الفصل 2

انتبهت لمصدر الصوت فما ان وجدته حتى انهت مكالمتها فى عجاله وقامت تستقبله بفرحه وهى تقول حمزة سيظل كما هو لن يتغير ابدا وفى تلك اللحظة كانت قد اقتربت منه فمدت يدها لتصافحه وبالاخرى توكزه فى كتفه
يضحك هو عاليا ويقول : طبيعى ان اظل انا حمزة كما انا لانك انتى شما كما انتى فان تغيرتى تغيرت انا
شما بابتسامة : وما دخلك انت بى الست بخاطب ؟ والمفروض انك لا تفكر سوى بخطيبتك
حمزة : انتبهى لما تفوهتى به للتو فقد قلتى خاطب ونسيتى انى اصبحت متزوج رغما عنى
شما وقد بدات تاخذ خطواتها نحو مكتبها مرة اخرى : لا تغالط نفسك يا حمزة وكفاك ان تستغفلها بكذبة مغلفة بل صارح نفسك بحقيقة ما فعلت لترتاح وتعش حياتك كما تحب ان تعيشها انت فى الحقيقة لم تتزوج قانونا امام الناس بل انت فى نظر الجميع انت خاطب لابنة عمك ولكن فى الحقيقة فانت قد وقعت فى الخطيئة نتيجة شهوتك فعليك ان تتحمل ما اقترفت وتستر عليها فهى لم تجبرك على الوقوع بها
حمزة بضيق : صدقينى يا شما انها كانت لحظة ضعف منى ومنها
شما : الم اقل لك صارح نفسك اهم من ان تصارح احد ؟ اولا لا يوجد شىء اسمه لحظة ضعف لان هناك شىء اسمه العقل وشىء اخر اسمه القلب وشىء ثالث اسمه الشهوة وثلاثتهم يتحكم فيهم الايمان فان كنت شديد الايمان لحميت نفسك من الزلات والشهوات
وثانيا فلن توجد الشهوة او الخطيئة مادامت لم تتاح فرصة لوجودها فالشيطان لا يتواجد الا فى لحظات الخفاء
اذن من البداية انت وهى كنتما فى وضع يسمح لكما بما فعلتماه وشهوتك لم تكن لتتحرك الا عندما تحركت مشاعرك وغريزتك نحوها فاشتهيتها فلما الان تنكر صدق علاقتكما فى هذه اللحظات
ثالثا ايا كان كلامك او وصفك للموقف فلا يفيد شىء فالخطأ قد وقع ولابد من اصلاحه وعليك اعلان زواجك منها
حمزة بضيق : ولكنى حقا لا احبها انا فقط اضطررت لخطبتها نتيجة اجبار ابى عليها ثم انها اكبر منى
شما بضيق : ولما يجبرك اباك على هذا الست برجلا كاملا وله رايه ؟
حمزة : ارجوك يا شما لا تحقرى منى اكثر من هذا
شما : لا عليك يا حمزة من وهذا واعتذر لانى لم اقصد اى اهانة لك فلنغير الموضوع برمته
حمزة : صدقينى يا شما انا احبك وكنت اتمنى ان يجمعنى بك بيت واحد وانتى ترفضين ان تكونى زوجة ثانية
هنا اطلقت شما ضحكة ساخرة على حالها وقالت باستهزاء على نفسها : لن اكون زوجة ثانية واكسر قلب امراة ثم انك فيما يبدو انك نسيت اننى انا الاخرى متزوجة
فى الحقيقة شما كانت ابنة مدللة لام واب طيبين القلب ولكنهما قد توفاهما الله وتركاها وحيدة واخيها الصغير ادم فى دنياهما فاضطرا للذهاب للعيش فى بيت عمهما حيث كان يعيش معهما جدهما لابيهما
كان جدها هذا يعيش معها فى بيت ابيها ولكن بعد وفاه والديها اثر حادث لم تستطع ان ترعاه بمفردها حيث انه كان مسن ويحتاج الى رعاية وهى كانت فى الثانوية العامة وتحتاج الى تركيز والى من يرعاها هى واخيها
ومع مرور الايام اجبرها عمها على الزواج من ابنه لاجل ضم ثروتها الى ثروته فتزوجت وهى لاتزال طالبة فى الجامعة
ثم مات عمها وتجبر ابن عمها عليها وضاقت بها حياتها معه فقررت ان تطلب الطلاق لكنه رفض ولانه رجل اعمال وذى صيت فعلمت انه الفائز فى النهاية فتحملت حتى انجبت الا ان وليدها قد توفى وهو فى مهده مما زاد العلاقة بينهما الى الاسوء حيث انه لم يتحملها عندما تعبت نفسيا وفى النهاية قررت ان تتركه فسمح لها ان تعود الى بيتها القديم بصحبة جدها الا انه اصر على عدم الطلاق خوفا من الاشاعات التى قد تصيب مركزه
اما هى فرضت بهذا لانها فى نفسها كانت تعلم ان مجرد اسمه مرافقا لاسمها فهو على اية حال حصانه لها من الدنيا
الا انها قابلت حمزة وتوطدت علاقتهما التى بدات بصداقها حميمة ولكنها انقلبت لحب من طرف حمزة
اما من طرفها هى فهى فى الحقيقة رغبت فيه ولكنها لم ترد ان تتمسك بخيوط هى تعلم جيدا انها متهالكة وانه لا محالة سيتزوج من ابنة عمه
.............................
كانت قد شردت فى ماضيها حتى انتبهت على مداعبة خفيفة فى مقدمة انفها فابتسمت بعذوبة وقالت : هل تتذكر كيف بدات علاقتنا
صمت حمزة قليلا ثم انفجر ضاحكا وقال : يا له من يوم فوالله لم يمر علي حتى الان يوما افضل منه واظن انه لن يمر حتى اخر يوم فى عمرى فشما التى عرفتها هى شما واحدة ليس لها مثيل فكيف اظن ان مثل هذا اليوم سيتكرر
شردت شما مرة اخرى ولكن رافقها الشرود هذه المرة حمزة فاخذا يتذكرا كيف كان لقاءهما الاول
شما وهى تخطو لداخل مطعم فخم هادىء وما ان استقرت قدميها داخله حتى وقعت عينا حمزة عليها وكان جالسا بمفرده يحتسى كوبا من القهوة وما ان راها الا ولاحظ انها تقضب حاجبيها وكانها تتمثل الشراسة ولاحظ ان صدرها يعلو ويهبط بشكل ملحوظ ففهم انها متوترة وفجاة وجدها تسرع الخطى نحوه هو بالذات فتعجب فى داخله وسال نفسه : ماذا تريد منى هذه الفتاه ؟ وفى اقل من لحظة وجدها تقف امامه وتجذبه من ياقة قميصه وتنهمر عليه بالسباب وتقول : اياك ان تفكر ان تلك المسكينة ستدفع ثمن ذلتها وحدها بل اقسم لك انى ساخذ حقها بكل ما اوتيت من قوة وسافضحك حتى تعترف انك والد طفلها وليكن فى علمك سارفع لها اثبات نسب وستكسب قضيتها وانت تعلم و...
هنا توقفت الكلمات فى حلقها وابتلعت بقية كلماتها وهى تنظر لذاك الهادىء الملامح الذى لم يهتز من فعلتها وكل ما فعله انه امسك بقبضتها المتشبثة بياقته بقوة حتى كادت قبضته تعتصر كامل كفها وقال : ابحثى جيدا عمن تريدينه بدلا من تهجمك على اناس لا تعرفينهم
هنا اهتزت قبضتها وجحظت عيناها ومع ذلك قضبت حاجبيها تعبيرا عن المها من قوة قبضته
شعر بها حمزة فخفف من قوته وقال بنفس الثبات : لست انا من تريدين
بدات تتلعثم فى الكلمات ولكن العجيب لم يكن فى تلعثمها بل العجيب كان فيما نطقته فقد سالته : هل رايتنى قوية حقا وشجاعة وجريئة ؟
تعجب هو من سؤالها الذى لم يفهمه وهز كتفيه بمعنى لا افهم ما تقصدين
سحبت كفها الذى كان لازال فى قبضته وجلست امامه وقالت برجاء وكانها ترجوه ان يقول لها نعم قد خشيت من جراتك : اجبنى بالله عليك هل كنت قوية لاخيفه حقا فافوز بما جئت لاجله ؟
اشار اليها لتجلس امامه ليفهم معنى كلماتها فجلست دون اعتذار او تردد وكررت عليه السؤال فابتسم هو لانه فهم انها تحاول تصنع القوة عكس ما بداخلها فسالها وهويبتسم : نعم كنت جبارة لدرجة انى خشيت ان تقضمينى باسنانك
لم تبتسم له بل فتحت حقيبتها واخرجت هاتفها وقالت هل لك ان تساعدنى وتسجل مقابلتى بعد لحظات مع الشخص المقصود ؟
فمد يده واخذ منها الهاتف ثم رده لها ثانية وقال : على ان افهم اولا الموضوع لاقرر ان كنت ساوافق ام لا
ردت عليه بسرعة دون ان تنتظر لانها كانت تريد مساعدته حقا وقالت : لى صديقة قد غرر بها انسان لا يمت للرجولة بشىء وراودها عن نفسها بدافع الحب ولما نال منها انكرها وهى الان حامل وعلى وشك ان تضع جنينها وقد تسبب هذا فى انها تركت بيت اهلها خوفا من قتلها فاويتها فى بيتى وها انا الان اريد منه ان يعترف بما فعله
ظهر الضيق على ملامح حمزة من هذا الجبان ووافق على مساعدتها
ابتسمت وشكرته وابتعدت عن طاولته وجلست بالقرب منه وقد اتفق معها حمزة انه سيصور المشهد من هاتفه ثم يرسله لها
وما هى الا لحظات حتى دلف الشخص المقصود من الباب وتكرر المشهد معه وحمزة يصور
الرجل : نعم انا راودتها ولكنها هى من ساعدتنى فان حرصت النساء وعفت لم يقع الرجال فى الخطيئة ولكنى لن اعترف بمولود جاء الدنيا عن طريق الزنا بل عليها ان تتحمل هى نتيجة فسقها
هنا اشتاط حمزة اكثر مما كان يتوقع من نفسه ولم يسجل بقية اللقاء بل قام من مكانه وامسك الرجل من ياقته بقوة وقال له : ايها السافل الحقير يؤسفنى انى لوثت يدى لانها قبضت على امثالك ولكن والله لن اتركك الا وقد عقدت عليها فى التو
قام الرجل مفزوعا ولكنه تظاهر بالقوة وقال : من انت ؟
حمزة : انا العقرب
هنا انتفض الرجل وانتفضت شما فكلاهما كانا لا يعرفا من هو العقرب وما هى هويته ولكن ملامح حمزة وجديته كانت توحى ان هذا العقرب يعنى شىء له شأن
تعجب الرجل من ثقة حمزة فى حديثه فلم يتطرق الى ذهنه انه من الجائز ان يكون كاذبا فقال بتلعثم : سافعل ما تريده سيدى ولكن لا تؤذينى
حمزة شعر انه قد اصاب الهدف وانتشى انه استعار اسم ابن عمه وصديق عمره وقال له ان اردت ان تعرف من هو العقرب فهيا بنا لمبنى المخابرات الحربية لتعرف من هو
ارتعدت اوصال الرجل بعد سماع كلمة المخابرات وانتهى الموقف برمته خلال لحظات وتم الزواج ومن يومها وحمزة وشما اصدقاء وقد اعترف لها فيما بعد عن الحقيقة وقال لها ان العقرب هذا عقيد فى المخابرات الحربية وابن عمه ولكنه لم يذكر لها اسمه كامل بل ذكر صفاته كاملة
عادا كليهما الى الواقع وعاد يقول حمزة بالم : لقد فعلت ما فعل ولكنى لم اتنكر منها بل اعترفت بذنبى وتزوجتها عرفيا لحين عودة اخيها
شما : لا احب ان اسمع سيرة اخيها هذا فما ذكرته الا وانتابنى الرعب رغم انى لا اعرفه ولا اود ان اعرفه يوما
ضحك حمزة عاليا وقال : والله يوسف اطيب قلب ولكن قسوته لم تاتى من فراغ
شما : لم تكن القسوة دوما الا طباع
حمزة : اختلف معك فقد تكون القسوة اكتساب من طبيعة عاشها الانسان او من ماضى عاشه او لتغليف ضعفه فيستخدم القوة او من الجائز ايضا يلجا اليها الانسان ليقمع حنانه الشديد او قد يلجا اليها للانتقام من احد وهذه اشد انواع القسوة
اومات شما بنعم ووافقته الراى
حمزة وهو ينظر فى ساعته : ما رايك فى وجبة غداء شهية فانا جائع ؟
شما : لا اذهب لفريدة فقد هاتفتنى للتو وقالت انها تنتظرك
حمزة وقد اخذ نفس عميق : اعتقد ان فريدة تشك فى انى اميل بقلبى نحوك واتعجب كيف لها هذا الاحساس؟ وكيف تغار منك كل تلك الغيرة على الرغم من ان ما بينكم لا يتعدى مكالمات هاتفية فقط ؟
شما : اهتمت بالجزء الاول من عبارته وردت عليها قائلة من فضلك يا حمزة قلت لك اطرق تلك الفكرة ودعنا اصدقاء فانا لا احب الخيانة
عاد واخذ نفس عميق وقال : اعتذر منك ولكنى اعتدت ان اتكلم بكل صراحة معك حتى وان كنت ارهق نفسى بالعتاب على نفسى لانى انا السبب فى عدم الفوز بك
قطع حديثه صوت رنين هاتفه وما ان قرا اسم المتصل حتى رد بسرعة : ها انت ايها الكريم قد عدت اخيرا بعد ثلاثة اشهر
الصوت الاخر : عدت لاهزمك فى الرماية ايها الجاهل هههه
..........
عادت شما لبيتها ولم يذهب من مخيلتها حديث قد قاله حمزة اعاد اليها ذكرياتها
حمزة : ما تلك الصورة التى تعتزين بها كخلفية لهاتفك ؟
شما : هه الة الهارب انا من اول العازفين عليها حيث انه فى مصر لا نتعد التسع فتايات المتمكنين فى العزف عليها
حمزة وما اعجبك فيها ؟
شما : هذه اله اجدادنا الفراعنة وكانوا يستخدمونها فى حفلاتهم ولعلك ترى رسمها منقوش على جدار الغرف الملكية
حمزة وهو يسخر منها : ولكنها الة كبيرة الحجم على فتاة رقيقة الجسد والقامة
شما : ههه صحح الفاظك تقصد قصيرة القامة ولكنك لم ترد احراجى
حمزة ههه ولكنك لستى بقصيرة بل على العكس انتى فارعة الطول ولكن الالة هى الكبيرة الحجم عليك وحتى علي ثم اكمل قائلا هل لى ان افوز بسماع مقطوعة منها ولم يتركها حتى اسمعته مقطوعة مسجلة على هاتفها وما ان انتهت الا وقالت هذه احزن الحانى عزفتها وانا فى قمة اوجاعى ولهذا خرجت جميلة لانها خرجت من بين اوجاع حقيقية
نفضت عن نفسها تذكرها لهذا الحديث وعادت لواقعها واول ما دلفت من الباب وضعت ما بيدها من اكياس على طاولة صغيرة جوار الباب ونادت على صديقتها جميلة ...جميلة
سمعت صوتها فاتتها وكانت جميلة فتاه حقا غاية فى الجمال ولكنها للاسف سجينة كرسى متحرك تبلغ من العمر الرابع والثلاثون وغير متزوجة
جميلة وهى تحرك كرسيها والابتسامة الهادئة مرسومة على ملامحها البريئة : اهلا شما كيف حالك وحال يومك ؟ لعلك رزقتى رضاه ؟
مالت نحوها شما وقبلت راسها وهى مبتسمة وقالت : لقد رزقت رزق لا يضاهيه احد فقد رزقنى الله بك يا جميلة وهل هناك اجمل منك رزق ؟
ربتت جميلة على يدها وقالت : ربى يديمك نعمة لنا
اتت على اثر صوتهم فتاه اخرى وبيدها منشفة تجفف وجهها فقد كانت لتوها انهت حمامها
سماح : اتركى لى قليل من هذا الحب يا جميلة
ضحكت شما وفتحت لها ذراعيها وقالت : كل الحب لاختى وابنتى الصغيرة ولا تحزنى
ارتمت سماح فى صدرها
سماح فتاه صغيرة تبلغ من العمر العشرون عاما ولكنها دوما متسامحة ومتصالحة مع حالها ولم تخجل بكونها تركت تعليمها جبرا لكى تساعد امها فى تربية اخواتها الاصغر منها بعد وفاه ابيها وامها سيدة ريفية ليس لديها خبرة باى شىء
سماح اتت الى الاسكندرية لعلها تجد اى فرصة عمل وبالفعل وجدت فرصة كخادمة لسيدة مريضة وتعرفت بالصدفة على شما عندما وجدتها فى فيلا تلك السيدة العجوز عندما كانت تتفق معها على اقامة حفلة فاخرة احتفالا بعيد زواج ابنها الكابتن انس وقصت على شما حكايتها وانها ليس لديها مأوى سوى هذه الفيلا فكانت تبيت مع العجوز ولكن شما استضافتها فى بيتها وجعلت الفيلا مكان عملها فقط
وفى المساء كالعادة انفتحت كل غرف البيت وتشاركن من فيه الحديث فمنهم من حكى عن يومه ومنهم من حكى عن المه او ما عاناه
ولكن جميعهن كن يعتبرن شما هى المحور لهن

.............
عند حمزة
دلف لتوه للفيلا بعدما انهى لقائه مع شما وما ان دخل حتى نادته فريدة خطيبته او زوجته بحكم اعترافه لها :
اهلا حمزة كيف حالك وحال شما ؟
حمزة بضيق: ومن ادراك انى كنت مع شما ؟
ابتسمت فريدة ابتسامة حزينة وقالت : وهل لك اى صديقة اخرى تلجا اليها غيرها ؟
تجهم وجهه وزفر انفاسه بضيق ولكنه لم يرد
اقتربت فريدة منه وقالت بخوف : لقد اتى يوسف منذ ساعة وانا من وقتها اتحاشى ان اظل امام عينيه ملياً حتى لا ينكشف امرى فانت تعلم مثلى كم هى نظرات يوسف حادة وكم هو اجش ليس فى صوته فقط بل فى طباعه وعلى الرغم من انى انا الاكبر منه سنا وانى اقرب الناس اليه الا انى اهابه ربما لانى اعلم ان خطيئتى تكسرنى
حمزة : ارجوك يا فريدة ابتلعى هذه الكلمات فانا لست فى حاجة لان تذكرينى بها وان كنت تشعرين بالدونية لانك خونتى ثقته فيكى فانا اكثر منك فالرجل عندما يضع ثقته فى صديقه فصدمته فيه تكون عنيفة اما انتى ففى الاول والاخر انتى شقيقته
هنا قطع حديثهم صوت يوسف وصوت تكسير زجاج فتشبثت فريدة فى ذراع حمزة وقالت : يا الهى انه اصطدم باخيه وعرف انه لم ينتهى بعد عن شرب تلك الخمور
ابعدها حمزة عنه بسرعة وركض نحو الدرج واخذ يصعده بسرعة بينما اختفت فريده وانزوت فى غرفتها
اخيرا وصل حمزة نحو غرفة يونس ودخل عليهما
يونس هو شقيق يوسف الكبير وعلى الرغم من كبر سنه الا ان الكل يعتبر أن يوسف هو كبيرهم
..........
يوسف شاب ناضج يبلغ من العمر السابعة والثلاثون يعمل رائد فى المخابرات الحربية
يعمل فى القوات الخاصة بالفرقة 999 التابعة للمخابرات الحربية وكان من الطبيعى ان يتسم جسده وفقا لشروط القبول فى هذه الفرقة ان يكون قوى البنية وطويل القامة هذا هو مظهره الخارجى المحسوس الا انه يتسم بصفات اخرى فهو حاد النظرات من يراها لا يرى فيها الا القسوة والصلابة ولكن لم يرى احد الصفات الاخرى المتوارية خلف تلك النظرات
يكرهه من يتعامل معه فى العموم لانه رغم عصبيته الا انه يبدوا كما لو كان جبل من الجليد امام من لا يعرفه لان عصبيته تلك لم تظهر قط الا على من يحبهم لانه لا يخرجها الا ان غضب عليهم لفرط خوفه عليهم
والغريب انه لا يغضب ولا يتعصب من احد منهم ان كان الخطا منهم فى حقه فهو شديد التحمل على نفسه
يتميز يوسف بلون بشرة سمراء فقد لفحته الشمس اياماً وسنوات منذ صغره حتى تدريباته وعملياته التى يقوم بها
كذلك فاهم ما يميزه هو صمته الدائم حيث ان لتربيته اثر فيها واكدتها طبيعة عمله
اما اخيه يونس فيبلغ من العمر التاسعة والثلاثون ولكنه مدمن خمور حد الموت ولم يدخل طريق الادمان بالصدفة الا انه دخله هروبا ومضطرا من قسوة معاملة ابيه
..............
حمزة وهو يزيح يوسف عن يونس : مهلا يا يوسف ليس المنع هكذا بالتعدى
افلت يوسف نفسه بكل سهولة من بين ذراعى حمزة وقال بعصبية : كيف ابعده اذن يا حمزة فقد منعته بكل الوسائل وهو لم يكف وكانه ينتقم منى لانى امنعه فيدمنها اكثر
حمزة : اهدا يا يوسف لا يكون المنع عن ادمان اى شىء الا بطريقتين اما الاحتواء للمدمن حتى يمر من فترة الاحتياج او بالرغبة الداخلية من المدمن نفسه ولكن الجبر دوما ياتى بنتيجة عكسية
يوسف وهو يلوح بيديه لاخيه يونس الذى استسلم لدموعه وكانه يقول لاخيه لقد خذلتك فى ثقتك : وما الذى يمنع رغبتك فى تركها الم ترى الى اى حال وصلت صحتك ؟
يونس ببكاء رجل يتالم الم السنين : قلت لك اليك عنى فلما تهتم لامرى ؟ انا اقبل عليها برغبة فهى الوحيدة التى تطاوعنى وتذهب بعقلى بعيدا عن تذكر اى شىء حتى انسى الم الايام
صمت قليلا ثم قام من مكانه وقال بكل عصبية : ابتعد عنى يا يوسف واياك ان تحرمنى عن لذتى الوحيدة مرة اخرى فوالله وكانك صرت مثله تنتقم منى فى شىء لا اعرفه
هنا مد يونس يده ليجذب شقيقه من ياقة حلته الرسمية واخذ يهزه او انه اعتقد انه استطاع ان يهز هذا الجبل من مكانه وفى الحقيقة فكانت قبضته كما لو كانت ريشة احتكت بجبل صامد فلم يتحرك يوسف انش من مكانه بل على العكس تحكم هو فى قبضة اخيه واعتصرها لكى يفيق لما هو فيه وينظر لحاله
يونسقال بصوت مهزوز نتيجة سكره او ربما صوته كان مهزوزاً من شدة الم قبضه يوسف عليه : ساشرب واشرب حتى الممات فان كانت لحياتى معنى لكنت اول واحد يلقى بتلك الزجاجات ولكن ليس لحياتى معنى فاهرب منها بتلك الخمور
يوسف بعصبية وقد افلت يد اخيه عنه : انا لست بابيك لانتقم منك بل هو من انتقم منك ومنى ولكنى لم استسلم لعنفه ولم استسلم لنزواتك وهذا هو الفرق بينى وبينك
يونس وهو يستند على حمزة الذى بدوره ساعده للجلوس : منال لم تكن نزوة فى حياتى بل كانت حبيبتى
يوسف وقد مال نحو اخيه وبعينان حادتان : ولكنها ماتت .. ماتت هل ستظل هكذا تبكى على اطلالها ؟ الم تنظر لنفسك وتفهم انه قد حان الوقت لنبحث عن منزل مستقل لنا ؟ ام سنظل هنا فى منزل عمك ؟ ليس لدى المقدرة ان امكث هنا طويلا لاشرف على بناء بيت بل كنت اعتمد عليك فى هذا ولكنك خذلتنى
حمزة : ما هذا الكلام يا يوسف ؟ بيت عمك هو بيتك ثم انك غير مقيم فى بيت عمك بل انت مقيم فى بيت زوجتك وهى شريكة لى ولامى فى هذا البيت
نظر له يوسف بضيق وقال : افهمنى يا حمزة انا افهم صدق مشاعرك لانى افهم جيدا صدق اخوتنا ولكنى لا افتأ اذكر يوم ان تركنا الملقب بابى دون اى نقود نقتات منها او نتعلم منها ولولا عمى ساعدنا واتى بنا الى هنا لكنا فى حال غير الحال ولكن من حقنا ان نعيش بكرامة فى اية حال
حمزة : تتكلم هكذا وكانك طيلة الايام معنا ونحن فى الحقيقة لا نراك الا بضع ساعات فى الشهر او ربما فى الشهور وتتكلم عن الكرامة وكانك كرامتك تهان فى بيت عمك
هنا رد يونس وهويكفكف دموعه : يوسف عنده حق يا حمزة فان لم يتواجد هو كثيرا فانا مقيم دائم وزوجته ايضا من حقها ان تشعر بقيمتها وان زوجها وفر لها مسكن خاص بها ثم انك اجبت على سؤالك بنفسك وقولت بيت عمك اى ليس بيتنا مهما كان بيننا من صلة نسب او دم او عصب فالوصف هو الوصف
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي