الفصل السابع

تنهيدة وجع

بعض الأشياء فينا زجاجية التكوين يقتل نقائها الخدش
فكيف إذا إنكسرت ! سيكون تاثيرها موجع جدا، ومؤلم لحنايا الروح، من الممكن ان يحول شخصية الشخصيه الثلاثه مائه وستون درجه، ويغير حتى اسلوبه، وتعامله مع من حوله، فالكسر عند الشخص الطيب تمرد من الزمن على هدوءه
صحونا اليوم باكرا على غير عادتنا، كان الجو باهتا باردا يطبعه كثير من الكآبة، رغم انه فصل الربيع، وكانه ينذر بقدوم شيء سيء للغاية،غير مفهوم ولا معلوم.
ذهب جدي الى المقهى كعادته، والتقى في طريقه بزوجة عمي، لقد كانت ذاهبة لشراء الخبز من المخبزة، فهي دائما تحب الخبز الساخنة المقرمش الذي يباع في مخبزه عمي مهدي، اوصلها في طريقه فهو ذاهب ايضا الى القهوة التي بجوار المخبزة، كانا طول الطريق يتحدثان عن عمي، رأى جدي في كلماتها انها يائسة من حالته، فاخذ يطمئنها ويخبرها بأنه سيشفى وسيعود قريبا، وانها ستضحك على نفسها من هذا الاحساس الذي تحسه الان، رغم انه يعلم تماما ان حالته خطيرة جدا، وان احتمالية النجاة من هذا المرض كما قال الطبيب هي سبعه عشره في المئه(17%)، وأنه سينجو بمعجزة إلهية فقط
لقد كان يجبر بخاطرها المكسور، فهي طالما جبرت كسره قلوب الاخرين، فقد كانت الملجأ الوحيد الذي تطمئن له الأفئدة، وترتاح له القلوب، فليس هناك أحد تكلمت معه زوجه عمي وخرج حزين، دائما كانت ترسم ابتسامة على محيا كل من يشكو لها، او يفضفض بما يختلج في صدره من هموم ومآسي ومشاكل ايضا،انها انسانة بأتم معنى الكلمة،ابواب قلبها مفتوحة لكل طارق،ووقتها متاح لكل متضايق من هموم الدنيا ومتاعب الحياة القاسية،فلا تبخل بدفء كلماتها على من يسعى لراحة البال،انها الملاذ للسكينة والسلام الروحي.
تركها جدي تشتري الخبز من المخبزة وواصل سيره إلى المقهى الذي يجلس فيه كل يوم مع صديقه مسعود وبعض من الشلة الآخرين،قبل ذهابه إلى محله الذي ادمنه وادمن العمل فِيَھ،أنه محل صغير يبيع فيه اشياء تقليدية،وقديمة وايضا مجسمات وتحف رائعة،فهو يقضي معظم وقته في هذا المحل،فالكثير من السياح والأشخاص يأتون من كل صوب وجهة كي يشترو منه،وايضا يشاهدو اثاره ومجسماته وصوره الجميلة،معظم الذين يرتادونه يأتون لاسترجاع ذكريات طفولتهم،وشم رائحة الزمن الجميل التي تنبثق من لوحاته التي تضرب عمق الماضي وتسرق اجمل لحظات من ذلك الزمن لترسم بصمة سعادة،وتنفض الغبار عن كاهل الزمن الحاضر،وترشه برشة من عبق آثاره السعيدة الغابرة.
رن هاتف ابي،انه امر طاريء!
هذه المكالمة جعلت ابي يرتجف ويخرج مسرعا،لقد ارتدى فردة حذاءه الثانية وهو نازل من سلم العمارة،وزرر قميصه وهو يمشي في سيارة الاجرة متجها الى المستشفى الكبير وسط المدينة الامريكية،قلبه يكاد يتوقف من شدة الخفقان،لقد خطف لون وجهه الاحمر المدور واصبح مشابه لأوراق الخريف الصفراء الذابلة،وبداخل فكره الف مليون سؤال واستفهام،انقبظت روحه من شدة التفكير وهو يردد في نفسه "اللهم اجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها " لقد ظل يكررها حتى ويصل إلى المشفى دون توقف،وكأنه يعلم بالذي يحدث
اخذ شهيق طويلا عند نزوله من سيارة الاجرة،وقال بصوت خافت: "لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم" وأكمل الزفير وهو يخطو بخطى متثاقلة شبه بطيئة،الوجهه هي مكتب استقبال المستشفى،كان يلفظ أنفاسه بصعوبة،عند وصوله مكتب مضيفة الاستقبال بدا عليه كثير من التعب،مضيفه الاستقبال انتبهت الى حالته وطلبت منه ان ياخذ نفسا،واجلسته بكرسي يقابل مكتبها،واحضرت له قنينة ماء صغيرة،وهي تردد: «هل انت بخير ايها الرجل ؟» بعض لحظات ارد عليها ابي،وقد أخذ قدره من الراحة «نعم انا بخير شكرا لك»
ووقف ورجعت هي الى مكتبها،واسالته ان كانت تفيده في شيء،فأعطاها اسم اخيه،نظرت اليه وقالت: «يجب ان تذهب الى مكتب المدير،فقد حدثت أمور جديده بخصوص مريضكم،اذهبي الان انه في انتظارك»
استغرب ابي كلامها كثيرا،وداتها صوب مكتب المدير،كان بخاطره الف سؤال وتعجب،وصل الى مكتب المدير،وما كاد يرفع يده ليدق الباب،اذ بالمدير يفتحه مسرعا،وقال له ادخل وانتظرني،لدي حاله مستعجله،فدخل ابي وجلس على الكرسي واشعل سيجاره،وباقي يا يا ينتظر المدير ليأتي
كان المدير واكبر بروفيسور الجراحة في امريكا كلها،وهو المشرف الأساسي لحالة عمي،وايضا معه ثلاثة من الأطباء من بلدان أخرى،وجمعية خاصة مشرفه على حالته،ليس لانه مهم،او لانه لديه نفوذ كثيرة،ولكن حالته نادره جدا،تحدث بين الف رجل حاله واحده،فهم يدرسونه دراسه شامله
بعد تقريبا ساعه الا عشرون دقيقة،رجع المدير متثاقل الخطى،وضع سماعات اذنه على المكتب بكل رفق،وهو ينظر الى ابي نظرة تحسر،لمحة عينيه ونظراته غير مفسرة ابدا،ولا تبشر بالخير ايضا
هنا عرف ابي ان خطب ما قد حصل،وسأله بسرعة واستعجال
« ما الذي يحصل ؟»
فرد عليه هل المدير وهو يهدئ من روعه،فقد كان ظاهرا وجليا انشغاله وتوتره حيال الامر
بدأ المدير يلف في الكلام ويدور،ويحكي عن ان الدنيا هي هكذا احيانا تعطينا واحيانا تاخذ منا،وفي أغلب الأحيان تأخذ منا أكثر ما تعطينا،فإننا نفقد كل يوم عزيزا،وهي ايضا تجور علينا في اغلب الاحيان،ويكون جورها قاس جدا
هنا عرف ابي انه مصيبة قد حدثت،ورد عليه مسرعا «أخبرني هل توفي اخي ؟»
تنهد المدير ونظر اليه،ثم وقف وأمسك كتفه وقال له بصوت حزين«لقد عمل الأطباء كل ما بوسعهم،وبذلوا جهدا كبيرا وسهروا وحاولوا ولكن انتهى عمره،كن قويا»
امسك ابي جبينه بكلت يديه،ونزلت من عينه دمعه،ثم قال بصوت لا يكاد يسمع :«انا لله وانا اليه راجعون،لا حول ولا قوه الا بالله،لله ما اعطى ولله ما اخذ،اللهم اجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها،لا اله الا الله»
ورفع الهاتف،ليجري مكالمة الى أهله،فوجد ان جدي يتصل به،فأمسك نفسه،وقوى قلبه،واخذ نفسا عميقا ثم رد على المكالمة،واول حرف نطق به ابي،رد عليه جدي«هل اخوك بخير يا ابني؟»
فصمت ابي قليلا واجابه: «انا لله وانا اليه راجعون»
فقال جدي نفس الذي قاله ابي،وسأله متى ستعود الى المنزل ؟
فقال لها إنه سيجري مجموعة من الاجراءات هنا،ويخبره حينما يكون جاهز
وقفل المكالمة معه
إنها مصيبة جلل،كيف سيخبر العائله بهذا الأمر،وكيف سيبدأ الكلام معهم،واكبر مصائبه كيف سيقول لزوجته ابنه
تردد جديد كثيرا،وبقي يفكر في محله،ثم أغلقه وذهب الى المنزل
احيانا يكون الامر صعبا،وقاسيا جدا،وغير مرغوب فيه ايضا،ولكنها الاقدار،وسنه الحياه،وأمر ربنا الأعلى
في هذه اللحظه قد تولد حياة جديدة،وقد يخطف روحه انسان اخر،ظروفها متغيره،وغير مجزوم فيها اي شيء،فرحه مع تعاسه،وبسمه مع دمعه،تضحكنا وتبكينا تارة أخرى،تحضننا حين تفارقنا،و تصفعنا حين تضمنا،أمرها بيد الله،ولا يعلم طياتها الا الله
ولكن أمر الموت فيها محسوم،بدايته لقد انتهى عمره،ونهايته قبر يضم نعشه إن كان مسلما،وإن كان غير ذلك،فقبر يضمر رفاته.
دخل جدي الى المنزل،ووجهه لا يبشر بخير،صادفت جدتي في فنائه،حين رأت ملامحه،امسكت قلبها،وجلست في فناء المنزل على ركبتيها،وقالت له،لا تقولها يا عبد الله
لا تقولها فانها قاسيه،وقلبي لا يتحمل سماعها،وبدأت في البكاء بصوت مبحوح،وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة،اقترب منها جدي،وضع يده على راسها،وهو يردد «لله ما اعطى ولله ما اخذ،كوني قويه ان الله مع الصابرين،احتسبي فإن لله وانا اليه راجعون»
سواد خيم على المنزل،ان الموت مرة حتى على العدو،نتقبلها ولكن ترفضها جوارحنا،نحن فطرنا على ذلك
ذهبت جدتي وجدي،الى منزل عمي،وجدوا زوجه عمي قد انهت طعامها،وشرعت في غسل الاواني،وابنتها الصغيرة تلعب أمامها في المطبخ،فدخل جدي وجدتي وعندما رايتهم،وقع الصحن من يدها،وبدات في النحيب والصراخ،فاسرعت جدتي وضعتها وقالت لها :«اصبري يا ابنتي،ان هذا قدره،وانتهى عمره،ادعي له بالرحمه،انا لله وانا اليه راجعون»
لم تسمع ابدا زوجه عمي كلامها،وظلت تصرخ بأعلى صوتها،وانهارت واغمى عليها،وصل صوتها بيت ابي وجاءت امي تجري،وعرفت ان زوجها قد توفي
اخذها جدي الى المستشفى،وبقيت امي وجدتي يحضرون للعزاء،وقلوبهم منفطره من الحزن،لم يروحوا منذ سنين،وغادرهم دون ان يروه،او يسلم عليه او يودعوه حتى
ان الموت مر،ومفاجئ يأخذ منا غوالينا دون سابق انذار،المنية لا تفرق بين صغير ولا كبير،ولا غني ولا فقير،ولا مسلم ولا غير مسلم،ولا ابيض ولا اسود،لا تفرق بين قبيح ولا جميل،انها مشيئة الاله،وسنة هذه الحياه
لطالما خطفت من الموت غوالينا،واحبابنا ومقربينا،دون سابق إنذار،ودون حتى أدنى إشارة لذلك
البعض لا يسلم لها،والبعض يرفضها تماما،والبعض الآخر يكون صابرا مستسلما لأمر الله ومشيئة أقداره،وهنا نعرف مقدار إيمان كل واحد منا،وتقبله للمصيبة التي يبتلينا فيها الرب،اللهم لا اعتراض،ان كان من الله فنحن مسلمين له،وإن كان ابتلاء فنحن صابرون ابتلاءاته،وإن كان غير ذلك،فربنا أعلم منا،فقط يجب علينا تجميع قواتنا،والاستسلام لمشيئه الله،والقول بكل احتساب وصبر: «انا لله وانا اليه راجعون،لله ما اعطى ولله ما اخذ،صبر جميل وبالله المستعان»
لقد خيم حزن كبير على بيتنا،الصغير قبل الكبير حزين،لم يستطع احد المواساة احد اخر،تشتت ظاهر للعيان،كل جالس يفكر في زاويه،والتفكير الكبير أخذه جدي،كيف سيخبرها والمصيبه الاعظم التي فعلها عمي،ربما تتقبل موته ولكن كيف ستتقبل زواجه،وليس هذا فحسب فقد رزق عمي بطفله من المراه التي تزوج بها في امريكا،حقا ضربتين في أن الوقت موجعه جدا.
بعد مرور سبعة أيام من وفاته،وإقامة العجائب قيل هذه الايام،رن هاتفه جدي باكرا،انه ابي يخبر جدي أنه قادم اليوم الى المنزل مع نعش اخي،وبالر اسباب تاخر مع اجراءات حكومية،وأيضا اتاريه وطبيه
كان في استقبالي ابي كل اخوانه وجدي وايضا اعمامه،استغرق يوما كاملا من الوقت في سفره
حضرت النسوه جميع اللوازم لاستقبال الناس للعزاء،لقد كان اطول عزاء حصل في التاريخ،لقد حضر الجميع من جميع انحاء المدينه،بل من جميع أنحاء البلد كلها،لقد كان انسانا صالحا،والذي يملكه اليس ملكه،اي انه "انسان متصدق عطوف رحيم شخصيته انسانيه مثل زوجته تماما"
كان محبوبا للصغير قبل الكبير،فطبعا افعالك هي التي تكسب بها ود الجميع،وكلامك وتصرفاتك تجعل منك انسانا محبوبا ان كانت جميله وجيده وايجابيه،وان كانت كلماتك سلبيه او جارحه او انت شخص مفتعل للمشاكل ولا تراعي مشاعر الآخرين،وغير محترم لنفسك وللشخص الذي تتعامل معه،و من الاشخاص الغير متقبل شخصيات الناس،وغير مدرك لتصرفاتك مع من حولك،فسيكرهك الآخرون ويكرهه وجودك،و يغادرونك ولا تجدوا هذا الكم الهائل من الأشخاص في جنازتك
فعند الموت،سيعرف الآخرون مقدار طيبتك بقدر الذي مشى فيه الناس جنازتك.
بعد مرور حوالي ساعة من وصول ابي ونعشي عمي،واستكمال جميع الإجراءات الحكومية والإدارية،وصلوا الى البيت
انه امر محزن حقا،لقد غادر عمي منذ سنوات عديدة،كان يمشي على قدميه واليوم لقد دخل المنزل وهو محمول على الاكتاف،انهيار داخلي بأرواح العائله
زوجته وهدات بالحقنه التي أعطاها الطبيب،انها تنظر بصمت،وعيونها تبكي حزنا دون صوت،الم في محياها ولكن دون اي كلمه او تذمر يذكر
جلس الجميع في العزاء،ينظرون الى بعضهم البعض،فوقعت عين جدتي علم امرأة وطفله غريبتين،شكلا و غريبتين لباسا وليستا من العائلة،فوشوشت جدتي في أذن أمي: «من تلك المرأة التي ترتدي ملابس غريبة،هل تعرفينها ؟»
نظرة امي اليها باستغراب،وردت على جدتي :«من ملابسها أرجح وأنها ليست من البلد كلها»
ونظره فجاه الى جدتي وقالت: «ايعقل ان تكون زوجته وابنته!»
وضعت جدتي يدها على فمها،وهي تفكر في المصيبه الثانيه التي وقعت على راسهم،فلم يتوقع احد مجيئه تلك الزوجه الثانيه الى منزل العائلة،توجهت بنظرها الى زوجه عمي،فراتها تحدق بغرابة في تلك المرأة،وملامحها تدل على الاستغراب،ووقفت زوجه عمي الاولى واتجهت الى تلك المرأة،اسرعت جدتي وامسكت بها،وغفلتها وضا وبقيت تحدثها عن انه هناك نقص في الأكل،كي تشتت انتباهها،وفعلا اخذتها الى المنزل
وفي هذه الآونة ذهبت امي للحديث مع المرأة،وكل الذي فكرت فيه كان صحيحا،انها زوجه عمي الثانيه مع ابنتها الصغيرة
عندما حان وقت النوم،وذهب كل الى بيته،اخذت امي تلك المراه وابنتها الى المنزل،وبقي جميع العائله في بيت جدي،وظلت امي تحدث تلك المرأة،فعرفت انها تزوجت بعمي قبل مرضه بكثير من السنوات،وأنها كانت شريكته في العمل،وأنها غير عربية لكنها تعلمت العربية من عمي،كانت ابنتها كالملاك البريء،بهية الطلة جميلة المظهر،عيونها تشبه عيون ابوها رحمة الله عليه
في صباحي جاءت تلك المرأه وامي الى منزل جدي،كان الجميع جالسا يرتشف قهوته الصباحيه،وقعت عيون زوجتي عمي الاولى على المرأة الغريبة،فتذكر أنها كانت تريد معرفة من تكون،فجلست بجانبها وقالت لها «من اي عائله انتي ؟» فرضت المرأة الغريبة:« انا زوجة احمد»
توقفت زوجه عمي منصدمه وهي تنظر إلى المرأة وابنتها الصغيرة باستغراب كبير،وحل شدود في نظراتها،وتسمرت مكانها،دون ان تنطق بكلمه واحده،فقط عيونها تبكي،
على قد رأينا في ملامحها،احتراق لروحها،وانكسار بفؤادها،وتشتت لحنايا قلبها،الحلقه قسوة القدر حطت رحالها عندما محطة زوجة عمي،لم تخرج من مصيبة الوفاة ودخلت في مصيبه الزواج الثاني،ذهبت اليها جدتي مسرعه فحضنتها وسحبتها الى الغرفة،وبدأت تحدثها انت تمالك نفسها،وان تقوي قلبها،ولكن زوجة عمي لم تسمعها قط،فقط انهارت تماما،ربما حزنت على زواجه أكثر من موته،رغم قسوة الموت
كلنا نعرف ان عدوه المرأة هي المرأة،وان الانسان من طبعه اناني،ويحب كل شيء لذاته لنفسه وملكه الخاص،الموت مكتوبه على كل واحد في هذه الدنيا،وأن الإنسان مخير وليس مسير في كل شيء الا في انتهاء أجله وفي اختيار عائلتي ولكن الزوجه الثانيه اختيار شخصي،وليس فردا او جبرا عليه
في ديننا احلل الله الزواج بأربع،ان كان يستوفي الشروط المناسبة،كلنا مسلمين بهذا الشرع،ولكن لكل منا قدره التحمل،ومجال استيعاب خاص فيه،فالبرد يسلم بالامر ويستطيع تحمل العيش مع زوجة ثانية،أو تقبل هذا الوضع،ولكن البعض الآخر يفضل الطلاق على أن يعيش في هذا الوضع،فزوجته عمي من الشخصية الثانية،غيورة على ممتلكاتها،ولا تحب مشاركة أي شيء يخصها إلا الوقت فهو ملك للجميع تساعد من يطلبها
لقد وقع الخبر كالصاعقة على مسمعها،لم تستطع أن تتمالك نفسها،فشتات ظاهر عليها،ليست مسلمه بهذا الموضوع بتاتا،ملامحها تبدو قاسية ونظرتها حاده جدا،لقد تغير وجهها بالكامل
جميعنا يرى في ملامحها طيبه ولين،كل هذا ذهب في مهب الريح،تغيرت كل هذه الصفات واستبدلت والقسوة والحدة والصلابة،يتخللها شراسه غريبه،وكانها شخص اخر،تبدو كلبؤة جريحة خطف منها اعز ما تملك
زوجه عمي ممكن ان تشاركك أكلها وبيتها ووقتها وتعطي من مالها ولا تبخل عليك بشيئ،الا انها تغار على من يخصها،ولا تقبل ابدا المشاركة فيه،لذلك كانت صدمتها كبيره،فقد عانت كثيرا في بعده،وحرقت بنار شوقها له،وارهقها الحنين،وشتتها الضياع،لقد كانت تستجمع قواها وتصبر نفسها بأنه سيعود يوما،ويقتل كل هذه الاحاسيس،ويداوي جرح سنينها،وينسيها ما مر على دهرها من معاناه وشرف وشوقا وارهاقا وبعد وقسوة الايام،لكن مشيئه الاقدار كانت فوق كل تمني،فالمصيبة التي وقعت على راسها زادتها شتاتا وانهيار وتوجعا والما واذاقتها من كاس مرارة الايام حزنا قاتلا،وقطعت حبال الامنيات التي كانت ترسمها كل ليله على وسادتها قبل ان تنام وهي تحضن مجموعه الذكريات القليله و وتضع صورته في حضنها وتنام،على املي ان تشرق شمس غدا وتحمل نسمات يوم جديد خطى حبيبها اليها،لقد احاط بافكارها سور من السواد،جعل كل ما تتمناه رمادا منثورا،لقد قطع حبله امنياتها،وكسر اخره زجاجتي صبر لديها
لا شك انه من حقه ان يتزوج،ويصون نفسه بعيدا عن زوجته واهله،ولكن من الصعب على المراه ان تتقبل ذلك،خصوصا اذا كانت شخصيتها شخصيه زوجه،هي زوجه صالحه في كل شيء صبوره وقنوعه ولا تتذمر ابدا،الشيء الوحيد الذي لا تريده هو مشاركته من تحب،لا تتقبل هذا الموضوع لا من بعيد ولا من قريب،هي ترى انه لا يوجد لديه حجه ليفعل ذلك،فالبعد عن البلد هو الذي اختاره،كان يتوجب عليه عدم السفر او ان ياخذ زوجته وابنته معه ليصون نفسه من ملذات الحياه وابتلاءاتها،لطالما قالت له انا غيرتي عليك فقط،لا اريد مشاركه من احد فيك،كان يضحك عندما تقول هذا،ولا يعلم ان الاقدار قد طبعت بصمه في طريقهم لا مفر منها
الغيره في مجتمعنا العربي لا تنسلخ عن شخصية كل واحد منا،هل الرجل معنى ثاني بغيرته،الغيره عند الرجال تنسب الى الشرف والنخوه والشهامه،فالرجل يغار على دينه وعرضه وشرفه وعائلته ووطنه،وتنسبوا غيره الرجال الى الديوثيه،فالرجل الذي لا يغار على شرفه واهل بيته،يسمى رجلا ديوث،وهذه الصفه المنبوذه عند العرب،والشخص الديوث وغير مرغوب فيه لا في جماعه ولا في جلسه ولا حتى بين افراد المجتمع
ستجد الرجل الذي له شهامه عنده حميه وغيره على من ينتسب اليه قريبا كان او بعيد
اما الغيره عند النساء فتختلف اختلافا تاما،فهناك من تغار على من تحب وهذه محموده جدا ان لم تزد عن حدها،وهناك من تغار من شخص ثاني وهنا تكون واخيره سلبيه تؤدي الى الحسد والبغضاء والكراهيه،وهذه صفه لا يحبها اي احد بين المجتمع،حتى انه هناك مثل شعبي يقول:« عاند ولا تحسد» اي انك تقلد شخصيات الاخرين وتصرفاتهم ولا تحسدهم ولا تغر منهم غيره تؤذيهم،فاحنا يغار الشخص من شخص اخر فانه يكيد له ويحسده ويضره،وهذه كلها اشياء تجعل من شخصيه المرء شخصيه مكروهه
مضت شهور عديده على وفاه عمي،وزوجته عمي لا تزال غارقة في صمتها،لقد اضحك انسانه بارده الاحساس،شارده الافكار،قليله الكلام،هادئه المحيا،كانها مغصوبه على التنفس،لا تكلم احدا الا نادرا،حتى وان جاء ضيوف فانها تجلس ولا تتكلم ابدا،وفي وسط المجلس تقوم وتذهب لغرفتها دون اي قول حرف،حتى تغصب على الاكل،لقد غيرتها هذه المحنه كثيرا،لا يفهم لها شيء،حتى ملامحها اضحت قاسيه،معقده النظرة،سريعه الغضب،الدمعه واعلى طرف عينها،انعدم الصبر عندها،الابتسامه دفنت مع نعش زوجها
استيقظ علي الجميع اليوم،كالعاده لا جديد يذكر ولا قديم يعاد،اشردوا يخيم على بيت الاهل،يوم عادي كأي يوم من ايام السنة
وفي الليل كل واحد ذهب الى بيته للنوم الا امي
طيلة المساء وهي متغيره الحال،تريد النوم ولا تريد،لا تريد الصمت ولا تريد الكلام ايضا،متذمرة من الهدوء ومعصبه من الفوضى،تضارب احاسيس عندها،الجميع تساءل عنها وقالو لها «ما بك اليوم! لماذا انت غريبة الأطوار!؟»
لقد نام الجميع وبقيت هي صاحيه الى أن !
«عبد الحميد ! يا عبد الحميد ! استيقظ يا عبد الحميد؟!» عبد الحميد هو اسم والدي
لقد على صراخها وملا الغرفه،استيقظ أبي مفزوع وهو يقول: «ماذا بك يا امرأة ! ماذا هناك؟»
اجابته امي وصوت صراخها يعلو اكثر،لدي وجع لا استطيع تحمله،خذني الى المستشفى
في اسرع ابي ليحضر المفاتيح سيارة أبيه،واسرع بها إلى المستشفى
إنها مفاجأة سارة حقا،لقد حان موعد ولادتي،هذا اليوم الذي ينتظره أبواي بفارغ الصبر،بعد أشهر طويلة من العناء والتعب والإرهاق،والمرض،وقلة النوم
تساءل ابي انه الشهر السابع فكيف تلد قبل تسعة أشهر،وقد طمأنه الدكتور ان المولود بصحة جيدة وأنه هناك ظرف طارئ يجعله يجري عمليه قيصريه ويسبق موعد الولادة بشهرين
في الثانيه من تشرين الاول العامه السادس والثمانين بعد آلاف وتسعمائة ولدت ناديا،انها انا..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي