الفصل الخامس

حبيبي المجهول.

على الرغم من دهشتها بأن صديقتها الوحيدة تهتم لمجرد حلم جميل لهذه الدرجة لكنها كعادتها تعشق التفاصيل.
فسألتها باهتمام: هلا قصصت علي مجددا ما حدث في ذلك الحلم المثير؟
رمقتها باستغراب مغمغمة: لقد قلت لك كل ما حدث يا يارا. ماذا بك!
ردت عليها متلهفة: لا لا أريد التفاصيل. التفاصيل فحسب.
زفرت بنفاد صبر ومن ثم راحت تقص ما حدث معها بالأمس والأخرى تشعر باستمتاع وكأنها تستمع إلى قصة مثيرة من قصص الأبيض والأسود.
فقاطعتها متسائلة: وكيف لا ترين وجهه؟
هل كان متنكرا أم ماذا؟
أجابتها بامتعاض: كفي عن السخرية وإلا تركتك وذهبت إلى عملي أفيد لي.
أشارت إليها باستسلام: حسنا حسنا سأصمت أكملي.
انصاعت الأخرى لطلبها وراحت تكمل قصتها التي مست قلبها بلهفة شديدة وكأن الأخرى هي طوق النجاة بالنسبة لها وستستطيع تفسير ذلك الحلم الجميل.

في الجامعة.
انتهت كل من أروى وجوري ومن ثم اقترحت عليهما صديقة لهما تدعى رفيف بأن يذهبن ويتناولن الفطور في كافتيريا الجامعة.
وبالفعل قوبل اقتراحها بالموافقة.
وها هن يجلسن على إحدى الطاولات في الكافيتريا.
تحدثت أروى بمرح: هل جئنا لنجلس أم ماذا؟
هيا انهضي يا رفيف واحضري لنا بعض الشطائر وقهوة.
رمقتها رفيف بامتعاض: ماذا سأحمل كل هذا بمفردي!
هيا انهضا معي أنتما الاثنتين.
كلا بل ستذهبين بمفردك فأنل قدمي تؤلمني كثيرا.
انزعجت جوري من صوتهما المرتفع بعض الشيء فهتفت مؤيدة لرفيف: هيا محقة يا أروى كيف ستحمل المشروب والطعام بمفردها.
هيا لنساعدها.
زفرت أروى بنفاذ صبر واتجهت إلى الكافيتريا لإحضار الطعام لهن.
دقائق وعدنا إلى الطاولة الخاصة بهن. فأبصرن شابا يجلس في الطاولة الخاصة بهم.
فهتفت أروى بامتعاض: أنت يا هذا هيا اذهب من هنا فتلك الطاولة لنا.
رمقها ذلك الشاب باعجاب شديد ومن ثم اطلق صفيرا من فمه: يا الله ما كل هذا الجمال؟
انت تشبهين الغرب بشكل كبير يا فتاة.
اكيد والدتك اجنبية اليس كذلك؟
تاففت اروى من ثرثرته وهتفت بصوت مرتفع: هذا الشيء لا يخصك.
هيا قلت لك انهض.
ولو قلت لا فماذا ستفعل يا قمر.
سافعل هذا يا خفيف الظل تلك الكلمات هتف بها ادم الذي حضر للتو واستمع الى مغازلته الاخيرة لها.
فانهال عليه بالضربات مما جعل الجميع يتجمهر حولهم.
فوضعت اروى يدها على فمها تكتم شهقاتها المندهشة وكذلك جوري التي دمعت عينيها.
اما رفيف فهرولت باتجاه الحرس الجامعي ليأتوا ويفضوا ذلك الاشتباك.

ولجت غادة مكتب مدير الجريدة وشرارات الغضب تنضح من مقلتيها هاتفة بغضب حارق: لماذا حذفت بعض الأسماء من المقال الخاص بي يا سيادة المدير؟
رمقها بامتعاض هاتفا بحدة: أنت كيف تدخلين مكتبي بتلك الطريقة الهمجية؟
ألا يوجد باب تطرقين عليه؟
اغتاظت من تغيير ذلك المخادع دفة الحوار فغمغمت باعتذار: آسفة لكن أريد إجابة فورا.
أراح ظهره فوق الكرسي المتحرك هاتفا بعنجهية: كيف تجرئين وتذكرين اسم السيد فاروق الحيني؟
أنه رجلا مهما في الدولة والمساس بسمعته كفيلة بأن تغلق لنا الجريدة.
رمقته باشمئزاز: ذلك الرجل فاسد.
عليه أن يسجن كي تعرف الناس بحقيقته القذرة.
ذلك الرجل يساهم في تهريب المخدرات داخل البلاد.
ولدي كثير من الشواهد على هذا كيف تحذف اسمه من مقالي.
هيا أجبني؟
أجابها ببرود استفزها كثيرا: قلت لك لا أستطيع ذكر اسم ذلك الرجل.
وكلمة أخرى سأرفض المقال برمته. هل فهمتي؟
ضربت سطح المكتب بيدها صائحة بحدة: حسنا يا سيادة المدير استقالتي ستكون على مكتبك بعد خمس دقائق من الآن.
دلفت للخارج كالإعصار كما دخلت وتركته يشعر بالخوف نوعا ما فهو يعلم أنها متزوجة من رجل مهم وبإمكانها فعل الكثير.
لذا عليه أن يفكر مليا قبل أن يتخذ أي قرار بخصوصها.
لن يتراجع في قراره ويذكر أي أسماء مهمة فهو سيجد طريقة دبلوماسية لحل المعضلة.

كيف حالك الآن يا ملك؟
ذلك السؤال تساءلت به السيدة نادية بعد أن استقبلتها السيدة ملك بترحاب شديد واصطحبتها إلى غرفة المعيشة.
ابتسمت بخفة وأجابتها بهدوء: إنني بخير الحمد لله أصبحت أفضل كثيرا.
أنت تعلمين أنا أتحسن عندما أظهر على التلفاز.
وكذلك عندما أرى تعليقات الناس على الحلقة.
أطلقت السيدة نادية ضحكة رنانة هاتفة بمزاح: اعلم أنك تعشقين الشهرة يا امرأة.
شاركتها السيدة ملك الضحك.
فقاطعهما ولوج الخادمة سعاد التي وضعت كوبين من العصير أمامهما .
ظلا يتبادلان أطراف الحديث.
حتى تطرقت السيدة ملك للسؤال عن يارا وحازم.
تغيرت ملامح السيدة نادية للحزن مجيبة بهدوء: أدعو الله كثيرا أن يهديهما.
هما دائمين الشجار سويا.
أحيانا أشعر بأنني تعبت من تلك المسئولية التي حملني إياها والدهما ورحل حتى أنني لم أعرف مكانه.

يقال إنه توفي في البحر وهو على متن إحدى السفن.
لكنني لا أصدق ذلك.
أشعر أنه على قيد الحياة.
ربطت السيدة ملك على قدمها بمواساة هاتفة بهدوء: كل شيء سيكون بخير فقط أنت قولي يا رب.
يا رب.
غمغمت بها السيدة نادية من خلفها وهي تدعو الله بداخلها أن يصلح أحوال ولديها وأولاد العالمين.

يقفون أربعتهم أمام عميد الجامعة الذي سألهم بغضب: أريد معرفة ما الذي حدث بالتفصيل؟
وكيف تتصرف بتلك الطريقة الهمجية.
هيا تفضلوا؟
تحدث ذلك الشاب السمج بصعوبة من فرط الضرب الذي تعرض له: يا دكتور ذلك الفتا تهجم علي دون وجه حق فأنا كنت أجلس فوق إحدى الطاولات وأتحدث مع هؤلاء الفتيات.
صرخ هادرا: أنت كاذب لا تقل أنك كنت تتحدث معهم بل قل أنك كنت تتحرش بهن.
وبالتحديد أروى.
أومأت أروى مؤيدة لحديثه وكذلك جوري ورفيف التي هتفت بحدة مماثلة: أجل يا سيادة العميد ما قاله آدم هو الذي حدث بالضبط.
ضرب العميد سطح الطاولة بيده هادرا بهم: اسمعوني جيدا هذه أول وآخر مرة تتصرفون بتلك الطريقة مفهوم؟
أومأ الجميع باحترام.
فاستطرد: إذا اذهبوا إلى محاضرتكم.
وإن رأيت أحد منكم أمامي مرة أخرى أعدكم بأنه سيفصل من الجامعة نهائيا.
للمرة الثانية يومئوا مؤيدين لحديث ذلك العميد.
وبعدها انصرفوا للخارج وهم يظفرون براحة.
ماعدا آدم الذي سحب أروى من معصمها بعنف: هيا أمامي لنذهب.
سحبت يدها من بين يديه هاتفة بحدة: اتركني يا آدم فلدي محاضرة أخرى.
قلت لك هيا لنذهب.
وضعت يدها في خصرها مردفه بعند: وأنا قلت بأنني سأحضر المحاضرة.
كاد أن يفقد صوابه ويسحبها بالقوة لكن رفيف وقفت أمامه مانعة إياه هاتفة بتعقل: اسمعني جيدا يا آدم اتركها تحضر المحاضرة وبعدها سأوصلها إلى المنزل اذا أردت.
لكن لا تأخذها بالقوة كي لا تحدث مشكلة بينكما.
ظفرا بقوة ومن ثم أومأ لها موافقا ورمق التي تقف تتابع حديثهما بنظرات غير مفهومة واستدار عائدا إلى جامعته.

قطع حديث لمار وبارا صوت رنين الهاتف الداخلي للمكتب.
ثواني واستمعت إلى صوت المدير الجاد: لمار تعالي الي على الفور.
أغلقت معه ومن ثم أشارت ليارا كي تذهب وتباشر عملها.
ثواني وكانت تقف أمامه في المكتب هاتفة بعملية: تحت أمرك يا سيد عادل.
نهض من فوق مكتبه ووقف قبالتها هامسا بصوت حنون: هل أنهيت عملك اليوم وراجعت الأوراق التي طلبتها منك؟
أجل يا سيد عادل ثواني وستكون فوق مكتبك.
دنا منها أكثر واضعا يده على شعرها يتلمسه برقة مغمغما: أنت جميلة جدا يا لمار.
نفضت يده بعنف هادرة بحدة: أخبرتك آلاف المرات ألا تتجاوز حدودك معي وإلا سأستقيل على الفور وأنت تعلم أنني لا أمزح معك.
ألقت كلماتها دفعة واحدة ودلفت للخارج وهي تلعنه بداخلها.
بينما هو ابتسم بانتشاء هامسا بصوت خافت: تدللي كما تشائين ستكونين لي عاجلا أم آجلا.

حلى الليل واختفت الشمس خلف الغيوم.
ليأتي القمر ويحتل مكانه في إنارة الكون الواسع.
في منزل السيدة ملك وبالتحديد في غرفة لمار تجلس فوق فراشها الوثير شاردة الذهن مغمضة العينين تفكر في ذلك الشخص الذي يراودها في منامها في الفترة الأخيرة.
ثواني وفتحت أحد الأدراج الخاصة بالطاولة المجاورة لفراشها ملتقطة ورقة وقلم وراحت تكتب.
غطت في سبات عميق وبيدها القلم.
ثواني وولج فارس فأبصرها تفترش مضجعها مغمضة العينين تشبه الملائكة.
دنا منها هامشا باسمها: لمار حبيبتي هيا استيقظي لقد أتيت.
فتحت عينيها بتثاقل فهبت جالسة وابتسامة كبيرة تزين محياها الحسن.
سألته بعدم تصديق: هل أنت هنا؟
كنت سأحزن كثيرا لو لم تأتي.
ابتسم باتساع: أنا هنا يا حبيبتي لا تخافي.
أمسكت بالورقة التي كتبتها منذ قليل هاتفة بسعادة: انظر ماذا كتبت لك.
ابتعد عنها وجلس بجوارها فوق الفراش هامسا: لا.
أريد أن تقرئيها بصوتك الحلو هذا.
أومأت بسعادة وراحت تقرأ:
أحبك ولا أعرف من أنت ومن تكون.
أحبك ولكن كم هو صعب هذا الشعور.
أصبحت بك متيمة وقد أصل إلى الجنون.
ولكنك حلم جميل يشعرني بالسرور.
أتعلم يا حبيبي المجهول
لم أشعر في حبك بالتعب أو الفتور.
وسأعيش على أمل رؤيتك يوما
وانتظرك أياما وسنين وشهور.
أتعلم يا حبيبي المجهول
احتاج إليك كما يحتاج النبات إلى النور.
وأتمنى أن أعانقك ولو مرة كما يعانق الموج الصخور.
واحلم أني نائمة وتوقظني بقبلة أنسى بها الدنيا وما فيها من شرور.
وسأصبح أسعد فتاة في الدنيا لو وجدتك تبادلني نفس الشعور.
أحبك يا حبيبي المجهول.
لا. بل أعشقك بجون.
انتهت من القراءة فابصرته ينظر لها بعشق شديد وعينيه دامعتان من شدة التأثر.
هامسا بعدم تصديق: هل كتبتي كل هذا الكلام لي؟
أومأت له موافقة: طبعا كتبته لك أنت وحدك ولن أكتبه لأحد غيرك.
أحب كثيرا يا لمار.
ثواني وتذكر قصيدتها فهمس بتعجب: لكن مهلا لماذا تقولين إنني مجهول ألا تعلمين من أنا؟
هزت رأسها نفيا: لا كل ما أعلمه إنك أنت حبيبي المجهول.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي