الفصل السادس

بدايات.

في تلك السيارة الفخمة ذات اللون الأسود يجلس كل من"لي هان" و" تاو" يتحدثان وهما في طريقهما إلى منازلهم، عم الصمت عدة دقائق ثم قال" لي هان" وهو يلتقط أنفاسه قلقا وهو يقود سيارته:
-لقد أثرت قلقي بحديثك "تاو"، لم أشأ أن أتحدث معك أمام تميم هناك؛ لأني لم أرد إزعاجه، لكن لم تبدوا قلقاً هذه المرة؟ يبدوا الامر واضحاً عليك.

نظر إليه تاو وهو يجلس في الكرسي المجاور له متنهدا يقول:

-الا يبدوا لك رد فعلهم غريب تلك المرة "لي"، في كل مرة نختلف نناقش الأمر ولا يسمح لنا الزعيم بالمغادرة حتى نتخذ قراراً واضحاً في الامر المطروح، لكن تلك المرة سمح لنا بالخروج دون تردد، ألا يعني ذلك أنه قد قرر الاستغناء عنا؟

نظر إليه باستغراب متعجباً وهو يوبخه:

-مابك يارجل هل نسيت من نحن؟! وما هي مكانتنا في هذا الحزب؟ أتعتقد أن الامر بهذه البساطة " تاو"؟ انصحك ألا تشغل بالك بهذا الامر اكثر؛ حتى لا تلفت نظر"يوجين" إليك وتشعرها بالقلق عليك يا صاح.

-حقا هل ترى ذلك؟
-ولا ارى غيره يا صديقي دعك من تلك الخرافات التي تملأ رأسك الآن وسنلتقي في المساء حتى نتحدث، ها نحن وصلنا هيا انزل بروية.

توقفت السيارة أمام منزل" تاو"، كانت زوجته" يوجين" تقف منتظرة إياه على تلك النافذة العلوية، نزل"تاو" من السيارة ثم وقف" لي هان" على باب سيارته يلقي عليها السلام ويلوح بيده:

-مرحباً يوجين، اراك لاحقاً يا صاح.

اشارت إليه براحتها من خلف النافذة ثم اردفت مبتعدة تتجه إلى الدرج حتى تستقبل زوجها، تتجه الخادمة لفتح الباب وتوقفها قائلة:

-انتظري" لين" سأفتح أنا.
-حسناً سيدتي.
عادت الخادمة إلى حيث كانت في المطبخ، فتحت" يوجين" الباب وهو يقول مبتسماً:

-يا لهنائي وسعادتي أيعقل أن تفتح لي المكلة الباب بنفسها؟

ابتسمت قائلة وهي تمسك بمقبض الباب:
-حسناً تفضل ايها الملك.

أمسك بتلك اليد وقام بتقبيلها ثم وضع يده الاخرى خلف ظهرها وضمها إليه بشدة وكأنه سيراقصها:

-لقد اشتقت اليك كثيرا اليوم.
نظرت إليه متعجبة وهي تسخر مازحة من حديثه:

-حقا؟! كيف ذلك لم يمض ساعات على مغادرتك المنزل ايها الملك.
يدور بها وهو يراقصها محتضنا إياها على تلك النغمات التي يعزفها قلبه بنبضاته قائلا بحب:

-وإن كانت قد مضت عدة دقائق فقط يوجين، تعلمين كم احبك واشتاق اليك دائماً.

اقتربت منه مبتسمة تهمس في اذنه بتلك الكلمات التي لم يكن يتوقع سماعها بالرغم من أنه كان على وشك أن ينطق بها:

-ما رأيك إذا أن نكمل حديثنا في غرفتنا أيها الملك، انا ايضا اشتاق اليك كثيرا.

تلك النظرة وكأنه امتلك مفتاح الجنة لسماعه تلك الكلمات، بسرعة وحماس وفرحة حملها بين زراعيه راكضا على الدرج ويعلو صوت ضحكاتهم من السعادة، إلى أن دخل غرفته واغلق الباب خلفه.

~~~

توقف لي هان بسيارته امام منزله الذي يبعد عن منزل تاو بضع دقائق، ترجل واتجه إلى باب المنزل يفتحه ودخل ينادي على زوجته وهو يقول:

-لقد عدت" اون سو" انا بالمنزل، اون سو؟ اون سو اين انت عزيزتي؟

وفجأة رآها تخرج من ناحية الحمام وهي تمسك ببطنها كأنها تتألم، تمشي بخطوات بطيئة، يظهر على وجهها علامات التعب والإرهاق، تتصبب عرقا وتتحدث بصوت منخفض:
-أنا هنا لي.

ركض إليها مسرعاً بقلق ولهفة وخوف امسك بيدها يساندها:
-مابك اون سو؟ لم أنت في هذه الحالة ماذا هناك؟

-ساعدني رجاءا اريد الاسترخاء لبعض الوقت.
تفقد توازنها وتشعر بالدوار لا تستطيع التوازن، حملها ووضعها على الاريكة وجلس جوارها وهو يقول:

-اخبرتك الا تعطي الخادمة إجازة اليوم لم لم تستمعي اليّ؟ ماذا كنت ستفعلين إن لم أعد الآن إلى المنزل؟ يا لك من عنيدة اون سو.
-أنا بخير لي، أطمئن.
-كيف ذلك ألا ترين حالتك وكيف يبدو وجهك شاحبا، هيا لنذهب إلى الطبيب.

أمسكت بيده وهو يستعد للقيام تجذبه نحوها:
-لا لن اذهب إلى مكان فقط ابق جانبي ودعني ارتاح قليلاً، سأكون بخير.

-يا إلهي كم أنت عنيدة، لا اعلم ما بك؟ ماذا حدث لك؟ لم تهملين نفسك بهذه الطريقة؟

-صدقني حبيبي انا بخير فقط اريد الراحة لبعض الوقت، الامر بسيط تؤلمني معدتي بعض الشيء وقد أخذت دواء للمعدة، يبدوا أنها نزلة برد لا تقلق، فقط اريد النوم قليلا هلا ساعدتني للصعود إلى الغرفة.

-بالطبع حبيبتي هيا تعالي.

قام بحملها بين زراعيه وصعد بها إلى غرفتهم ووضعها على الفراش، وضع الغطاء عليها وانحنى مقبلاً جبينها بحب ثم قال:
-ارتاحي عزيزتي انا هنا بجانبك لا تخافي.

أغمضت عيناها وخلدت للنوم وهو يجلس جوارها يتمعن النظر إليها وكأنه يراها للمرة الأولى يردد في ذهنه:

-لو تعلمين كم أحبك أون سو، اتمنى ان تكوني بخير حبيبتي، إنت كل ما املك في هذه الدنيا وكل من لدي في الحياة، احبك كثيراً.

أمال رأسه متكأ على راحته وهو يرقد جوارها محتضنا إياها بيده الاخرى برفق، حتى خلد للنوم بملابسه.

فجأة تعلو صرخاتها وهي تنادي بخوف شديد ورهبة قائلة بقلب منفطر، وهي تجلس على الارض بركبتيها، تبكي بصرخات قاتلة تهتز لها كل القلوب تألما:

-لا لا تأخذوه مني لاااااااااااا، دعوه لا تأخذه مني ارجوكم لااااااااااااااا.

أمسك بشعرها رجل قوية البنية ضخم مفتول العضلات كرجال المافيا، يسحلها على الارض وتعلو صرخاتها، ينظر إليها وهو مقيد بالاكبال ملقى على الأرض وفمه مغلق بشريط لاصق، يحاول التحرر من قيوده لكنه لا يستطيع وبالرغم من ذلك لا يتوقف عن المقاومة والعناد، يحاول الوصول إليها لكن القدر كان أسرع منه.

تعلو ضحكات رجال آخرين في ميناء مبهم لا تظهر ملامح هذا المكان سوى صوت لصافرات السفن وحركات وظلام يحيط المكان، الا ان اضواء السيارات كانت امامه وخلفه، كانت تلك الضحكات للزعيم جيمس وداهيته مستر ليو، يتكئان على إحدى تلك السيارات التي تضيء المكان، ينظرون إليه بسخرية وهم يستمتعون بما يفعلوه به.

حيث كان مستر ليو يمسك بطفل صغير بين يديه و يتجه به إلى" اون سو" التي كانت على حافة رصيف الميناء وقدميها مقيدتين باكبال حديدية ثقيلة، ثم قال لها بكل جحود:

-تريدينه سيدتي؟
نظرت إليه وهي تبكي تمسك بقدمه وتتوسل إليه بشدة قائلة:
-ارجوك لا تؤذه لا تؤذ ابني ارجوك دعه وشأنه، خذ ماشئت لكن لا تؤذه ارجوك.

نظر إلي"لي هان "قائلاً:
-اووو لي لقد اتضح أن زوجتك اعقل منك بكثير، هل سمعت ما قالته؟ لقد قالت خذ ما شئت، لم لم تفعل أنت ذلك من البداية وتعطنا ما شئنا يارجل، لكنت قد وفرت على نفسك وعليها هذا العناء.

اردف ينظر إليها ثانية وهو يميل إليها بيديه يمدها إليها قائلاً وهو يبتسم بلئم:

-حسناً خذيه سيدتي أنا لا اريد منه شيئاً ولا استطيع أن افرق بين أم ورضيعها، تعلم تاو كم أن قلبي حنون يا صاح، هيا خذيه.

اخذت الام رضيعها بين احضانها واشار ذاك الداهية بيده إلى رجله الضخم الذي كان يمسك بصندوق كبير معلق بتلك السلسة التي تنتهي باكبالها، وفجأة بينما تحتضن اون سو ابنها بحب وتملأ وجهه بتلك القبلات الحنونه وتطمئنه بوجودها، يجذبها شيء ما بقوة إلى الخلف بعد أن رمي ذاك الصندوق في الماء.


تحتضن الام رضيعها بين يديها وتسقط به في ثوان معدودة في تلك المياه القاسية شديدة البرودة، كالسيوف الحادة التي تقطع الجسد اربا اربا، بينما لي يقف على ركبتيه من صدمته يمحلق في تلك الزاوية التي سقطت فيها، بدا يزحف على بطنه مسرعاً ونظر إلى المياه من اعلى الرصيف يتفقد موضع سقوطها، فوجدها تسقط إلى اسفل وهي تمد يدها إليه تتأمل إنقاذها ورضيعها.

فجأة استيقظ من نومه فزعا فوجد زوجته نائمة كالملاك جواره، فقام يتصبب عرقاً إلى الحمام يغسل وجهه بالمياه مراراً و تكراراً ثم وضع رأسه اسفل صنبور المياه حتى يستوعب أن ذلك كان كابوساً مرعبا وأنه بخير وزوجته بخير.

ولكن سرعان ما قام متجهاً إلى غرفة مكتبه، يفتح خزينته ويخرج منها مسدسه الخاص ويعمره بتلك الطلقات النارية وينظر إليه وقطرات المياه تتدحرج على عينيه وقال بغل:
-لن ادعك تفعل ذلك بي ايها الحقير.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي