لعبة الخيال

ديانا محمود الظاهر بيبرس`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-12-11ضع على الرف
  • 51.6K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

ماذا لو أصبحت تملك مصباح علاء الدين؟ أو حتى استطعت أن تسحب البساط السحري أسفل قدميك! يجعلك تطوي الأرض كلها في لمح البصر.

   تذهب أينما تريد وقتما تريد بكل بساطة، ماذا لو كان لعقلك أجنحة تحلق بخيالك بحرية أبعد من حدود المنطق وقتما شئت و كيفما شئت بلا حدود أو قيود؟

   هل سبق لك و تمنيت يوما شيئا صعب المنال؟ تخيل نفسك قادرا على تحقيق كل ما تحلم به بكل سهولة كما لو كنت تلتقط أنفاسك مثلا.

   إن كان لك في حياتك حياة أخرى أنت صاحبها، من يعيشها بل و أنت مبتكرها أيضا!

   خيالك أصبح حقيقة يمكنك رؤيتها، لمسها و الشعور بها كما لو كنت تعيشها حقا.

   فالواقع ما هو إلا عالم أفقه ضيق لا يمكنه أن يسع رغباتك و أمنياتك كافة، أما خيالك فهو عالمك الواسع بلا أسقف أو جدران.

   كانت هذه هي الشعارات التي تداولتها كافة المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي إعلانا عن بدء العد التنازلي لحفل إطلاق لعبة جديدة منتصف شهر اغسطس الجاري.

   من المتوقع أنها ستغير الكثير و الكثير، بل وسيمتد تأثيرها للعالم أجمع معلنة بدء فصل تكنولوجي جديد يخلق خيالا واقعيا مضاهيا الواقع في ذاته و كينونته.

  فيا ترى كيف سيتم ذلك و كيف سيكون هذا العالم الغريب؟ هذا ما سوف نتابعه معا بعد حفل الإطلاق فإنتظرونا!

  عم الحماس أرجاء البلاد، فقد أعلنت اللجنة المنظمة اليوم إعلانا جديدا مضمونه أن هناك إختيارا سيقع على ستة أشخاص ليقوموا بتجربة اللعبة بصورة حصرية و مجانية أمام العالم أجمع.

   كان على من يرغب أن يكون من المشتركين تسجيل البيانات المطلوبة في الموقع الإلكتروني الذي تم تدشينه خصيصاً لهذا الأمر فقط.

  كل شخص في العالم كله يحلم بأن يتم إختياره ضمن المختارين فكم هو حلم جميل أن تكون أول من يقوم بهذه التجربة المشوقة.

   إنه لحدث جلل ينتظره الجميع بفارغ الصبر، كل يمني نفسه أن يحظى بتلك الفرصة التي لا تتكرر.

  العديد و العديد من الأشخاص في أراء العالم كله قد قاموا بتدوين إسمهم و بيناتهم في الموقع آملين أن يرفرف طائر الحظ على أكتافهم تلك المرة.

  و أخيرا جاء اليوم المنتظر، فالليلة هي ليلة حفل إطلاق لعبة الخيال تلك اللعبة التي أصبحت أشهر من نار على علم، رغم أن الإعلان عنها لم يتم إلا منذ فترة ليست بالبعيدة أبدا.

    فالجميع في بلادنا حتى بالعالم أجمع ينتظرون بفارغ الصبر إتاحة إصدارات تلك اللعبة للعامة التي إنتشرت أخبارها في كافة الصحف و البرامج التليفزيونية.

    حتى مواقع التواصل الإجتماعي فقد كان الحديث عن هذه اللعبة هو الشغل الشاغل للجميع، محاولين توقع كيف سيكون هذا الحفل؟ و كيف ستكون تلك اللعبة يا ترى؟

-أتمنى كثيرا أن أكون منهم؟

-عن من تتحدثين يا عزيزتي؟

-ألم يعلنوا يا صديقتي أنه سيتم إختيار أشخاص ليقوموا بتجربة تلك اللعبة أمام العالم أجمع؟ أود أن يختاروني ضمنهم.

  كان هذا الحوار بين صديقتين جالستين في منزلهما أمام شاشة التلفاز لمتابعة الحدث،  لأن الدعوة كانت خاصة فقط لمن هم من مشاهير المجتمع.

    على الرغم من هذا إلا أنه تم الإعلان أن الحفل ستتم إذاعته على كل القنوات التلفزيونية بشكل مباشر لكافة المواطنين تجنباً للزحام و حفاظاً على تنظيم أفضل للحفل.

  كانت فكرة الحفل الرئيسية هي إقامته في أشهر مكان أثري في العالم إحدى عجائب الدنيا السبع التي لم و لن تتكرر مجددا «الأهرامات».

  بدأت مراسم الحفل بتوزيع نظارات و قفازات إلكترونية على كافة الحضور، تلك النظارات مع القفازات تم تصميمهم خصيصا لكي يستطيع مرتديها الدخول للعبة.
 
  تلك القفازات كانت تجعل مرتديها يشعر كما لو كان ما يلمسه في اللعبة واقعيا، إن هذا أشبه بالخيال بل  هو الخيال ذاته.

  بدأ المدعوون بفرك أعينهم غير مصدقين عندما ظهر أمامهم الملك خوفو في زيه الفرعوني الشهير، صوته يدوي في آذانهم حينما رحب بهم:

-أحفادي الأعزاء مرحباً بكم جميعاً في عالمنا العظيم، ما رأيكم أن أحدثكم قليلا عن تلك الأهرامات التي لم تستطيعوا معرفة سرها حتى الآن؟ كانت و مازالت تثير حيرتكم حتى يومنا هذا.

  تأمل الحضور الأهرامات تلك الصروح الثلاث العظيمة التي شيدها خوفو وخفرع ومنقرع في القرنين السادس والعشرين والخامس والعشرين قبل الميلاد (حوالي 2600 قبل الميلاد- 2400 قبل الميلاد)

   كل هرم منهم أطلق عليه اسم ملك عصره و خوفو مستقبلهم في حفل اليوم كان هو صاحب الهرم الأكبر.

  ملكان آخران أتموا إستكمال  مسيرته في إنشاء أعظم ما شهدته البشرية، وهي أعجوبة من أعاجيب الزمن التى بقيت شاهدة على التخطيط والهندسة القديمة حتى وصلنا إلى عصرنا هذا.

  بالإضافة لتمثال أبو الهول الذي ظل شامخا بعد مرور الآلاف من السنين مما يدل أننا نحن المصريين معماريون بالفطرة.

  أليس هذا عبقري حقا؟ عراقة و أصالة تلك الحضارة العظيمة التي أنشأناها ملهمة للعالم أجمع، و التي لم يشهد عالمنا رغم تطوره على مثلها حتى الآن.

  لم يكن أي من الحضور يتوقع أن يكون هذا الأمر بهذه الروعة و الدقة فلكل مكان في العالم هويته المستقلة وتاريخه الذي يصل لآلاف السنوات.

   تلك الهوية قد شكلت ليس فقط تاريخ المكان بل حاضره و مستقبله أيضا بل و كانت عاملاً مؤثراً في حاضر، ماضي بل مستقبل العالم كله أيضا.

   كل تلك التفاصيل الرائعة و دقة البناء جعلت ملامح الحضور تمتلئ بالإنبهار بما يحيط بهم.

  ما إن انتهى الملك خوفو من حديثه المشوق و الذي حفر آثاره في أذهان كل من سمعوه، حتى إختفى فجأة كما ظهر من العدم تماما.

  ما لبث أن حدث أمر مثير للدهشة أكثر فأكثر و بدأ الحفل يزداد تشويقاً حتى حدثت المفاجأة الأكبر التي أثارت الصدمة في عيون المتابعين لم يعد أحد يصدق ما يحدث.

   فقد ظهرت فجأة أمامهم منصة مسرح تشبه الكائنة في دار الأوبرا العريقة!

  تم الإعلان أن إحياء حفل اليوم سيكون بأغنية من أغاني مطرب قديم ذو شعبية واسعة في زمنه حتى أن بعضا من الحضور لم يستطيعوا حضور إحدى حفلاته مباشرة.

  الأمر الذي جعل الحفل يفوق كل توقعات و آمال البشر و أبعد ما قد يتمناه المرء أن ترى أمامك شخصاً يستحيل بكل المقاييس الدنيوية أن تراه على أرض الواقع.

  لكن لم يعد هذا بعيد المنال فقد اعتلى المسرح هولوجرام يمثل عبد الحليم حافظ و فريق العازفين خلفه بصورة متناهية الدقة كما لو كان ما زال في عالمنا يحيي إحدى حفلاته الشهيرة أمام ملايين المعجبين.

   ثم تعالى صوت إحدى أغنياته المعروفة قارئة الفنجان.

  إستمع الحضور لغنائه بطرب فمنهم من كانت كلمات تلك الأغنية تذكره بحبيبته بعيدة المنال، منهم من ذكرته بالأيام التي قضاها مع والدته و والده يستمعون إليها في وقت الغروب أثناء إحتساء الشاي في شرفة منزلهم.

  أثارت كلمات القارئة مشاعر حزينة في نفوس البعض نحو أقدارهم المحزنة، فتلك الأغنية كان لها تأثير عظيم من ماضي كل منهم بصورة أو بأخرى إلا أن ما اتفق عليه الجميع على حبهم الشديد لجمال مفردات تلك الأغنية العظيمة من التراث المصري.

-يا إلهي كم أشعر بالغيرة حقا فما أروع ما يحدث الآن كم تمنيت أن أكون هناك كم هم محظوظين من تمت دعوتهم لهذا الحفل لماذا لم أكن منهم؟

  كان هذا ما يجول بخاطر العديد من المشاهدين للحفل من خلال الشاشات الكبيرة في أحد المولات التجارية الكبيرة.

    كانت تكتظ عن أخرها بمتابعي الحفل الذين لم يتسنى لهم حضوره على أرض الواقع كمثيلاتها من المولات و المقاهي الأخرى التي لم تخلو من الزحام أمام الشاشات.

قاطع تلك الأفكار أحد منظمي الحفل معلنا:

-سيداتي آنساتي سادتي نود أن نقدم جزيل الشكر لكم جميعا لإهتمامكم بمتابعة حفلنا لليوم من حضر و من لم يتمكن من الحضور ويتابعنا على المنصات المختلفة التي سبق و أعلنا إذاعتها للحدث الذي ينتظره الجميع.

  تلك اللعبة إن لم أكن مخطئا ستكون ذات تأثير عظيم على حياة كل من يمتلكها بل و أنا أكاد أكون متأكداً بأنه سوف يكون لها كل الأثر في العالم كله، و ليس في وطننا فقط.

  لعبتنا و التي تقوم على فرض الخيال نعم إنه الخيال و من منا لا يعشق الخيال؟ فالخيال دائما يأتي كما نحب و نرغب و يجعلنا حقا نبتسم من أعماق قلوبنا.

   أي شيء قد تتمناه و يصعب عليك تحقيقه في الواقع الأمر لم يعد بتلك الصعوبة بإستخدام لعبتنا الجديدة حتى أن مكان و مراسم حفلنا اليوم أصدق دليل على ذلك فمن كان يتخيل يوما أن يكون حفل كهذا بالإمكان؟!.

ها نحن هنا و قد حان الوقت لتنفيذ الوعد الذي قطعه منظموا الحفل لنا، سيتم إختيار ست أشخاص من بين من قاموا بتسجيل اسمائهم على الموقع الإلكتروني لتجربة هذه اللعبة و بشكل مجاني تماما.

  تعالت الهمهمات متحمسة لإعلان تلك الأسماء و احتبست الأنفاس ترقباً.

  يبدو أن ما شاهدناه لم و لن تكون أخر مفاجئات الحفل لليوم، حفلنا ملئ بالمفاجئات فقد حان الوقت للإعلان الذي إنتظره الجميع على أحر من الجمر.

   الأسماء التي ستعلن الأن هي للأشخاص الذين تم إختيارهم لتلك التجربة الفريدة من نوعها عن طريق القرعة.

  الاسم الأول سيظهر الآن على شاشات النظارات التي نرتديها فور إعلان المنظم عنه.

   لقد أعلنوا للجميع أن المشتركين سيحصل كل منهم في نهاية الأسبوع المخصص له على نظارته، قفازه و أيضا لعبته الحصرية الخاصة به فقط، و الآن أول اسم معنا لليوم.

  إحتبست أنفاس المشاهدين في كل مكان كل منهم يأمل أن يكون هو صاحب الإسم و سعيد الحظ الذي تم إختياره.

  مشتركنا الأول هو أستاذ في الستينات من العمر حامل الدكتوراة في مجال الطب، يقطن في أحياء مدينة السيدة زينب هو الأستاذ

الدكتور عادل الفقي

  تهامس الجميع متسائلين عن سر إنضمام طبيب مثله إلى لعبة كتلك في هذا السن، إنه حقا لأمر عجيب.

  فقد ظن العديد أن الشباب وحدهم هم من قاموا بتسجيل اسمائهم و لكن لم تدم تلك التساؤلات طويلا حيث بدأ الإعلان عن الاسم التالي.

  إن صاحب المقعد الثاني لبناني الجنسية يقوم بتدريس اللغة الإنجليزية بإحدى مدارس مصر الجديدة ألا و هو

المعلم فاروق حسن

  في منزل ذلك المعلم تعالت صيحات أبناءه فرحين.

-سوف أخبر الجميع في المدرسة غدا أن الإختيار قد وقع على أبي

-و أنا أيضا كم أنا فخور به.

  كان هذا الحديث دائراً بين أفراد العائلة في هذا المنزل معبراً عن سعادتهم بإختيار والدهم، حينما قاطعهم صوت منظم الحفل متحدثا عن صاحب التجربة الثالثة في اللعبة.

إنه محاسب يعمل في إحدى شركات العقارات في التجمع الخامس

المحاسب أمير علي

  بدأ الأمل يتناقص عند العديد من المتابعين فقد تم الإعلان فعليا عن ثلاث من أصل ستة من المشتركين لكن مازال البعض يطمح أن يكون اسمه من الثلاث المتبقين.

المبرمج بسام قدري

  كان هذا هو الاسم الرابع الذي ظهر على نظارات الحضور معلناً أنه المشترك الرابع في تلك اللعبة.

-مرحى يا بسام لقد تم إختيارك أنا لا أصدق هذا.
في إحدى مقاهي حي المهندسين وجه صديق بسام تهانيه لصديقه لكونه الإسم الرابع حين قال آخر

-لابد أن نحتفل الليلة بهذا الخبر.

  جلس الأصدقاء يتشاورون عن كيفية الإحتفال فمنهم من عرض الإحتفال في منزله و منهم من إعترض راغبا في الإحتفال بصورة أخرى.

   استمرت نقاشاتهم التي ما لبث رواد المقهى أن قاطعوها حين عم الهدوء المقهى فقد كان المنظمون على وشك إعلان الاسم الخامس.

  العنصر النسائي في لعبتنا الأستاذة الحاصلة على بكالوريوس الإعلام من الجامعة الألمانية الأستاذة عالية فريد.

  تلك الفتاة الفاتنة صاحبة الشعر الأشقر و الجسد المتناسق تلقت الخبر في أثناء جلوسها مع إحدى محرري مجلات الموضة التي تظهر كواجهة لها حتى أنها قالت له و الإبتسامة تعلو وجهها الجميل:

-يبدو أننا سنضطر لتأجيل العدد القادم يا أستاذ مجدي

آخر أسم لدينا لليوم هو...

  شاب من حضور حفلنا لليوم في أواخر العشرينات و هو

يزن عادل.

  تعالت الأصوات في أغلب البيوت عارمة بخيبة الأمل و الحزن أن الحظ لم يحالفهم و أحس العديد من الناس بالتعاسة بينما غمرت الفرحة البعض الآخر ممن وقع عليهم الإختيار.

  تضاربت مشاعر البعض منهم بين عدم التصديق لما يجري، الحماس لتلك التجربة، الفرحة العارمة تصحبها قليل من الرهبة.

  تلك الرهبة أبدا لم تقتل الحماس الدفين في قلوبهم فالخوف لا يمنع الموت و لكنه يقيناً يمنع الحياة.

-دعونا نقدم التهاني لكل من تم إختياره فالعالم كله يغبطكم على هذا. والإعتذار الشديد لكل من لم يحالفهم الحظ اليوم.

   نود أن نذكركم أن تلك التجربة المجانية والتي ستفتح المجال للمشتركين لتحقيق آمالهم من خلال تلك اللعبة لمدة أسبوع كامل.

  يبدو أننا سنتابع أحداثاً مشوقة على مدار اليوم لمدة شهر ونصف كاملين.

   بل والخبر الذي سيسعد الجميع أنه ستكون هناك قناة خاصة لنقل تلك الأحداث أولا بأول، واثقٌ بأنكم جميعًا متشوقون لمتابعة الأمر مثلي.

  حضور الحفل الآن في إنتظار وصول الموكب الذي يضم المختارين، في السيارات الخاصة التي ستقلهم من بيوتهم إلى هنا.

-دعونا نستمتع بآخر مفاجئاتنا لليوم فتلك المرة مفاجئتنا متعلقة بمعبد من أعظم معالم مدينة الأقصر الأثرية العظيمة.

   و لكن تلك المرة لن يحدثنا أحد فقط عن ذلك المعبد بل إننا سوف ننتقل له بأنفسنا ليس فقط عبر المكان و لكن الأمر المدهش أننا سننتقل عبر الزمن أيضا!

  لم يكد ينتهي المنظم من كلامه الذي أثار إنبهار العالم أجمع، فقد كان الأمر يبدو كما لو أننا إنتقلنا بالزمن من خلال آلاته إلى عصر قدماء المصريين.

   تحديداً إلى حضارة تفتخر بها شعوبنا و سنظل نفتخر بها إلى آخر الزمان، إلى عاصمة مصر القديمة طيبة و تحديداً إلى معبد الكرنك
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي