52

بعد تفكير ونقاش طويل بين آنا وليليان واقتراحاتها، بشأن الهديّة المميّزة التي ترغب آنا بشرائها لحسّان، وبعد دخول العديد من المحال، تقرّر آنا أخيراً أن تختار من الجوال مجموعة من أجمل الصور التي تجمعها معه، وأولهما الصورة التي التقطها لهما حسّان بعد أن ألبسها خواتم الخطوبة تلك الأمسية التي تعشّيا فيها في مطعمهما المفضل، ثم تقوم بطباعتها ليزريّاً على لوحة خشبية على شكل ورقة خريف، وريثما تجهز هديّتها، تتابع آنا تسوّقها مع ليليان لتشتري الأخرى قسماً من الحاجيّات الضرورية اللازمة لها في منزلها الجديد، وتشتري آنا للورا قميص نومٍ عرائسيّ جميل، وتختار لحسّان أيضاً علبة سجائر معدنية فضية وولاعة من نفس النوع، وحين تدخل مع ليليان محلّ الألبسة الشبابية، تشتري له أيضاً قميصاً ربيعيّاً بلون أزرق بتروليّ ومعه بنطالاً من الجينز الكحلي. كما تشتري له حذاء سبور شيك كحلي وعسلي، ممّا أثار استغراب ليليان التي تسألها:
ـ آنا عزيزتي، نحن نتجوّل في المول منذ ساعتين تقريباً، ولقد صرفتي مبلغاً كبيراً من المال حتى الآن لأجل حسّان، ولم أركِ تشترين لنفسك حتى لو كان قطعة واحدة. فما بالك؟
ـ تلتفت آنا نحو ليليان وتصمت قليلاً وهي تفكّر بكلامها ثمّ تجيب:
ـ معك حقّ ليليان، لكن صدّقيني من شدّة حبّي له، كلّما رأيت شيئاً جميلاً يخصّ الشباب، أرغب بشرائه مباشرة لحسّان، وأتمنّى أن أشتري له المزيد والمزيد من كلّ شيء يقع نظري عليه وأتذكّر حسّان به.
ـ أقدّر حجم محبّتك له، وأدرك تماماً ما تفكّرين به وأفهمك، لكنّ احذري، الدلال الزائد للحبيب وكثرة الهدايا له يجعله يعتاد على هذا الدلال، وينسى أنّ عليه هو أيضاً بالمقابل أن يبادلك نفس الدلال وبنفس المستوى. ويجعله يشعر بتقصيرك تجاهه إن مرّت مناسبة صغيرة حتى لو كانت وطنية، ولم تحضري له فيها شيئا.
تضحك آنا لكلام ليليان وتجيب:
ـ ليس حسّان من يفكّر بهذه الطريقة، واهتمامه العاطفي بي وخوفه عليّ ومعاملته الحنونة لي تُغنيني عن الهدايا الماديّة. ولعلمك، كلّ ما اشتريته له حتى الآن، لا يوازي أو يساوي بقيمته الماديّة ولا المعنوية ما اشتراه لي أو ما فعله لأجلي، وأذكرك بعقد الذهب الذي أهداه لي قبل أن نلبس محابسنا. ثمّ، هل نسيتِ أمر البطاقات التي كانت تصلني منه أول كل شهر منذ سنين مع باقات الورد.
ـ آه صحيح ذكّرتني، هل ما زال يُرسل لك منها بعد أن صارحك بحبّه لك؟
ـ كلّ أوّل شهر بنفس التوقيت.
ـ آه آنا، ما أجملكما من ثنائي عاشق، آمل أن يحفظ الله ما بينكما من عينيّ أنا أولاً ومن أعين الحسّاد ثانياً. دعينا الآن نتابع ما جئنا لأجله الآن لنتعشّى في مطعم قريب بعد انتهائنا. فقد بدأ الجوع يلتهم معدتي.
ـ هيا بنا، لكن بشرط.
ـ ما هو؟
ـ ألا تغرقيني بتعليق ما أو نصيحة فاشلة من نصائحك التي لا تطبقينها أنت أصلاً في علاقتك مع جواد، كلّما اشتريت شيئاً لحسّان. اتفقنا؟
ـ أيّتها التافهة، أنا نصائحي فاشلة؟ هذا أولاً. أما ثانياً، هل أفهم من كلامك أنّك تفكرين بأن تشتري أشياءَ أخرى لحسّان غير التي اشتريتها له للتو؟
تضحك آنا وتجيب:
ـ ها قد بدأنا.
ـ حسناً، حسناً كما تريدين، لكنّ لأجل الآلهة، دعينا ننتهي من تسوّقنا لنذهب ونأكل عندما.
تقاطعها آنا بلهجة ساخرة:
ـ منذ قليل، قالت لي إحداهنَّ أنّها ستبدأ بارتياد لنادي واتباع نظام غذائي صحّي لتنزل وزنها الذي زاد مؤخراً.
تحدّق ليليان في وجه أنا التي كانت تضحك، بنظرة تظاهرت فيها بالغضب، مع طيف ابتسامة صغيرة على شفتيها فشلت في إخفائها، ثمّ تجذب آنا من ذراعها بنفاذ صبرٍ وهي تقول لتضيّع الحديث:
ـ وما زلت عند قولي أصلاً، لكن ليس منذ اليوم، بل سأبدأ بتطبيق كلامي هذا وتنفيذه اعتباراً من الغد. كفاكِ ثرثرة الآن ودعينا نكمل مشوارنا، كم أنتِ متعجرفة آنا.
وتتابع الفتاتان مشوار تسوّقهما حتى أصبحتا غير قادرتين على حمل المزيد من الأكياس، وكان آخر مشوارٍ لهما قبل تناول طعام العشاء، هو العودة إلى محلّ التصوير، حيث طلبت آنا من المصوّر أن يضع لها اللوحة الخشبية الليزرية في صندوق من الورق المقوى بلون أسود، وأرفقت اللوحة ببطاقة صغيرة كتبت عليها بخطّ يدها بضع كلمات، بعد ذلك طلبت منه تغليف الصندوق بورق هدايا لامع أسود أيضاً مع شريطٍ ذهبي.
وآخر المساء، عادت آنا وليليان إلى كراج المول الخاص بالسيّارات، لتكتشف هي وليليان أنّ أحداّ ما قد قام برسمِ خطٍّ طويل بألة حادّة على سيّارتها من مقدّمتها حتى آخر السيارة بطريقة همجيّة، جلت آنا تُبدي انزعاجاً كبيراً ممّا تراه، في حين أنّ ليليان شعرت ببعض الخوف، فتقول بوجهٍ شحُبت ملامحه وانطفأت إشراقته:
ـ ما كمّيّة الحقد والأذى الموجودة في داخل هذا الإنسان المشوّه نفسيّاً التي تدفعه لفعل هذا النوع من الشغب المتدنّي الأخلاق؟
تجيب أنا وهي تلتفت حولها بعيني صقر:
ـ لا أعرف ليليان. أنا مصدومة مثلك. دعينا نغادر الآن.
ـ بهذه البساطة آنا! هل أنت جادّة فيما تقولين؟ بل يجب علينا الآن وقبل كلّ شيء، الذهاب إلى غرفة مراقبة الكراج بوصفنا مفتّشتين، ونراجع تسجيلات الكاميرا هنا، لنعرف من قام بهذا الفعل المُشين. قد لا يكون الأمر مجرّد شغب، لربّما من قام بذلك شخصاً ما من الذين حقّقنا معهم أو دخلوا السجن بسبب مهمّة قمنا بها وكشفنا جرائمهم فيها.
ـ آه ليليان لا تكبّري الموضوع، دعينا نغادر الآن، وإنّ غداً لناظره قريب.
تفتح آنا باب السيّارة الخلفي لتضع أكياس مشترياتها بهدوء وأعصاب باردة، وسط دهشة ليليان التي تفعل مثلها، ثمّ تركبان السيارة وتدير آنا المحرّك فيما تابعت ليليان:
ـ وماذا ستفعلين غداً بربّك، قد يقوم الجاني بعملية تخرب كاميرات المراقبة هنا ليلاً ليمحي آثار فعلته، فماذا تستطيعين ان تفعلي ساعتها؟
تتهّد آنا بحيرة وتقول:
ـ لا أعرف لمَ لا أرى من داعٍ لذلك، لكن للاحتياط، ولأتخلّص من ثرثرتك المستمرّة وإلحاحَكِ هذا، سأفعل ما يلزم.
تخرج آنا جوالها وتحاول أن تتصل بحسّان رغم تأكّدها من أنّها ستجدّ خطّه مغلقاً، فتتصل بعده بالنائب وتشرح له ما حصل معها للتوّ، النائب يصمتُ قليلاً بتوجّس، ثم يخبرها أنّها أحسنت باتصالها به وإخباره بما حصل معها، وأنّه سيرسل لها حالاً بعض العناصر مع المحقّق المختصّ لتولي الأمر ومراجعة الكاميرات مع إذن رسميّ، كما يطلب منها أن تنتظر مكانها حتى يصلوا إليها ويتفحّصوا سيّارتها، لربّما وجوا بصمات أو أيّ شيء يمكن أن يوصلهم إلى الفاعل. وأخيراً يطلب منها أن ترسل له الموقع الذي هي فيه الآن برسالة. آنا ترمق ليليان بنظرة غاضبة بسبب ما ورّطتها به، في حين أن الأخرى ترفع لها بحاجبيها وعلى شفتيها ابتسامة نصر. ترضخ آنا لطلبات النائب، وترسل له الموقع، ثم تغلق الجوال وتُطفئ محرّك السيّارة، وتلتفت نحو ليليان قائلة:
ـ هل ارتحتِ الآن مفتّش ليليان؟ لا تحلمي بالعودة إلى المنزل قبل ساعة بعد الآن.
ـ محقّق لو سمحتِ. أم أنك نسيتِ أنّني ترقّيت في منصبي الوظيفيّ؟ بالمناسبة آنا، أنا خرجت دون سلاحي، هل تحملين سلاحك أنتِ؟
ـ ليليان! لا داع لكلّ هذا الخوف صدّقيني، مع ذلك اطمئنّي، سلاحي معي ولا أخرج أبداً من دونه، وإلا أطلق حسّان النار عليّ، فقد نبّه عليّ كثيراً ألا أخرج من دون سلاحي حتى لو كان إلى الحمام.
تضحك ليليان بارتياح، في حين أن آنا تصمت فجأةً فيما قالته وتتغيّر ملامح وجهها وتصبح أكثر جدّية وعبوس، ثم تسأل نفسها سرّاً عن سبب إلحاح حسّان عليها بطلب ذلك، في حين أن ليليان كانت مشغولة بتشغيل محطات الراديو في السيّارة.
ولم تمضِ ربع ساعة حتى وصلت ثلاث سيارات شرطة إلى المكان، تترجّل آنا وليليان لمصافحة الشاب القادم نحوهما، الضابط ناصر، والذي يلقي تحيّة الاحترام الرسميّة لآنا ويقول:
ـ احترامي سيادة المحٌقق آنا والمحقّق ليليان، تستطيعان الاستراحة في سيّارتي لو سمحتما، ريثما نقوم نحن بالإجراءات اللازمة، ولن نأخذ من وقتيكما الكثير.
ـ خُذ وقتك ناصر، لكن لم كلّ هذه العناصر والسيّارات؟
ـ لكلّ عنصر اختصاصه سيادة المحقّق آنا، أما بالنسبة للسيّارة الثالثة، فقد جاءت بأمرٍ من النائب لمرافقتكما إلى منزليكما بعد أن ننتهي من عملنا.
آنا تضرب على رأسها وتقول:
ـ آه بربّك ناصر، لا يوجد داعٍ لكلّ ذلك، الأمر أبسط ممّا يظنّ النائب.
ـ آسف سيادة المحقّق، ما بيدي حيلة صدّقيني، إنها الأوامر وعليّ تنفيذها. فسلامتكما تهمّ النائب. وأيّ تقصير في المهمّة التي كُلّفنا بها الآن، سيعرّضنا للتوبيخ من قبله أولاً، ومن قبل السيّد حسّان ثانياً. تفضّلا إلى سيارتي أرجوكما.
تزفر آنا باستسلام ثم تقول وهي ترمق ليليان ـ التي كانت ما تزال مبتسمة ـ بغضب:
ـ حسناً ناصر، سأتركك إذاً تقوم بعملك.
تشير لليليان بيدها نحو سيّارة الضابط ناصر قائلة:
ـ تفضّلي سيادة المحقّق، هل أنتِ مرتاحة الآن أرجوكِ طمئنيني؟
تدخل ليليان سيارة الضابط ناصر وتتبعها آنا لتجلس إلى جانبها في المقعد الخلفي، تميل ليليان نحو آنا وتسألها بصوت ضعيف ممازحة:
ـ أخبريني من فضلك آنا، هل ارتجفت أوصالك حُبّاً، وخفق قلبك بسرعة، حين ذكر الضابط ناصر اسم السيّد حسّان أمامك؟
آنا تضرب ليليان على كتفها بخفّة وتجيب بينما كانت الأخرى تضحك:
ـ بالله عليكِ ليليان أن تُغلقي فمك، فأنا مغتاظة جدّاً منك، ونادمة لأنني أصغيت لكلامك، انظري إلى ما نحن عليه الآن بسببك، ولولا أنني أصغيتُ لترّهاتك تلك، لكنا الآن في طريق العودة إلى منازلنا.
تصمت الفتاتان قليلاً وهما تراقبان العناصر وهم يقومون بعملهم، ثم تقول آنا فجأةً بعد شرود، ودون أن تلتفت نحو ليليان التي التفتت نحوها وأصغت إليها بانتباه:
ـ لكنّني في الحقيقة أكذب عليك إن قلتُ لك لا ليليان، نعم، لقد ارتجف قلبي حين لفظ ناصر اسم حسّان أمامي، وشعرتُ بفخرٍ عظيمٍ أنّه خطيبي، وليس ذلك فقط، بل شعرت بالأمان أيضاً، كما لو كان حسّان طائراً ضخماً يُخيف بجناحيه الواسعين الأناس الأشرار، ويظلّل بهما عليّ ليحميني.
تلتفت فجأة نحو ليليان وتقول ببلاهة:
ـ أحبّه ليليان، أحبّ حسّان كثيراً، وأفتقده الآن في هذه اللحظة وبشدّة.
تصمت ليليان قليلاً وهي تحدّق في عيني آنا اللتين لاحت فيهما دمعتين صغيرتين، ثم تبتسم بصعوبة، ثم تنفجر الاثنتان ضاحكتين بصوتٍ عاليٍ يجعل الضابط ناصر والعناصر المرافقة له يتوقفون عن عملهم للحظة، وينظرون تجاه الفتاتين ثمّ نحو بعضهم بنظرة استغراب، يبتسم ناصر ويشير إلى العناصر بأن يتابعوا عملهم، بينما استمرت الفتاتان بالضحك.
وبعد حوالي النصف ساعة، ينتهي الضابط ناصر وعناصره من مهمّتهم، يتوجّه ناصر نحو آنا قائلاً:
ـ آسف لجعلكما تنتظران كلّ هذا الوقت، لقد انتهينا الآن، فحصنا السيارة جيّداً وأخذنا بعض الصور لها، إنّها آمنة وباستطاعتكما العودة الآن.
فتباغته ليليان بسؤالها بخوف:
ـ وهل كنت تعتقد أن الذي قام بهذا الفعل قد وضع لنا قنبلة مثلاً في السيارة؟
ناصر يتلعثم بالإجابة وهو يخفي ابتسامته بينما تجيبها آنا موبّخة إياها:
ـ ما هذا الخيال ليليان، لو كان هناك قنبلة في السيارة لانفجرت في نفس اللحظة التي أدرتُ فيها المفتاح في المحرّك، ولكنا انا وأنتِ الآن نتسامر في الجنّة، انزلي بربّك وكفاكِ أسئلة.
تنزل آنا وتصافح ناصر قائلة:
ـ شكراً ناصر، عذّبناك.
ـ هذا واجبي سيادة المحقّق، لقد أرسلنا بطلب تسجيلات كاميرات المراقبة هنا وحول المكان، وكلّ شيء سيكون على ما يرام بإذن الله.
ـ بالتوفيق إذاً، تصبحون على خير.
ـ مع السلامة سيادة المحقق.
تركب آنا سيارتها وإلى جانبها ليليان، وتخرجان من المنطقة، وسيّارة عناصر الأمن الثالثة تتبعهما، ليليان تراقب السيارة الثالثة من المرأة الأمامية وتقول مبتسمة بفخر:
ـ انظري كم نحن شخصيّتان مهمّتان، يسعدني هذا الشعور بالأهمية كثيراً.
آنا تبتسم وهي تهزّ رأسها بسخرية ثم تقول:
ـ آه منك ليليان، سأوصلك إلى المنزل الآن، وأعود لمنزلي لأقفز بثيابي التي أرتديها الآن إلى فراشي وأغطّ في نوم عميق، ولن تري وجهي لأسبوع كامل، وإيّاكِ، إيّاكِ أن تتصلي بي لتشكي لي حالة الملل والفتور من جديد، لأنني سأكون مشغولة مع حسّان الأسبوع القادم كثيرا. قد أصبحتِ تعرفين سبب مللك، ومن المفترض أنّك عرفتِ أيضاً كيف تتخطّينه. هل أنا مخطئة فيما أقول؟
ـ أبداً عزيزتي، وأنا ممتنّة لك كثيراً لما فعلته من أجلي اليوم، ولخروجك معي، ولنصيحتك أيضاً. لكن لا تتوقّعي أبداً أن أتركك وشأنك في الأيام المقبلة، فإن لم أقدر على رؤيتك وجهاً لوجه، فسأصرع رأسك بمكالماتي الهاتفية المتلاحقة والمستمرّة.
ـ ها قد وصلنا، لا أعتقد أن جواد ما زال حتى الآن ينتظرك في المنزل، صحيح؟
ـ لا لقد غادر مع والدي بعد ساعة من خروجنا، بعد حديثنا أرسلت له رسالة ألا ينتظرني لأنني سأتأخر معك، وطلبت منه أن يذهب برفقة والدي إلى منزلنا الجديد ليأخذ رأيه كمهندس ديكور في بعض التغييرات فيه، كما أخبرته أنني سأكون مشغولة يوم الغد ولن أستطيع الخروج معه.
ـ وماذا كان ردّه؟ هل شعر بالضيق؟
ـ أبداً آنا، بل طلب منّي أن أنتبه لنفسي وأستمتع بوقتي، وإن احتجت شيئاً أخبره. جواد شخصٌ مسالم ويفعل أيّ شيء ليسعدني. وهذا ما حافظ على علاقتنا طوال السنوات الماضية.
ـ أنا أجد جواد شخصاً رائعاً ويستحقّ الحب، لذلك انزلي الآن من سيّارتي ودعيني أذهب أنا أيضاً لمنزلي، فقد بدأت أشعر أن النعاس يتسرّب إلى عيني بقوة، وأكاد أنام على المقود. هيا يا غليظة انزلي.
ـ حاضر سأنزل يا متعجرفة، تصبحين على خير آنا.
ـ وأنت بخير ليليان. وأحلام سعيدة.
ترجع آنا بسيارتها قليلاً وهي تراقب سيارة الأمن التي كانت تقف خلفها تعود أيضاً، ثمّ تنعطف إلى الشارع الرئيسي عائدة إلى منزلها، وحين وصلت، ركنت سيارتها في فناء حديقة المنزل كما طلب منها الضابط، ثم نزلت متوجّهة نحو السيارة الأخرى التي بقيت واقفة أمام باب المنزل على حافّة الشارع، ينزل العنصر المسؤول من السيارة حين يرى آنا تقترب منه لمحادثته ويرفع لها التحية:
ـ احترامي سيادة المحقق.
ـ شكراً لكم، أتعبناكم اليوم.
ـ هذا واجبنا سيّدي. سنسهر على أمنكِ طوال الليل.
ترفع آنا حاجبيها بذهول وتقول متسائلة:
ـ هل ستقضون الليل أيضاً أمام باب منزلي؟
ـ نعم سيادة المحقق، إنّها الأوامر.
ـ أه منها ليليان، حسناّ إذا، سأحضر لكم قبل أن أنام إبريقَ شايٍ حراريّ ساخن وأخر قهوة وبعض الفطائر والمحليات، وإن احتجتم لشيء أيقظوني افقنا.
ـ لا داعِ لأن تعذّبي نفسك سيّدتي أرجوك.
ـ لا يوجد عذاب.
تدخل آنا المنزل وتجهّز ابريقي قهوة وشاي مع بعض الفطائر والمحليّات والماء، وتطلب من العنصر أخذها، ثمّ تغيّر ثيابها وتدخل غرفة نومها، لتحاول للمرّة الأخيرة الاتصال بحسّان، كالعادة، خطّه مغلق، تفتح على صورته وتتأملها قليلاً، ثم تبتسم وتقبّل الصورة ثم تغطُّ في نومٍ عميق.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي