الفصل التاسع

-لقد جن جنون الحاكم بالتأكيد ما هذا الذي يقوله! و كيف يمنع أبناءنا عنا و عن زيارتنا، و لا يريدنا حتى أن نناقشه في قراراته الغريبة تلك!

  كانت تلك نبذة بسيطة عما كان يدور في نفوس شعب السلطان العادل بعدما وردتهم أنباء عما حدث.

   فقد بعث الحاكم برسول إلى حاكم دولة مجاورة لدولته يحمل مكتوبا، فحواه عبارات تهديدية فهو يطلب منهم إما إرسال الجزية له، أو أن جيشه سيقوم بإحتلال أراضيهم!

قتل هذا الرسول شر قتلة فما كان هناك رد أبلغ من هذا لمثل تلك التهديدات الجائرة، يحملها رسول ضعيف البنية، صغير السن.

  فما كان للحاكم الآخر إلا أن يرد ردا كهذا مشيرا إلى ضعف الرسول المرسل إليه مقابل قوة تمثلها بلاده.

ثار الشعب جراء هذا الأمر، فبعضهم كان رافضا للأمر برمته، و يرى أن الخطأ يقع على عاتق حاكمه إلا أنه لم يجرؤ أحدهم على التفوه بهذا.

  أما البعض الآخر أصبح الأمر بمثابة للثأر لهم، فكيف يقتل إبنهم بتلك الصورة البشعة غير الإنسانية بالمرة فما هو الذنب الذي قد يستحق من أجله أن يقتل بمثل تلك الوحشية.

  لقد مثل بجسده ليكون عبرة لمن لا يعتبر، فقد رأى الحاكم الآخر أن مجرد جعل السلطان عادل لهذا الصبي رسولا له هو بمثابة إستخفاف به و بمكانة دولته.

-السلطان عادل يعلن حالة الحرب على من سولت له نفسه الإستهانة برسوله، فقد عد هذا الأمر تعديا سافرا عليه بذاته.

و بالفعل ما كاد الصباح أن يصبح، حتى كان السلطان قد أعد جيوشا بأعداد مهولة، قادها بنفسه قاصدا تلك المدينة التي إستهزء حاكمها بهم.

  صولات و جولات دارت بين جيشي المملكتين على أراضي المملكة الأخرى و التي إنتهت بأن ألحق بهم السلطان هزيمة نكراء.

  هزيمة ترويها كتب التاريخ لسنوات طوال، تحكى  و تتحاكى عنها الأمم في مجالسها حتى يومنا هذا.

إستمرت تلك التوسعات واحدة تلو الأخرى، فما يلبث الحاكم أن يقوم بفتح مملكة حتى يتبعها بالأخرى غير آبه لأحد مهما كان!

  هذا الأمر الذي إنتشر صيته و أصبح حديثا أشهر من نار على علم بين الأمم.

  مما جعل جميع حكام البلاد المجاورة يهابون هذا الحاكم، بل حتى أن أحدهم قد إستسلم لدفع الجزية المطلوبة بدون حرب حتى!

أغاني و أناشيد في قصر السلطان، كان هذا هو حال القصر بعد أن إزداد غرور السلطان بعدما إستطاع بجيوشه أن يجعل بلاده حاكمة.

   أصبحت مملكته عاصمة لأقوى و أعتى البلاد، و إستسلم له ألد أعدائه الذين كانوا يستهزئون بأمره حالما علموا بتوليه الحكم في هذا السن الصغير.

  و لكن دوام الحال من المحال فها هو الحاكم ينشغل عن جيوشه بأمر لا يخطر على بال أحد، بل هو طريق أسهل مما قد يتصور ألد أعدائه.

إنقلب الأمر على عقبيه فقد إنشغل السلطان في الأيام التالية عن حكمه لبلاده، و جيوشه بالجواري التي ملأ بها قصره تتراقصن على أنغام الموسيقى صباحا.

    تتنافسن واحدة تلو الأخرى على خدمته و نيل رضاه طوال النهار، حتى يقضي ليلته مع الفائزة منهن لليوم.

-أتعتقدين أن السلطان يحبك أيتها البلهاء؟

قالت إحداهن للأخرى حينما لاحظت شغفها الشديد بالسلطان فهو لم يعد مراهقا يحكم البلاد، بل أصبح شابا في العقد الثالث من العمر.

   تتهافت النساء على نيل إعجابه، فقد تصبح إحداهن بفضله أما لولي العهد بل و سلطانة لهذا القصر العظيم أيضا!

تابعت حديثها بإستهزاء شديدين كانا لهما جل الأثر على لكنتها و هي تقول:

-نحن جميعنا لا نمثل له شيئا بل نحن مجرد نساء يرتاح بصحبتهن من ويلات الحروب التي يخوضها يوما بعد الآخر.

  بالتأكيد هي محقة، فالأمر لا يتعدى كونه نزوة عابرة لحاكم في مقتبل عمره، أو على الأقل حتى الآن فهل سيستمر الأمر كما هو عليه؟ أم أن كيد النساء له رأي آخر؟!

- أنا أختلف عنكن جميعا و سترين.

  قالتها الجارية الجديدة بغرور و إصرار فهي تثق ثقة عمياء بجمالها الذي يسلب العقول.

   فما أن يراها أحد حتى يتغزل بجمالها الذي يجعلها أشبه بحورية بحرية رائعة.

-تظنين أنه سيحب جمالك! لقد مر عليه العديد و العديد ممن هم أكثر جمالا منك أنت تجعلين أوهامك تتملك عقلك حتى أنها ستتسبب لك بالمتاعب بكل تأكيد.

   أنت فقط جديدة بعض الشئ، لذا تظنين أن الحاكم سيفقد عقله حين يراك أفيقي من أوهامك يا فتاة.

  أنت بالنسبة إليه لست إلا مجرد جسد جميل ما أن يمل منك حتى يرميك خارج جدران القصر كسابقتك تماما.

صفعة علا صوتها في الأرجاء، حينها عقدت الجارية الجديدة حاجبيها و إنتفخت عروقها بغضب قائلة:

-إلزمي حدودك أيتها الثرثارة، لا أحد يجرؤ على توجيه مثل تلك الإتهامات لي، سوف تندمين أشد الندم على ما إقترفته.

سنرى من منا هو الذي سيطرد من هذا القصر.

كان السلطان حينها مارا بالجوار فسمع الصفعة التي هوت بها يد الجارية على زميلتها فصاح بحزم:

- ما الذي يحدث هنا؟ أتظنان أنكما في شجار في أحد الأزقة مثل عامة الشعب أنتن في قصر السلطان، فكونا على قدر من المسئولية قليلا.

تمايلت دهب الجارية الجديدة على السلطان بغنج بالغ و قالت بنبرة خافتة و هي خافضة لرأسها و عيناها تملكان مكرا داهيا لا يخاله شائبة:

-اعتذر لك يا مولاي فأنا لا أجرؤ على إزعاج سيادتك أبدا، أنت السلطان بذاته فمن يجرؤ على تحدي أوامرك سيدي.

   و لكن تلك الفتاة قالت لي أنها قادرة على طردي خارج القصر، فجلالتك تطيع أوامرها هكذا قالت لي أمام الجميع ها هنا! و أنا لم أحتمل أن أسمع أمرا كهذا عن حضرتك أبدا.

  يا لها من ماكرة لعينة، فها هي تحرض السلطان بأبشع صورة ممكنة، يبدو أن ممتلكاتها تعدت جمالها الآخاء، بل هي داهية شديدة الذكاء أيضا!

-من أنت لتجرؤي على العبث بجارياتي و التحدث باسمي؟ بل و من أنت أيتها الصعلوكة التي ستقرر طرد من تشاء من قصري؟

-اغربي عن وجهي و إجمعي أغراضك فورا، لا أريد رؤيتك مرة أخرى في قصري.

ذاع هذا الصوت في أرجاء القصر فقد صاح السلطان بهذه الكلمات بغضب كزئير الأسد لم يسبق أن رآه أحد بتلك الصورة من قبل!

  فقد إمتحنته دهب بأقصى ما يمكن أن يمتحن به حاكم؛ سيطرته على ممتلكاته.

ركضت الجارية باكية فقد حلت عليها لعنة الطرد التي تحل كل فترة من الزمن على إحداهن، متمنية لو تركتها و شأنها.

  فيا ليتها لم تتدخل بهذا الأمر و تركت دهب على هواها، لربما كان الأمر سيكون مختلفا كليا آن ذاك.

لاحقتها دهب حينها بنظرات شامتة، فقد إنتصرت عليها بكل سهولة هي ذاتها لم تتوقع أبدا أن يتم الأمر بمثل تلك السلاسة و البساطة قط!

تأمل السلطان حينها وجه دهب الجميل التي عادت لتنظر له بنظرات بريئة تغمر عيناها الدموع، و لكنها دموع التماسيح بالطبع، إلا أنها إنطلت على الحاكم مع الأسف الشديد.

  داعب السلطان حينها وجنتها البيضاء الناعمة، و مسح الدموع عنها، مملسا بيده بحنان بالغ على شعرها.

    استرسل شعرها كسلاسل من دهب مثل اسمها تماما متموجة كماء البحر الذي وصف لونه عيناها. و قال محتضنا إياها:

-لن يجرؤ أحد على المساس بك بعد الآن فأنني أصبحت في حمايتي من الآن فصاعدا، إن أزعجك أحدهم أخبريني فورا.

   فمن يجرؤ على إبكاء تلك العينان الجميلتان في حضوري!

-إستعدي لليلة يا جميلة، فاليوم هو يومك.

-أشكرك كثيرا على لطفك و كرمك يا مولاي أعدك أن أكون عند حسن ظنك بي.

تمايلت دهب متغنجة في طريقها إلى غرفتها لتستعد لليلتها مع السلطان، فلا يوجد أحد أسعد منها اليوم.

   لاحقتها أعين كثيرة حاقدة فالعديد من الجواري كن شاهدات على ما حدث لزميلتهن من تلك الجديدة الماكرة.

-يبدو أن أياما صعبة تنتظرنا مع تلك الخبيثة.

-أبعديني عن هذا الحديث أرجوك، ألم تري ما فعله الحاكم بالفتاة الأخرى؟

هي لا تريد أن تطرد مثلها. فيكفيها أني تعيش في القصر حتى و لو لم تكن المفضلة لدى الحاكم، على الأقل تعول عائلتها بسلام.

-و لكن ألم تلاحظي ما فعلته تلك الفتاة! لقد حازت على رضا مولانا من أول ليلة لها بالقصر، بل و ستقضي ليلتها معه أيضا!

-أنا حقا لا آبه للأمر، أمي مريضة و أنا أرعاها بالنقود التي يعطينا السلطان إياها، فإن طردت لن أستطيع الإعتناء بها، أنصحك أنتي أيضا بالإبتعاد عن هذا الأمر، فلن تكون نهايته مبشرة بالخير لك أنت أيضا.

قالت الآخرى في نفسها:

-لن أكون أنا إن لم أعد لها المكائد و أتخلص منها فكيف تجرؤ أن تأخذ السلطان مني و في ليلتي أيضا! فويل لها مني.

مرت الليالي و الشهور و السلطان لم يعد يأبه لغيرها أبدا، فقد سرقت دهب عقله منذ ذلك اليوم، فهو قد أصبح لا يستطيع رؤية غيرها.

  قضت دهب مع السلطان أياما و ليالي دون غيرها من الجواري، هذا الأمر الذي أثار حقد كافة الجواري في القصر لها، حتى أتى اليوم الموعود.

أعلنت دهب حملها فهي تحمل في رحمها ولي عهد السلطان الذي خليت لبه.

لقد جعلته لا يطيق سواها تارة بجمالها، و تارة أخرى بشخصيتها الفريدة فقد عشقها عشقا لا يوصف بالكلمات.

أعدت الجواري الخطط و المكائد لدهب فقد حدث ما كانوا يخشون حدوثه، إن ولد هذا الصبي فسيتزوجها السلطان حتما.

  ستصبح دهب حينها هي سلطانة هذا القصر الأولى و الأخيرة، و سيصبحن جميعا مجرد خادمات لها هذا إن لم تطردهن جميعا من القصر كله!

محاولات لإجهاض هذا الجنين المنتظر، قامت بها جواري القصر كلهن، حرصا على مكانتهن بجانب السلطان.

  فتارة تضع إحداهن دواء في شرابها، و تارة تتعمد الأخرى أن تجعلها تسقط بصورة أو بأخرى.

   إلا أن كل تلك المحاولات قد بائت بالفشل الذريع، فقد كانت إحداهن توشي بأمرهن لها، طمعا بكسب ودها.

   راغبة أن تكون على الأقل وصيفة لها حين يتزوجها السلطان، فهي بالفعل ستتزوجه عاجلا أم آجلا فعلى الأقل حينها لن تقوم بطردها هي على الأقل من القصر!

مرت تسعة أشهر بأمان و جاء اليوم المنتظر معلنا قدوم الأمير يزيد إلى قصر والده الذي كان ينتظره على أحر من الجمر بعد أن علم أنه سيكون صبيا.
في ليلة هادئة كان السلطان جالسا مع زوجته، أم ولي عهده يخبرها أن تطلب و تتمني ما شاءت و هو سيقوم بتحقيقه لها بإذن الله.

  فقد أهدته ولي العهد الذي كان ينتظره بفارغ الصبر، أتريد ذهبا أم نقودا أو حتى خيول أصيلة ما ستطلبه سيلبى لها في الآن و التو.

-يا مولاي انا أحببتك لذاتك و ليس لمالك و سلطانك فأنا لا أطمع بالمال منك أبدا.

أعجب السلطان بحديثها الرقيق و أخبرها أنه يوما عن يوم يزداد حبه لها في قلبه، كلما مرت الأيام أكثر و أكثر.

-طلبي الوحيد منك يا مولاي لن يكون لأجلي فقط بل لأجل إبنك يا سلطاننا العظيم، أنا لا أريد أن يكبر إبننا و يرى أمه جارية مسلوبة الحرية.

  أرغب أن تعلن تحريري يا مولاي!

-و لك ما طلبت يا دهب أنتي حرة من الآن فصاعدا فهل تقبلين الزواج بي يا عزيزتي؟

زفاف أسطوري لإعلان زواج السلطان و تتويج دهب بلقب السلطانة أم ولي العهد و التي كان أول ما فعلته بعدها كما توقع الجميع.

  لقد قامت بطرد كافة الجواري من القصر و لم تبق بجانبها إلا تلك الواشية فقط! أقنعت السلطان أنها قامت بذلك الأمر بدافع الحب و الغيرة.

  هو يحبها حبا شديدا لذا كان لا يتردد في تنفيذ كل ما تريد أيا ما كان الثمن و ليس مجرد جواري!

السلطان قد إنشغل باله و عقله بالسلطانة و إبنه و هو الذي أرسل أبناء الأمة بعيدا عنهم أهذا هو العدل الذي سمي على اسمه!

-معه حق الجميع غاضبون من هذا الأمر بشدة فأبناؤهم يقتلون واحدا تلو الآخر، تحقيقا لأطماعه التي لا تنتهي و هو حتى لا يأبه لأمرهم.

  بل حتى لم يعد يأبه بالشعب ذاته أيضا فقد جعلته دهب كالخاتم في إصبعها، و أصبحت هي الآمرة الناهية في كل شئ.

العديد من الأناس الغاضبون، و الذين كانوا يحملون أعواد خشبية في نهايتها تحمل الشعلات النارية متجهين إلى قصر السلطان إعلانا بقيام ثورة شعبية عليه.

-فليسقط يسقط حكم السلطان الظالم.

هتافات و صراخ قد علا في أنحاء القصر، حينما خرج الملك غاضبا:

-ما الذي تفعلونه هنا أتجرؤن على القدوم بتلك الصورة إلى قصر السلطان!

-أنت لم تحمل من اسمك معناه و صفاته فأنت حاكم ظالم، لست عادلا على الإطلاق تبعد أبنائنا عن أحضاننا و تهمل شئوننا من أجل إبنك! أهذا هو العدل في نظرك؟

إستشاط السلطان و إنتفخت أوداجه غاضبا و هو يوجه حديثا لشعبه فحواه كيف تجرؤا على هذا الكلام، كيف نعتوه بالظالم! آمرا الحراس بالقبض على كل من سولت له نفسه التظاهر ضد الحاكم.

ساد الهرج و المرج فقد إشتعل فتيل الثورة لن يعود الشعب للسكوت عن هذا الظلم مرة أخرى.

صراع دام لساعات بين جنود الحارس و المواطنين الذين رغم ضعفهم مقارنة بالجنود المدربين الذين كانوا يحيطون بالسلطان.

   إلا أن كثرة عددهم و شجاعتهم و إصرارهم قد أعلن أن النصر لصالحهم.

في تلك الأثناء قام الملك بمحاولة الهرب مصطحبا زوجته و إبنه إلا أن البعض لاحقه مما أدى إلى إصابته بحرق في ذراعه!

في مركز التدريب عاد الطبيب عادل من رحلته صارخا بألم و هو يمسك ذراعه المصاب.

-و لكن ما الذي يحدث هنا؟ و ما الذي يحدث في ذراعي؟

أجابه منظم الحفل قائلا بأسف شديد.

-نأسف لما أصابك، كل ما يصيبنا في عالم الخيال خاصتنا يماثله فالواقع فحمدا شديدا أنك قد خرجت من تلك الرحلة حيا!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي