الفصل الرابع صدمة قاسية

أراد عدنان الفيومي معاقبة آدم؛ فطلب من رجاله عدم وضع أية أطعمة أمامه.

بدأ الصغير يشعر بالجوع الشديد، فجأة تذكر والداته، التي كانت تطعمه بيدها وتكثر من تدليله ومعانقته.

تمنى آدم لو يستطيع الخروج من ذلك المكان الموحش ويعود إلى بيته، دمعت عيون الصغير، شاهده الحارس فرق قلبه له، فدنا منه ثم حدثه قائلًا:
—بني، هل تشعر بالجوع؟ هل أحضر لك بعض الطعام؟

نظر إليه آدم وشعر تجاهه بارتياح فحدثه قائلًا:
—سيدي، لن أتناول شيء في هذا المكان حتى لو كان مصيري هو الموت جوعًا.

تأثر الحارس ثم تحسس جيوبه وأخرج منها قطعة من الحلوى، نظر حوله وقام بإعطائها للصغير وحدثه قائلًا:
—بني، خذ هذه وتناولها سريعًا قبل أن يأتي أحد إلى هنا، لا تقلق فهى خاصة بي فقد قام ابني باعطائها لي في الصباح.

أمسك آدم بقطعة الحلوى وقام بتناولها، ثم وقف ونظر إلى الحارس وتحدث قائلًا:
— سيدي، هل لديك ابن حقًا؟!

جلس الحارس على ركبتيه أمام آدم وحدثه قائلًا:
—أجل يا بني لدي ابنًا في مثل عمرك تقريباً، ولكن ما العجيب في ذلك؟!

ابتسم آدم وعلق قائلًا:
—وما أسمه؟

الحارس يخبره قائلًا:
—اسمه أحمد.

آدم يحدثه قائلًا:
—سيدي، كيف سيكون شعورك عندما يقوم أحد الأشخاص بخطفه منك وأنت لا تعلم عنه شيئًا؟

شعر الحارس بالأسف؛ لما يعاني منه الصغير آدم، فأراد ان يخفف عنه وعلق قائلًا:
—بني، ولكن الذي قام بخطفك هو جدك.

آدم يخبره قائلًا:
—هل سمعت من قبل عن جد يخطف حفيده؟! هذا الشخص أنا لا أعرفه ولم أراه من قبل، ولا يمكن أن يكون جدي؛ فهو شخص شديد القسوة.

الحارس أمسك بكتف آدم وحدثه قائلًا:
—آدم، لا تقلق سأساعدك على الهروب من هنا حتى تعود إلى بيتك.

أمسك الحارس بالصبي، بدأ في التسلل للخروج من المنزل.

استيقظت عصمت من نومها فوجدت زوجها وقد قام بتحضير الإفطار لها بنفسه، ليس هذا فحسب بل قام باحضاره إلى غرفتها أيضًا.

نظرت عصمت إليه متعجبة، ثم قالت:
—جاسر، أنت الذي قمت بتحضير هذا الإفطار بنفسك؟!

ابتسم جاسر، ثم جلس بجوارها على السرير وعلق قائلًا:
—وما العجيب في أن يقوم الزوج بتحضير الإفطار لزوجته التي يحبها ويعشقها.

وضع جاسر ذراعه على كتف زوجته، ثم قام بضمها إلى صدره وتحدث قائلًا:
-حبيبتي، سنجتاز هذه المرحلة معًا، أعدك إنني في يومٍ ما سأدلف إليك وفي يدي آدم، فقط ثقي في.

اومأت عصمت برأسها ودموعها تتلألأ داخل مقلتيها وعلقت قائلة:
—جاسر، إنني أمر بأسوء أيام حياتي، فقدت والدي، وتم خطف ابني وقرة عيني ولا أعلم هل هو بخير أم أصابه مكروه؟

امسك جاسر بيد عصمت وقام بتقبيلها ثم علق قائلًا:
—حبيبتي، إنها إرادة الله؛ ليختبر بها قدرة عباده وصبرهم على ما يتعرضون له من ابتلاءات.

مسحت عصمت دموعها، ثم اومأت برأسها وقالت:
—حسنًا، سأصبر فليس بيدي غير ذلك، ولكن هل غادرت والدتك ليلة أمس؟

جاسر علق قائلًا:
—لقد قامت حياة بالاتصال بها واخبارها أنها اوشكت على وضع حملها وتريدها بجوارها.

نظرت عصمت باهتمام ثم قالت:
—هل وضعت حياة مولودها؟

ابتسم جاسر وعلق قائلًا:
—نعم فقد رُزقت بطفلة في غاية الجمال.

نهضت عصمت وهي تقول:
-جاسر هيا بنا لنطمئن عليها.

ابتسم جاسر وقال:
—لا تقلقي فهي بخير لقد ذهبت واطمأننت عليها ليلة أمس.

امسكت عصمت رأسها وقالت:
—لقد غرقت في نومي، ولم أشعر بأي شيء حولي ولكن لا بد أن نذهب الآن لرؤيتها والاطمئنان عليها.

ابتسم جاسر وعلق قائلًا:
-حسنًا، ولكن لا بد أن تتناولين طعامك قبل ان نذهب إلى هناك.

عادت حياة إلى منزلها وبصحبتها مولودتها الصغيرة التي يحملها والدها، يمسك بها ولا يسمح لأحد بحملها سوى والدتها عندما تقوم بإرضاعها.

ابتسمت السيدة فيروز والدة حياة، وحدثته قائلة:
-أويس، لا يمكنك أن تظل حاملها هكذا؛ سوف تتعود الصغيرة على الحمل وحينها ستعاني والدتها من ذلك.

ابتسم أويس وعلق قائلًا:
—لا يمكن أن يعاني أحد وهو يحمل بين يديه هذا الملاك الجميل.

وصل جاسر وبصحبته زوجته إلى منزل حياة، استقبلت السيدة فيروز عصمت بالترحيب وعانقتها قائلة:
—حبيبتي، أريد أن أطمأن عليك كيف حالك الآن؟

ابتسمت عصمت ابتسامة مصطنعة، ثم علقت قائلة:
—أمي، إنني اقف أمامك جسدًا بلا روح، معنوياتي محطمة وقلبي اصبح مجأ للأحزان.

لم تتحمل الأم هذه الكلمات وانهمرت دموعها، تصادف ذلك قدوم أويس؛ الذي جاء ليستقبل جاسر وزوجته.

نظر أويس إلى السيدة فيروز التي سرعان ما قامت باخفاء دموعها والتظاهر بالتماسك، فتحدث قائلًا:
—ما الذي حدث؟! لماذا هذه الدموع؟

ربت جاسر على كتف أويس وعلق قائلًا:
—لم يحدث شيء فهذه دموع الفرحة بالمولودة الصغيرة.

لم يقتنع أويس بما قاله جاسر وشعر أن هناك شيئًا آخر وراء تلك الدموع، ولكنه قام بالتظاهر بالاقتناع واصطحبهم إلى غرفة زوجته.

دلفت عصمت إلى غرفة حياة وأسرعت بمعانقتها وتهنأتها بمولودتها الجديدة قائلة:
—حمدًا لله على سلامتك، لم أعرف بنبأ وضعك سوى اليوم.

ابتسمت حياة ونظرت في الغرفة تبحث عن آدم ولكنها لم تراه فعلقت قائلة:
—أين آدم؟ هل هو بالخارج؟! أمي من فضلك احضريه؛ أريد اخباره إنني وضعت أنثى كما اخبرني هو من قبل.

تأثرت الأم وأسرعت بالخروج من الغرفة بينما أسرع جاسر قائلًا:
—حياة، آدم لم يحضر معنا فهو عند جدته منذ يومان.

شعر أويس أن هناك أمر يقومون بإخفاؤه وأن هذا الأمر متعلق بآدم، فأسرع بالخروج خلف السيدة فيروز؛ ليستكشف حقيقة الأمر.

أمسكت حياة بالمولودة وقامت بإعطائها لعصمت، ابتسمت عصمت وعلقت قائلة:
—ما شاء الله تبارك الله! ما أجملها! ولكن هل حقًا اخبرك آدم أنك ستضعين فتاة؟!

ابتسمت حياة وعلقت قائلة:
—أجل، لقد أخبرني قائلًا: "عمتي ستضعين فتاة وستسمينها غرام".

نظرت عصمت إلى جاسر والدموع تتلألأ بعينيها، بينما واصلت حياة حديثها قائلة:
—عندما اخبرني بهذا الأسم تعجبت كثيرًا وقلت له:" غرام ما هذا الأسم الغريب"فرد علي قائلًا: "إنه اسم جميل فأنا أرى عمي أويس وهو مغرم بكِ وأنتِ مغرمة به ايضًا ولذلك ستلدين غرامًا.

ابتسمت عصمت وعلقت قائلة:
—آدم حفظه الله شديد الذكاء لماحًا، اسأل الله ان يكتب له السلامة.
لم تنتبه حياة لهذه الكلمة وعلقت حياة قائلة:
—كنت أود رؤيته لأخبره إنني سأسميها" "غرام" كما أخبرني.

-عصمت، آدم ليس ابن أخي فقط بل ابني أنا ايضًا، إنه طفل رائع يدخل قلب كل من يراه.

حاولت عصمت التماسك بينما تأثر جاسر وغادر الغرفة دون أن تشعر به حياة، خرج ثم قام بأخذ نفسًا عميقًا محاولًا التماسك والسيطرة على دموعه التي تتسابق للهطول من عينيه.

دنا أويس من حماته السيدة فيروز التي تقف  بالشرفة مدمعة العينين، ربت أويس على كتفها وحدثها قائلًا:
—أمي، هل لي أن أسألك عما يحدث معكم؟  أعلم أن هناك شيئًا كبيرًا يحدث مع جاسر وعصمت وأنتم تخفونه عني أنا وحياة، أرجوا منك إخباري بما حدث.

نظرت الأم، ثم علقت قائلة:
—أويس، لن أخفي عليك لقد تم إختطاف آدم منذ يومان، وقمنا باخفاء الأمر عن حياة حتى لا تتأثر هي ومولدتها، ولكن قلبي الحزين يكاد أن ينفطر على حفيدي وعلى والديه اللذان يتظاهرا انهما بخير، ولا يعلم ما بداخلهم إلا الله.

وضع أويس يده على فمه من هول الصدمة وعلق قائلًا:
—أمي، كيف حدث ذلك؟ ومن هذا المجرم الذي قام بخطف هذا الصغير؟

السيدة فيروز علقت قائلة:
—تم خطف من قبل مجهولين أثناء لعبه في حديقة منزل جده اللواء فؤاد الناجي، ليس هذا فحسب بل أن الرجل لم يحتمل ان يتم خطف حفيده من منزله؛ فأصيب بنوبة قلبية لقى حتفه على اثرها.

شعر أويس بالآسى لما حدث لجاسر وعصمت، أحس بقدوم أحد من خلفه، فالتفت ليجده جاسر وهو مدمع العين.

أسرع أويس إلى جاسر وقام بعناقه وتحدث  قائلًا:
—جاسر، لا أعلم ما الذي أقوله عما فعلتوه معنا؟ بالرغم مما تمرون به من آحزان، فقد تركتم أحزانكم جانبًا وجئتم إلى هنا لتشاركونا سعادتنا، اعتذر إليك يا أخي.

ربت جاسر على كتف أويس وعلق قائلًا:
—أويس، لا داعي للأعتذار فهذا قدرنا، ولكن لا تخبر حياة؛ حتى لا تتأثر فالحزن قد يضرها ويضر على الرضيعة.

غادر جاسر وعصمت منزل حياة، استقل سيارته ليعود لمنزله فحدثته عصمت قائلة:
—جاسر، أريد أن أرى أمي فما منعني عنها سوى حزني الشديد على رحيل والدي وفقد ابني.

أومأ جاسر برأسه وعلق قائلًا:
—أجل أنتِ محقة، لقد تركنها بمفردها تعاني ألم فراق الزوج والحفيد، لا بد أن نصطحبها إلى منزلنا لعل ذلك يخفف عنها.

وصل جاسر إلى فيلا فؤاد الناجي، دلفت عصمت إلى داخل المنزل وأسرعت للاطمئنان على والدتها، وما إن رأتها الخادمة حتى حدثتها قائلة:
—سيدتي، أحمد الله أن ارسلك في الوقت المناسب؛ فقد أوشكت على الاتصال بكِ.

نظرت إليها عصمت وعلقت قائلة:
—نعمة، ما الذي حدث؟ هل أمي بخير؟

علقت الخادمة قائلة:
—سيدتي، منذ وفاة سيدي فؤاد وسيدتي عايدة لم تتناول شيء، أخشى أن يصيبها مكروه.

أسرعت عصمت إلى غرفة والدتها ودلفت إليها،  نظرت عصمت إلى والدتها فوجدتها في حالة لا يرثى لها، أسرعت عصمت إلى جاسر قائلة:
—جاسر، أسرع بطلب سيارة الاسعاف، أمي تحتضر.

تم نقل السيدة عايدة إلى المشفى، ووضعها داخل غرفة العناية المركزة.

رفضت عصمت الخروج من الغرفة وظلت بجوار والدتها تهتم بها وتراعيها.

كانت الأم في حالة إعياء شديدة، امسكت عصمت بيدها وحدثتها قائلة:
—امي، اعلم إنكِ تعتصرين ألمًا ولكنني لن أحتمل فراقك، أرجوا منك التمسك بالحياة لأجلي فمنك استمد قوتي، ولا أقوى على المزيد من الفراق.

قامت الأم بالضغط على يد ابنتها والدموع تنهمر من عينيها، مسحت عصمت دموعها بيدها ثم قالت:
—كل شيء سيصبح على ما يرام اعدك بذلك.

خرجت عصمت من غرفة العناية المركزة؛ لتتحدث إلى زوجها جاسر.

ولكن ما إن غادرت الغرفة، حتى سمعت صوت الجهاز الخاص بنبضات القلب يشير إلى توقف قلب الأم.

شعرت عصمت بأن قلبها هو الذي توقف من الخوف والقلق على والدتها، وقفت في صدمة تخشى الدلوف إلى داخل الغرفة.

نظرت فإذا بالطاقم الطبي ياتي مسرعًا صوب الغرفة.

أسرع الجميع إلى الغرفة وقام الأطباء بالعديد من المحاولات لإنعاش قلب الأم، ولكن دون فائدة؛ فقد فارقت الأم الحياة لتلحق برفيق عمرها.

احتضنت عصمت والدتها وانهارت باكية، أسرع جاسر إليها وقام باحتضنها جاسر ولم يتحمل المشهد فانفجر باكيًا.

تم دفن الأم بجوار زوجها، وبعد انتهاء مراسم الدفن لم تتحمل عصمت فراق والدتها فأصيبت بإكتئاب وظلت داخل غرفتها تعاني المزيد من الآسى والحزن.

وصل العميد مروان الخولي ومعه النقيب أحمد السيوفي وبعض زملاء العمل؛ لتقديم واجب العزاء والاطمئنان على حالة عصمت الناجي. 

قام جاسر باستقبال العميد مروان ومن معه، وقدم اعتذارًا لهم عن عدم استطاعت عصمت مقابلتهم قائلًا:
—أعتذر إلى سيادتكم فهى لن تستطيع عصمت مقابلتكم؛ فهى تعاني من حالة شديدة من الحزن، وترفض الخروج من غرفتها.

شعر الجميع بالآسى لما أصاب المقدم عصمت الناجي التي اشتهرت "بالفراشة القاتلة" لقوتها وشجاعتها، فتحدث العميد مروان الخولي قائلًا:
—سيد جاسر، هل يمكنك السماح لنا بمقابلتها؛ فربما نستطيع اخراجها من حالة الحزن التي تعيشها.

صمت جاسر قليلًا ثم تحدث قائلًا:
—سيدي، سأذهب واخبرها برغبتك سيادتك في رؤيتها.

وبالفعل ذهب جاسر إلى زوجته ثم عاد وتحدث قائلًا:
—سيادة العميد تفضل، تستطيعون الدخول لرؤيتها.

دلف العميد مروان الخولي ورافقه النقيب أحمد السيوفي إلى غرفة عصمت، بينما ظل الآخرون بالخارج؛ ينتظرون ما سيسفر عنه اللقاء.

فالبداية تحدث العميد مروان قائلًا:
—ابنتي عصمت اتحدث إليكِ اليوم بشكلٍ ودي، بصفتي أب ولست بصفتي مديرك بالعمل، فايجاد آدم يتطلب عليكِ أن تتماسكي وتعودين لطبيعتك؛ حتى تستطيعين التفكير بشكل جيد.

تدخل النقيب أحمد السيوفي وتحدث قائلًا:
—عصمت، بالرغم من أن الخاطفين قاموا باستخدام سيارة بدون لوحات معدنية، إلا إننا قمنا بتتبع كاميرات المراقبة وتوصلنا إلى المكان الذي وصلت إليه السيارة، وجاري مداهمة المنزل الآن.

نهضت عصمت من فراشها وتحدثت قائلة:
—سيدي، هل أنت محق فيما تقوله؟

ابتسم العميد مروان الخولي وعلق قائلًا:
—ابشري، فقريبًا سيعود آدم إلى حضنك.

لم تستطيع عصمت الإنتظار وأسرعت بإرتداء ملابسها وتوجهت مع القوة إلى المكان الذي أشارت إليه كاميرات المراقبة، بدأ الأمل في العثور على آدم يعرف طريقه إلى قلبها.

وصلت عصمت إلى المكان، وما إن دلفت إلى المبنى حتى فوجئت بالكثير من الدماء، تسمرت في مكانها وبدأت تحدث نفسها قائلة:
—ترى لمن هذه الدماء؟ يارب سلم.

وفجأة خرج من إحدى الغرف أحد أفراد الشرطة وبيده ملابس آدم ملطخة بالدماء، وما إن شاهدت عصمت ذلك حتى خرت أرضًا فاقدة لوعيها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي