الفصل 4

اخذ يوسف نفس عميق ولم يتحدث بينما اكمل حمزة : خطا ابى انه اعتقد ان اى انثى اكبر من زوجها فهى حتما ستحتويه وتجعله عاشقا لها مثلما كان الحال بينه وبين امى خاصة عندما خاض تجربته الفاشلة مع زوجته الاولى
يوسف : عمى تزوج من زوجته الاولى وكان لها عاشقا ولكن الحب لم يستطع ان يفعل المعجزات بينهما حتى انه فشل فى ابقاء الزواج بينهما وكاد ان يطلقها الا ان والدتك كان لها اثر فى المحافظة على هذا البيت الاول وعلى الرغم ان عمى كان كان لا يعتبره زواجه من والدتك زواج بالمعنى العام بقدر ما كان يعتبر انه مجرد اتيان انثى لتلد من يرثه او انثى تقوم بحاجياته اليومية من غسل وطعام وخلافه او كرد اعتبار لانسانة ربما ظلمها فى البداية فحاول تعويضها ولهذا فلم يهتم بسن او جمال او مال ولكن كانت المفاجاة اذ ان والدتك استطاعت ان تجعله عاشقا لها وجعلته يرى الحياة بمنظور اخر حتى اتيت انت لتزيد فرحته
ولهذا اعتقد عمى انه كلما كبرت المراة نضج عقلها واستطاعت ان تحتوى زوجها وتبنى بيتا سعيدا فارغمك بناءً عليه على الزواج من فريدة اختى
حمزة : من هذا المنطلق اتحدث معك باريحية لانى اعرف انك مثلى وان بقلبك حب قديم ودفين
هنا يوسف قد عاد فى غمضة عين لملامح وجهه القاسى وبدا يفرد اكتافه ويستعيد شخصية العقرب
حمزة وقد انزعج حقا : مهلا يا يوسف فلما تحولت هكذا انا فقط اتحدث معك وكانى افهمك وبصدق فلما تحولت هكذا اولا اكذبك خبرا ؟
فى الحقيقة بدت ملامحك الهادئة منذ لحظات هى الملامح الغريبة عليك وان ملامحك الحقيقية هى التى اراها الان
يوسف وقد بدا يتذكر الماضى لانه حقا قد تبدلت ملامحه للقسوة منذ ان فارقها وابتسامته تلك جعلت ملامحه الهادئة تعود مرة اخرى فى لحظات وكانه حقا شخص يتحول بين اللحظة واخرى وهذا ما ساعد حمزة ان يعيد كلماته وهذه المرة ابتسم يوسف وقال : لم اعرف ان كنت احبها ام انى ادمنتها ولكن الشىء الوحيد الذى تاكدت منه انى منذ ان تركتها وانا اعيش بشخصية غير شخصيتى فهى الوحيدة التى تركت معها نسختى الاصلية
واثناء ما كان يتحدث كان قد اقترب من شجرة الياسمين فوجد غصن منها شارف ان ينفصل عن الساق لذبوله ففزع وانهال على حمزة بالتعنيف وكانه تحول للمرة الثانية لملامح العقرب
حمزة بتعجب : مهلا يا يوسف فهى كأى شجرة تنضج يوما وتطرح زهورها يوما وايضا معرضة ان تموت فى يوم ثالث فما سبب كل تلك العصبية ؟
يوسف وهو ينزع الغصن برفق : الا هذه الشجرة يا حمزة الا هذه فلما اهملتها وانت تعرف قدرها عندى ؟
حمزة : ليس هناك اهمال ولكنه عمر الغصن يا يوسف
اخذ نفس عميق بضيق وقال : لقد زرعتها بغصن وبذرة اخذتهم من شجرتها وعاهدتها ان ارعاه
حمزة : من هى ؟
كاد يوسف ان ينطق اسمها ولكنه قال : لا احب ان ينطق اسمها او يردد على لسان احداً غيرى
حمزة : هراء هذا ام استخفاف بعقلى ؟ فهل يعقل انها لم تنادى من احد ؟
يوسف : بالطبع لا فبالتاكيد تنادى فى اليوم الواحد الاف المرات ولكنى اغار ان ينطق اسمها من احد وانا لست بجوارها او بمعنى ادق ربما نطق اسمها يشعرنى بالحسرة على ضياعها منى
حمزة : لما ضاعت منك مادمت كنت تحبها ومن كلامك قد فهمت انها ايضا كانت تحبك ؟
يوسف وهو ينظر لغصن الياسمين الذى بين يديه : كنت اسميها الياسمينة لانها كانت تحب الياسمين وانا مثلها
ثم نظر الى حمزة وبدا يسرد عليه قصته وكانما وجد التلذذ فى ذكرها ولكنه قبل ان يتحدث اخذ يهمس الى نفسه الا ان شروده جعله لا يشعر ان همهمته كانت تعلو وتهبط فكان حمزة يسمع بعض عباراته تارة وتاره اخرى لا يفهم اى حرف الا ان تنبه ان ما يشعر به يوسف اكبر من ان يستطع هو نفسه ان يصفه
هى ملاكى
هى ملاك فى ثوب انثى يهيم بها اى انسان تعشق من نظرة واحدة حتى لو كان قلبك اقوى الصلبان وان وصفتها فلا يكفينى فى وصفها قرونا وقرونا من الزمان
الان المح وجهها فى عينى كما كنت اراه دوما كقرص الشمس فان غابت ساد على الدنيا الظلام او مثل البدر فى ليلة يتلألأ فيها فيضىء الكون حباً وحناناً
عاد الى حمزة يكلمه بجدية بصووت مسموع قائلاً : كان ابى الذى هو عمك رجل قاسى القلب بل متحجره فكانت حياتنا جحيم كلها قسوة وضرب لا نعرف للين والرفق اى طريق ولا نعرف للهدوء معنى فان وطأت اقدام ابى ارض البيت علا الصياح وان خرج منه علا البكاء والنحيب
كنت لا ارتاح الا وانا معها فهى الوحيدة التى كنت لا اخجل من كشف ضعفى امامها والغريب انها كانت على العكس منى تماما وربما اتت الحكمة فى قوة ارتباطى بها لانها كانت تكملنى
هنا صمت للحظات وعاد يقول كانه ينصح حمزة : تعرف يا حمزة ان اردت ان تحب فاختار من تشبهك وكانك ترى نفسك امام مراة وفى ذات الوقت اختار من تتنافر معك
قضب حمزة حاجبيه وقال ما هذا التناقد فى التعبير ؟ كيف انجذب لانسانة تتنافر معى ؟ ومعنى التنافر انها عكسى فى اى شىء فاين يكمن الحب هنا ؟
يوسف : لا تفهم الكلمات بسطحية فمثلا القاعدة العلمية تقول ان كل متشابهان متنافران وكل متضادان متجاذبان والمعنى ليس التضاد فى اصل الشىء بل فى احد طرفيه بمعنى اختار من تشبهك فى طباعك واخلاقك ومستواك المادى والدينى حتى ان جلست معها تشعر ان ملامحها لا تتركك الا وبهتت عليك والعكس بالعكس صحيح وفى المقابل اختارها تتنافر معك فى بعض الاشياء لتكملك اى ان كنت عصبى فتكتسب منها الهدوء وتقوى العلاقة فتحتويك اما ان تشابهت معك فى كل شىء فاين التكامل اذاً ؟ واصعب علاقة وافشلها هو تعامل الانسان مع اخر يعامله بنفس اسلوبه
هنا جحظت عينا حمزة مما جعل يوسف يتوقف عن الحديث
حمزة : لا اصدق ان الواقف امامى هذا والذى يتحدث عن الحب هو نفسه العقرب التى تريده اسرائيل حيا او ميتا
يوسف : لهذه الصفة ابتعدت عنها
قطع حديثهما رنين هاتف حمزة الا ان الصدمة لم تكن فى قطع حديثهما ولكن فى نغمة رنين هاتف حمزة وانتظر حتى ينهى مكالمته ثم ساله : من اين اتيت بتلك النغمة الخاصة بالة الهارب ؟
حمزة وهل تعرفها ؟
يوسف : بل انا لم اعرق غيرها
حمزة بعدم فهم : فى الحقيقة انا لم اعرف عنها اى شىء سوى انها من الات الفراعنة وانها كبيرة الحجم
رد عليه يوسف : ومن يعزفها من الفتايات لا يتعدين التسعة
كاد ان يكمل كلامه فقد ذكرته النغمة بعزف شما الا انه سمع يونس اخيه يقف من شرفة غرفته وهو يرتعد الاوصال وجسده كما لو كان مخدرا ويداه ترتجف بقوة وساقيه تتخبط ببعضها حتى ان لعابه قد سال من فمه دون القدرة على السيطرة على نفسه واخذ يبكى ويسترضى يوسف ان يرضى عنه ويعطيه ولو كأسا صغيرا من الخمر حتى يسترد شيئاً من قوته ليستطيع على الاقل ان ينام
يوسف وقد عاد لوجه العقرب واختفى من امام حمزة فى لمح البصر وركض نحو اخيه
تنبه حمزة لعدم وجود يوسف فتوقع القادم فركض هو الاخر بسرعة نحو غرفة يونس
............
اوقفت شما سيارتها وكانت سماح بجوارها فنزلت وقالت : غدا سياتى زوج السيدة نهى وانا خائفة منه فقد سمعت عنه انه دائم الغضب والعصبية فقلت فى نفسى ان لم اكن اتحمل زوجته تلك الانسانة الكئيبة فكيف ساتحمل هذا البغيض ؟
شما وقد ضحكت عليها : لا عليك به ولا بزوجته بل اقضى اعمالك فى صمت فلهما حياتهما ولك حياتك عيشيها كما تحبين
سماح : اشعر احيانا ان زوجته تتعمد مضايقتى واعود اقول انها تتعمد ايضا مضايقة ام زوجها واخته وتفتعل كل يوم المشاكل معهما فهل ستتركنى انا ؟
ضحكت كلتاهما ثم ضمتها شما كعادتها ثم اختفت سماح لداخل الفيلا ورحلت شما لعملها
.........
وقفت سماح تنظف غرفة سيدتها ثم سمعت صوت سيدة عجوز تنادى عليها فركضت بسرعة نحوها
طرقة باب غرفتها فسمحت لها السيدة بالدخول
السيدة كانت فى العقد السادس من عمرها الا انها كانت وقورة فى ملابسها والوانها حتى فى غرفتها فقد حرصت ان تختار الوان هادئة سواء فى دهانات الحوائط او فى الاثاث
كانت السيدة تجلس على مقعد وتضع ساقاً فوق الاخرى وبيدها كتاب تقرا فيه فرفعت عينيها من فوق كتابها ورفعت نظارتها الطبيه لاعلى مقدمة راسها ثم ابتسمت ابتسامة صافية وقالت بصوت يحمل الرفق : تعالى يا سماح اجلسى هنا ساتحدث معك قليلا
توترت سماح لانها لم تعتاد على مثل هذا السلوك فسيدتها الاخرى زوجة ابن تلك السيدة متعجرفة ودوما ما تعاملها معاملة خشنة ثم انها كانت تحول دون ان تتعامل سماح مع غيرها خشية منها ان تستقطبها حماتها وترى الخاجدمة الفرق بينها وبين حماتها لهذا لم تصدق سماح اذنيها هذه النبرات الهادئة فوقفت مكانها لم تتحرك وكانها لم تسمع اى شىء
لاحظتها السيدة فابتسمت مرة اخرة وقالت بنفس الهدوء : الم اقل لك تعالى اجلسى هنا يا سماح ؟
هنا بدات سماح تتحرك ببطء حتى جلست على ركبتيها بجوار تلك السيدة
السيدة : يبدوا انك فتاة هادئة مطيعة انا لم ارتاح لاى عاملة اتت هنا قبلك واعتقد انهم ايضا لم يجدوا راحتهم عندنا فجميعهم رحلوا والذين تحملوا تم طردهم جبرا واعلم ايضا ان نهى تحول بينك وبين ان تلبى لى اى شىء
توترت سماح وبدا عليها القلق فربتت السيدة على كتفها وقالت : لا تقلقى يا بنيتى لن يزعجك احداً هنا سوى زوجة ابنى الكابتن انس
سماح بهمس رددت اسمه وقالت : كابتن انس ؟
السيدة : انا اسمى قسمة ثم ابتسمت وقالت هذا ليس اسمى الحقيقى ولكن والد انس هو من لقبنى به اذ انه من فرط حبه لى قال انتى لى قسمتى من الدنيا بفضل الله
ابتسمت سماح وبدات ملامحها تلين فشعرت وكان انفاس امها تصاحبها فى المكان
السيدة قسمة : اعرف ان نهى زوجة ابنى تضايقك ولكن ان استخدمتى دهاءك فى ان تفوتى لها ولا تعطى لها بالاً لعجرفتها ستنجحى فكونى مطيعة هادئة معها ولا تحاولين ان تحتكى بها باى شىء وكل ما تحتاجينه اطلبينه منى ولن ابالغ ان قولت لك انك تذكرينى بابنتى الصغيرة التى توفت بعدما تركت لى من رائحها طفلة هى عندى كنز اهدته لى الحياة
سماح بالم : رحمة الله عليها
السيدة : لقد وضعت جل جهدى حتى لا اعطى للشيطان مجال لان يذهب بعقلى وقلبى ويجعلنى ابتعد عن ربى بحجة حزنى على ابنتى لكنه فى النهاية انتصر ونجح ان يحزننى عندما حرمنى من فرحتى باية احفاد لابنى
سماح : قولى الحمد لله دائما وابدا
قسمة : الحمد لله دائما وابدا
ساد الصمت للحظات ثم عادت السيدة تقول طلبتك لاكلفك بعدة اشياء اولها ان ابنى ياتى اجازاته فى حالة اشتياق لوطنه واكل وطنه فهو كابتن طائرة يدور حول العالم ذهابا واياباً وما ان يحصل على اجازته الا واتى بلهفة ليستمتع بجمال بلادنا وطيبه ارضها الا انه كثيرا ما يصطدم باسلوب زوجته فتكثر المشاكل فيهرب من هنا قبل حتى ان تنتهى اجازته فراراً من مشكلاتها وانا بقدر ما احزن لكنى لم احاول ان اتدخل فى حياتهما ولكنى طلبتك اليوم لتساعدينى
سماح وقد قضبت حاجبيها وقالت باستفهام : وما دخلى انا ؟ صمتت للحظة لانها قد شعرت انها قد اساءت السلوك بسؤالها هذا فاعتذرت وقالت : كيف اساعدك وستجدينى ملبية لكل ما تطلبين ؟
ابتسمت لها السيدة وقالت لا اكلفك باى شىء فوق طاقتك ولكنى لاحظت فيكى شىء ليس من السهولة ان يوجد فى احد الا وهو سماحة الصدر فلم تغترى بحالنا ولم تتمنى زوالها منا بل لم تتطلعى حتى لان تكونى مكاننا فوجدت انك راضية بحالك وهذا جعلك تتقنين فى اى شىء تفعلينه لانك لا تحملين اى غل وكذلك فقد رايتك تعتنين عناية خاصة بالزهور والحديقة الخارجية فعلمت ان لكى فيها خبرة وذوق ايضا واتممت فكرتى عنك بعدما تذوقت طعام يديكى فعلمت انك ماهرة فى كل شىء وهذا فقط ما اطلبه منك
هزت سماح كتفيها بعدم فهم مقصدها وكذلك بدت عليها ملامح استفهام كيف عرفت عنها ما تقوله وقد كانت سماح محجوبة من التعامل معها ؟
السيدة : لا تتعجبى ان اعلم صفاتك دون ان اتعامل معك من قبل ولكنى قولت لك انى راقبتك والان كل ما اطلبه منك ان تعتنى كل صباح بباقة زهور تضعيها بجوار ابنى وان تهتمى بنظافة غرفته وتهتمى ان تقدمين كل يوم اصنافا مصرية شهية وتوفرين له جو هادئا حتى لا يهرب ويقطع اجازته
هنا قامت سماح واعتدلت مستقيمة وقالت بابتسامة عريضة وبطريقة مازحة وهى ترفع يديها كتعظيم سلام لادخال روح المداعبة لقلب تلك السيدة وقالت : سمعا وطاعة سيدة قسمة فكل طلباتك مجابة وقد وكلتى المهمة للشخص المناسب فضحكت السيدة قسمة على حركات سماح كذلك ضحكت سماح ثم قالت هل لى ان اطلب من سيادتك طلب ؟
اومات السيدة قسمة بنعم دون ان تنطق بحرف
سماح : اريد ان اقبلك من جبينك فقد شعرت وكأن امى تتحدث معى
اتسعت ابتسامة السيدة قسمة وبدلا ان تعطيها جبينها فتحت لها ذراعها فارتمت سماح فى حضنها
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي