كنت أنت؟! لقد رحلت فجأة دون أن تقول شيئًا وعدت دون قول شيء ولم تتصل ولو لمرة لم تسأل عني، هؤلاء الرجال الذي قتلهم حاولوا قتلي، أين كنت أنت حينها؟!

-كنت بالخارج أصنع نقودًا كي لا تموتي جوعًا! هل تتذكرين كيف كانت حياتك مع والدتك؟ لم تملكو نقودًا لشراء غذاء! وانتهى بها المطاف ميتة في حادث سير! لولاي لكنتِ ميتة الآن أيضًا!

رمقته روسيندا في اشمئزاز بسبب الطريقة التي يتحدث بها عن والدتها، بالرغم من أن والدتها عانت وحاربت كي تصنع حياة آدمية لابنتها.

قالت روسيندا في خيبة أمل:
-أرى الآن لماذا هجرتك أمي وحاولت ابعادك عني!

قالتها ثم اتجهت لغرفتها وأغلقت الباب خلفها.

وصلها اتصال لتمسك بهاتفها وتجيب:
-مرحبًا؟

أجابها هاري:
-روسيندا، يجب أن تهربي من هناك!

-ماذا؟

-أعدكِ أني سأشرح كل شيء لكِ، لكن اهربي الآن! أقفزي من النافذة، سأمسك بكِ.

توجهت روسيندا لنافذة غرفتها لتراه بالأسفل ينتظرها في قلق.

نظرت روسيندا خلفها نحو البوم الصور الذي كان مفتوحًا وصورها مع والدتها في طفولتها ثم تذكرت كيف كانت والدتها تكره والدها.

كيف حاولت بكل الطرق والسبل إبعاد روسيندا عنه وحمايتها منه ومن نرجسيته، حين كانت روسيندا طفلة ظنت أن والدتها تبالغ لأن مهما حدث والدها لن يؤذيها.

لكن الآن في تلك اللحظة يا أمي، اتمنى إن كنتِ هنا بدلًا من هاري لتحميني، أتمنى إن كنتِ هنا لتمسكِ بيدي بيدكِ الباردة وتخبريني أن كل شيء سيكون بخير كما أعتدتِ أن تفعلي.

في تلك اللحظة شعرت أن كل شيء يسير ببطء وأنا أركض نحو البوم الصور لأنزع منه صفحة لأخذها معي، لأني الآن لا فكرة لي إن كنت سأعود يومًا أم أن تلك هي النهاية.

فُتح باب غرفتي لأجد أبي يحاول إيقافي، حدث كل شيء سريعًا لكني رأيت كل شيء وكأنه يسير ببطء شديد.

توجهت نحو النافذة وتسلقتها ثم نظرت نحو هاري بالأسفل وأبي بالخلف يهرع نحوي.

ربما والدتي ليست هنا، لكنك يا يوهان كنت معي ذلك اليوم، كنت هنا لتمسك بي بينما يهوى جسدي للأسفل، لتمسك بيدي بيدك الباردة وتخبرني أن كل شيء بخير.

لأني وعدت نفسي أن تكون تلك الحياة مختلفة وسعيدة، لأني وعدت نفسي أن لا أموت وحيدة، سأقفز!

قفزت بالفعل وأمسك بي هاري كما وعد ثم أمسك بيدي بيده الباردة وأخذنا نركض بعيدًا بينما الثلاثة رجال اصدقاء أبي يلحقون بنا.

كنت ابتعد عن منزلي، وأغادر الحي الذي عشت به وأترك والدي خلفي، لكني شعرت بأمان شديد، شعرت أن تلك هي اللحظة التي ستتغير بها حياتي بالكامل لأني فعلت ما رغبت به والدتي دومًا، وغادرت أبي.

فتح لي هاري باب سيارته ثم اتجه لمقعد السائق وقاد بعيدًا حينها تمكنا من الهرب منهم.

**

عم الصمت في البداية بينما يحاول كلا منهما التقاط أنفاسه لكن بعدها خطف هاري نظرة لروسيندا وقال:
-تركضين أسرع الآن.

مازح لتقهقه هي:
-توجب علي مجاراتك.

نظرت لي وقالت:
-هل ستشرح لي الآن ما يحدث؟

أوقف هاري سيارته في غابة لكن المكان كان يطل على السماء والنجوم الكثيرة.

تحدث هاري دون أية مقدمات:
-ما علاقتكِ بـدانيل، روسيندا؟

تلاشت ابتسامة روسيندا وصمتت، لأن أي شيء ستقوله سيجعلها تبدو كالمجنونة التي فقدت عقلها، هي حتى تكاد تشك أن حياتها السابقة كانت مجرد حلم وأنها لم تُبعث كما تظن.

أجابت:
-لقد كان صديق طفولتي.

نظر هاري نحو روسيندا وقال:
-هو من قدم لكِ فيلمًا بعد مماتكِ، هو الذي جعلكِ تستعملين تأثير دراكولا وتعودي بحياتك للخلف وتبعثين مجددًا.

اتسعت أعين روسيندا:
-كيف عرفت؟

أطلق هاري تنهيدة، هذا يعني أن دانيل يسعى للإنتقام حقًا، لكنه ورط روسيندا!

أجاب هاري:
-أنا عالم في سيرن، روسيندا، والدا دانيل كانا عالمان معنا، قبل أن يتم احتجازهما كـأسرى وفي تلك الأثناء كبُر دانيل بين مصاصي الدماء، لقد شهد على قسوتهم وقتلهم لوالداه لهذا دانيل يرغب في الإنتقام، ولأنه ليس بمصاص دماء لم يتمكن من استخدام تأثير دراكولا لذا استغلكِ لتستخدمي هذا التأثير لتعودي للماضي وينتقم مجددًا وبعودتكِ للماضي مات زعيم مصاصي الدماء فريدريك.

لأنك لم تعودي للماضي حرفيًا، بل دمجتِ عالم مات به فريدريك بالعالم الأساسي الذي ستموتين به بعد فترة.

أجابت روسيندا في صدمة:
-بعد أربعة سنوات من الآن!

تحدث هاري:
-أجل، لا أعلم لماذا اختاركِ تحديدًا، لكن هذا قد حدث.

نظرت روسيندا نحو هاري وسألت:
-لكن، كيف تمكنتُ من استخدام تأثير دراكولا هذا إن لم أكن بمصاصة دماء.

نظر هاري لها في صمت، وكأنه يقول "أجل، أنتِ تعرفين الإجابة مسبقًا!"

اومأت روسيندا نفيًا:
-أبي؟

اومأ هاري لتدمع أعين روسيندا وتجففها سريعًا، هي تفهم الآن جيدًا لماذا أبعدتها والدتها عن أبيها.

طوال هذا الوقت، بالتأكيد والدتها عانت بشدة بسببه.

ازدردت روسيندا ريقها:
-ماذا الآن؟ ألهذا حاول والدي إبعادك عني؟

-أجل، أظن أنه يعرف بأمري، لكني أحاول حمايتك فقط، لأنكِ تورطتِ بسببي.

اومأت روسيندا:
-إذًا دانيل هو من بدأ كل هذا؟

-أجل، لكني لا أعلم إن كان يتذكر حياته السابقة واستغلاله لكِ لتستخدمي تأثير دراكولا أم لا، لهذا السبب لا نملك خيارًا سوى الجلوس والانتظار لنعرف ما الذي سيقوم به.

اومأت روسيندا:
لا يمكنني العودة للمنزل، أليس كذلك؟

-أملك صديقة لطيفة تعيش بمفردها، سترحب بكِ في منزلها، منزلها آمن بشدة أيضًا، فهي من أفضل علماء سيرن.

اومأت روسيندا في صمت ثم أخرجت صفحة البوم الصور وأخذت تنظر لوالدتها الآن وتشعر أنها تراها بشكل أفضل، تشعر أنها تشتاق لها بشدة.

**

دلفت روسيندا لمنزل العالمة لونا برفقة هاري وهناك كان مارك أيضًا موجودًا.

صفق مارك فور أن رآها وقال:
-لقد سمعت الكثير عنكِ!

ابتسمت روسيندا ابتسامة مزيفة، هي لا يمكنها أن تبتهج في تلك الظروف.

عانقتها لونا وقالت:
-مرحبًا بكِ في منزلك.

قال هاري:
-لقد حاول ويليام إرسالها بعيدًا، من المؤكد أنه يعرف بأمري الآن.

قالت لونا:
-لن نسمح بهذا، روسيندا فرد من المختبر الآن.

شعرت روسيندا بالدفء وقالت:
-أنتم تعرفون الكثير.

أشارت لونا نحو غرفة وقالت:
-تلك هي غرفتك، إن رغبتِ في ملابس أو أي شيء جميعها ملككِ.

اومأت روسيندا في احترام حينها قال هاري:
-حسنًا، قبل أن أذهب أرغب في التحدث لكِ في انفراد.

سحب روسيندا من يدها خلفه نحو غرفتها ثم أغلق الباب.

نظرت له روسيندا في فضول وتساؤل حينها قال:
-أعتذر منكِ، لأن اسمي الحقيقي هو يوهان.

زفرت روسيندا ضحكة وسقطت دمعة من عينها:
-كنت أعلم أنك تكذب.

-اسف مجددًا، لكن هذا كان لحمايتكِ.

قالت روسيندا:
-سأسامحك تلك المرة، لكن عدني ألا تكذب علي مجددًا حتى إن كان لمصلحتي!

تردد يوهان لكنه قال:
-لا، روسيندا، لن أعدكِ.

قالها ثم سار بعيدًا مبتسمًا لتلتزم روسيندا الصمت.

في تلك الليلة غادر يوهان أولًا وبينما يسير بعيدًا عن منزل لونا كان يشعر أنه مُراقب.

توقف يوهان عن السير ونظر للخلف نحو زقاق حيث يشعر أن أحدهم يقف ثم توجه لهناك ليقابل رجل بالفعل يقف مع كاميرا.

أمسك يوهان بالكاميرا ورماها أرضًا ثم أمسك بياقة قميص الرجل ودفعه نحو الحائط بحركة سريعة وقال في غضب:
-من أنت ومن أرسلك؟

قال الرجل في خوف:
-لست مصاص دماء، أقسم بذلك! بعض الأشخاص فقط دفعوا لي لأراقبك أنت وتلك الفتاة التي معك، لكنهم ليسوا مصاصي دماء أيضًا، أقسم لك!

عقد يوهان حاجبيه:
-ما اسمائهم؟

-لم يخبروني بأي شيء عن هويتهم.

تركه يوهان ثم ركل الكاميرا قائلًا:
-لا تعد لهنا مجددًا أو أقسم أني سأقتلك!

اومأ الرجل ثم ركض بعيدًا في خوف.

نظر يوهان حوله ليتأكد أنه لا يوجد أحد آخر ثم غادر، لكنه اتصل بلونا ليخبرها بما حدث لتتخذ حذرها.

في ذلك الوقت كانت روسيندا تجلس في سريرها وتمسك بالصفحة من البوم الصور، كان هنالك صورة جميلة لها ولوالدتها لذا حاولت إخراجها لكن تبين أنه كان خلفها عدة صور أخرى تساقطت أرضًا.

جثت روسيندا أرضًا لتجمعهم لكنها توقفت بمجرد أن سقطت أعينها على صورة منهم، صورة كانت بها مع فتى صغير.

لماذا لا تتذكر هذا اليوم؟

أمسكت روسيندا بالصورة وقلبتها لتقرأ في ظهرها مكتوب:
"روسيندا وصديقها دانيل في البحر"

دانيل؟!!

أهذا هو دانيل الذي تعرفه؟

أكان صديق طفولتها بحق؟

أخذت روسيندا تنظر لباقي الصور وكانوا جميعهم صور لها مع دانيل لتشعر بنبضات قلبها تتسارع.

هي لا تتذكر إن كانت صديقة طفولته في حياتها السابقة أيضًا أم لا، لأنها كانت فاقدة للكثير من ذكرياتها.

وفي حياتها تلك هي أيضًا فاقدة للكثير.

لكن دانيل لم يفقد أية ذكريات، دانيل يتذكرها.

ألهذا السبب وضع بالتأثير في يدها هي من بين الجميع؟

يتبع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي