البارت الثاني

صلوا على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ❤️
بقلم مريم الشناوي ✨

في شقة السيدة زينب

كانت تجلس زينب علي الأريكة وتجلس بجانبها خديجة ويبدو علي ملامحها الحزن الشديد وعينيها حمراء من كثرة البكاء نظرت لها زينب بهدوء قبل أن تتحدث معها

زينب بجدية: انا شايفة أن والدك مش غلطان يا ديجاا

خديجة بحزن: عارفة يا زوزو المشكلة فيا أنا

زينب بجدية: عارفة أن الي حصل معاكي من سنتين صعب انك تنسيه يا قلبي بس لازم تنسيه ومتبقيش حساسة بزيادة ولازم كمان تنزلي تشتغلي حبستك لنفسك هنا في البيت غلط

خديجة بحزن: يعني أعمل ايه أخرج والناس تتريق عليا

زينب بحنان: خديجة حبيبتي انتي زي القمر وكمان عملتي عمليه ليزك ومش بتلبسي نضارة انتي بس ناقصك شوية حاجات كده وهتبقي أحلي بنوتة

خديجة بإهتمام: حاجات زي ايه

زينب بإبتسامة هادئة: لازم تهتمي بنفسك يعني لبسك وشعرك وميكاب وتهتمي ببشرتك وتلبسي إكسسوارات والحاجات دي

خديجة بحزن: بس انا مش بفهم في الحاجات دي

زينب بجدية: يعني البنات مولودين عارفين الحاجات دي لا طبعا كلهم بيدوروا علي النت وبيستفادوا كتير جدا دا في بنات دا شغلهم أصلا اللبس والميكاب والشعر والحاجات دي

خديجة بخجل: طيب ممكن تعلميني

زينب بإبتسامة: بس كده من عيوني يا قمر هننزل انهاردة بعد الغدا نجيب كل حاجة نقصاكي

خديجة بجدية: بس انت عندي لبس حلو

زينب بهدوء: عارفة حبيبتي بس انتي مش بتعرفي تنسقي ألوان طقم كامل ولازم تتعلمي كده وبعدين هتدوري علي شغل انتي معاكي خمس لغات يا ديجااا وكمان انتي شاطرة جدا في تصميم الحفلات والديكوريشن وبتصممي تحفة انتي بس ناقصك شوية حاجات والي هي تظبيط الألوان والشغل ده وانا هساعدك

خديجة بفرحة: ربنا يخليكي ليا يا زوزو

أنهت خديجة حديثها وعانقت زينب بقوة وكأنها والدتها وأكثر أما زينب ففرحت كثيرا بسبب سعادة تلك الفتاة التي تعشقها هي وشقيقتيها وكأنهم أطفالها الصغار الذين حرمت منهم

أما خديجة فكانت وهي بين أحضان زينب تفكر فيما حدث لها في الجامعة فهي خريجة كلية ترجمة وكانت من المتفوقات ودائما كانت الأولي علي دفعتها وتسبب ذلك في كره الكثير من الفتيات والشبان لها وكانوا يطلقون عليها اسم ( نجيبة متولي الخولي ) حتي يسخرون منها بسبب تفوقها وبسبب نظارتها الكبيرة التي كانت ترتديها ولكنها كانت لا تهتم وقضت سنوات دراستها هكذا لا تختلط بأحد ولا تتحدث مع أي أحد حتي في أخر سنة لها في الجامعة وفي أخر امتحان لها قامت ثلاث فتيات وشابان بأذيتها حيث قام الشبان بتكتيفها في منتصف بهو الجامعة واجتمعت الجامعة بأكملها حولها وقامت الفتيات الثلاثة بجلب الألوان المائية ووضع منها علي وجهها وعلي نظارتها وجلبوا علبة من الدهان الأسود الداكن وسكبوه فوقها وقامت فتاة منهم بقص شعرها الطويل الذي كان يميزها عن فتيات الجامعة ولم يكتفوا بذلك وحسب بل جلبوا أيضا صناديق القمامة وأفرغوا القمامة عليها ثم قاموا بتصويرها وتركوها ورحلوا كانت وحيدة وتبكي بقوة علي ما حدث بها كانت تنظر إلي شعرها الطويل المقصوص الذي يتناثر علي كتفيها وحولها وايضا نظرت إلي القمامة التي تحيط بها وضحك جميع من بالجامعة عليها لم تستطيع التحرك بل ظلت جالسة وعينيها تذرف الدموع الغزيرة دون توقف حتي أغرقت وجهها وبعد فترة لا تعرف كم مضي من الوقت وهي هكذا قامت من وسط القمامة وظلت تبحث عن حقيبتها حتي وجدتها ملقاه بعيدا اتجهت إليها بسرعة وأخرجت الهاتف بأيدي مرتعشة وهاتفت شقيقتها رحيل وطلبت منها أن تأتي إليها حالا وقبل أنا تقول شيئا أخر سقطت مغشيا عليها ولم تفق إلي بعد ثلاثة أشهر

واكتشفت أنها كانت في غيبوبة بسبب تعرضها لتلك الصدمة التي لم يستوعبها عقلها حتي الآن ومنذ أن خرجت من المستشفى وهي بالمنزل لم تخرج منه أبدا حتي تخشي النزول إلي الشارع فأصبح لديها فوبيا من التعامل من أي شخص آخر غير شقيقتيها ووالدها وزينب وصديقتها المقربة حسناء

فاقت خديجة من شرودها وشعرت بسائل دافئ يسير على وجنتيها وأدركت أنها بمفردها وتبكي علي ما حدث لها مسحت خديجة دموعها بهدوء

خديجة لنفسها: زوزو عندها حق انا هفضل طول عمري حابسة نفسي في البيت عشان شوية كلاب ضميرهم مات وفاكريم أن الإستهزاء بالناس وكسر نفسهم حاجة كويسة ومسلية لا يا خديجة انت شاطرة ومتفوقة ولازم تكوني كده طول عمرك لازم أشتغل وأطور من نفسي الجاهل بس الي بيفضل زي ما هو بس انا مش جاهلة وعمر زين ما رباني علي كده لازم أكون قوية لازم خديجة المتفوقة الشاطرة ترجع تاني بس ومعاها خديجة القوية إلي مش بتسكت على حقها

أنهت خديجة حديثها وهي تنظر أمامها بإصرار وتحدي وتعزم علي تغيير نفسها من فتاة ضعيفة قليلة الحيلة إلي فتاة قوية يهابها الجميع

أتت زينب وفي يدها صينية عليها كوبين من الشاي وكعك بالشيكولاتة

زينب بإبتسامة: يلا يا سكر عشان نفطر سوا وبعد كده نطلع للبت حسناء

خديجة بإبتسامة: والله ما في غيرك مظبطني والباقي جذم

ضحكت زينب علي حديثها وشرع الإثنين وفي تناول الكعك وشرب الشاي وظل يتحدثون في أمور مختلفة ولكنها تخص الفتيات وعن الأماكن الذي سيذهبون إليها اليوم

في العمارة التي تقابلهم

وتحديدا في الدور الأخير الذي يحتوي علي شقتين مفتوحتين علي بعضهم البعض وكأنهم شقة واحدة ملك لحسناء السباعي تلك الجميلة الشقراء الذي كان زفافها ليلة أمس

كانت تجلس حسناء في إحدى الغرف والتي من تصميمها وألوانها تبدو أنها مخصصة للأطفال كانت تجلس حسناء وهي تبكي بصمت وقهر علي ما حدث لها ليلة أمس التي كانت أكثر ليلة تنتظرها منذ صغرها ولكنها تحولت إلي كابوس أسود قلب حياتها رأسا على عقب

لقد كانت سعيدة للغاية لأنها ستتزوج من حبيب طفولتها ومراهقتها وشبابها ( صالح ) ذلك الشاب الذي تعشقه أكثر من نفسها فهو إذا طلب حياتها وروحها لن تتردد أبدا في ذلك كانت تنتظر بفارغ الصبر أن يأتي ويطلب يدها من والدها فقد قضت الكثير من السنوات وهي تراقبه وهو يعمل في ورشته الخاصة بتصليح السيارات فهو ميكانيكي سيارات كانت تراقبه دون ملل أبدا وكانت تتمني أن ينظر لها حتي لو بالخطأ فهو لم يراها أبدا فهي منتقبة ولكن في أحد الأيام تفاجأت بأن والدها قال لها بأن صالح طلب يدها منه وهو وافق وكان يسألها عن رأيها حتي يعطيه رد

فوافقت بسرعة وظلت تقفز من فرط سعادتها نعم شعرت بالغرابة حيال ذلك فهو لم يراها أبدا إذا كيف سيتزوجها وهو لم يطلب خطوبة أبدا بل طلب أن يكون كتب كتاب وفرح ولكنها لم تهتم كثيرا فهي تعرفه وتعرف أخلاقه الذي يشهد بها الجميع وخاصة رحيل صديقتها فهم يجمعهم نفس العمل وبالفعل في أقل من شهر تم الفرح وكان جميل للغاية وحضره جميع الأقارب والجيران والأصدقاء وهي أيضا كانت سعيدة فكانت تشعر وكأن قلبها كان سيقذف من بين ضلوعها بسبب فرحتها العارمة

ولكن هدمت فرحتها وتلاشت ابتسامتها عندما صعدت إلي الشقة فهو صعد فالأول لأن والدها كان يريدها وبعد خمس دقائق صعدت هي خلفه وكادت أن تدلف إلي الغرفة ولكنها تراجعت فور سماعها لما قاله فقد كان يتحدث في الهاتف

صالح بضيق: بحب مين بس يا علي دا انا عمري ما شوفتها ولا أعرف أصلا أن في بنت معانا في الشارع اسمها حسناء كله من أبوها راجل زبالة

صمت صالح يستمع إلي رد الطرف الآخر وبعد ثواني رد عليه

صالح بضيق: هعمل ايه يعني هنفضل كده لفترة وبعد كام شهر تكون أمي شفت من العملية وقدرت تقف علي رجليها وأقوم مطلقها وأخد أمي وأسافر ويبقي يبل وصلات الأمانة إلي ممضيني عليها ويشرب ميتها

صمت لثواني يستمع رد صديقه علي ثم رد صالح

صالح بضيق: أيوة هكسر قلبها وهو لما كسر نفسي وذلني وخلاني عاجز بسبب مرض أمي وأجبرني اني أتجوز بنته عشان يديني فلوس العملية وبعدين هكسر قلبها في ايه هي متعرفنيش أصلا وغير كده أبوها علي قلبه أد كده يبقي يجوزها لواحد غيري يا ابني دا انا معرفش شكلها لحد دلوقتي

قاطع حديث صالح صوت إغلاق باب الغرفة بعنف وعندما إلتفت وجدها تقف أمامه وهي ترتدي فستانها الأبيض ووجهها مغطي بفعل النقاب التي ترتديه تفاجئ صالح من وجودها ولكنه حاول تمالك نفسه وأغلق الهاتف مع صديقه علي

تنحنح صالح بحرج وقال بهدوء: هو انتي هنا من أمته

أجابته حسناء بصوتها الرقيق الباكي: بقالي شوية ممكن تقولي اتفاق ايه الي بينك وبين بابا

وقف صالح مصدوما من صوتها الرقيق الذي يشبه صوت طفلة صغيرة تتحدث مع والدها بأدب وليست فتاة في العشرين من عمرها آلمه قلبه عندما سمع صوتها الباكي وعلم أنها سمعت مكالمته مع صديقه علي ولكنه عزم علي أن يخبرها بكل شئ

صالح بجدية: والدك عمل معايا اتفاق أو بمعني أصح استغل موقف انا كنت فيه استغل تعب والدتي وحاجتها أنها تعمل عملية ضروري في القلب وانا مكنش معايا مبلغ العملية وكان مبلغ كبير شوية والدك مضاني علي وصلات أمانة وبعد عملية أمي هددني هيحبسني لو متجوزتش بنته حاولت أجمع الفلوس بس معرفتش المبلغ كان كبير أوي لأن أمي كانت في مستشفي خاصة وبعد ضغط منه وافقت علي الجواز ده

حسناء برقة: كام المبلغ

صالح بجدية: ٦٠٠ ألف جنيه كل وصل أمانة ب١٠٠ ألف جنيه

حسناء برقة وصوت باكي: وليه بابا يعمل كده

صمت صالح فهو لا يعرف حقا لما فعل والدها ذلك أما هي فكانت تتساقط دموعها من أسفل نقابها بغزارة علي ما حدث معها فقد ظنت أنها ستكون أسعد فتاة اليوم ولكنها حقا أتعس الفتاة اليوم صدرت منها شهقات مكتومة سمعها هو وعلم إنها تبكي فهو لم يراها ولا حتي يري عينيها فنقابها يغطي كامل وجهها

صالح بجدية: أنا أسف عارف انك ملكيش ذنب في كل ده ولا انا كمان ليا ذنب انا كنت بنقذ أمي واي واحد مكاني كان عمل كده بس أبوكي هو سبب كل الي احنا فيه

حسناء بصوت حاد بالنسبة إليها ولكنه وصل إليه صوت طفولي غاضب: وانا مش يرضيني انك تتجوزني غصب عنك انا عمري ما أقبل كده علي كرامتي عشان كده هنعيش سنة وكأننا إخوات ومحدش هيعرف أي حاجة بينا ليك عندي أهتم بيك وبأكلك وبكل حاجة تخصك غير كده لا سنة واحدة وهنطلق هنقول أن احنا متفهمناش مع بعض وبينا مشاكل كتير وانا الي هطلب الطلاق عشان بابا ميتكلمش معاك دا قراري لكن اتفاقك مع صاحبك دا غلط كده هتطلع مش راجل قدام الكل وغير كده ممكن بابا يحبسك بوصلات الأمانة إلي معاه دا الي عندي عجبك كان بها معجبكش انت حر هستني ردك بكرة

أنهت حسناء حديثها وتركته ورحلت دون إضافة أي حديث أخر واتجهت إلي غرفة الاطفال وظلت بعدها طول الليل تبكي على حالها وتتمني من أعماق قلبها أن لا يأتي أحد إليهم حتي لا يرونها في تلك الحالة

فاقت حسناء من شرودها علي صوت طرقات خفيفة علي الباب تبعه صوته الرجولي الهادئ
صالح بجدية: حسناء غيري هدومك وإطلعي والدك وعيلتك برا مستنينك متتأخريش يلا

بقلم مريم الشناوي ✨
صلوا على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ❤️
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي