الفصل الثاني

زمت شفتيها ترفع حاجبها الأيمن ثم تردد مستغربه:بس معاد إيه الى على الصبح كده ياولا فى عز البرد؟!

ضحك حسين ساخرا يردد:هو المواعيد الى زى دى تحلى غير فى البرد يا أمى.

اتسعت أعين قدريه تضربه على رأسه مردده:قصدك ايه يا ولا يا قليل الحيا،اوعى تكون من العيال اللي بيضحكوا على عقول البنات .

جلجلت قهقهاته عاليه يضرب كف بأخر يحاول كبت ضحكاته بصعوبه كى يتحدث.
و بعد فتره استطاع فقال:عقول بنات إيه الى نضحك عليها يا امى،دول يضحكوا على بلد،البت من دول تبقى لافه و دايره ،تطبقك كده و تحطك فى جيبها.

تقدمت قدريه تجلس مقابل منه على الطاوله تضع يدها اسفل ذقنها تتابعه بفضول مردده بذهول:يا سلام؟

حسين بكل تأكيد قال بقوة:ايوه امال ايه ،عارفه يأمى انا نفسى فى ايه؟

قدريه بتفكير و حماس: إيه؟

حسين:الاقيلى بنت كده فى حدود ٣٤-٣٥سنه اربيها على أيدى و اتجوزها.

انتفضت قدريه كمن لسعتها حراره ساخنه تردد:ايه ؟قصدك ١٤-١٥ مش كده؟!

هز حسين رأسه ينفى بشده و قال: لأ زى ما سمعتى كده الجيل القديم الى كان بيستحى ده ،اما دلوقتي البت تبقى١٤سنه تربيك و تربى أهلك كلهم ،و لا العواجيز الأرشنات.

ضربت قدريه كف بأخر تردد: لا حول و لا قوه الا بالله،ده احنا و الله فى آخر الزمان .

مد حسين يده يغمس كسرة خبز فى الفول ثم قال:انتى بتقولى فيها،اى و الله فى آخر الزمان.

صمتا بعدما استمعا لصوت باب المرحاض يفتح و يخرج منه صالح يقول:انت صحيت،منك لله ماعرفتش انام منك طول الليل.

اشاح له حسين بيده يردد:يا الله على موشح كل يوم،ياسيدى هو انت كان حد جه جنبك؟

صالح بجنون:كل ده و ماجتش جنبى عايز تعمل إيه تانى فيا ،طول الليل التليفون تن تن تن تن،و كلام و ضحك و لا كأن فى حلوف نايم معاك فى نفس الاأوضه.

صمت ثوانى أمام ضحكات حسين التى لم يستطع كبتها و أشار له بغضب مرددا: اسمع ياد انت ،تعمل حسابك تنام فى اوضه تانيه أنا مش هتحملك كتير.

حسين: الله اعمل ايه إذا كانت باقى الأوض الدفايات عطلانه فيها و الجو شتا،اموت من البرد يعنى عشان سيادتك ترتاح؟!

صالح: ماليش فيه .

حسين و هو يضيق عينيه:انت اخ انت،مافيش اى حنيه فى قلبك عليا،اهون عليك تنيمنى فى البرد و أحنا فى عز توبه.

صالح: خلاص يبقى تبطل سهوكة كل ليله دى انا تعبت.

حسين بيأس: ماقدرش يا أخويا مش بيدى،دمى بيجرى فيه حب النسوان اعمل ايه،داء بعيد عنك داء.

ضرب صالح بيده على الطاوله وقال: بردو ماليش فيه.

حسين بحماس:طب بقولك ايه،ما الأحسن تتجوز و يبقى ليك شقه خاصه بيك لوحدك ،ايه رأيك،بيت جديد بعفش جديد و لا حد يسألك و لا حد يضايقك.

ضرب صالح على سطح الطاولة بيده بحسم يردد:انسى،ده انت بزنك و تليفوناتك ارحم.

تحرك للداخل سريعاً يقول: أنا رايح اغير هدومى .

فور ما دلف للداخل و اغلق الباب خلفه وقف حسين سريعا يقول لوالدته: انا هلحق انزل دلوقتي قبل ما يخرج و يشوفنى و يقعد يقولى يالا على الشغل و مش يالا على الشغل و بتاع و انا أصلا مش ناقص.

التقط قطعه خيار يقضمها بفهمه ثم ردد لوالدته سريعاً:سلام يا حاجه،اوعى تعملى حركات الأمهات دى و تسلمينى تسليم أهالى و تقولى لابنك و لا لابويا أنا فين و بعمل إيه؟

هزت رأسها بيأس تقول:يابنى استهدى بالله وروح شغلك .

حسين:مانا هرجع عليه هو انا قولت لأ يعنى؟! ماقولتيش و الله بس ساعه لقلبك و ساعه لربك و لا إيه ؟سلام.

هم كى يخرج لكنها نادته مجددا:ياواد الكل قافل دلوقتي رايح فين.

طل من خلف الباب يقول:مانا لسه على ما اوصل اكتوبر ياما.
تحرك سريعاً يغلق الباب خلفه فخرج صالح على صوت الباب المغلق و هو يكمل غلق ازرار قميصه و بعدها يحكم ساعته  الانيقه حول معصم يده ينظر حوله باستغراب ثم سأل:هو خرج و لا ايه؟

حمحمت قدريه بتلعثم،لا تريد الفتنه عليه كما اخبرها خصوصاً و هى على درايه جيده بصالح و عصبيته.

ابتلعت رمقها ثم قالت: لا ده راح يجيبلى عيش.

رفع صالح حاجب واحد و هو ينظر على الطاوله يجد الخبز موضوع عليها و ردد ساخرا: ما العيش أهو يا أمى.

ارتبكت قدريه تجلى حلقها تردد:هااا،ااه ،ده ... ده بايت هو راح يجيبلى عيش صابح.

استجمعت صوتها تردد بخشونه بها القليل من الحسم: و بعدين قصدك ايه؟بتكدبنى يا ولا و لا ايه؟!

اخذ نفس عميق،بالتأكيد هى تكذب و هو يعرف،لكنه لن يستطيع النطق بها أمام والدته.

زفر نفسه بهدوء ثم قال:لا العفو يا أمى و لا أقدر،انا نازل ورايا مشوار قبل الشغل.

صدح صوتها من خلفه ساخراً تردد: الله،مانت مش رايح الشغل اهو ولا هو حلال ليك و حرام على اخوك اكمنه الصغير يعنى؟!

التف بكامل جسده لها يردد بعتاب:انتى شايفانى كده يا أمى،تشكرى...بس انا ورايا مشوار مهم عشان كنت بجدد البطاقه و رايح استلمها النهاردة ،ماينفعش اتأخر عن كده لأنى كل ده ماشى من غيرها، وكنت هخلص سريع سريع وارجع على المعرض على طول.

زمت شفتيها بندم على ما تفوهت به تسب لسانها المتسرع دوما.

وقفت تتقدم حتى أصبحت بجواره تربط على كتفه بصعوبه بسبب فارق الطول الكبير وهى تردد بندم: ماعلش يا حبيبي حقك عليا،هو انا كده على طول لسانى سابقنى،انا عارفه انك طيب وشايل الشغل كله على كتافك .

هزت كتفه بمزاح تقول: اقولك على حاجه،بلاش تروح أصلا النهاردة و كلم صحابك اخرج معاهم شويه.

أبتسم لها يهز رأسه نافياً ثم قال:لا مش هينفع لازم اروح للحاج عشان الحسابات الى ماتقفلتش صح دى،كمان ابنك التانى المتغطى بيه عريان،ماضمنش انه هيرجع على المعرض النهاردة.

مد يده خلف عنقها يجذبه عليها يقبل رأسها ثم ردد: يالا سلام انا بقا ياست الكل.

أبتسمت له برضا وحنان تقول: سلام يا حبيبي،ربنا يسلم طريقك ويبعد عنك ولاد الحرام.

أغلقت الباب خلفه جيدا وذهبت تنظف مائده الطعام ومن بعده البيت كله.

______________________________

خرج الحاج شداد من بيته ليقابله هواء الشارع البارد خصوصاً في تلك الأجواء الشتوية من العام شديدة البروده،فقام بإحكام عباءته الصوفيه ومعها شال اسود حول رقبته يضع يديه فى جيوب عباءته لتعزز تدفئته ورغم كل ما سبق يشعر بالبروده الشديدة بسبب الطقس السيء خصوصاً في الصباح.

ظل يتقدم إلى أن وصل لبداية الشارع الرئيسي على الطريق  ينظر عالياً حيث علقت يافته كبيره تحمل اسمه وإسم معرض الأدوات المنزلية الذى يملكه ويعمل فيه معه اولاده صالح وحسين.

تقدم كى يقم بدس المفتاح فى قفل حديدى ضخم كبير لكنه تعثر فى شئ ما متكوم أمام أحد الأبواب.

اتسعت عيناه برعب وهو يسمع صوت صراخ انثوى قادم من تلك الكومه.

زوى مابين حاجبيه وهو يقترب منها ،لتظهر له فتاه لم يحدد بعد عمرها ولا ملامحها ،لكنها فتاه خصوصا بحجابها هذا الذى على رأسها.

اعتدلت كمن لدغها عقرب تنتفض كصغار الدجاج ان ابتلوا، بالطبع تعلم أنها وتفترش الشارع،مع اول لمسه او همسه بجوارها تنتفض صارخه برعب .

يشق قلبها الألم،تنزف روحها على ما وصلت إليه.

كانت هى المبادره وقد اكل البرد من عظمها تتحدث واصطكاك أسنانها ببعض يظهر مع حديثها وهى تقول بخوف: انا اسفه ماعلش راحت عليا نومه وانا قاعده.

تقدم بروح أب لو لديه فتاه لجعلها ملكة مدلله على عرش الفتيات جميعاً يمد يده لها يقول:انتى مين يابنتى ؟!

كان جسدها كله ينتفض من البرودة،بروده هواء لمساء كامل تشبع به عظم جسدها كله ولم يكن بحوذتها إلا ذلك الشال الخفيف عديم الفائده والذى ساعدها على التكوم به أمام باب المعرض،واستحالت شفتيها الجميله للون الازرق وقد شحب وجهاا  تردد وكل خليه بقها تنتفض بردا ممتزج بالقهر: تمارا.

كان ينظر لها بقلب ملتاع وعطف وإشفاق شديد المدى ثم قال:وايه الى منيم بنت حلوه كده فى الشارع يابنتى باين عليكي بنت ناس.

وضعت وجهها أرضا وحملت حقيبتها الصغيره والتى كانت تتوسدها منذ قليل ثم قالت بقهر : الايام لما بتدور يا حاج،بس ماتقلقش أنا خلاص ماشيه .

همت كى تتحرك،وهو يرى بها فتاه صغيره ،اصغر من حسين ابنه تتحرك وحدها فى الشارع بلا مأوى وإلا ماكنت لتتوسد الارض ابدا.

بقلب اب استوقفها بلهفه يردد: هتروحى على فين يا بنتى ؟ فى حد معين رايحه عليه؟

شعر بالألم و القهر يغزوان قلبها الحزين تخفض رأسها أرضا لم تملك القوة التى تخرج بها صوتها هى فقط هزت رأسها نافيه .

اطبق جفناه بأسى عليها يضرب كف بأخر وهو يردد:لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم،طيب تعالى يابنتى ،تعالى.

ارتجف جسدها بقوه أكثر من ارتجاف البروده ،تنظر له بهلع.

ليله واحده في الشارع وحيده جعلتها تتعرف جيدا على أنواع من البشر بأنياب ذئاب.

وبصعوبة كبيره مرت ليلتها الأولى بستر من الله..لذا كانت تنظر له باتهام واضح منبثق من عيناها.

زم شفتيه بحزن عليها،متفهم نظرتها جيدا فقال:تعالى يابنتى ماتخافيش انا عندى الى زيك و لا يمكن أكبر.

لم تخدع بالطبع رغم الطيب المنبعث من ملامحه ،بالأساس لا ترى أب طيب من بعد معاناة طويلة مع أسرتها.

كأنه يسمع تلك الحرب الطاحنه التى تدور داخلها بلا صوت ،هو فقط تعاقب مشاعر على وجهها المصفر شحوبا بسبب بروده الجو.

مال يفتح أحد الاقفال ثم الثانى وبعزم ما فيه رفع الباب المصنوع من الساج محدثا صوت فزز قلبها .

لم يكن الصوت بتلك القوه التى تخيف اى شخص حتى لو طفل صغير،لكنها مرت بليله سيئة للغايه سبقها أيام من الويل والعذاب عانت فيهم نن من التعنيف الأسرى لأب لا يفهم معنى تلك الكلمه وأم ضعيفه تربت على الصمت والكتمان ،تتحمل دون أى اعتراض فأدى الى تجبر ذلك الفرعون الذى لم يجد من يردعه.

ملاذها الوحيد كان متمثل فى شقيقيها لكن ألقدر دائما يعطيها حظها الوفير.

فالكبير ذهب للتجنيد والأصغر منه و الذى يكبرها بثلاث أعوام يسافر للصعيد مرغما بعدما فشل بتحويل اوراق كليته العليا هذا العام أيضاً بسبب ضعف تقديره للسنه الماضيه .

وأصبحت هى ووالدتها مصب لغضب ذلك الملقب بوالد.

وفى يوم من الايام زاد تعنيفه وضربه لها،لمجرد أنها تأخرت عشر دقائق و هى تبتاع له لفائف التبغ التى يدخنها بشراهه من أحد الأكشاك المجاوره .

ثار وهاج عليها يضربها بكلتا كفيه دون أن يحدد وجهتته اى وجهها ام جسدها كله ،بل وصل به الأمر لأن ذهب يضع سكين المطبخ على شعلة المقود حتى توهجت محمره .

وتوجه لها بكل فظاظه وتجبر وسط صراخ الأم تحاول جاهده ان تحول بينه وبين ابنتها المسكينه والتى ترى ابتلال سروالها وهى كبيره هكذا من شده الرعب.

لم يشفع صراخها ولا توسلها ولا رعب ابنته التي تبكى وتصرخ تتوسله الا يفعل وأنها لن تعيدها ،تقسم بذلك .

لكنه لم يرحمها و لا حتى أشفق عليها ولو قليلا.

لا بل بكل غل ازاح بيده والدتها التى كانت تقف حائل بينهما .

ومد يده بالسكين الساخن يحرق جلد بشرتها وهى تصرخ،تصرخ،تصرخ حتى استدارت حدقيتها ،تشعر بأن روحها قد أزهقت.

عادت للواقع من تلك الذكرى الأخيره المأساويه وليست الحزينه فقط على صوت ذلك الرجل يناديها : تعالى يابنتى ،تعالى متخافيش ،تعالى اقعدى على الكرسى ده بدل البرد.

دلفت للداخل فذهب يشعل الأضواء واتجه الى غلاية كهربائيه للماء وصنع لها كوب ساخن من الشاى .

اعطاه لها قائلا:خدى امسكيه بأديكى الأتنين يدفيكى ،على ما اروح اجيبلك ساندوتشين تفطرى.

بنزعه فطريه بها جاوبت على الفور بعفه:لا شكرا يا حاج انا شبعانه.

زم شفتيه بيأس منها يقول: بس يابت أنا زى ابوكى ،خليكى هنا هجيلك أكل من المحل الى جنبى ،بيعمل طعميه سخنه إنما اييه،الناس بتقف صف كده عربيات قدامه..اشربى شايك على ما أجى.

هزت رأسها تتلفت حولها،لا زالت مروعه لا يمكن ان تأتمن شخص.

كيف تأتمن أحدهم ومنبع أمانها ،والعشق الأول لكل فتاه ألمتمثل بوالدها كان هو منبع الفزع والرعب.

شردت وهى تتذكر حديث صديقاتها ان صوت وضع والدهم لمفاتحه فى قفب الباب هى أجمل واروع صوت.

جذاءه على الباب يعنى السلام،دخوله البيت عليهم وهو عائد من الخارج كدخول العيد.

كل هذا حديث... كلام تسمعه فقط لم تعيشه ،بل بمرور الأيام باتت تستغربه كثيرا .

كيف لهم ام يشعروا هكذا وهى حيال والدها تشعر بالرعب الشديد .

اوصلها لحال أن اصبحت تمقت مكوثه فى البيت،تفرح فرحا بينا لو أتى له موعد مهم او حفل زفاف وسيترك البيت لساعه أو ساعتين.

فوالدها ورغم كل ذلك الرعب وكل تلك الفظاظه معهم داخل البيت كان على النقيض تماماً خارجه.

فهو رجل ذو شعبيه و سمعه جيده جدا بين أفراد قريتهم.

يشارك فى الأفراح والمأتم ،لا يفوته واجب،ضحكته من الأذن للأذن ،بشوش.

وبالبيت رجل اكثر من قاسى ،كأنه لديه انفصام فى الشخصية.

تعرف أنه لم يستطع حبها،قصت عليها خالتها ذات يوم كيف ثار وهاج يوم أن خرجت له تلك السيده السمينه تخبره بخوف أن زوجته هذه المره انجبت فتاه.

وهو من وقف ينتظر متأكد بشده انه صبى ثالث ،بل هو من الأساس لم يأتي بباله فرضية إنجاب فتاه.

ليصدم ويسود وجهه ،ثم مالبث ان صرخ بهم رافضاً للواقع ورافض لتلك الفتاه التى لم يتعدى عمرها ثوانى .

لا بل والأكثر هو ماقصته عليها خالتها مكمله بمرح دعابه بغرض السمر لكنها لم تدرك ذلك الجرح الغائر الذى شق فى قلب ابنتة شقيقتها وهى تستمع لها وهى تكمل أخبارها أنه ظل لأكثر من سبعة أشهر لم ينظر لوجهها حتى.

تخبرها أيضا أنها لم تكن تشبع جيدا من صدر والدتها ،وكان يرفض دائما شراء الللبن المجفف لها ،و لقبها منذ ذلك اليوم بلقب"المفجوعه"  ألتصق بها او لنقل أنه هو من ألصقه بها.

تكاد خالتها تقسم أنه كان متعمد ذلك جدا من شدة بغضة لإنجابه فتاه.

غصة مسننه تجمعت بحلقها ،ترى ذلك الرجل الذي لا تعرفه ولا يعرفها بل هو حتى لا يجمعه بها اى صلة قرابه او صداقة أو حتى جيره ،يأتى من بعيد .... تراه على الناحيه الأخرى من الطريق يلتفت يمينا ويسارا قبل ما يمر من بين السيارات ،يحمل بيده مجموعة لا بأس بها من الشطائر التى تحوى الفول الساخن مع الفلافل .

يتقدم بسرعه ولهفه كأنه يشعر بتلك اللدغات التى تلدغها لها معدتها المسكينة نتيجة الجوع القارص بعد ليله بشعه ،ابشع ليله مرت عليها بحياتها كلها.

شردت تفكر متراجعه ،هل اعتقدت المكوث بالبيت مروع،لا والله ،تقسم بأغلظ الأيمان أن عذاب والدها لو مهما فعل وتمادى فى قساوة قلبه لم تأتى مقدار نقطه ببحر مما عايشته وحدها بالشارع وهى عرضه لأيادى تود العبث بها يميناً ويساراً.

تريد الرجوع بل وترغب لكنها مرعوبه..... بالتأكيد لن تفعل.

من المؤكد أن هروبها اصبح واضح فلقد تركت البيت فجر أمس ،مما لا شك به أنهم اكتشفوا هروبها خصوصاً أنها حاولت اخذ بعض الملابس الخاصه بها فى حقيبه متوسطة الحجم.

تعلم جيدا انهم يريدون قتلها الآن،بمجتمعها الشرقى عموما وفى بلدتها خصوصاً من تهرب فهى خاطيه وعقابها القتل بلا جدال،مهدور حقها ولا حزن عليها أو شفقه ولا حتى رحمه.

أخرجها ثانيه ذلك الرجل من ذلك القاع السحيق و الذى كلما فكرت به غرقت ،يناديها يصوت رزين:خدى يابنتى كلى .

نظرت له بنفس عفيفه ،وكبرياء طعن فى الصميم ،لقد جارت حقا عليها الأيام.

أبتسم لها مشجعا يقول:يابنتى خدى ماتتكسفيش بلاش الحساسية الزايده أنا زى ابوكى.

نظرت له تسبل عيناها ثم تردد بحسم وثقه: لأ انت مش زى أبويا ابدا.

نظر لها مستغرباً ،تبدو هذه الفتاه خلفها قصه كبيره وخلف الحكايه ألف حكايه.

اشار لها على الطعام وردد:طب كلى بس قبل ما الاكل يبرد .

نظر لها بحزن وألم وهو يجدها تقبض على الشطيره تلتهمها كمن لم يأكل لأيام،بدت كطفل صغير طمع فى كل الحلوى و وضعها في فمه كلها كى لا يتشاطرها معه أحد .

ظل ينظر لها بأسى مفكرا، أى شىء كى يوصل فتاه مثلها لما هى عليه.

حاوب أبعاد عينه عنها ينشغل بأى شىء كى لا تشعر به يراقب تلك الفجعه التى تتناول بها طعامها وتتحس منحرجه.

من شدة جوعها التهمت كل الشطائر تتنهد بتهب..شعور الجوع شعور كافر جدا.

مسحت فمها وعلى ما يبدو الأن فقط أدركت ،اتسعت حدقيتها تحرط بؤبؤ عيناها بحركه تدل على صدمتها وحرجها.

ثم أبعدت يدها عن فمها تقول بحرج وقهر: ماعلش أصلى كنت جعانه اوى اوى.
أبتسم الحاج شداد يردد بسماحه وحنان: ألف هنا و شفا.

رفعت وجهها له تردد بسرعه مدافعه: أنا مش مفجوعه والله ،ده أنا عشان بقالى يومين ما اكلتش.

حسنا..باتت تعلم أن والدها قد ربى لديها تلك العقده،فقد بادرت تدافع عن نفسها ...عن لقب غير معروف هنا ،لكنها باتت معروفه هكذا بين كل شخص على وجه الأرض .

كان يراقب تصرفاتها،شيئا فشيئا يتكون له خلفيه بسيطه عن تلك الفتاه ومن اى معاناة خرجت هى .

هل هى يتيمه تركت للتو بيت الأيتام الذى كانت تعيش به.

وقد خرج شعوره من حنجرته على هيئة سؤال: فين اهلك يابنتى..هو انتى يتيمه؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي