الفصل الثاني
كان هذا أكثر مراسم الحفل إبهارا حيث وجد المدعوين أنفسهم فجأة أمام معبد الكرنك الذي تمت محاكاته في اللعبة نفسها.
لقد كان الأمر كما لو كانوا قد عادوا بالزمن إلى زمن بناء هذا الصرح العظيم و وجدوا أمامهم الملك سوناسرت يتحدث عن الكرنك مرحبا بنا:
-تحياتنا لكم يا من تزوروننا في وادينا و تتطلعون الآن إلى معبدنا حيث يبدأ تاريخنا ها هنا في معبد تجلت فيه قدرات إلهه.
قام الملك بإستكمال حديثه لنا عن أن هذا المعبد الذي نراه أمامنا بقعتهم المختارة هو أهم معابد طيبة.
هذا المعبد هو الذي كان سيتم فيه تقديس الرب العظيم آمون رب طيبة، الذي يخر له كهنة المعبد ساجدين.
بعد أن يكتمل بناءه سيبلغ هذا المعبد قدراً كبيراً من الثراء وسيصبح لكهنته قوة سياسية كبيرة لا تضاهيها قوة و لا ثراء.
لقد قاموا بتصميم هذا المبنى ليصبح عاكسا لمسار رب الشمس في السماء بالإضافة إلى إتقانهم هم المصريين القدماء في استخدام الحجر والذي يتجلى في كل مكان في نطاق المعبد.
تلك النقوش للرسوم التي تغطي جدرانه، و المنحوتات التي أقيمت للتماثيل التي تزينه، كل تلك الأشياء و أكثر كانت تعبر عن مدى تقدم أجدادنا العظماء.
حتى أن أدق ما يعبر عن براعتهم في فن النحت هو هذا الطريق الذي عبرناه منذ لحظات قادمين إلى هنا.
تتمثل روعة هذا الطريق في الكباش المتراصة على الجانبين كالحراس فقد كان هذا المكان للملوك فقط، ممنوع تواجد العامة به.
الكرنك في حقيقة الأمر عبارة عن مجمع معابد، حيث تهافت العديد من الملوك على زيارته لإضافة المزيد و المزيد كل ينافس من سبقه على مدار القرون.
يتضمن مثلا داخل جدرانه المحيطة معبدًا كاملاً للرب خونسو في الركن الجنوبي الغربي، بجانب معبد الأوبت، الذي تم بناؤه في العصر اليوناني الروماني لأوبت الربة المتمثلة في شكل فرس النهر المسئولة عن الولادة.
ومازالت البحيرة المقدسة الجميلة التي كان الكهنة يتطهرون بها قبل القيام بطقوس المعبد موجودة برونقها حتى يومكم هذا.
حتى أن العديد من المعابد والمقاصير الصغيرة الأخرى تنتشر ضمن محيط الكرنك، مما يجعله متحفًا حقيقيًا مفتوحاً.
فهنيئا لكم يا من حظيتم بتلك الفرصة لرؤيته و التمعن في تأمل جماله و عبقريته الفريدة!
إستكمل أمنحتب حديثه تعلو قسمات وجهه الثقة و الفخر:
-كان هذا إنجازا وصلنا إليه لم تستطيعوا أنتم أيها الأحفاد حل لغزه حتى زمنكم هذا حيث تتعامد الشمس على جدران القسم الشرقي من معبدنا في الواحد و العشرون من شهر ديسمبر إيذانا ببدء فصل الشتاء.
هذا إن دل على شيء فإنه يدل على عبقرية الحضارة التي أنشئت لكم فإفتخروا بنا!
إذ فجأة وكما ظهرت شخصيات الملوك فجأة إختفت أيضا وظهر بدل عنها العديد من النحاتين وهم يقومون بإستكمال نحت النقوش التي تزين جدران المعابد في مرأى ومسمع الحاضرين جميعا و الذي كان حدثا لم و لن يرى المدعوين له مثيل أبدا!
ما رأيناه كان أدق دليل يثبت براعة منقطعة النظير لقدمائنا المصريون في علوم الفلك وتركوا خلفهم خرائط مصورة للسماء.
وجدت منحوتة على جدران وأسقف المعابد بجانب جداول تشير إلى تمكنهم من رصد وتتبع حركة النجوم.
كما برعوا أيضا في التقويم وفي الوصول إلى السنة الحقيقية التي قسموها لشهور، وقسموا ساعات الليل والنهار ربطا بين علوم الفلك والهندسة، ولعب توجيه المعابد والمباني الدينية دورا هاما في حياتهم.
كانت عمليات بناء تلك المعابد تبدأ برصد النجوم، وربطوا المناسبات الدينية والملكية في تلك المعابد بأحداث فلكية تتزامن وتوقيت تلك المناسبات.
رسومات، منحوتات رسمت ونحتت أمام أعين الجميع من هم من حضور هذا الحفل مثلي، أثبتت تلك البراعة وذلك التقدم الذي وصل إليه الفراعنة سابقين عهدهم وأقرانهم، بل وسابقين لأحفادهم أيضا!
حينها فقط انتهت تلك الفقرة التي جعلت المدعوين جميعا يسبحون في بحور الخيال غير مصدقين للسحر الذي جعلتهم تلك اللعبة بداخله.
بعد تلك النبذة البسيطة التي حصلنا عليها بصورة أروع مما كان أحد منا يتصور، وحينما كان كل من الحضور سارح مسحوراً في سحر تلك اللحظات التي لم يكن يتوقع يوما أن يشعر بها في حياته.
ولكن يبدو أن تلك اللعبة كان لها رأيا آخر. يبدو أنها لن تكتفي بها القدر من الحماس فقط! بل هي حقا تهدف لتغيير الكثير و الكثير في الحاضر والمستقبل.
إنقطعت حينها حبال تخيلاتهم وأفكارهم التي لم يود أحدهم أن تنتهي قط، لكن لابد لكل شيء جميل نهاية، حينها فقط عادوا جميعا إلى مكان الحفل في الأهرامات في مدينة الجيزة.
سحر الخيال الذي مررنا به يكمن في كونه يهب حياتنا الروح، و يهدي عقولنا أجنحة تحلق بنا أبعد من حدود المنطق.
إختتم منظم الحفل حفل اليوم قائلا:
-في ختام حفلنا لليوم تابعنا جميعا إلقاء الضوء على توقعات، دوافع و أيضا أهداف كل من مشتركينا الست للعبتنا.
واثقا تمام الثقة أن الكثيرون على وجه الأرض الآن يغبطون كل من شاركنا تلك التجربة الرائعة في حفلنا لليوم، و الأكثر خاصة لمن تم إختيارهم من المشتركين.
ما أن إنتهت كلماته الختامية حتى إعتلى المشتركون منصة المسرح لذلك الحفل و سلط الضوء على أولهم ليحدثنا عن نفسه.
-أود أن اعرفكم عن نفسي أولا أنا ادعى بسام قدري أعمل مبرمجا في إحدى الشركات الشهيرة بعد أن حصلت على درجة البكالوريوس من كلية الحاسبات و المعلومات.
الشئ الذي لا يستطيع بسام تحقيقه في الواقع و سجل في اللعبة ليحققه في تلك التجربة هو السفر حول أنحاء العالم.
أعلم أن كل منكم إن كان مكان بسام لربما كان سيملك دافعا مختلفا للسفر حيث تتعد تلك الدوافع و تختلف من شخص لآخر
بالنسبة له كان الأمر يمثل فرصة مميزة لا يحظى بها كثيرا ليقوم بتغيير نمط الحياة الروتيني الذي يعيشه خلف شاشة الحاسوب في معظم الأحيان.
متأملا أن يمكنه هذا الإختيار من التعرف على ثقافات مختلفة وتكوين صداقات جديدة.
إنتقال النفس من شعور لآخ، جملة تحمل الكثير والكثير من المعاني كانت تلك العباره تعبر عن حال معظم المتابعين للحفل بعد أن سمعوا كلمات المشترك عن السفر التي ذكرت كل منهم بتجربته.
ذلك الطالب ذو السادسه عشر عاما سافر مرة رغبة في تعلم المزيد.
إنتابته حينها مشاعر متناقضه بين كره الرحيل عن وطنه واهله وبين رغبته في التعلم وتحقيق مستقبل باهر يسعد ذويه ويجعلهم يشعرون بالاعتزاز والفخر .
تلك السيده العجوز تذكرت تجربتها حين كانت مصابه بمرض عضال تغادر وطنها باحثة عن الشفاء، غير عالمة اذا ما كانت لحظاتها مع مودعينها في المطار هي لحظاتها الاخيرة وكانت تلك هي لحظات الوداع.
أم أنها ستعود لهم من جديد بل وبحال افضل عما سبق وتقضي ما تبقى من عمرها في صحة وسعادة تداعب احفادها وتراقب اولادها وبناتها يبنون حياتهم الجديده بمحبة.
شعرت حينها بالسعادة لإنتهاء تلك التجربة بعودتها معافاة لوطنها و أهلها.
أما ذلك الشاب الطموح المسافر الى احدى الدول الاوروبيه تذكر في وطن الهجرة و هو يتابع الحفل سفره باحثاً عن فرصه عمل تساعده على بدء حياته مع تلك الفتاة الجميلة التي اختارها لتشاركه حياته.
لقد تركها في موطنهما تنتابه مشاعر الحزن وذلك لأن أصعب ما في السفر هو ان تقول لمن تحبهم وداعا.
ولكنه يسير لبناء مستقبلهما معا واثقاً في اختياره لتكون حياتهما افضل سعيداً بدعمها إياه وانتظارها لعودته بفارغ الصبر.
ذلك الشاب الذي كانت حياته في وطنه مليئة بالمصاعب ومزيج من مشاعر الحزن والخذلان، فهو لا يهدف البعد عن وطنه جغرافيا فقط.
بل يبتعد عن كل ما يربطه بالمكان الذي اصيب به بالاكتئاب نتيجة التجارب التي مر بها آملا ان ابتعاده قد يؤدي لتغيير شعوره كما تغير المكان.
الفتاه الثلاثينية التي تقاوم تلك القواعد في المجتمع الذي لا يسمح للفتيات بالسفر بمفردهن.
سافرت تلك الفتاه اكثر من السندباد نفسه فقد إمتلأت جعبتها بالخبرات الحياتيه التي ما كانت لتحصل عليها لولا دعم اهلها وتشجيعهم لها.
لقد مرت ببحار وجبال ومحيطات ودخلت أفخم القصور وأحقر الأكواخ، فعاشت حياة مليئة بالتجارب ولكن كانت متعه السفر الحقيقية في الطريق ورفاقه واختلافاتهم.
فكل خطوة وكل شخص كان سببا لتوسعه افاقها ومداركها واضافه الى خبراتها الحياتية.
كل منهم كان يملك دوافعا و مشاعر مختلفة حقا تجاه السفر، لكن الأمر المؤكد هو أن المرء لا يسافر لكي يصل فقط في أغلب الأوقات بل لكي يسافر أيضا.
وأن من لا يسافر من بلده مثله كمثل من لم يتصفح سوى الصفحات الأولى من الكتاب فاقدا متعة الرحلة ذاتها في صفحاته.
حينها إنتقل الضوء من بسام إلى عالية التي قالت:
- أنا عالية فريد حصلت على بكالوريوس الإعلام و أعمل الآن كعارضة أزياء و تنشر صوري على غلاف المجلات المشهورة.
تزوجت عالية منذ خمس أعوام تقريبا و لكنها لم ترزق بأطفال حتى الآن.
الأمومة هي شعور دفين يخلق داخل نفس كل فتاة منذ ولادتها حين تداعب دميتها فأجمل ما قد يشعر به المرء هو وجود نسخة صغيرة منه تجمعه مع الشخص الذي إختاره ليشاركه حياته.
لم تكن عالية تدرى لم تهاب تلك التجربة هل كونها عارضة أزياء تخاف أن يتغير جسدها و مظهرها و تخسر كل مجهوداتها التي بذلتها لمستقبلها؟
أم أنها تخشى أن تؤثر مسئولية هذا الكائن الصغير على حياتها؟
فهي تارة ما تشعر بالحنين لهذا الشعور الفريد، و تارة أخرى تهابه، تخشى ألا أكون حقا قدر المسئولية التي ستوضع على عاتقها مع ولادة هذا الصغير.
لذا فحينما علمت أنه تم إختيارها فكرت في داخلي لم لا؟
لم لا تخوض تلك التجربة داخل اللعبة قد ينفي هذا مخاوفها تجاه الأمر و قد يعززها أكثر لا أحد يعلم ما الذي سينتهي إليه الأمر حقا بعد تلك التجربة التي قررت أن تخوضها.
الشئ المؤكد الوحيد هو أنها بعد إنتهاء ذلك الأسبوع أعتقد أنها ستكون قادرة على إتخاذ القرار الصحيح في حياتها آمل أن تكون نهاية هذا الأمر في صالحها.
فأكثر ما تتمناه حاليا في حياتها هو أن تستطيع التخلص من هذا الخوف لأن الأمومة هو ذلك الشعور الذي تطمح له كل أنثى، مهما علا شأنها ومكانتها في المجتمع.
أثارت كلماتها مشاعر الحضور، الأمهات منهم خاصة
فالأمومة هي أكثر لحظات القوة في حياة أي أنثى و أكثرها ضعفا في الآن ذاته.
شعور تعجز أقوى الكلمات في أي لغة عن وصفه. فالأنثى ما أن تعلم خبر حملها لصغيرها في رحمها حتى تنتابها السعادة.
لا تستطيع إخفاءها شوقا لحمل صغيرها بين ذراعيها مانحة إياه حنان و أمان العالم كله.
لكن القلق يصيب معظمهن في الوقت نفسه عن مستقبله وعن حياتهن بعده.
فبقدر ما تشعر الأم بالسعادة حين يولد الصغير الذي ارتبطت به تسعة أشهر بقدر ما قد يصيبها إكتئاب ما بعد الولادة بسبب التغييرات المفاجئة التي تصيبها.
فليس الأمر مجرد آلام الولادة التي تنتهي بل هي مسئولية تصاحبها العمر كله، إنه كائن صغير لا حول له و لا قوة يحاول أن يطور قدراته و يثبت نفسه وسط أقرانه بمجهودات والديه وسط أحضانهم.
إنتقل الضوء مرة أخرى ليسلط على ذلك المعلم فاروق حسن.
- كما قال من عرفني إليكم أنا الأستاذ فاروق حسن لبناني الجنسية، أعمل معلما للغة الإنجليزية.
تتنوع اللغات في مختلف الأقطار بل و تتنوع لهجاتها أيضا في البلد ذاتها إلا أن مع هذا الإحتلال تظل اللغة هي الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات كافة.
بل و تقوم عليه الحياة الإجتماعية كلها للإنسان فهي تمثل طريقة التواصل بين البشر، إنها الأداة التي يعبر بها الإنسان عن إحتاجاته، رغباته بل و مشاعره أيضا.
يكتسبها الطفل منذ خلق في رحم أمه حيث تتطور بإستماعه لها و هي تغني له و تحدثه عن شوقها و حبها له.
لذا فإن أهمية اللغة تكمن في قدرة الإنسان من خلالها على التعبير و الإبداع و التطور فبدونها يصبح الإنسان كائنا عنيفا.
غير قادر على التواصل مع الآخري، غير قادر أيضا على إيصال أفكاره و معتقداته أو حتى طموحاته و رغباته.
مع الأسف الشديد يبدو أن التعليم في بلادنا لا يتم من خلال الإستراتيجية الصحيحة بحيث لا يؤثر ذلك على اللغة الأم للإنسان مع الحفاظ على تطوره في اللغات الأخرى بصورة موازية غير مضادة للغة الأم.
هذا ما كان يسعى الأستاذ إليه من خلال تلك التجربة.
إشتعل حينها المكان بتصفيق الجماهير لهذا الهدف الجميل، و تناقش العديد من الحضور عن كيفية حدوث هذا الأمر.
إنها معضلة كانت تؤرق الآباء جميعا. فجميعهم قد مروا بتلك المرحلة إما أن يكون ابنك متقنا للغة التي هي وسيلة التواصل مع شعوب العالم أجمع.
اللغة هي أفضل ما يمكن أن يطور به المرء ذاته في عصرنا الحالي، فإما أن يؤثر ذلك على حصيلة المفردات التي بجعبته للغتنا الأم.
أو يكون الطفل بارعا حقا في اللغة العربية متأخرا عن أقرانه في تعلم اللغات الأخرى مما يؤدي لتأخره عنهم دراسيا و مجتمعيا.
إنه لإختيار صعب حقا فهل سيتمكن هذا المعلم من تحقيق المستحيل و الجمع بين الأمرين يود الجميع ذلك.
بدأ المشترك الرابع بالحديث قائلا:
-أنا يزن عادل فقدت أمي منذ كنت في السابعة
كل ما أرجوه و أتمناه الآن هو أن أراها مرة أخرى لذا فإن هذا سيكون دافعي من تلك التجربة، سوف أخلق عالما يدور حول أمي فحتى و لو كان هذا فقط في خيالي فسيكفيني أني سأراها مرة أخرى.
شعر المتابعين بالدهشة الشديدة لما قال و تسائل العديد منهم هل هذا ممكن حقا أيمكن لأحد أن يستعيد عزيز فقده من خلال تلك اللعبة!
لا أحد يعلم كيف ستمر تلك التجربة الغريبة و لكن على ما يبدو أن تلك اللعبة لن يكون لها حدود!
لقد كان الأمر كما لو كانوا قد عادوا بالزمن إلى زمن بناء هذا الصرح العظيم و وجدوا أمامهم الملك سوناسرت يتحدث عن الكرنك مرحبا بنا:
-تحياتنا لكم يا من تزوروننا في وادينا و تتطلعون الآن إلى معبدنا حيث يبدأ تاريخنا ها هنا في معبد تجلت فيه قدرات إلهه.
قام الملك بإستكمال حديثه لنا عن أن هذا المعبد الذي نراه أمامنا بقعتهم المختارة هو أهم معابد طيبة.
هذا المعبد هو الذي كان سيتم فيه تقديس الرب العظيم آمون رب طيبة، الذي يخر له كهنة المعبد ساجدين.
بعد أن يكتمل بناءه سيبلغ هذا المعبد قدراً كبيراً من الثراء وسيصبح لكهنته قوة سياسية كبيرة لا تضاهيها قوة و لا ثراء.
لقد قاموا بتصميم هذا المبنى ليصبح عاكسا لمسار رب الشمس في السماء بالإضافة إلى إتقانهم هم المصريين القدماء في استخدام الحجر والذي يتجلى في كل مكان في نطاق المعبد.
تلك النقوش للرسوم التي تغطي جدرانه، و المنحوتات التي أقيمت للتماثيل التي تزينه، كل تلك الأشياء و أكثر كانت تعبر عن مدى تقدم أجدادنا العظماء.
حتى أن أدق ما يعبر عن براعتهم في فن النحت هو هذا الطريق الذي عبرناه منذ لحظات قادمين إلى هنا.
تتمثل روعة هذا الطريق في الكباش المتراصة على الجانبين كالحراس فقد كان هذا المكان للملوك فقط، ممنوع تواجد العامة به.
الكرنك في حقيقة الأمر عبارة عن مجمع معابد، حيث تهافت العديد من الملوك على زيارته لإضافة المزيد و المزيد كل ينافس من سبقه على مدار القرون.
يتضمن مثلا داخل جدرانه المحيطة معبدًا كاملاً للرب خونسو في الركن الجنوبي الغربي، بجانب معبد الأوبت، الذي تم بناؤه في العصر اليوناني الروماني لأوبت الربة المتمثلة في شكل فرس النهر المسئولة عن الولادة.
ومازالت البحيرة المقدسة الجميلة التي كان الكهنة يتطهرون بها قبل القيام بطقوس المعبد موجودة برونقها حتى يومكم هذا.
حتى أن العديد من المعابد والمقاصير الصغيرة الأخرى تنتشر ضمن محيط الكرنك، مما يجعله متحفًا حقيقيًا مفتوحاً.
فهنيئا لكم يا من حظيتم بتلك الفرصة لرؤيته و التمعن في تأمل جماله و عبقريته الفريدة!
إستكمل أمنحتب حديثه تعلو قسمات وجهه الثقة و الفخر:
-كان هذا إنجازا وصلنا إليه لم تستطيعوا أنتم أيها الأحفاد حل لغزه حتى زمنكم هذا حيث تتعامد الشمس على جدران القسم الشرقي من معبدنا في الواحد و العشرون من شهر ديسمبر إيذانا ببدء فصل الشتاء.
هذا إن دل على شيء فإنه يدل على عبقرية الحضارة التي أنشئت لكم فإفتخروا بنا!
إذ فجأة وكما ظهرت شخصيات الملوك فجأة إختفت أيضا وظهر بدل عنها العديد من النحاتين وهم يقومون بإستكمال نحت النقوش التي تزين جدران المعابد في مرأى ومسمع الحاضرين جميعا و الذي كان حدثا لم و لن يرى المدعوين له مثيل أبدا!
ما رأيناه كان أدق دليل يثبت براعة منقطعة النظير لقدمائنا المصريون في علوم الفلك وتركوا خلفهم خرائط مصورة للسماء.
وجدت منحوتة على جدران وأسقف المعابد بجانب جداول تشير إلى تمكنهم من رصد وتتبع حركة النجوم.
كما برعوا أيضا في التقويم وفي الوصول إلى السنة الحقيقية التي قسموها لشهور، وقسموا ساعات الليل والنهار ربطا بين علوم الفلك والهندسة، ولعب توجيه المعابد والمباني الدينية دورا هاما في حياتهم.
كانت عمليات بناء تلك المعابد تبدأ برصد النجوم، وربطوا المناسبات الدينية والملكية في تلك المعابد بأحداث فلكية تتزامن وتوقيت تلك المناسبات.
رسومات، منحوتات رسمت ونحتت أمام أعين الجميع من هم من حضور هذا الحفل مثلي، أثبتت تلك البراعة وذلك التقدم الذي وصل إليه الفراعنة سابقين عهدهم وأقرانهم، بل وسابقين لأحفادهم أيضا!
حينها فقط انتهت تلك الفقرة التي جعلت المدعوين جميعا يسبحون في بحور الخيال غير مصدقين للسحر الذي جعلتهم تلك اللعبة بداخله.
بعد تلك النبذة البسيطة التي حصلنا عليها بصورة أروع مما كان أحد منا يتصور، وحينما كان كل من الحضور سارح مسحوراً في سحر تلك اللحظات التي لم يكن يتوقع يوما أن يشعر بها في حياته.
ولكن يبدو أن تلك اللعبة كان لها رأيا آخر. يبدو أنها لن تكتفي بها القدر من الحماس فقط! بل هي حقا تهدف لتغيير الكثير و الكثير في الحاضر والمستقبل.
إنقطعت حينها حبال تخيلاتهم وأفكارهم التي لم يود أحدهم أن تنتهي قط، لكن لابد لكل شيء جميل نهاية، حينها فقط عادوا جميعا إلى مكان الحفل في الأهرامات في مدينة الجيزة.
سحر الخيال الذي مررنا به يكمن في كونه يهب حياتنا الروح، و يهدي عقولنا أجنحة تحلق بنا أبعد من حدود المنطق.
إختتم منظم الحفل حفل اليوم قائلا:
-في ختام حفلنا لليوم تابعنا جميعا إلقاء الضوء على توقعات، دوافع و أيضا أهداف كل من مشتركينا الست للعبتنا.
واثقا تمام الثقة أن الكثيرون على وجه الأرض الآن يغبطون كل من شاركنا تلك التجربة الرائعة في حفلنا لليوم، و الأكثر خاصة لمن تم إختيارهم من المشتركين.
ما أن إنتهت كلماته الختامية حتى إعتلى المشتركون منصة المسرح لذلك الحفل و سلط الضوء على أولهم ليحدثنا عن نفسه.
-أود أن اعرفكم عن نفسي أولا أنا ادعى بسام قدري أعمل مبرمجا في إحدى الشركات الشهيرة بعد أن حصلت على درجة البكالوريوس من كلية الحاسبات و المعلومات.
الشئ الذي لا يستطيع بسام تحقيقه في الواقع و سجل في اللعبة ليحققه في تلك التجربة هو السفر حول أنحاء العالم.
أعلم أن كل منكم إن كان مكان بسام لربما كان سيملك دافعا مختلفا للسفر حيث تتعد تلك الدوافع و تختلف من شخص لآخر
بالنسبة له كان الأمر يمثل فرصة مميزة لا يحظى بها كثيرا ليقوم بتغيير نمط الحياة الروتيني الذي يعيشه خلف شاشة الحاسوب في معظم الأحيان.
متأملا أن يمكنه هذا الإختيار من التعرف على ثقافات مختلفة وتكوين صداقات جديدة.
إنتقال النفس من شعور لآخ، جملة تحمل الكثير والكثير من المعاني كانت تلك العباره تعبر عن حال معظم المتابعين للحفل بعد أن سمعوا كلمات المشترك عن السفر التي ذكرت كل منهم بتجربته.
ذلك الطالب ذو السادسه عشر عاما سافر مرة رغبة في تعلم المزيد.
إنتابته حينها مشاعر متناقضه بين كره الرحيل عن وطنه واهله وبين رغبته في التعلم وتحقيق مستقبل باهر يسعد ذويه ويجعلهم يشعرون بالاعتزاز والفخر .
تلك السيده العجوز تذكرت تجربتها حين كانت مصابه بمرض عضال تغادر وطنها باحثة عن الشفاء، غير عالمة اذا ما كانت لحظاتها مع مودعينها في المطار هي لحظاتها الاخيرة وكانت تلك هي لحظات الوداع.
أم أنها ستعود لهم من جديد بل وبحال افضل عما سبق وتقضي ما تبقى من عمرها في صحة وسعادة تداعب احفادها وتراقب اولادها وبناتها يبنون حياتهم الجديده بمحبة.
شعرت حينها بالسعادة لإنتهاء تلك التجربة بعودتها معافاة لوطنها و أهلها.
أما ذلك الشاب الطموح المسافر الى احدى الدول الاوروبيه تذكر في وطن الهجرة و هو يتابع الحفل سفره باحثاً عن فرصه عمل تساعده على بدء حياته مع تلك الفتاة الجميلة التي اختارها لتشاركه حياته.
لقد تركها في موطنهما تنتابه مشاعر الحزن وذلك لأن أصعب ما في السفر هو ان تقول لمن تحبهم وداعا.
ولكنه يسير لبناء مستقبلهما معا واثقاً في اختياره لتكون حياتهما افضل سعيداً بدعمها إياه وانتظارها لعودته بفارغ الصبر.
ذلك الشاب الذي كانت حياته في وطنه مليئة بالمصاعب ومزيج من مشاعر الحزن والخذلان، فهو لا يهدف البعد عن وطنه جغرافيا فقط.
بل يبتعد عن كل ما يربطه بالمكان الذي اصيب به بالاكتئاب نتيجة التجارب التي مر بها آملا ان ابتعاده قد يؤدي لتغيير شعوره كما تغير المكان.
الفتاه الثلاثينية التي تقاوم تلك القواعد في المجتمع الذي لا يسمح للفتيات بالسفر بمفردهن.
سافرت تلك الفتاه اكثر من السندباد نفسه فقد إمتلأت جعبتها بالخبرات الحياتيه التي ما كانت لتحصل عليها لولا دعم اهلها وتشجيعهم لها.
لقد مرت ببحار وجبال ومحيطات ودخلت أفخم القصور وأحقر الأكواخ، فعاشت حياة مليئة بالتجارب ولكن كانت متعه السفر الحقيقية في الطريق ورفاقه واختلافاتهم.
فكل خطوة وكل شخص كان سببا لتوسعه افاقها ومداركها واضافه الى خبراتها الحياتية.
كل منهم كان يملك دوافعا و مشاعر مختلفة حقا تجاه السفر، لكن الأمر المؤكد هو أن المرء لا يسافر لكي يصل فقط في أغلب الأوقات بل لكي يسافر أيضا.
وأن من لا يسافر من بلده مثله كمثل من لم يتصفح سوى الصفحات الأولى من الكتاب فاقدا متعة الرحلة ذاتها في صفحاته.
حينها إنتقل الضوء من بسام إلى عالية التي قالت:
- أنا عالية فريد حصلت على بكالوريوس الإعلام و أعمل الآن كعارضة أزياء و تنشر صوري على غلاف المجلات المشهورة.
تزوجت عالية منذ خمس أعوام تقريبا و لكنها لم ترزق بأطفال حتى الآن.
الأمومة هي شعور دفين يخلق داخل نفس كل فتاة منذ ولادتها حين تداعب دميتها فأجمل ما قد يشعر به المرء هو وجود نسخة صغيرة منه تجمعه مع الشخص الذي إختاره ليشاركه حياته.
لم تكن عالية تدرى لم تهاب تلك التجربة هل كونها عارضة أزياء تخاف أن يتغير جسدها و مظهرها و تخسر كل مجهوداتها التي بذلتها لمستقبلها؟
أم أنها تخشى أن تؤثر مسئولية هذا الكائن الصغير على حياتها؟
فهي تارة ما تشعر بالحنين لهذا الشعور الفريد، و تارة أخرى تهابه، تخشى ألا أكون حقا قدر المسئولية التي ستوضع على عاتقها مع ولادة هذا الصغير.
لذا فحينما علمت أنه تم إختيارها فكرت في داخلي لم لا؟
لم لا تخوض تلك التجربة داخل اللعبة قد ينفي هذا مخاوفها تجاه الأمر و قد يعززها أكثر لا أحد يعلم ما الذي سينتهي إليه الأمر حقا بعد تلك التجربة التي قررت أن تخوضها.
الشئ المؤكد الوحيد هو أنها بعد إنتهاء ذلك الأسبوع أعتقد أنها ستكون قادرة على إتخاذ القرار الصحيح في حياتها آمل أن تكون نهاية هذا الأمر في صالحها.
فأكثر ما تتمناه حاليا في حياتها هو أن تستطيع التخلص من هذا الخوف لأن الأمومة هو ذلك الشعور الذي تطمح له كل أنثى، مهما علا شأنها ومكانتها في المجتمع.
أثارت كلماتها مشاعر الحضور، الأمهات منهم خاصة
فالأمومة هي أكثر لحظات القوة في حياة أي أنثى و أكثرها ضعفا في الآن ذاته.
شعور تعجز أقوى الكلمات في أي لغة عن وصفه. فالأنثى ما أن تعلم خبر حملها لصغيرها في رحمها حتى تنتابها السعادة.
لا تستطيع إخفاءها شوقا لحمل صغيرها بين ذراعيها مانحة إياه حنان و أمان العالم كله.
لكن القلق يصيب معظمهن في الوقت نفسه عن مستقبله وعن حياتهن بعده.
فبقدر ما تشعر الأم بالسعادة حين يولد الصغير الذي ارتبطت به تسعة أشهر بقدر ما قد يصيبها إكتئاب ما بعد الولادة بسبب التغييرات المفاجئة التي تصيبها.
فليس الأمر مجرد آلام الولادة التي تنتهي بل هي مسئولية تصاحبها العمر كله، إنه كائن صغير لا حول له و لا قوة يحاول أن يطور قدراته و يثبت نفسه وسط أقرانه بمجهودات والديه وسط أحضانهم.
إنتقل الضوء مرة أخرى ليسلط على ذلك المعلم فاروق حسن.
- كما قال من عرفني إليكم أنا الأستاذ فاروق حسن لبناني الجنسية، أعمل معلما للغة الإنجليزية.
تتنوع اللغات في مختلف الأقطار بل و تتنوع لهجاتها أيضا في البلد ذاتها إلا أن مع هذا الإحتلال تظل اللغة هي الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات كافة.
بل و تقوم عليه الحياة الإجتماعية كلها للإنسان فهي تمثل طريقة التواصل بين البشر، إنها الأداة التي يعبر بها الإنسان عن إحتاجاته، رغباته بل و مشاعره أيضا.
يكتسبها الطفل منذ خلق في رحم أمه حيث تتطور بإستماعه لها و هي تغني له و تحدثه عن شوقها و حبها له.
لذا فإن أهمية اللغة تكمن في قدرة الإنسان من خلالها على التعبير و الإبداع و التطور فبدونها يصبح الإنسان كائنا عنيفا.
غير قادر على التواصل مع الآخري، غير قادر أيضا على إيصال أفكاره و معتقداته أو حتى طموحاته و رغباته.
مع الأسف الشديد يبدو أن التعليم في بلادنا لا يتم من خلال الإستراتيجية الصحيحة بحيث لا يؤثر ذلك على اللغة الأم للإنسان مع الحفاظ على تطوره في اللغات الأخرى بصورة موازية غير مضادة للغة الأم.
هذا ما كان يسعى الأستاذ إليه من خلال تلك التجربة.
إشتعل حينها المكان بتصفيق الجماهير لهذا الهدف الجميل، و تناقش العديد من الحضور عن كيفية حدوث هذا الأمر.
إنها معضلة كانت تؤرق الآباء جميعا. فجميعهم قد مروا بتلك المرحلة إما أن يكون ابنك متقنا للغة التي هي وسيلة التواصل مع شعوب العالم أجمع.
اللغة هي أفضل ما يمكن أن يطور به المرء ذاته في عصرنا الحالي، فإما أن يؤثر ذلك على حصيلة المفردات التي بجعبته للغتنا الأم.
أو يكون الطفل بارعا حقا في اللغة العربية متأخرا عن أقرانه في تعلم اللغات الأخرى مما يؤدي لتأخره عنهم دراسيا و مجتمعيا.
إنه لإختيار صعب حقا فهل سيتمكن هذا المعلم من تحقيق المستحيل و الجمع بين الأمرين يود الجميع ذلك.
بدأ المشترك الرابع بالحديث قائلا:
-أنا يزن عادل فقدت أمي منذ كنت في السابعة
كل ما أرجوه و أتمناه الآن هو أن أراها مرة أخرى لذا فإن هذا سيكون دافعي من تلك التجربة، سوف أخلق عالما يدور حول أمي فحتى و لو كان هذا فقط في خيالي فسيكفيني أني سأراها مرة أخرى.
شعر المتابعين بالدهشة الشديدة لما قال و تسائل العديد منهم هل هذا ممكن حقا أيمكن لأحد أن يستعيد عزيز فقده من خلال تلك اللعبة!
لا أحد يعلم كيف ستمر تلك التجربة الغريبة و لكن على ما يبدو أن تلك اللعبة لن يكون لها حدود!