ساحر الليل.

Bassma badran`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-12-11ضع على الرف
  • 23.2K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

ما قبل البداية

رواية ساحر الليل.
بقلم بسمة بدران.

المكان حي المنيل بالقاهرة.
الزمان مايو 2008.
في أحد المنازل متوسطة الحجم.
وبالتحديد في غرفة فارس ذلك الشاب الذي يبلغ من العمر ثمانية عشر ربيعا.
يجلس أمام مكتبه المتواجد في غرفته.
منكبا على كتبه يذاكر دروسه بتركيز شديد.
ترك قلمه فوق سطح المكتب عندما أبصر والدته تدنو منه مردفه بحنو: فارس هل انتهيت يا بني؟
فوالدك وفهد ينتظراك على طاولة العشاء.
لكنني لم انتهي بعد يا أمي ولدي الكثير من المذاكرة.
منحته ابتسامة عذبة وهي تمسد فوق خصلاته الحريرية السوداء بحنو: لا عليك يا بني، تناول عشاءك ومن ثم عد واستكمل دراستك.
أوما موافقا، ومن ثم استقام واقفا دالفا معها إلى الخارج.
ثواني والتفوا جميعهم حول مائدة الطعام.
يتناولون عشاءهم في صمت.
حتى قاطع هذا الصمت صوت والده الرخيم: فارس هل دراستك جيدة؟
أم تريد أن تأخذ بعض الدروس مع أحد المعلمين؟
أجابه بثقة: كلا يا ابي دراستي جيدة وأنا مكتفي بنفسي.
ابتسم له والده بإيماءة خفيفة ومن ثم أردف بجدية: اسمعني جيدا يا بني أنت شاب رائع بما تحمل الكلمة من معنى.
شاب مهذب وعلى خلق.
تمتلك قدر عالي من الذك لكنك شخصية خجولة، هادئة، منطوية، قليل الكلام، كثير الجلوس بمفردك.
أيد الصغير فهد الذي يبلغ من العمر خمسة عشر ربيعا حديث والده: هذا صحيح يا ابي حتى أن أصدقائه يطلقون عليه المعقد.
زجره والده بحدة: اعتذر لأخيك فورا يا فهد.
نكس الصبي رأسه أرضا مغمغما بخفوت: أسف يا أخي.
مسد على ظهره بحنو: لا عليك يا فهد أنا أعلم أنهم يطلقون علي هذا الاسم لأنني لا اختلط بهم.
لكن هذا الأمر ليس بيدي.
أنا خلقت هكذا لا أحب الجلوس مع أحد.
الأمر ليس بيدي صدقوني.
ترك كوب الماء الذي كان يرتشف منه ومن ثم استقام: الحمد لله، سأذهب إلى غرفتي كي انهي بعض الواجبات التي تراكمت علي .
اوما له والده فاستدار متجها الى غرفته.
تابعه والده بناظريه حتى ولج واغلق الباب من خلفه.
ثم وجه حديثه لفهد: فهد اخبرني ماذا يقال ايضا على اخيك؟
صمت الصغير. فشعر الحاج امين ان طفلهم يخشى الحديث كي لا ينهره كما فعل منذ قليل.
فرمقه باطمئنان: قل لي يا فهد ولا تخاف.
ارتشف فهد رشفة من كوب الشاي بالحليب خاصته: يقولون ان فارس شخصية مغرورة، وانه ثقيل الدم وعنده توحد.
ضربت السيدة نعمة على صدرها بيدها: ماذا؟
يا لهم من اغبياء كيف يقولون هذا على ابني؟
انهم يغارون منه لانه افضل منهم جميعا.
فارس على خلق ومجتهد في دراسته.
خفض الصغير رأسه ارضا: لكن يا امي هذه هي الحقيقة.
فارس يفضل الجلوس بمفرده على ان يجلس مع الاخرين.
كما انه لا يتحدث مع احد.
اوما والده متفهما.
وسلط بصره على طبقه وهو يشعر بالخوف الشديد على ابنه الاكبر الذي سيعاني كثيرا في حياته القادمة.
بعد مرور ثلاثة اشهر.
صضحت الزغاريد في منزل الحاج امين الرفاعي.
فابنه الاكبر فارس. نجح بتفوق في الثانوية العامة.
حيث إنه حصل على ثمانية وتسعون في المئة وهذا يخوله لدخول كلية الهندسة قسم الالكترونيات كما يحب هو.
هنأه والده بسعادة وكذالك والدته واخيه الأصغر.
وبعد وقت ليس بالقليل عاشه برفقة اسرته في سعادة بسبب هذا الخبر العظيم.
استأذن منهم كي يذهب للتجول على ضفاف النيل.
فوافق والده على الفور.
وها هو يتجول على ضفاف نهر النيل.
ثواني وابصر فتاة صغيرة
تقف بمفردها تتلفت يمينا ويسارا.
ركض باتجاهها ومن ثم انحنى بجزعه كي يبقى في مستوى طولها.
شعر بوخذة في قلبه عندما ابصر دموعها تبلل وجهها بالكامل.
فسألها بلهفة: ماذا بك يا حلوة؟
ولماذا تبكين؟
اجابته بصوت متقطع من اثر البكاء: امي. لا اجد امي. ارجوك ابحث عن امي.
انا خائفة جدا.
مسد فوق خصلاتها البنية بحنان ومن ثم حملها بين يديه وهو يسألها بهدوء: ما هو اسمك؟
اجابته ببكاء: لمار. اسمي هو لمار.
قبل وجنتها بعمق: لمار يا له من اسم جميل.
لا تبكي يا صغيرتي واعدك بانني ساجد والدتك.
قولي لي ما هو عمرك؟
احد عشر.
احد عشر، انت صغيرة للغاية، وهل تدرسين؟
اجابته بحماس: اجل انا في السنة.
قاطعها صوت والدتها الباكي التي لمحتها بين يدي فارس.
فهرولت باتجاهه تلتقطها بين احضانها وهي تشكره بكلمات غير مترابطة: شكرا جزيلا بني اشكرك اين وجدتها؟
اجابها بهدوء: كانت واقفة بمفردها هنا تبكي كثيرا.
ضمتها الى صدرها اكثر وهي ترمقه: شكرا لك يا.
فارس. اسمي هو فارس.
ابتسمت بعذوبة: فارس. حسنا اسمك هو فارس وانت فارس يا فارس.
بادلها الابتسام ومن ثم استأذن منها بلباقة عازما العودة الى منزله.
لكن بمشاعر جديدة عليه.
فمنذ ذلك اليوم وصورة تلك الصغيرة تراوده في صحوه وفي منامه.


بعد مرور خمس أعوام قضاهم فارس في المذاكرة بجد واجتهاد كي يحصل على ما يريد.
ها هو تخرج من الجامعة بتقدير امتياز.
شعر بفرحة عارمة لأنه لطالما أراد أن يصبح معيدا في تلك الجامعة.
لكن لسوء حظه لم يعين لأن زميل له والده يعمل عميدا بالجامعة عُين بدلا عنه.
رغم أنه حصل على تقدير أقل منه.
لكن هذه هي الحياة.
في هذا الوقت من أراد الحصول على منصبا معين يجب أن يكون لديه واسطة تخوله للحصول على تلك الوظيفة.
وفارس مع شديد الأسف لا يملك تلك الواسطة.
فوالده موظف بسيطا.
لكنه حمد الله على هذا وقرر أن يعمل في إحدى الشركات الكبرى.
واسناء ذهابه ذات يوم إلى إحدى الشركات التي تطلب موظفين جدد.
أبصرها. هي ساحرته الصغيرة.
تسير بجوار صديقاتها تمزح معهم وتضحك بصوت مرتفع.
لوهلة شعر بأنه يريد أن يذهب إليها ويذكرها بنفسه.
لكنه تراجع.
فربما لم تتذكره أو ربما تشعر بالخجل وهي وسط صديقاتها.
لذا فضل تتبعها في صمت حتى إنه نسي مقابلته في الشركة.
ابتسم بعذوبة وهو يتأملها ترتدي ثوب المدرسة الخاصة بها رافعة شعرها البني على هيئة ذيل حصان مما جعلها في غاية الجمال.
ولما لا؟
فهي حقا كذلك.
تابعها بعينيه حتى اختفت داخل المدرسة ومن ثم استدار عائدا من حيث أتى لكنه مع شديد الأسف فقد مقابلته العملية.
ستمر السنوات وهو يراقبها من بعيد فليس لديه الشجاعة كي يتحدث إليها.
بينما هي كانت لا تشعر به من الأساس ولا تتذكره حتى.
ومر عام آخر وهو ما زال يبحث عن عملا مناسبا.
وها هو ذا يستعد لمقابلة مهمة في شركة كبيرة.
يقف أمام مرآته يصفف خصلاته الحريرية السوداء وأخيه الأصغر يمسك رابطة عنقه ينتظره حتى يعقدها له.
ثواني وانتهى من عقد رابطة عنقه وهو يطلق صفيرا من فمه هاتفا بإعجاب: تبدو وسيما للغاية يا أخي. هنيئا لتلك الشركة بشاب مثلك.
ضربه بخفة على رأسه وهو ينحني وينتعل حذاءه : أشكرك يا فهد هيا أريدك أن تتخرج وتعمل معي.
هز رأسه بعنف: لا لا لا أنا أريد أن أسافر إلى الخليج واعمل مهندس بترول هناك واجمع أموالا طائلة وبعدها أعود إلى مصر وافتتح مشروعا خاص بي.
رمقه أخيه بإعجاب سافر.
فلطالما كان فهد أجرأ.
شخصيته قوية يعرف ماذا يريد.
حسده بداخله على تلك الشخصية الفريدة التي يمتاز بها عكسه تماما.
فرغم أنه تعدى الخامسة والعشرين إلا أنه ما زال كما هو منطويا خجولا لا يعرف ماذا يريد.
ربما لأن برجه هو الجوزاء وجميعنا نعرف أن ذلك البرج شخصيته مترددة دائما لا يعرف ماذا يريد بالضبط.
وبالفعل قبل فارس في العمل وأصبح مهندسا إلكترونيات في شركة كبيرة ليبدأ أولى خطوات الكفاح التي لطالما تمناها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي