الفصل الثالث

صعدت سماهر بينما كان يوسف يحادث الأخضر ذراعه اليمين، بينما ألقت سماهر الملاءة السوداء إلى المزاج الذي بدوره ألقاها نحو يوسف لينتبه يوسف مكفهرًا وينظر نحو سماهر فلقد ظن أنها هي التي ألقت له الملاءة.
تسمرت عينا يوسف، لم يكن يوسف يتأثر بالنساء فهو يقابل الكثيرات، ولم تأسره أنثى من قبل، لكن لا يدري كيف جذبته تلك المتمايلة على المسرح، كأنما أسرته، ليقف من مكانه، والمزاج ينظر له مبتسمًا فلقد علم أن السنارة غمزت كما يتمنى، يوسف كان طويلًا، فاحم الشعر ناعمه أكحل العينان، ذو جسد رياضي، كان المزاج يدعو أن تسحر سماهر به كما من الواضح أنه سُحر بها، فمن سؤال المزاج عن يوسف وأحواله علم أنه لم يقف أبدًا ليصعد على مسرح في زفاف أو يشارك الراقصة.
بينما سماهر ترقص أزكم أنفها عطر نفاذ جعلها تنفصل عن اندماجها بالرقص لتلتفت ناحية مصدر الرائحة، ويستمر جسدها بالرقص لكن عينيها معلقتان بذلك الصاعد على المسرح الذي يقترب منها، لم تجفل كعادتها أو تفزع حين يقترب أحدهم من المسرح فتبحث بعينيها عن المزاج لينقذها؛ لا بل ظلت تنظر ليوسف، والمزاج يكاد يطير فرحًا، فقد كان منتظًرا مراقبًا كالصقر الذي يتربص بفريسته ليقرر وقت الانقضاض، لكنها لم تنظر له فتهلل سعيدًا.
تعلقت أنظار سماهر ويوسف ببعضهما، سماهر ترقص وتتمايل لكن عينيها لم تفارقا عيني يوسف ويوسف يقف أمامها وكأنه يحجبها عن الرجال بالأسفل الذين صاحوا فور صعود يوسف للمسرح اعتراضًا لكن نظرة نارية من الحاج حسني أخرستهم، بينما ابتسم الأخضر فهذه أول مرة يرى يوسف في هذه الحال، كانت الملاءة في يد يوسف، ليرفع يديه عاليا ثم ينزلهما فاردًا الملاءة ليضعها على كتفي سماهر وهو يقول:
- أنا باجول إن الرجصة خولصت.
لم تنتفض سماهر حين لامست يداه كتفيها، ولا حين أحكم لف الملاءة على جسدها وهو ينزلها من على المسرح، ممسكًا بيدها.
لاقاهما المزاج ليفسح له الطريق ويدله على غرفة سماهر ويوسف يسير ممسكًا يد سماهر وهي تنظر لظهره وتسير معه بلا كلمة اعتراض واحدة.
أدخل يوسف سماهر الغرفة وأغلق الباب، والتفت للمزاج وقال بحزم:
- خبرني كل حرف تعرفه عن الرجاصة دي يا..
ابتسم المزاج وقال:
- المزاج يا باشا، اسمي المزاج، شوف يا كبير، البت دي في حمايتي وتحت وصايتي، أحكيلك حكايتها، والله يا باشا دي حكايتها تقطع القلب، ولا الأفلام بتوع السيما، يعني سعادتك لولا إني عارفها وأبويا كل حاجه حاصله على إيده ما اصدقش لو اتحكتليّ
حدجه يوسف بنظرة مفادها:
- ادخل في المفيد.
ليفهم المزاج ويبدأ الكلام:
- اسمها سماء يا باشا، أمها كانت ست الستات بصراحة، آه أنا أقول اللي ليا واللي عليا، أمها كانت بنت ناس أكابر، اللي نعرفه عنها إن فلوسهم ضاعت في البورصة والحكومة حجزت عليهم، وبقوا على الحديدة، ما حيلتهمش غير بيتهم اللي كانوا قاعدين فيه، أبو سماء بقى يا باشا كان ولا مؤاخذة رجل ما لوش لازمه عايش على عرق الحريم، يعرف دي و يعرف دي يصرفوا عليه، أصله كان مسبسب كده وحليوه، ما أطولش عليك يا باشا، إتعرف على أمها اللي كانت زي لهطة القشطه ولعب بعقلها، وإتجوزها وفضل وراها لما بيعها عفش البيت حته حته وبعدين بيعها البيت بحاله والأيام لفت ودارت وبعد ما كانت أمها هانم وست الهوانم بقوا مش لاقين حتى حته يقعدوا فيها، وسكنهم أبويا في عشة في الحارة اللي في عزبة الصفيح ولا مؤاخذه، أبو سماء كان نفسه في واد تقولش يعني يا باشا هيورث الأبعديه، بس خلفته كانت بنات خلف أربع بنات غير سماء، كلهم بنات يحلوا من على حبل المشنقه، وهو قاعد عواطلي أم سماء تدور وتسرح تبيع الخضار بالمشنه وهو ياخد عرقها يصرفه، والصراحه الست اتبهدلت كان وراها زي ظلها خايف تهج وتهرب منه وإلا حد ياخدها ما هي كانت قمر، وكمان كان بيسرح البنات تشحت وتشتغل في البيوت وآخر النهار ياخد هو الفلوس، ما أكدبش عليك أبويا الرايق حب يخدمه ويريح البنات فدبر للكبيرة جوازة من واحد خليجي بيجي يقضي الأجازة هنا وعاوز حرمة تبقي تخصه هو لوحده، أبويا جوزه سماره وأبوها قبض المهر، البت ولا مؤاخذه ما استحملتش في ايد الراجل أصله كان عفي عليها وماتت، شويه لما الحزن راح جوزنا البت التانيه بطه برضه لواحد من بتوع الخليج وخدها معاه، وكانت بتكلمهم كل شهر عند البقال، وخلفت من الراجل ده بنتين وهي بتخلف الثالثة أمر ربك نفذ وماتت، فجوزنا الرجل من أختها الثالثه زهرة، أهو تراعي عيال أختها بطه، وزهرة كانت ولا مؤاخذه عنديها القلب وما حدش عارف وماتت، ما فضلش إلا مين يا باشا؟ فضل البت نواعم وسماء بس أمهم يا عيني ما استحملتش بناتها كده يموتوا واحده ورا التانيه وقابلت رب كريم، أبو سماء دخل بتقله لما الفلوس جريت في إيده على البودره، ولحست مخه وفي يوم وهو بيقلب البت نواعم في الفلوس وهي مش راضيه تديه شقاها وتعبها، ضربها نزلت على حرف الطرابيزة وماتت، والبوليس قبض على أبو سماء والراجل ما استحملش يتحبس فرمي نفسه من سراي النيابة ومات كافر زي ما كان عايش مكفرهم في عيشتهم، وأنا قلت بقى أراعي البت الغلبانه اللي فاضله دي واشغلها بدل ما كلاب السكك تنهشها، معايا أهي يا كبير بقفالها سنتين تحت حمايتي وطوعي وباعاملها أحسن معامله، خصوصًا إنها لسه بنت بنوت، فلازم لها حمايه يا باشا، آه كله إلا الشرف، وسميتها سماهر وبقت أشهر وسط فيكي يا مصر.
نفس طويل استنشقه يوسف ثم زفره ببطء وقال:
- اسمع حديتي زين يا مزاج، البت اللي جوه دي لازماني، بس آني دلجيت ورايا سفريه مهمه جوي ما اجدرش أأجلها، يلزمك كام في إسبوع لغاية لما آجي تحافظ فيه عليه ووسطها ده ما يتهزش ولا عين راجل تشوفها.
ابتسم المزاج:
- يا باشا قلت لك دي في حمايتي والبت كان شرطها عشان ترقص ما حدش يقرب منها ولا تعمل حاجه غير الرقص وأنا راجل فيا كل العبر آه بس ميزتي إني ما باخلفش وعد وعدته لحد، وأنا واعدها ما تعملش حاجه إلا برضاها.
- آديك جولت برضاها، وآني راجل ما أرضاش بالغصب، بس تستناني لمن اعاود من لندن، ها عاوز كام؟
- طالما كله هيبقى بالرضا وما فيش نزول لوعدي في الأرض يبقي يلزمني في الاسبوع يا بيه عشر تلاف جنيه.
كان ينتظر أن يرفض لكن يوسف أخرج دفتر شيكات وقال:
- ده شيك بعشرين ألف يا مزاج، بس سماهر لا يشوفها راجل ولا وسطها يتهز ولو خالف كلامي هاعرف وجسمًا باللي خلج الخلج هاتوايك والدبان الازرج ما يعرفش طريجك، اسمك في البطاجه إيه؟
- جابر يا باشا، اسمي جابر الرايق محيسن، وكلامك على رقبتي لغايه ما سعادتك توصل، وأنا هاكتب لسعادتك العنوان بتاع البيت، ولو عاوزها ما تشوفش حتى الشمس ولا تقف في البلكون حاضر.
ابتسم يوسف:
- لا حافظ عليها بس ما تحبسهاش، وأنا رجالتي هيكونوا حواليها يحموها كمان، وإياك يا مزاج أعرف إنك كدرتها وإلا أخرت لها طلب.
ودخل الغرفة ليجدها جالسة تمسك بالملاءة كما وضعها عليها ونوسه بجوارها تحتضنها.
نظرت له نوسه ما أن دخل، تنحنح وقال:
- سيببنا لوحدينا يا ..
- نوسه يا بيه أنا مرات المزاج، بس ما ينفعش اسبها دي يا حبة عيني من ساعة ما دخلت الأوضه وهي بتتنفض، وجتتها مش على بعضها، وجتتها مش على بعضها، أنا عمري ما شفتها متلبشه كده.
- معلش يا ست نوسه سيبيها بس وأنا ليا معها حديت.
كانت سماهر تنظر له وهو يتحدث بعيون تائهة.
تظن أنها ترى سرابًا، هل يعقل أنه ذلك الذي كانت تحلم به، لا تصدق تراه للآن منذ إسبوع يوميًا في أحلامها، وها هو الآن واقع مجسد أمامها، هل يكون هذا الشخص هو هدية الله لها؟ هل هو منقذها من هذه الحياة التي لا تريدها وتتمنى أن تتركها؟ أسئلة كثيرة تدور في رأسها بسرعة كإعصار استوائي لا نهاية له.
خرجت نوسه، وجلس يوسف بجوار سماهر ينظر لها وكأنما وجد كنزه الثمين بعد عناء ومشقة، وأمسك وجهها بين يديه وقال:
- كلامي ما عاجولوش غير مره واحده بس، وسطك لو اتهز جدام غيري هاكسره، آني مسافر سبوع لندن في سفرية لشغل مهم جوي، ما أقدرش أأجله، هاخلص وآجيكي، وساعتها مش هينمعني منك غير إنك تجوليلي ما رايداكش.
كان يتحدث وعيناه تهيمان في عينيها، وجسدها توقف عن الارتجاف ما أن احتوى وجهها بين كفيه، لم تفهم الكثير من الكلمات التي قالها بتلك اللهجة، لكن لا يهمها أن تفهم، يكفيها تلك النغمات المتسللة لثنايا روحها من بين شفتيه، تجعلها تذوب هدوئًا وأمانًا، تود أن تلتصق بذلك الذي لم تره إلا منذ دقائق ولا تتركه أبدًا.
أغمض عيناه ليبتعد عن تلك القيود الخفية التي تقيده بها ووقف وقال:
- راجعلك يا سمايا.
وخرج.
كانت تود اللحاق به، تود أن تصرخ باسمه ليتوقف ولا يتركها لكنها لم تقو على أن تخرج حرفًا واحدًا من بين شفتيها، ولا أن تتحرك قيد أنملة، ظن جسدها أنه في واحد من تلك الأحلام التي كانت تحلمها به ذلك المجهول بالنسبة لها وقتها ولم تكن تخبر عنها ولا حتى نوسه صديقتها المقربه ولم تدر السبب مع أنها تخبر نوسه بكل شيء لكنها ساعتها قررت أن يكون حلمها سرها الخاص بينها وبين قلبها، قبس من نور أن يكون لها ما هو خاص بها هي فقط لا يشاركها به سوى قلبها وروحها، ظلت عيناها معلقة به وهو يختفي عن ناظريها بينما دخلت نوسه ثو أغلقت الباب واحتوتها بين ذراعيها وقالت:
- شكل الدنيا هتضحكلك يا سمسمه، يوسف باشا إدى للمزاج فلوس كتير عشان بس ما ترقصيش وياخد باله منك لغايه ما يجي من بلاد بره، بيقوله أسبوع وهاجي تاني وإياك راجل يشوفها ولا وسطها يتهز،
طاقه القدر انفتحتلك يا بت.
ودع الرجال بالخارج والحاج حسني، وغادر كما جاء برفقة رجاله والأخضر ساعده الأيمن.
وما أن ركبا السيارة حتى ناول الورقة المدون بها العنوان للأخضر وقال:
- الورجة دي فيها عنوان المزاج، وهي جاعده عنديه راجل من رجالتنا يعسكر جدام البيت، ما فيش جنس راجل يطلع عنديهم، ولو طلعت من البيت يبجى وراها، الراجل اللي يجرب نواحيها يتاوي.
ابتسم الأخضر:
- أوامرك مطاعه يا كبير، بس أفهم.
نظر له متنهدًا وقال:
- هي دي يا أخضر الحورية اللي جلت لك بتطلع في الحلم وسط المياه.
توقفت الموسيقى فتوقفت هي عن الرقص، ونزلت من على المسرح متوجهة لغرفتها ليقطع منير طريقها قائلًا:
- واه الجمر مستعجل ليه؟
- ابعد من طريقي يا منير باشا من فضلك.
- إزاي بس آني رايد الوصال.
- حبل الوصال مقطوع.
- طب رايد الرضا.
- إحنا لا فيه بينا وصال ولا رضا يا منير باشا وأنت عارف فبلاش مشاكل.
- ما هو يوسف مش إهنيه آني خابر إنه في لندن.
- ولو يكون في آخر الدنيا، ما أخالفش كلامه.
- بتحبيه جوي إكده.
- عن إذنك.
ليأتي المزاج:
- معلش يا منير باشا، حضرتك عارف أوامر يوسف باشا.
نظر له شذرا، بينما سماهر تغادر لغرفتها.
وقال له منير:
- وبعدين يا مزاج، آني رايدها، ليلة واحده بس يا مزاج.
- ما أقدرش يا باشا، إنت عارف عيون يوسف باشا في كل حته، ووقفتك معاها الكام دقيقه دول إنت عارف إنها هتوصله ومش هيسكت، خصوصًا إن حضرتك كنت السبب اللي خالي الباشا الكبير خالد يحكم عليه يطلقها وينزلها ترقص تاني.
ضحك منير:
- يستاهل واللي طايله يعمله.
ثم اتجه ناحية الطاولة ليكمل السهرة برفقة فتاة أخرى، ليدخل زنجر متجهًا له قائلًا وهو يضع المفاتيح في يده:
- كله تمام يا باشا البضاعة اتشونت وكله في السليم.
- تمام يا زنجر إجعد خد سهرتك، آني ماشي.
****
وفي قرية الحريدية أشرقت شمس الصباح تعانق سحب الصيف، تتهادى رويدًا رويدًا حتى تعم الأرجاء بضيائها، وتتمايل الأشجار الوارفة بهدوء تتدلل على النسيم العليل، معانقة الحقول الخضراء،
ومن بين جنبات ذلك البيت أو الدار كما يطلقون عليه، صدح صوت زينب النجار زوجة ممدوح الجبالي تلك السيدة التي تبلغ الخامسة والأربعين وهي تتهادى بين أروقة المنزل، وشعرها معقود في ظفيرة طويلة تتدلى على ظهرها، ترتدي جلباب منزلي باللون الأحمر الزاهي، يزدان بنقوش بدوية وهي تحدث نفسها بصوت عالِ:
- يا مُرك يا زينب، لما إنتوا مهتصحوش على صوت المحروج اللي اسمه منبه ده هتخلوه يشتغل ليه، صدعتوتني، كل هبابه منبه يرن، اصحي يا ولد شويه يا أمايا، يوووه، الله في سماه ما هاصحي حد تاني.
ليخرج عبدالحميد من غرفته وهو يدلك مؤخرة رأسه ويقول:
- مين زعلك بس يا زوزو على الصبح جوليلي؟
اقتربت منه ممسكة أذنه:
- ماحدش مزعلني غيركم وجلعكم الماسخ، زهجتوني هاشج خلقاتي، إن كان منكم وإلا من بوكم.
ليظهر ممدوح قائلًا بحدة:
- مالهم بوهم يا بنت النجار على الصبح.
- بوهم عياره فلت على كبر، راجع داره وش الفجر كيه الحراميه يتسحب، والله أعلم كان فين وإلا مع مين؟
اتسعت عينا عبدالحميد وقال:
- واه يا بوي، صدج الحديت ده؟
لتأتيه ضربة على مؤخرة رأسه مصدرها والدته:
- يحرجك وآني هاكدب إياك؟!
أخذ يدلك مؤخرة رأسه مكان الضربة:
- ما اجصدش يا أمايا، بس بوي عمره ما عملها.
قالت بغضب:
- أهو جدامك ها، إسأله كان فين ومع مين لوش الصبح؟
ابتسم ممدوح وهو يقترب منها ويقول:
- غيرانه عليا يا زينب؟
تخصرت وقالت:
- مين دي اللي تغير؟ آني أغير، عشان أغير يبجى أغير من حرمه أحلى مني وإلا مجامها أعلى من مجامي، بلدك كليها ما فيهاش غير زينب النجار واحده بس، لا جات اللي جمالها يوازيني ولا حتى يجرب مني، مين في البلد كلاتها في بياضي وإلا تكحيلة عيوني، وإلا في شعري، فوج يا بن الجباليه، ده إنت أمك الحاجه بهيه دعتلك في ليلة الجدر عشان ربنا يكرمك وبوي يوافج عليك.
ظهر عبدالرحيم من غرفته قائلًا:
- واه يا أمايا لساك كل شويه تفكريه.
نظرت له بحدة:
- وأفكره طول العمر كمان، وبعدين دخلك إيه إنت؟ تتحشر بيني وبين جوزي ليه؟ ما لكش صالح بينا،
وتعالالي إهنيه كنت فين يا محروج إنت كمان؟
- كنت مع بوي.
- واه! وكنتوا فين بسلامتكم؟
رد ممدوح:
- ما هو لو ست الحريدية كلها كانت روجت بس شوي وإلا عطتنا فرصه كنا فهمناكِ، إنما إنتِ صاحيه غضبانه منينا ومامدياش فرصه لحد يتكلم.
- حاضر يا ممدوح وأهه هاجعد واسمع.
- باه، ما ناوياش تفطرينا إياك.
رفعت حاجبها قائلة:
- لا كيف ده نفطروا الجبالي وولاده وست الحسن اللي لساتها نايمه لدلجيت ناموسيتها كحلي هي كومان.
ليأتيها صوت ريهام وهي تقول:
- ست الحسن صحيت أهه، وناموسيتي كحلي مش كنت سهرانه باذاكر وإلا الكلية اللي آني فيها دي إيه؟ هاعدي منيها بدعا الوالدين.
ضيقت زينب عيناها وزمت شفتيها ثم قالت:
- ما هاخدش معاكم يا ولاد الجبالي حج ولا باطل.
وتركتهم لتدخل المطبخ، في الوقت الذي دخلت به بدريه ذات الخمس عشر ربيعًا والتي تساعد في نظافة المنزل وشراء الطلبات، ابنه أحد فلاحي القرية، مندور مخالي.
- جيتي يا معدله، اتوخرتي ليه؟
- فين ده يا ستي بيتهيجلك ناظري إكده في الساعه، هي ساعة زمن اللي جعدتها في السوج، ومخيمر السواج كان رجله على رجلي لا رحت يمين ولا شمال.
- أباه يا بدريه مش هنخلص من الحديت اللي لا يودي ولا يجيب، المهم جبتي كل حاجه وإلا نسيتي.
- لا يا ستي إنتي خابراني لهلولبه، جبت كل حاجه، حتى كمان لجيت في السوج البتاع ده اللي سي عبدالرحيم بيحبه ده البوتشو، وجنابك ما كنتيش جايله عليه وآني جبتو.
- بوتشو في عينك يا بعيده، اسمه كابتشو.
- المهم إني جبته يا ستنا، ده آني لجيت منه ألوان كمان جبت منه الأخضور واللون التاني.
ضحكت زينب:
- طب همي حطي كل حاجه مكانها، وجهزي السفره عشان الفطور.
- عيوني يا ستنا فريره.
وبينما هي ترص المشتروات في الاماكن المخصصة لها قالت:
- عارفه يا ستنا شوفت مين في السوج؟
- مين يا واكله ناسك؟
- ست نرجس عجاج.
زفرت زينب قائلة:
- اللهم طولك يا روح هو شكله صباح ما لوش ملامح.
- إيوه شفتها وهي داخله عند جرجس الجواهرجي.
اقتربت منها زينب وأمسكتها من أذنها:
- وإنتِ مالك بيها تتحرج بجاز، خليك في شغلك وبس.
- آي آي حاضر يا ستنا هاسكت أها ما أنطجش.
لتكمل بدرية تجهيز المائدة ورص أطباق الطعام وهي صامته، لينظر لها ممدروح بغرابة وهي في طريقها عدة مرات ما بين المطبخ والمائدة ويقول:
- خير يا بدرية مالك؟ إنتي تعبانه؟
ضربت على صدرها:
- بعدالشر عليا يا سيدنا؟
ضحك قائلًا:
- أمال مالك حارمنا من صوتك الحلو ليه والأغاني اللي عتغنيها كل يوم.
نظرت نحو المطبخ وقالت بصوت منخفض:
- ست زينب ودرتني وجالت ما أسمعش حسك واصل.
ابتسم وقال:
- هتروج دلجيت ومزاجها عيبقى فله إن شا الله.
جاءت زينب ونظرت لهما وحاجباها مرفوعان:
- أنا مش جلت ما أسمعش حسك يا واكله ناسك بتتودودي مع سيدك على إيه؟
- آني مكتومه أها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي