الفصل العاشر

يستيقظ من نومه بعد ليلة ممتعة على قدر انها متعبة، بالرغم من ذلك إلا إنه يستيقظ بكل حيوية ونشاط في كل مرة يحصل فيها الاسد على فريسة، كأنه تنعم بقدر من الطعام الذي يكفيه حتى يحصل على فريسة أخرى، ذاك القوام المرشوق وتلك التي تدعى "العضلات الست" المرسومة بتناسق وتناغم في بطنه، وذاك الطول والعرض المتناسقان، نائم على بطنه وتلك خصلات الشعر الذهبية المسدولة على وجهه بنعومة، تبا لهذا الجمال وتلك الوسامة، والجسد المثير الذي يقع ضحية جاذبيته كل انثى يلمحه بصرها، انه حقا الاسد كما لقب نفسه "ملك النساء" مستر ليو الوسيم.

تتحرك اهدابه بهدوء حتى يفتح عينيه، يقع نظره على نافذة الخوخ بجوار الباب، يقوم من نومه فزعاً من تلك الأعين وتلك النظرات الثاقبة التي تترقبه، قام منتفضا مسرعاً إلى ملابسه يأخذ منها مسدسه ويخرج من الباب، يوجهه سباحة إلى هذا الغريب الذي ظل يترقبه، والذي لم يره في هذا المكان سابقاً، بتعجب واستغراب، بخطوات متردد يمشي ببطء:

-هاي أنت؟ توقف وإلا أطلقت عليك، من أنت؟ ارفع يديك واستدر ببطء هيا.

رجل قصير القامة، كبير السن، ذو ذقن طويلة وملابس متسخة وقديمة، يرتدي قبعة من الصوف، يستدر بخوف وهو يرفع يديه اعلى، قتع من يده فأس يستخدمها للحفر في التربة.

ينزل ليو الدرج ببطء بقدميه الحافيتين وهو يوجه سباحة نحو هذا الرجل:
-من أنت؟ وماذا تفعل هنا؟ لم اراك هنا سابقاً.

-أنا اعمل في الغابة سيدي، اعتني بتلك الاشجار وازرع النباتات ايضاً.

-لكني لم اراك هنا من قبل، لم كنت تتطلع من نافذتي اذا؟ لست سارق او مجرم اليس كذلك؟ اخبريني والا اوديت بك ارضا الآن.

-سيدي انا رجل بسيط اعمل هنا واعيش بين تلك الاشجار واقتات منها، لم ارى هذا البيت منذ أن توفى صديقي، عندما رأيت النوافذ مفتوحة اعتقدت إن هناك احد من اقاربه.

تعجب ليو من كلام الرجل الغريب فأنزل سلاحه متسائلاً باستغراب وفضول:
-ماذا تقول؟! عن اي صديق تتحدث ايها الرجل الغريب؟!

تقدم الرجل خطوة يقول وهو ينظر إليه بتمعن:
-أنت تشبهه كثيراً يا بني، انت تشبه "ديالي".
-من تقول؟!
-كان صديقي يدعى "جون ديالي" ، لقد كان يقطن هنا هو وزوجته منذ زمن بعيد، معهم ابنهم رضيع، غادروا المكان فجأة وسمعت خبر وفاته بعدها بفترة وجيزة، كانت آخر مرة رأيت فيها زوجته وابنه بعد هذا الوقت بحاولي الخمس سنوات، ومنذ ذلك الوقت لم ارى ايا منهم.

هذا الاسد الذي يهاب دهائه الجميع، وتلك اللامبالاة التي يتمتع بها تجاه المخاطر والمغامرات، إلا إنه للمرة الاولى منذ فقدانه والديه ينبض قلب الطفل بداخله، وتدمع عيناه، يقترب من هذا الرجل:

-ماذا تقول يارجل؟! ماذا تقول؟

اردف الرجل مستعداً للذهاب قائلاً:
-اعتذر منك بني لم أكن أقصد أن اخيفك، اعتقد أنك شخص آخر، وداعاً.

تقدم تلك الخطوة بلهفة كأنه عاد إليه والده مرة اخرى ولا يريد رحيله، يخفي دموعه:
-انتظر يا رجل الغابة، يمكنك المكوث هنا إن لم يكن لديك مكان تمكث به، انا عادة لا ابقى هنا فترة طويلة، يمكنك الحصول على عمل هنا كالتنضيف والاعتناء بالمنزل، وهناك غرفة خلفية يمكنك النوم بها.

تقدم الرجل بكل فرح وسعادة باكياً:
-حقا؟ شكراً لك يا بني، شكراً جزيلاً لك، ساعمل كل ما في وسعي لراحتك بني، يمكنك الاعتماد عليّ في ذلك.

تراجع خطوات عندما اقترب منه الرجل يحتضنه، خوفاً من أن تنشأ لديه نقطة ضعف جديدة تؤثر على قوة الاسد، اعتلى سلم المنزل وهو يقول:
-حسناً حسناً سارتدي ملابسي واغادر يمكنك البقاء هنا بعد ذهابي.

ارتدى ملابسه وخرج إلى موضع سيارته وغارد المكان، كانت تلك النظرات الثاقبة الصامته المجهولة المعنى تترقبه حتى مغادرته.

من هذا الشخص؟ وما هي قصته ياترى؟ صديق أم عدو؟ قريب ام غريب؟ فهو قدر من اقدار الملك التي سترافقه حتى يفارقها.

~~~

-انها حامل.

كانت تلك الكلمة كالصاعقة على آذان "لي هان" واصدقائه، صاعقة فرح ضربت قلبه وآذانه وقلوب الجميع، بدأ يهلل يضحك ويبكي يقوم ويجلس، تلك المشاعر المتضاربة التي اخترقت قلبه وعقله بهذا الخبر المفرح، كم انتظر تلك اللحظة.

حملها بين يديه يدور بها في ارجاء الغرفة يصرخ فرحا وهو يقول:
-سأصبح اباً، ساصبح اباً، يا إلهي سارزق بمولود صغير، أنا سأكون اب للمرة الاولى في حياااااتي.

علت ضحكات الجميع، صدعت اصوات فرحتهم الأرجاء، فقالت بفرح وخوف:
-تمهل تمهل لي، بهدوء ارجوك.

توقف كالآلة فجأة ووضعها على الفراش قائلاً:
-اعتذر عزيزتي، حسناً لا تتحركي، لا تتركي رجاءا ساحملك بهدوء حتى نصل إلى السيارة.

نظر الجميع إلى بعضهم يبتسمون، يتمنون أن ينالوا تلك الفرحة في يوم ما.
عاد الجميع إلى منزل "لي هان" ليطمئنوا على حالة "اون سو" ويباركونها بتلك الاخبار السارة، بعد أن استراحات على مخدعها ادنت منها كارلا تقبل جبينها، ثم من خلفها يوجين تفعل بالمثل، يودعونها، وخرجوا مع ازواجهم إلى منازلهم.

تفتح "يوجين" باب منزلها وتدخل وخلفها "تاو"، وضعت حقيبتها بلا مبالاة على الاريكة وصعدت إلى اعلى، استغرب تاو من صمتها فصعد خلفها، فتحت باب غرفتها والقت بمعطفها على الفراش تقف أمام المرآة وتستند على الكرسي أمامها براحتيها، ثم تقدمت تجلس لتنزع قرطيها وتلقي بهم أمامها، دخل تاو من باب الغرفة خلفها بالرغم من أنها يمكنها رؤيته بكل وضوح في المرآة، إلا انها لم تره من شرودها، ادنى إليها يقتنص قبلة لطيفة من جانب عنقها ويشتم رائحتها، يمسك بكتفيها بحنان، لكنها تفاجأت قائلة:
-اوووه تاو هذا انت حبيبي.

استغرب من أنها لم تشعر بوجوده:
-ما الامر عزيزتي؟! فيما كنت شاردة إلى هذا الحد؟ حتى إنك لم تشعري بوجودي.

تنهدت بشوق وتمني، ثم وقفت تلتفت إليه قائلة وهي تمسك بيديه:
-تلك الفرحة تاو، أشرد بتلك الفرحة التي رأيتها في عيني "اون سو" و "لي هان"، اتمنى أن احظى بمثلها ذات يوم.

ربنا براحته على وجنتيها واقتنص تلك الشفاه الوردية بحب ولطف قائلاً:
-سيحدث عزيزتي، قريباً سنحظى بتلك اللحظات، لكن عليك أن تتحلي بالصبر، أعدك بأن افعل كل ماتريدينه لاحقق لك تلك الامنية يوجين.

وضعت يديها فوق يديه وعيناها تتلألأ دمعاً:
-حقا تاو؟
-بالطبع عزيزتي، انا ايضاً اريد ان ارزق باطفال كثيرون، واريدهم جميعاً أن يكون مثل والدتهم، يتحلون بجمالها وأناقتها وطباعها ايضاً، اريدهم أن يشبهونك في كل شيء.

القت بنفسها بين احضانه، تمسح دموعها ثم عادت للنظر إليه قائلة:
-حسناً إذا دعنا نذهب إلى الطبيب غداً؛ لنطمئن على حالتنا؛ حتى لا نضيع وقت اكثر من ذلك، رجاءا.

تحولت نظراته في الغرفة متنهدا، فهي تعلم كم أنه يكره الذهاب للاطباء بخصوص هذا الشيء، الا أن تلك الاعين اللامعة بقطرات الدمع جعلته يوافق بلا تردد بعد أن بتر كلماتها:
-أنا اعلم أنك…
-أنا اوافق، لنذهب إلى الطبيب غداً.
- حقاً تاو؟! احبك كثيراً كثيراً، شكراً لك عزيزي.
-أنا ايضا احبك كثيراً، لا اريد ان ارى تلك الاعين الجميلة تبكي مرة اخرى، فقط كوني سعيدة دائما، عديني بذلك.

-اعدك أن أظل سعيدة طوال العمر مازلت أنت بجانبي.
-حسناً دعينا نختبر سعادة مختلفة ببقائي جانبك الليلة ايتها الاميرة.

ضحكت قائلة:
-يا لك من رجل لئيم، لاتضيع الفرص.
ضحك قائلاً:
-وأي فرصة أُضيعها، انها فرصة لا تعوض.
وقف خلفها يطوقها بزاعيه يضمها إليه بشدة يقبل عنقها المرمري ويشتم رائحته الزكية:
-أكثر ما احبه تلك الرائحة التي اشتمها منك دائماً، والتي تجعلني افقد صوابي.

امسك بسحاب فستانها واااااا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي