الفصل الثالث

كانت تجلس برفقة نور و زياد تطعمهم و تلاطفهم بعد أن أنهت كل واجباتها اليوميه و التي إعتادت أن تفعلها بحب بالغ قبل أن ينفرج الباب بغتةً لتلتفت بلهفه ظناً منها بأن يحيـي قد عاد باكراً لتتفاجأ بهِ يدلف إلي البيت و يُسر تتأبط ذراعه بكل كِبر و غرور ليتجهم وجه كلاً منهما فور رؤيتها للأخري و لكن إنقباضة قلب غزل كانت أشد حيث خفق قلبها بشدة و هي تنقل نظراتها بينهما بإستفهام و تعجب ليتقدم يحيي منها و يقول وهو يتلاشي النظر إلي عيناهاً: شكراً يا غزل تقدري تتفضلي إنتي دلوقتي!

نظرت إليها يُسر بتحدٍ و غرور يفيضان من عينيها لتومأ هي بموافقة مقتضبه و تلتقط حقيبتها من أعلي الطاولة التي كانت تجلس خلفها و إنصرفت علي الفور تحاول كبح جماح دمعاتها اللعينه التي كانت تود الفرار بإلحاح.

إلتف كلاً من زياد و نور حول أمهم يحتضنونها بقوة و إشتياق بينما أغدقتهم هي بالقبل و الاحضان باشتياق أكبر
فقال الصغير زياد: ماما إنتي خلاص هتقعدي معانا كل يوم ؟

أومأت يُسر بتأكيد وقالت: أيوة يا حبيبي.

و نظرت إلي يحيي بملامح وجه تشي بالضيق وقالت: هي البت دي كانت بتعمل إيه هنا؟

إبتسم لرؤية غيرتها من غزل و التي لم تتبدل أبداً فقال بعدم إكتراث:غزل تبقي الجليسه اللي بتقعد مع نور و زياد لحد ما أرجع من الشغل و كتر خيرها شايله عني كتير جداً.

تجهم وجهها وقالت بحدة: و إنت الدنيا في وشك ملقيتش غير دي؟!

أومأ بتأكيد وقال: هي ضاقت في وشي فعلاً و ملقيتش غير دي!

ثم نظر يحيـي إليها بخبث وهي تتطلع نحوه و قبض علي خصرها بأصابعه قبضةً خفيفه و لكنها كان لها أثقل تأثير عليها فنظرت إليه بإبتسامه متسعه و أحاطت چيده بكلتا يديها و هي تنظر داخل عيناه بثبات ولا تحيد النظر عنهما لينظر إليها و ينظر إلي أطفاله و يقول:إقعد يا زياد إكتب واجبك و خلي بالك من نور ، أنا هقول لماما كلمه و جايين فوراً.

إتجه بها نحو غرفة نومه و قلب كلاً منهما يكاد يتوقف من شدة التوتر و الترقب فدلف إلي الغرفه لتدخل هي خلفه تتطلع إلى الغرفه بإعجاب شديد وقالت: البيت ده زوقه حلو اوي يا يحيي.. بس في حاجات محتاجه تعديل نبقا نعدلها سوا بعدين بقا.

نظر إليها بإقتضاب هازئ و أومأ موافقاً ثم خلع سترته عنه و ألقاها علي مدد ذراعه إلي الفراش من خلفه و إقترب منها بغتةً يحيط خصرها بكلتا يداه لتنظر له بأعين دامعه و إحتضنته بقوةٍ وقالت: وحشتني أوي يا يحيي، والله العظيم وحشتني، إنت مش متخيل أنا كنت بموت إزاي في بعادك كل يوم، أنا كنت ميته و الروح ردت فيا لما إنت رجعت.

ربت علي ظهرها وقال وهو ينظر إليها بقوة: و لسه الروح هترد فيكي كمان و كمان!

ثبتت وجهها بضعفٍ أمام وجهه وهي تصوب نحوه نظرات لا يغفل عن مفادها أبدأ وقد أوصدت عيناها كـ دعوةٍ صريحه منها في الإقتراب و لكنه لم ينصاع لرغبتها.

لقد أراد أن يتلذذ برؤية إحتياجها له و مجرد إنصياعها خلف رغبته قد أشعره بالزهو و ملأ قلبه بالراحه.

ثمة أحاسيس شعر بها و لكنه لم يهتم بتفسيرها الآن و ظل ينظر إليها وهي تنتظر قربه منها حتي فتحت عينيها بإستفهام و إستهجان و إلتصقت بهِ أكثر وهي تقول: مالك يا حبيبي؟! إنت مش في المود؟

نظر إليها ساخراً وقال: وهو في واحد يبقا معاه واحده زيك و ميبقاش في المود؟!

لم تروقها نظراته ولا تلميحاته فقالت بضيق طفيف: في إيه يا يحيي؟! إنت جايبني هنا ليه بالظبط؟

إقترب منها ليقف أمامها مباشرةً و تحدث بصوتٍ هامس وقال: مش أنا اللي جيبتك يا يُسر، أنا مجرد عرضت عليكي نقضي وقت حلو سوا و إنتي وافقتي!

إزدردت ريقها بتوتر وقالت: قصدك إيه يعني؟ و بعدين مش إنت اللي صممت إنك مش هترجعني ليك غير بالطريقه دي، أعمللك إيه أكتر من كده يعني؟!

أحاط وجهها بكفيه وقال بنبرة أكثر لطفاً: مالك بس يا روحي إتضايقتي كده ليه؟ أنا مش قصدي أضايقك!

هدأ توترها قليلاً لتحيط عنقه بقوة وأغمضت عيناها وهي تقترب منه لتقبّله قبلةً محمومه أثارت الإشمئزاز في نفسهِ.

لم يبادلها و لم يبتعد أيضاً، كان ينظر إليها وهي تحاول الوصول إليه بأي شكل لتشعر هي بالبرود من ناحيته ففتحت عيناها وهي تهمس أمامه بلهاثٍ مغوي: مالك بقا يا يحيي؟!

_إمشي يا يسر!

نطقها بحدة هادئة وهو لازال ينظر إليها بثبات فإبتلعت ريقها بتوتر وقالت: نعم؟!

_إمشي بقوللك!

كرر كلماته لتنفجر الدماء بوجهها غضباً وقالت بصوتٍ حاد جهور: هو إيه اللي أمشي دي؟! أومال إنت جايبني هنا ليه؟!

رفع كتفيه بعدم إكتراث وقال: كيفي كده.. كنت عايز أثبت لنفسي حاجه و خلاص ثبتها.

_حاجة إيه دي إن شاء الله؟

قالتها وهي تتخصر بيديها لينظر نحوها مبتسماً بتهكم وقال: مش مهم تعرفي، أهم حاجة إني أنا عرفت..و عالعموم لو زعلانه إنك جيتي عالفاضي ..إتفضلي!

برز صوته بالأخيرة وهو يستل جزدانه من جبب سرواله و يخرج منه النقود و يمد يده إليها قائلاً: إعتبري دول حق المشوار.

غضبت و زمجرت و عبست و إغتاظت فقالت: هي حصّلت يا يحيي!!!

زفر بملل وقال: يووووه يا يسر، الواحد مبقاش فاهم دماغك بصراحه ولا عايز إنتي عارفه إيه بالظبط؟!

ثم نظر إليها بهدوء و أردف مصطنع الجديه فقال: طب قوليلي الفلوس قليله؟! تحبي أزودهالك؟!

ثم زم شفتيه باستغراب و قال: مع إني شايف إن المبلغ كويس جداً، دول ألف جنيه و إنتي معملتيش حاجه يعني!

و إبتسم وهو يحك ذقنه قائلاً: ده أي واحده لو جت إتشقلبت هنا مش هتاخد نصهم و هتبوس إيديها وش و ضهر!

إلي هذا الحد و لم تحتمل أكثر فإلتقطت حقيبتها بحدة و هندمت ثيابها سريعاً و خرجت من الغرفه مسرعه بإتجاه الباب لتصفقه خلفها بقوة مما جعل أطفالها يسرعون من غرفتهم إلي غرفة أبيهم ويقولون: في إيه يا بابا؟

نظر إليهم يحيي بأعين مشتعله وقال بصوت حاول أن يكون هادئاً قدر إستطاعته: خد أختك و ادخلوا الاوضه بتاعتكوا و ناموا.

_بس إحنا مش عايزين ننام.....

قاطعه والده صارخاً بعصبيه بالغه وقال: زيااااااد.

علي الفور هرع زياد إلي غرفته مصطحباً أخته و أغلق الباب بخوفٍ شديد وإحتضنها متدثرين بغطاءٍ واحد و ظلا يبكون في صمت.

أمّا هو.... ظلّ يتنفس بقوة وهو يشعر أن الهواء قد نفذ من رئتيه ،يحاول تنظيم أنفاسه المضطربه المتلاحقه بصعوبه، أشد ما يحتاج إليه الآن هو إفراغ غضبه حتي لا يموت غيظاً في التو، ظل يتطلع حوله بشرود حتي إمتدت يده إلي مزهرية صغيره موضوعه بجانب سريره فإلتقطها بقوة و ألقاها بجبروت تجاه المرآه لتسقط أرضاً علي الفور وقد تهشمت و تحولت إلي فتاتٍ منثور يملأ المكان.

_آااااااااااااااااااااه.

صرخ بها يحيي بقوة وهو يشعر بأن قلبه سيقفز خارج صدره من فرط الآلام التي يشعر بها ليكرر صرخاته المقهورة مراراً و تكراراً علٌه يهدأ قليلاً ثم جثا أرضاً علي ركبتيه وقد خارت قواه بالكامل لينفجر باكياً بقوة وقد إعتلي صوت نحيبه، لأول مره يمر بمثل ذلك الموقف أو يشعر مثل ذلك الشعور، إنه حتي لا يستطيع وصف شعوره الآن ليضم ركبتيه إليه و أسند رأسه إلي يديه اللتان تحيطان جسده و إنخرط في بكاءٍ مرير.

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

بتوتر و ضيق و ملامح وجه متجهمه إلي أبعد حد.. كانت يُسر تزرع الغرفه ذهاباً و جيئةً و عقلها ما زال لا يستوعب ما تعرضت له اليوم.

_مااشي يا يحيـي، ورحمة أبويا لأردلك القلم عشرة.

تمتمت بتوعد و غضب لينفرج الباب بقوة و يدخل زوج والدتها يتفحصها بهدوء ثم بسط كفه أمامها وقال: إيدك عالمعلوم.

نظرت إليه بكرهٍ شديد وقالت: بقوللك إيه إنت كمان إخفي من وشي الساعه دي ألا أنا عفاريت الدنيا بتتنطط قدامي.

=هأوأوأووو..لا يا حبيبتي شغل السبع ورقات ده ميمشيش معايا يا روح ماما، إنتي مش كنتي عند طليقك النهارده في شقته؟

إرتفع حاجبيها بتعجب وقالت: إنت مراقبني يا إسماعيل أفندي؟ والله عـال.

=أيوة طبعاً مراقبك و عارف بتروحي فين و تيجي منين، أصل اللي زيك مش مضمون بصراحه، فأنا لازم أكون مأمن نفسي.

طالعته بإحتقار ليقول ببرود: متبصيليش بقرف كده يا سوسو و قِبي بالجنيهات.

صاحت بعصبيه مفرطة: مفيش زفت..يحيي طردني من بيته أصلاً.

قهقه ساخراً وقال: يخص، حد يطرد حتة الجمارة دي، والله راجل دغف ولا بيفهم.

أزادت كلماته من حنقها و ضيقها لتتمتم قائلة: ماشي يا يحيي و ديني لأربيه و هاخد عيالي منه و هحرق قلبه عليهم و أخليه يركع تحت رجليا تاني عشان يشوفهم بس.

_لااا..عيال مين إنتي كمان؟! المشرحه مش ناقصه قتلي يا بنت مراتي و أديكي شايفه، إعقلي كده و سيبي العيال عايشين متبغددين في عز أبوهم بدل ما تجيبيهم هنا يسرحوا مع اخواتك بمناديل في الإشارات.

نظرت إليه بتفكير قليلاً ليستطرد حديثه قائلاً: وبعدين إنتي كلها خمس ست شهور و تتجوزي تاني، قصدي تالت، و ساعتها كده كده العيال هيرجعوا لأبوهم، أديكي شايفه أمك الغلبانه مش ملاحقه علي مصاريف ولا خدمة إخواتك، يبقي تفكري بالعقل كده و متخسريش واحد زي يحيي.

زفرت بقوة ثم قالت:أعمل إيه يعني؟

إقترب منها و وقف إلي جانبها وهو يشير إلي عقلها بإصبعه وقال: تشغلي ده!..الراجل لما بيلاقي الواحده مدلوقه عليه زي الهبله شبهك كده بيركب و يدلدل رجليه و يقول شي كمان، إنما بقا لو لقاها عاشت حياتها و عرفت غيره و رمت طوبته عرق الكرامه ينقح عنده وهو اللي يلف وراها من تاني.

إبتسمت بخبث و مكر قد إلتمعت عيناها بهما ليقول: سيبي الموضوع ده عليا و أنا أرجعلك يحيي الهنداوي خاتم في صباعك..بس ساعتها متنسيش جوز ماما بالحلاوه يا حلو إنت يا حلو.

***********************

عادت غزل إلي بيتها و دخلت غرفتها بهدوء أثار حفيظة والدها و عمتها فقال إبراهيم: مالها دي؟! لما أقوم أشوفها!

إستوقفته صافيه قائلة: لا يا إبراهيم بلاش دلوقتي، هي شكلها راجعه مضايقه سيبها براحتها.

_و إيه اللي مضايقها؟! ليكون صاحب الشغل هو اللي مضايقها...

قاطعته قائلة: لا متقلقش أكيد مش كده، هي ممكن بس مرهقه شويه ولا حاجه، أنا هقوم اشوفها دلوقتي.

***********

دلفت غزل إلي غرفتها محاولة التماسك بكل ما أوتيت من قوة و بمجرد ما إن أغلقت الباب حتي أجهشت في بكاءٍ ضارٍ أعياها و أنهك روحها الهشّه فـ راحت تنتحب بقهرٍ و ذلك المشهد يأبي الفرار من مخيّلتها.

بعجالةٍ..إمتدت يداها تزيل تلك الدموع عن وجهها فوراً عندما إستمعت إلي صوت طرقات الباب فأذنت بالدخول لعمتها و التي تعلم بصوت طرقتها المميزة فقالت:ادخلي يا عمتو.

أدارت صافيه مقبض الباب ببطء و تقدمت للداخل لتجد غزل تقبع فوق فراشها و ملامحها يكسوها الحزن و الأسى فإقتربت منها و جلست إلي جوارها واضعه إحدي يديها علي كتفها وقالت بإهتمام: مالـك يا غزل؟

كإنما كانت غزل تنتظر ذلك السؤال البسيط لتدخل في نوبة بكاء أخري أقوي و أعتي من ذي قبل وقالت بصوت متهدج: رجعلها يا عمتو!

إنزوي كلا حاجبيها و تسائلت: تقصدي مين؟!

_يحيـي رجع لـ يسر!

حملقت بها صافيه بدهشه وقالت: بتهزري! معقول ده؟!

أومأت غزل بتأكيد وقالت: لقيته النهارده جاي و إيديها في إيديه و قاللي تقدري تروّحي إنتي!

هزت صافيه رأسها تباعاً بعدم تصديق وقالت: لأ مستحيل،أنا واثقه إن في حاجه غلط.

إبتسمت غزل بتهكم وقالت: لأ يا عمتو مش مستحيل ،يحيي لسه بيحبها و الدليل إنه رجعها معاه شقته النهارده و كله حماس و فرحه، أنا شوفت كده في عينيه، شوفت فرحه مستخبيه و لهفه بيحاول يداريها مش عارف، و هـي كانت كل نظراتها بتتحداني كإني عدوتها، زي ما تكون بتقوللي أدبيني خدته منك تاني أهو.

ثم تابعت و نظرت لـ صافيه و تسائلت بحزن: هو أنا للدرجه دي يا عمتو باين عليا إني بحبه!

طالعتها صافيه بأسي و إشفاق لتستأنف حديثها وهي تنظر أمامها بشرود وقالت: طب لما هو باين عليا كده، مخدش باله مني ليه؟!

و أكملت بشهقاتٍ متواليه: ده أنا طول عمري جمبه و قدام عنيه، عمره ما فهم يوم إني بحبه، مع إنه لو كان بيفهم كان فِهم إن محدش حبه ولا هيحبه زيـي، أنا اللي عيشت عشانه سنين من عمري من غير ذرة أمل إنه يكون ليا في الأيام، عيشت عشانه و فضلت وفيّه ليه حتي بعد ما قالوا مات، مراته دي عاشت حياتها بالطول والعرض و أنا اللي حزنت عليه من قلبي، حتي لما وافقت و إتجوزت أطيب واحد في الدنيا منعت نفسي عنه عشان مكنتش عارفه أخون يحيي ،مع إني في الحقيقه كنت بخون جوزي لمجرد تفكيري في واحد تاني وأنا علي ذمته!..بس خلاص.

أردفت بالأخيرة وهي تمسح دمعاتها مجدداً وقالت بجدية:خلاص كل الهبل اللي أنا كنت فيه ده لازم أفوق منه، كويس إنه رجعلها أصلاً يشبعوا ببعض.

تصنّعت عدم الإكتراث وهي تنطق بالأخيرة فندرت لها صافيه و قالت: يعني ناوية علي إيه؟

قالت بصرامة: ولا حاجه، مش هروح هناك تاني، مامتهم ترعاهم بقا، حتي لو هـ......

بترت كلمتها عندما إرتفع رنين هاتفها فأجابت: ألو؟

_أيوة يا غـزل، إلحقي إحنا خايفين أوي، بابا بيكسر في الشقه و هييجي يكسر الأوضه بتاعتنا كمان!

كانت تلك كلمات زيـاد الذي ألقاها بخوف و صوت مرتعش لتنهض مسرعة وهي تقول بلهفه: في إيه يا زياد ماله بابا؟

إختفي صوت نشيج الصغير بينما برز صوت تهشيم فوضوي جعل قلبها يسقط أرضاً بهلع و خرجت من غرفتها ملتقطة حقيبتها و أسرعت نحو الباب بهلع متجاهله نداءات والدها المتكررة.

علي الفور أوقفت سيارة أجره و إستقلّتها متوجهه نحو بيت يحيى لتتلقي إتصال من والدها أجابته بسرعة: أيوة يا بابا، معلش أنا آسفه علي اللي حصل.

_في إيه يا غزل إنتي جريتي كده رايحه فين؟

تلعثمت قليلاً ثم قالت:جالي تليفون من الولاد اللي بقعد معاهم بيقولوا إن باباهم بيكسر في الشقه و خايفين يأذيهم.

قال إبراهيم محوقلاً: لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم، طب و إنتي هتعملي لهم إيه يا بنتي ده أبوهم! إرجعي ليعمل فيكي حاجه إنتي كمان.

_أرجع إزاي يا بابا؟! و إفرض عايزين مساعدة!أيوة هنا لو سمحت.

قالت الأخيره وهي تنزل من التاكسي مسرعه وقالت لوالدها: أنا وصلت أهو، بعدين هكلمك.

أنهت المكالمة و صعدت إلي الشقه فوراً و طرقت الباب بحدة طفيفه لينفرج الباب و يظهر من خلفه زياد و الذي يضع يده فوق فمه يكتم صوت بكاؤه حتي لا يستمع إليه أبوه فجثت غزل علي كلتا ركبتيها و إحتضنته بقوة ليقول:أنا خايف يا غزل، و نور كمان بتعيط و خايفه.

ربتت علي وجنتيه بكفيها وقالت: متخافش يا حبيبي إدخل علي أوضتك وأنا معاكوا هنا متخافش

هرول الصغير مسرعاً لغرفته في حين تقدمت غزل بتوتر و وچـل من غرفة يحيـي لتجده يجلس علي الأرض بعشوائيه و بيدهِ سيجارةٍ يبدو أنها قد سبقها كثيراث نظراً إلي تلك المنفضه المكتظه ببقايا السجائر.

وقفت أمام باب الغرفه بقلق، لا تدري هل تتقدم أم تتراجع، و قبل أن تحسم أمرها وجدته ينظر نحوها متعجباً ثم قال:غزل؟! إيـه اللي رجعك تاني!

دلفت إلي الغرفه و إقتربت منه قليلاً ثم وقفت أمامه وقالت: زيـاد كلمني و قاللي إنك بتكسر في الشقه و كان مرعوب.. في إيه؟

قالتها وهي تجوب ببصرها أنحاء الغرفة ثم عادت لتنظر إليه فوجدته شارداً ينظر إلى نقطه وهميه مصمته ويقول:في رُخـص!

قطبت حاجبيها بتعجب وإستفهام بينما إستطرد هو قائلاً: دناوة، جشـع، في قلوب سودا و عنين ميملهاش غير التراب.

تنهدت بـ حيرة و جلست إلي جانبه تستمع إلي ما يقوله بإهتمام لينظر إليها قائلاً: كانت مفكره إني هقبل بيها تاني!

و إنفجر ضاحكاً بهيستيريه تحت نظراتها المندهشه ليقول: هو أنا كان المفروض أرجعها ليا من تاني يا غزل؟!

إلتزمت الصمت و لم تجيب فقال: مهما كنت بحبها ، والله لو الهوا اللي بتنفسه بين إيديها، أهون عندي أموت ولا أعيش مع إنسانه زي دي تاني.

ساد الصمت بعدها لدقائق كان هو قد أخرج سيجارةٍ أخري و همّ بإشعالها قبل أن تنتزعها من بين إصبعيه بغتةً و تلقيها أرضاً بحدة وهي تقول: كفـاية زفت بقا!

نظر إليها متعجباً لتقول: و لما إنت مش عايز ترجعها و لا طايق تشوفها زي ما بتقول كده، كنت جايبها معاك ليه؟!

إعتدل بمجلسه ناظراً إليها بثبات وقال: كنت عايز أشوف نظرة الذل في عنيها مش أكتر!

نظرت إليه بإصغاء ممعن فقال: كنت عايز أنتقم منها علي كل دقيقه ضيعتها ببكي و قلبي محروق عشان أفتكر أنا مين و نفسي أرجع لأهلي.

_و إنتقمت؟!

تسائلت غزل بفضول أقرب منه للتهكـم ليومأ هو موافقاً وقال: عرفتها قيمتها إيه..كرهتها فيا و في نفسها..خليتها بعد كده تفكر مين هو يحيي اللي كانت متجوزاه قبل كده و مين يحيي اللي شافته النهارده.

و أكمل قائلاً: هي السبب!، كل حاجه في حياتي باظت و إتلخبطت بسببها، من أول علاقتي بأمي الله يرحمها اللي كانت دايماً في شد و جذب بسببها لحد ما إتسببت إن بيتنا إتفكك و كل واحد فينا في ناحيه دلوقتي.

ظلت صامته لينظر نحوها و الحزن يطغي علي ملامحه وقال: هو أنا وحش للدرجه دي يا غزل؟! يعني متحبش؟

إنفطر قلبها لرؤيته هكذا و أدمعت عيناها ليعود ويكمل تساؤلاته قائلاً: هو أنا مستاهلش إني أتحب بصدق؟!

_أكيد تستاهل يا يحيي!

أجابته بلهفه وقالت:أكيد تستاهل، بس مش شرط تكون دي بس اللي بتحبك, جايز ربنا زرع حبك في قلب واحده تستاهلك و بتحبك أكتر من دي مليون مرة.

إبتسم ساخراً وقال: لأ كل دي خرافات، إذا كانت عشرة عمري و أم اولادي محبتنيش، مين دي اللي هتحبني؟!

_أآ..أنا يا يحيـي!

نظر إليها يحيي مصدوماً و سرعان ما تحولت صدمته إلي ضحكات متتابعه جعلتها تشعر بأن الدماء ستنفجر من عيناها لينظر هو نحوها ويقول: أنا بتكلم في إيه و إنتي بتتكلمي في إيه يا غزل! أنا أقصد حب من......

لم يكمل حديثه وأشار لها قائلاً: خلاص خلاص إنسي.

قهرت دمعاتها كي لا تسيل و تزيد الأمر سوءً و أومأت بإقتضاب ليقول متسائلاً: إنتي رجعتي تاني إزاي و جوزك سمحلك أصلاً؟

نهضت وقالت بإقتضاب حاد: أنا جوزي متوفي يا يحيي.

نهض سريعاً خلفها وقال بإهتمام متعجب:بجد؟

دون أن تنظر له أكدت بإيماءه من رأسها ثم قالت: الله يرحمه، مات بعد فرحنا بأسبوع.

فرغ فاه من فرط الصدمه و غمغم بحزن و تأثر شديد قائلاً:لا حول ولا قوه الا بالله، ربنا يرحمه يا غزل أنا آسف مكنتش اعرف...

هزت رأسها بهدوء وقالت:حصل خير، أنا همشي بقا بما إني إتطمنت عليكوا، و إدخل هدّي زياد و نور عشان خايفين منك.

مسح وجهه بضيق و أومأ موافقاً فقالت: و يستحسن تنام معاهم في أوضتهم النهارده لحد ما المكان ينضف بكرة.

أومأ قائلاً: بكرة الست اللي بتنضف هتيجي متشغليش دماغك إنتي، بس يا ريت لو أمكن تيجي بدري شويه عشان عايز أنزل بدري و مش هينفع أسيبهم لوحدهم علي ما إنتي تيجي!

بهدوء..وافقته بإيماءه وقالت:إن شاء الله، تصبح على خير.

غادرت الغرفه و المنزل بأكمله و أوقفت تاكسي عائدة به إلي البيت و عقلها لا يزال شارداً يستذكر ما حدث.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي