الفصل الثالث عشر

تخرج رحاب من غرفتها غاضبة وتتجه نحو أمها لتسألها هل فعلًا تقدم عمر لأختها فترد ناهد أنه لم يتم ترتيب موعد أو أي اتفاق بعد وتسألها كيف عرفت فتنفعل رحاب :
-  كان المفروض أن أعرف منكِ أو من رضوى عرفت من شوقي، فقد أخبره عمر وكنت أبدو أمامه في موقف لا أحسد عليه.
-  لم يحدث شئ حتي الآن. ولم يكن من زمن بعيد. اتصل أول أمس لتحديد موعد وقبلها كان مجرد كلام مع أبيك يوم عقد قرانك وانتظر حتي أتي أخيه من السفر.
تدخل رضوي من باب الشقة فتنظر إليها رحاب في تحفز فتتجاهلها وتُحي أمها وهي متجهة لغرفتها تتبعها رحاب وقد استشاطت غضبًا:- لماذا لم تخبريني ؟
رضوى :- بماذا ؟ ( وكأنما تذكرت ماتقصد) أه كنت سأخبرك حين نحدد موعد لزيارته.
رحاب بعصبية :- ولماذا عمر ؟
رضوى :- ولماذا لا ؟
تمسك رحاب بلسانها الذي أوشك أن يفلت منها وتخبرها بالأمر وتتفادى النظر لها حتى لاتفضحها عيناها.
رحاب :- عمومًا مبروك.
ولأن رضوى لا تعرف بتفاصيل ما يزعج أختها، فقد تصورت أنها تستكثر عليها الارتباط بشخص كعمر بوسامته ومكانته الاجتماعية، ولم يدر في خلدها تفسير أخر. فكم عانت كثيرًا من غيرة أختها لأي نجاح أو تميز تحققه. ولا تنسى حين ظهرت نتيجة الثانوية العامة لرحاب وجاء مجموعها لايسمح لدخولها كلية وحاربت لكي تدفع أمها وأباها للموافقة للالتحاق بجامعة خاصة ووافقا بالفعل، في مقابل ما أبدو من صعوبة الأمر عليهما حين طلبته رضوى قبلها لكي تدخل كلية طب التي تمنتها بدلًا من كلية علوم.
لم تفهم رضوى أبدًا سر هذا التفريق خاصة من جهة أمها. فأبيها رغم بخله وحرصه الزائد في مشاعره ومن قبلها أمواله لم يكن ليقبل أن يدفع لرحاب ما طلبت للجامعة، لولا ناهد التي ترى في رحاب هي ابنتها الأجمل والأكثر قربًا فلم ترض لها أن تدخل معهد متوسط وتكون أختها في كلية. فاستطاعت من خلال دخولها جمعية تدبير مصاريف كل عام. وحتى في العام الذي أنهت فيه رحاب كليتها ذهبت الجمعية من أجل إصلاح المصعد لتحسين صورة رحاب أمام شوقي.

يتابع مجدي أحد الفيديوهات القديمة لابنته وتؤكد سامية أنها لم تكن تعلم عنها شئ وفور علمها أخبرته فينهرها مجدي:-
- أنتِ لا قيمة لك في حياة بناتك، وجهلك هذا سيتسبب يومًا في كارثة.
تنسحب سامية متأثرة بهذه الإهانة المتكررة التي يلوكها دائما زوجها، ولا يفوت فرصة إلا ويذكرها بأنها لم تكمل تعليمها وأنها لا تصلح أمًا ولا زوجة لهذا السبب، وكثيرًا ما تتسأل لماذا أطاع والده وتزوجها ما دامت لاترضيه. في هذا الأثناء تدفع إنجي جيلان نحو أبيهما وتحثها على أن تفتح الموضوع لعله يغير رأيه، فتدخل جيلان أولًا وتبدأ في المزاح معه وحين يسألها عما وراءها تسأله:
- أبي إذا ما كانت هناك صفقة رابحة هل ستتركها ؟
- ليست كل صفقة رابحة ماديًا هي صفقة مقبولة، قد تكون صفقة مشبوهة أو سأخسر بسببها شئ أهم.عمومًا الربح شئ نسبي.
- ( في تدلل ) ماذا لوكانت صفقة رابحة ومقبولة ولن تخسر بسببها شئ أهم.
- غالبًا سـأقبل فلندخل في الموضوع مباشرة ماذا وراءكما ؟
تتدخل إنجي محاولة أن تشرح له أن الفيديوهات التي تقوم بها لا تعطلها عن المذاكرة، وأنها فيديوهات ترفيهيه تقلد فيها المشاهد الكوميدية ولاقت نجاحًا، لكنه يصر على رأيه ويؤكد أن الأمر لا بد من متابعته من شخص بالغ وأنه شاهد الفيديو ولا يرضى لابنته أن تفعل ذلك حتى لاتتعرض لمضايقة.
جيلان :- أبي لو وثقت بنا لن يحدث.
مجدي :- أثق بكما ولكني لا أثق في الناس وفيما يحدث من أشياء غير مقبولة علي تلك التطبيقات خارج نطاق تصورنا.
تتوتر جيلان حين تسمع رنة هاتفها من خالد وتغلقه سريعًا، وتحاول أن تبدو طبيعية وتتابع حديثها عن الثقة، ولكن شيئا ما منعها أن تكمل جملتها حين تطرق الحديث للثفة. وبدأت إنجي تنظر لها لتساعدها وهي لا تستجيب ويقوم مجدي ليغادر ممسكًا بابنتيه ويوجه حديثه لإنجي:
- فلنرجئ هذا الأمر في كل الأحوال لما بعد الثانوية. اتفقنا ؟ ربما لو فكرت في فيديوهات هادفة أو مختلفة عما يفعله معظم المشاركين سيتغير رأي.
يغادر مجدي وتنظر إنجي لجيلان معاتبة إياها وتتعجب لما توقفت فجاءة عن الحديث، فتخبرها جيلان ألا تقلق فليس من المتوقع أن يوافق من أول مرة وسيحاولان مرة أخري. وتتركها جيلان وتفتح الرسائل وتقرأ رسالة من خالد:
- هل ممكن أن أفهم لماذا لا تردي ؟ أم أنكِ تردين ما فعلت عمومًا أعتذر فقد كنت متعبًا.
- المتعب يقول إنه متعب لا يهاجم الناس ويستحل كرامتهم.
- لقد تحدثت لأبي عنك لكي أتقدم لك.
- ماذا ؟
- ولكنه رفض بحجة أني مازلت طالبًا.
- ومن قال لك إن أبي سيوافق ؟ ثم لم يمر وقتًا طويلًا على تعارفنا. وأنت لم تسألني.
- أرجوكِ ليس وقت الكرامة والمزاح، وأنا لم احتج لوقت لأعرف أنني أحبك، وأريد الارتباط بك. لقد تعاركت مع أبي لأجلك وتركت البيت.
- أنا أقول واقع عموما أين أنت الآن ؟
- عند صديق لي بالقاهرة وأريد أن أراكي.
- الإسكندرية كلها لم تجد فيها منْ تذهب إليه فأتيت للقاهرة !
- لا، ولكني فضلت أن آتي لأراكي.
- لا، لن أستطيع ذلك للأسف.
- معقول أفعل كل هذا لأجلك وترفضين لقائي ؟
- ليس بيدي فأنا صعب أخرج وحدي.
- ( وكأنه غاضبًا ويبكي بعصبية ) أنا مصدوم لا أصدق أني فعلت كل ما فعلت لمن لا تحبني ولا تريد أن تجازف حتى لتراني .
- ( تتأثر وتلمس صدقًا ) سأحاول فلا تغضب أرجوك.
تتساءل جيلان هل سيكون خالد من الأشخاص الذي يحذر منهم أبوها طوال الوقت ؟ وتنكر ذلك على الفور فقد شاهدت صور له في فيلته، وحكي لها كل شيء عن نفسه بالأدلة. تتحير جيلان فيما ستفعل وهل من المناسب أن تقابله دون علم أحد ؟. تتجه نحو غرفتها لتجد أمها خارجة من المطبخ تترنح وقد أصابها دوار مفاجئ سقطت على أثره.

كما أن الأيام تمر فتقتطع معها جزءًا من عمرنا وتمنحنا بدلًا منه النضج والخبرة فإنها تضع ترتيبًا أخر لمنْ حولنا فتمزق تلك القائمة الساذجة التي تصنف الناس لقريب وأقرب وبعيد، ليحل محلها قائمة أخرى وترتيبًا أخر وبمنطق مغاير تمامًا.
وها هو عبدالله يصنع وجودًا ومكانة في قلب حكمت في يوم وليلة. مشهد لم تتصوره رشا يومًا ولم تكن لتحلم به في أسعد أحلامها ويبدو أنها كانت تحكي له أدق التفاصيل فهو يتصرف تمامًا كما كانت تفعل رشا. فها هي أمها تجلس ويطعمها عبد الله أفطارها كما كانت تفعل. هكذا كان المشهد حين دخلت سميحة وصدمها هذا الاندماج في الحديث والضحكات التي استطاع أن يقتنصها وبعد أن تحيي حكمت تسأل عبد الله :
- لم أكن أتوقع أنك هنا ألم تقل لي أنك ستغادر صباحًا لعملك ؟
- لا لم أفعل. ثم يقترب من سميحة ويهمس لها :- ألم يأن لصديقتك أن تأتي؟
تتفاجأ سميحة بالجملة وتشير بالموافقة بابتسامة مرتابة. ولكنها غادرت سريعًا بحجة أن تلحق تجهيز الإفطار لأولادها قبل نزولهم. ويعود عبد الله لرعايته لحكمت التي راقها الأمر وتبدل وجهها ليصبح أقل جدية وتجهمًا.

يقترب علاء من مكتب تالا محاولًا أن يقتنص منها ردًا بالموافقة على الخروج معًا ولكنها ترفض تماما الفكرة وتعتذر بلطف ولم يجد هنا بدًا من أن يسألها ردها عما عبر عنه في السيارة :
- أعتقدت أني رددت بالفعل.
- أفهم من ذلك أنكِ رفضتي طلبي ؟
- علاء أعلم أن لك جميل كبير في تغيير معاملتي مع زملائي ولكني أعتبرك أخًا عزيزًا كما أن هناك أمر كبير يشغلني ويمنعني من أن أفكر في الارتباط، ينظر إليها وقد ملأه الإحباط وتنظر في ساعتها وتغلق جهازها سريعًا:
- علىّ أن أرحل الآن عندي موعد مهم.

إسماعيل ينتظر تالا بأحد مقاهي وسط البلد وهو كله إصرار أنه لابد أن يخبرها اليوم بما في قلبه وظل لوقت طويل يتصور سيناريو الاعتراف بدءًا من دخولها والبحث عنه ثم استقباله لها. وظل على هذا الحال يتخيل ويعدل ويضيف ليفيق من كل هذا، ويجدها جالسةً بجواره تتأمله، وقد ابتسمت ابتسامتها الساحرة التي أنسته جميع ما خطط من سيناريوهات وقبل أن تخونه شجاعته نظر في عينيها ونطقها بعفوية خالية من الاستعدادات السابقة " أحبك" فتحمر وجنتاها وتنظرإليه بشغف وبعد لحظات صمت طالت عليه وقبل أن يسألها عن مشاعرها نطقت :- "وأنا أيضًا أحبك".
مؤكد أن التعبير عما شعر به إسماعيل في هذه اللحظة لن يكون بالكلمات وهل تستطيع حروف العالم أن تحمل عنه كم هذه السعادة التي يشعر بها الآن. يمسك بيدها، وود لو طار بها بعيدًا وفي النهاية يقررا أن يذهبا للاحتفال بجوار فرقة آسر، ويدلف في الطريق لأحد أكشاك بيع الورد ليأتيها بأجمل باقة زهور شاهدها عنده.

تتلقى سميحة مكالمة من عصام ويخبرها بأنه تحدث لمحمود الشاب زميل حبيبة ودعاه إلى مكتبه غدًا ويطلب منها الحضور على أن تتمالك أعصابها وتترك له التصرف تمامًا. وتتابع حبيبة المكالمة وتسألها سميحة جانبًا إن كان قد حاول الاتصال بها، فتؤكد لها أنه يتصل ولكنها لا ترد كاتفاقهما.وتتذكر عمّار وكيف أنه قد يتأثر إذا ما علم بالأمر قبل أن تخبره، فتطلب من حبيبة أن تصطحب سليم لغرفتها وتقترب هي لتجلس مع عمّار الذي كان منشغلًا بأمر فيجو وما عليه أن يفعل تجاهه وتمسك بيده ليلحظها:
- عمّار أنت لم تتحدث عن الرحلة مرة أخري هل أُلغيت ؟
- لا بل أعتذرت لنسافر معًا كما تمنيتِ.
- أعلم أنك غاضب وقد تفسر ما حدث بأني حرمتك من وقت ممتع لكنني لم أستطع أن أخفِ تأثري بأن صحبتنا لا تستهويك.
- صحبة أصدقائي شئ وصحبتكم شئ أخر.
- حسنًا إن أردت الذهاب فلتفعل فيبدو أننا لن نستطيع السفر على أية حال.
- لماذا ؟
بعد لحظات من الصمت تحاول فيها سميحة أن تلمح خيط للبداية ينتبه، عمّار لتوتر أمه ويسألها عما في الأمر:
- عمّار أعلم أننا جميعًا مررنا بمرحلة غربة في هذا البيت، والكل كان مكتفيًا بحياته الشخصية واهتماماته وأتصور أني جزء من السبب حين قررت الانفصال عن أبيك. فقد تكونون لا إراديا تعاقبونني على ذلك.
- (دون اقتناع تام ) لا يا أمي ربما يكون ذلك في البداية فلم نكن ساعتها نفهم. ومؤكد أننا تمنينا أن يظل لأبي دور في حياتنا لكنه هو منْ أنسحب. نعلم ذلك الآن جيدًا.
واعترفت سميحة أنها رغم احتياجها لهم لم تكن تسعَ لذلك واستغرقتها هموم المعيشة وتدبر حالهم
وكان لابد أن يكون همها الأول صحبتهم وأن تسمعهم ولا تستسلم لرفضهم مشاركتها حياتهم. فيقوم عمّار ويحتضن أمه ويجلس بجورها ممسكًا بيدها ويشفق عليها أن تلوم نفسها، وتبدأ سميحة في تأكيد أنه الآن هو رجل البيت ولابد أن يشاركها المسئولية:
- أختك في مشكلة ليست هي الوحيدة السبب فيها وتحتاجنا بجوارها.
وتحكي سميحة ما حدث وانتظارها لنتيجة تدخل عصام المحامي والمقابلة المرتقبة وأكدت الحاجة لإنهاء الأمر دون بلبلة ودون أن يصل لأبيه فيرد بعصبية:
- أترين؟ لو كان أبي معنا لما حدث كل ذلك ولتصرف في الأمر كما ينبغي.
- ماذا تقول ألم تقل حالًا ؟!
- لا يعنيني انفصالكما لقد انفصل عنك أنت وليس عنا. فلما كنت تمنعينه من التدخل؟
- أنا لم أمنعه التدخل. ولكن لا تعجبني طريقته حتى ونحن معًا. ألا تذكر كيف منعك من تمارينك وكيف منع حبيبة وها هي النتيجة أصبح كل ما يشغلكما الهاتف والشلة.
- في النهاية هو أب وسيخاف علينا.
شعرت سميحة أن عمّار يتشبث في خلق صورة جيدة لأبيه رغمًا عنها، فآثرت ألا ترد و تهدمها لم تعقب وحاولت تغيير الحديث بأننا في الوضع الحالي لا يمكننا ألا أن نساند حبيبة والأفضل ألا يتدخل أبيه، وليقم هو بدعمها ونتفق ماذا علينا أن نفعل الآن. وظل عمّار مشوش مابين أن يعنف أخته ويعاقبها ويخبر أبيه، وبين ما تحثه سميحة أن يفعله إعمالًا للعقل.


تحاول دينا أن تستعيد علاقتها بزوجها كما نصحها أبيها، فتتحين فرصة عيد زواجهما الذي لم يحتفلا به سوى في الأعوام الأولى من الزواج واختفى تدريجيًا من أجندتهما بعدما استقبلا طفلهما الثاني الذي تصادف ذلك مع ترقيتها وانشغال هشام الزائد وشعورها مع الوقت أنها هي من تتذكر ولم يحدث ولو مرة وتذكره هو. حتى حين اختبرته في أحد السنوات وانتظرت منه أن يتذكر أو حتى يفتقد ما كانت تفعل وهو مالم يحدث، بعدها قررت أن تتناسى ثم تنسي حيث تقلص الاحتفال بعدها لمجرد تهنئة عابرة إن فعلت. قررت أن تحتفل اليوم به لعلها تضع بينها وبين أفكارها تجاه أحمد حائطًا من فولاذ تحتمي به من الأعاصير وبالفعل تطلب من أبيها أن يرافق الأولاد للنادي وأعدت البيت ونفسها لاستقبال مميز لزوجها عند عودته ليلًا. ومن بين ما توقفت عنه أنها أعتادت في بدايه زواجهما حين يتأخر أن تتصل به، ولكنه افتقد ذلك سنين طوال لا تفعل، وها هي اليوم تعود لسابق عهدها لتتحين لحظة وصوله فتتصل به :
- هشام ألا زلت مشغولًا ؟
- نوعًا ما على وشك الانتهاء هل هناك سبب لاتصالك ؟
- أطمئن عليك.
- منذ متي هذا الاهتمام ؟
وهمت أن تذكره بأنه هو من رفض هذا الاهتمام يومًا واعتبره مطاردة، ولكنها فضلت ألا تفسد ما تخطط له فلم تعقب وقالت له أنها في انتظاره فلا يتأخر. في تلك اللحظة جاءتها رسالة من أحمد مليئة بالاهتمام والرقة والكلام العذب الذي لمس قلبها وإن لم يلفظ لفظًا واحدًا مباشرًا لماذا لا تسمع هذا الكلام من زوجها لو كان الأمر بيدها لاستسلمت الآن لهذا الشاري الذي ينتظر إشارة، ولكنها تتغلب على شيطانها ولا ترد وتذهب لتكمل ما تستعد لاستعادته.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي