الفصل 3

هنا جلس يوسف جلسة القرفصاء امام ساقى اخيه وقال بصوت حنون : احيانا كثيرة اعتقد انك لازلت بكامل قواك العقلية ولكن جميع الاطباء اثبتوا انك اصبحت عبدا لتلك الداهية وانك قريبا ستذهب رصانتك وذاكرتك كما ذهبت عنك صحتك وقوتك ثم اخذ ينظر على اطراف اخيه الاربعة وهى ترتعد لانا لم تعد بها اعصاب تتحكم فيها من كثرة الخمور وقال بالم : ولكنى ايضا اعود واكذبهم واقول اخى هو اخى مهما فقد من رصانة او صحة وسيظل كبيرى وسندى حتى وان ذهب كامل عقله وقوته
هنا نظر له يونس وبعينين مملوءتا بالدموع احتضن وجه اخيه وقال : والله انى اصارع الدنيا لاسترجع عقلى لاجلك انت فقط حتى لا اخذلك في ولكنى اضعف صدقنى يا يوسف ان كنت تمكث معنا لكان حالى تبدل
هنا جاء الدور على يوسف فاحتضن اخيه وهما لايزالان على نفس الوضع ثم قال له هامسا : استرد عقلك لكى تتولى الوكالة عن اختك يوم زفافها على حمزة فانت كبيرنا ثم انها هى توأمك انت ولست انا
..........
طرق يوسف باب غرفة نومه ودلف ببطء وحذر فوجد انثى فاتنة الجمال ترد عليه ببرود وتقول : فى كل مرة تطرق الباب وكانك تستاذن للدخول وكانها ليست بغرفة نومنا وكانك غريب عنى
نظر لها يوسف بعيناه الباردتان وقال : هذه اداب تادبت عليها منذ دخولى الكلية فاصبحت فى دمى سواء معك او مع غيرك
كانت جالسة فى فراشها بثوب نومها الاسود الانيق مما زادها فوق الجمال افتتان وكانت ترتشف فنجان قهوتها فقامت من مكانها برقة ووضعت الفنجان على الكمود واقتربت منه بدلال واحتضنت وجهه بكفيها وقالت : غبت عنى ثلاثة اشهر مرو على وكانهم ثلاثمائة دهراً
ارتعدت اوصاله وخاف ان يميل فاخذ نفس عميق وابعد كفيها عن وجهه وقال بابتسامة مصنوعة : اشكرك على مجاملتك يا مها وتقبلى عذرى واعتذارى فليس بيدى البعد عنك انتى والاولاد
عادت ومدت يديها ولكن هذه المرة نحو صدره وبدات تتحسسه باناملها وقالت انا لم اجاملك ولكنى اقول ما اشعر به فلماذا اغلقت قلبك وابيت ان تصدق ؟
هنا اقشعر جسدة وارتد مبتعدا عنها برفق وولاها ظهره وكانه لم يسمع منها اى شىء متجها نحو الحمام هروبا من اي كلمات اخرى ثم توقف فجاة وقال : كيف حال مالك وياسمين ؟
قالت بغيظ وهى تعض على شفاها : فى احسن حال ولم ينسوك ولو لحظة
هنا عاد ونظر لها وقد اشرقت ملامح وجهه وقال : حقا اين هما اذاً وخرج على الفور من الغرفة ليبحث عنهما ولم يغتسل كما كان ينوى
..........
شما وهى تنسق على الحاسوب باقات الورود التى ستكون فى حفلة الزفاف القادمة : ما رايك فى هذه الالوان يا جميلة هل تنسيقهم جيد هكذا ام اغير اماكنهم ؟
جميلة وهى تقترب بكرسيها المتحرك نحو الحاسوب : ان ذوقك رفيع حقا يا شما
شما : وما رايك فى هذة اللوحة المزينة هذه ستنسدل من اعلى جدار حائط فى قاعة العرس وسيكتب فيها كلمات رومانسية للعروسين
جميلة : اه يا ربى رائعة حقا والوانها دافئة
شما : ساترك لك مهمة ان تكتبى لى الكلمات التى سادونها هنا فانتى شاعرة رقيقة وربما تعبرين افضل منى بكلمات مختصرة
جميلة : اكتبى ما تريدين ان تقرايه لنفسك اى تخيلى نفسك انتى العروس واهداك عريسك بعض الكلمات فاى كلمات ستسعدك ؟ اكتبى ما تشعرين به يا شما فما ينطق به القلب تقبله الروح
شما وقد شردت قليلا وكانها تحلم وقالت : ان اردتى ان اكتب كلمات صادقة حقا فلابد ان اذهب اولا للشجرة واجلس تحتها ولولحظة حتى تاتينى صورته فاحدثها
جميلة : تقصدين حمزة ؟
شما وقد انتبهت فقالت نافية : لا حمزة حتى الان لا اعرف ان كنت احبه حقا ام انى ادمنت فقط وجوده فى حياتى
صمتت للحظات ثم عادت تقول صدقينى يا جميلة من نعومة اظافرى وانا انعم بنعمة سلامة الصدر والنية وربما هذا ما يجعلنى دوما صريحة حتى ما نفسى وربما الحقيقة الواحدة التى لم اقبلها او تعمدت عدم قبولها هى حقيقة واحدة انى لم احبه يوما
جميلة : تقصدين يوسف ؟
شما وقد تنهدت تنهيدة عميقة : نعم يا جميلة والغريب انى بقدر ما احببته بقدر ما احاول ان ابعده عن تفكيرى الا انه ينازعنى رغما عنى وكأن طيفه يقول لى انا حبيبك مهما حاولتى ان تنسينى
جميلة : والله انك لرومانسية حتى انك احببتى شخصاً لم يكلف نفسه يوما ان يهدا من لوعاتك ويعترف لك والادهى انه اختفى من حياتك دون عودة وانتى لازلتى تتذكرينه
شما وهى شارده فى منظر الزهور التى كانت تنسقها على شاشة الحاسوب : احيانا كثيرة يا جميلة العاشقان لا يحتاجا الى تعبير عن حبهما بالكلام فيكفى لغة القلوب فقد يكذب اللسان وتنطلق منه الحروف باردة فيشعر القلب بزيف الحب كما الحال فى زيف كلماته فى حين قد يعجز اللسان فى التعبير عن مكنون القلب كما لو كان عاجزا كلية عن الكلام الا ان القلب يصرخ ناطقا بالحب القلب يستشعر بالحب من لغات الجسد مكتملة فقد يفهم ان الحب متبادل من مجرد نظرة حنان دافئة او نظرة اشتياق متلهفة
يا جميلة من رحمة ربنا علينا ان القلب يستشعر الحب من لغة الجسد فقد تعشقين انسان دون ان تراه عيناك ولكن حبه قد وصل لكى بوضوح دون الريبة والشك ولهذا قد يعشق الاصم والابكم والاعمى والا فكيف عشقوا هؤلاء اذن ؟ وكيف استشعروا صدق من امامهم ان كانوا لا يسمعون او يبصرون ؟
جميلة : اوافقك الكلام حقا لانه قد حدث معى بالفعل
شما وقد انتبهت لاخر كلماتها وقالت : أحقاً يا جميلة ما تفوهتى به ؟ كيف حدث هذا ومتى واين ؟
جميلة بابتسامة هادئة : مهلا . مهلا يا شما ربما فهمتى كلامى على المحمل الخطأ فانا قلت لكى حدث معى ولكنى لم اقل لك انى اعيشه او عيشته
شما : اياً كان وصفك واياً كان ما فهمته ما يهمنى الآن ان افهم كل شىء وتركت حاسوبها والتفتت كليه لصديقتها وقالت احكى كل شىء . كل شىء داخلك بصدق حتى وان كان مجرد حروف متبعثرة وانا سافهم كل شىء
شردت جميلة وركزت ببصرها نحو نقطة فى الفراغ وقالت : انتى تعرفين يا شما ما هى حكايتى فانا اكبر اخواتى وقد توفى والدنا ونحن فى سن مبكرة وتعجبت من يومها من مشاعر الامومة التى دبت فى قلبى منذ اللحظة الاولى عقب وفاة والدى
وقتها وجدت امى تقول لى : ساعدينى يا ابنتى ان امر بتلك الازمة واخرج بك انتى واخوتك لبر الامان فقلت لها لا افهم ما تقصدين
نظرت لشما وقد اغرورقت عيناها وقالت : كنت طفلة صغيرة فى مهدى يا شما لا افهم ما تقوله ولكن شىء بداخلى كان يهدأ منى ويقول لى هى تقصد ان تساعديها وتعينيها فى تربية اخوتك وانى تكونى معها كما كان ابوكى
وجدتها تقول حاولى ان تاكدى على اخوتك انى ساوفر لهم ما يريدون ولكنى لن اوفر الشىء مرتين اى ساوفر لهم مصرفاتهم المدرسية لكنى لا استطيع ان اوفر لهم الكتب الخارجية وان وفرت لهم الكتب الخارجية لا اتحمل ان يرسب احدهم لانى لا ولن استطع ان اعيد ما انفقته للمرة الثانية فاما ان ينجحوا والا فلا اعادة لهم وانى ان وفرت لهم وجبة عليهم الا يتدبروا لانى ربما لا استطع ان اوفر لهم التى بعدها
اذا فعليهم ان يغتنموا الفرص لان الفرص لن تاتى اليهم الا مرة واحدة
يومها شعرت ان امى ستمربمحن ربما تعجزها فى بعض الايام ولا اعلم ان كانت تلك الايام ستكون قريبة ام بعيدة لكن ما كنت على يقين منه انه وجب على ان اترك دراستى واتفرغ للعمل فى اى مكان لاساعدها وبالفعل فعلت ورحبت هى
صمتت للحظة ثم عادت واكملت قائلة : الغريب ان امى نفسها نسيت انى انثى وانى لازلت طفلة فقد وجدتها كل يوم تنادينى وتعطينى فى يدى ما قد كسبته من نقود فى يومها فقد كانت تعمل كخادمة فى البيوت بينما كنت انا امسح السلالم ومداخل العمارات فى مكان اخر ولم تسالنى يوما كم كسبتى اليوم ولم تسالنى كيف ستنفقين هذه الاموال بل الادهى انها حتى لم تحظرنى من المخاطر التى قد اواجهها من مضايقات اصحاب الشقق والعمارات وكانها استشعرت وكانى انا زوجها حقا وشعورها هذا قد ولد فى روح النضوج المبكر فنسيت نفسى ونسيت انى انثى وعكفت على انى انا الزوج والاب
كنت انا التى اقسم المال على ايامنا وانا الموكولة باعطاء اخوتى مصروفهم اليومى او الذهاب باحدهم الى الطبيب ان مرض وهكذا صارت حياتى مع امى حتى يوم ان حضت اول حيضاتى شعرت شعور غريب لن تصدقينى ان وصفته لكى
شما بحنان وهى تربت على كف صديقتها لتزيل عنها الشعور بالالم او الخجل : قلت لك احكى كل ما يرد فى عقلك وسافهمك
جميلة : يومها كنت امسح مدخل احدى العمارات وشعرت بالم شديد يمزق اسفل بطنى لارباً فظننت انى اخذت نوبة برد بسبب المياة التى كانت تبلل ملابسى فتحملت ولم اشتكى واكملت يومى فى صمت ثم ذهبت الى البيت فى اخر اليوم وقد ازداد تعبى فوجدت امى تشتكى هى الاخرى بتعب فى راسها فوجدتنى اهون عليها وكدت اشتكى اليها انا ايضا الم بطنى ولكن العجيب انى وجدت انا نفسى انهر نفسى فكيف للرجال ان تشتكى الامها امام النساء فعكفت عن الشكوى وكاننى صدقت فعلا انى رجل وعندما ذهبت لاشترى لامى دواء من الصديلية فاستشعر الطبيب انى اتالم فحزن لاجلى لانه وجدنى طفلة وجسدى هزيل فاعطانى اقراص مسكنة فرفضت وتعمدت ان اقف مستقيمة حتى اثبت انى رجل
وفى الصباح قمت من نومى ولم الاحظ انى قد حضت وان الفراش قد تبلل منى ولكن امى قد اكتشفت الامر فبكت بمرارة لانها لم تلاحظ على اى علامات لانها ربما نست حقا انى انثى فوجدها نادتنى وضمتنى ضمة لم انساها يوما فقد بثت فى قوة غريبة وانا اسمعها تهمس فى اذنى : سامحينى يا ابنتى فقد اهملت حقك فى انوثتك ولكنى سعدت بمساندتك لى ولولا مساندتك ما كنت اعرف كيف كنت ساربى اخوتك
لم افهم سبب بكاءها فى هذا الوقت لانها لم تقل لى اى شىء ولكنى اكتشفت الامر عندما دخلت الحمام فتعاملت مع الامر وكاننى ارفضه فلم افرح كاى فتاة بانى قد اصبحت انثى يافعة حقا بل تعاملت وكانه شىء يعيبنى فانا رجل
مرت الايام وانا اجاهد حتى وافت المنية امى ولحقت بابى فوجدتنى ازدت كهالة فوق كهالة حتى طمست بداخلى اى معنى للطفولة والشباب من بعدها وكان كل همى ان اواصل ما بداته امى واربى اخوتى ولا احوجهم لاحد وبالفعل قد نجحت وتخرجوا اخوتى من جامعاتهم ولكن كانت الطامة الكبرى فقد كنت اعتقد ان اخوتى سيفتخرون بى وانى انا من ساعدتهم على هذا النجاح كيفما كنت اسعد انا عندما اجد امى تنجح فى شىء معنا
كنت اعتقد انهم سيشعرون حتما بتعبى ويقدروننى ولو بكلمة شكر ولكنى لم اجد منهم الاكلمات الجحود وربما لانهم اعتقدوا اكثر منى انى ابيهم حقا وان هذا امر مفروض على
قالت اخر جملة وانسابت من مقلتيها دموع ساخنة مرة فكفكفت شما دموعها بكفها واعتذرت لها وقالت : اعتذر ربما انا من ابكيتك عندما ساعدتك ان تتذكرين الماضى
جميلة : لا تعتذرى فتذكرى للماضى يشعرنى بنفحات انفاس امى وابى فتعطينى قوة للتحمل على كل ما هو قادم
ثم تابعت قائلة : الاصعب انى رايتهم يتسابقون لان اظل لاهية عن انوثتى فدوما ما كانوا يكثرون من كلمات انى اصبحت خشنة ذات اذرع بعضلات وكانهم يؤكدون لى اياى ان اتذكر فى يوم انى انثى ناعمة
حتى اخى الصغير كنت احبه اكثر مما كنت احب نفسى وكان حبه لى ايضا كبير فكان كل شىء يهون عنده الا ان يحزننى اى شىء وهو الوحيد الذى كان يدللنى ويشعرنى انى لست بابيه حتى يوم زواجه فقد كان حزين لانى كنت منهكة فى جهازه وحزين انى بعد زواجه ساظل وحيدة فى البيت ويوم عرسه مال على قدمى يقبلها وهو يبكى امام الجميع ويقول لهم هذه هى صاحبة الفضل فى حياتى
نظرت لشما وهى تكفكف دموعها وقالت لقد توفى ابى وهو دون عامه الاول وتوفت امى وهو لازال صغيرا فربيته بنفسى
شما بالم : يا الهى تتحدثين وكأن الفارق بينك وبينهم دهورا وليس اعواما قليلة فعلى ما اتذكر انى الفارق بينك وبين اخوتك لا يتعدى من الثلاث للاربع اعواما ما عدا هذا الشقيق الصغير ثم ان كلماتك كما لو كنتى تبلغين من العمر حد الكهولة حقاً ومن يسمعك لا يصدق انك فى زهرة شبابك وانوثتك
فى تلك اللحظات اتت سماح وكانت قد سمعت معظم حديثهم فجلست بينهما وهى متجهمة الملامح فقد شعرت ان جميلة انما تحكى عنها هى فهى تقريبا اتت الى القاهرة لنفس السبب فهل سيكون مستقبلها هو نفس مستقبل جميلة ؟
جلست بينهما بصمت ولكن جسدها وملامح وجهها لم يكونا صامتين بل كان جسدها يرتعد من قسوة ما تسمعه وتتخيله على نفسها بينما كان وجهها متجهم ولا يستطيع فمها ان ينطق بحرف ولا استطاع عقلها ان يتخيل تلك القسوة
شعرت بها شما فنظرت لها وربتت على ظهرها وضمتها لصدرها وقالت لا تخافى فانتى ابنتى ولن اسمح لاحد ان يؤذيكى ابدا
جميلة ايضا ربتت على ظهرها وقالت مطمئنة اياها : لا تخافى يا سماح وانتى معنا فلن يصيبك ما اصابنى لسببين اولهما انى معك وسانصحك بخبرتى وما اذانى حتى لا تتاذى منه
وثانيهما انك اصبحتى فى كنف شما اى فى كنف صاحبة القوة والذكاء وسماحة النفس فتاكدى انها لن تتركك لنفسك هكذا بل ستقوى من حالك دوما
ابتسمت سماح ولكنها لم تتفوه بل كل ما فعلته انها قبلت جبين جميلة وعادت وارتمت فى صدر شما
جميلة مكملة : فى تلك اللحظات التى قبلنى اخى فيها ووقرنى كانت بداية لحظات تعاستى فمن يومها التفتت الى كل الانظار وجميعهم قدروا تضحيتى ووقرونى وانهالت على يد الخطاب وكلهم سبحان الله كانوا من ذوى الاملاك
سماح مقاطعهة اياها : ولما لم تتزوجى اذاً ؟
جميلة لانهم جميعا للاسف اما كانوا يحتاجون لانثى لتدليلهم فقط دون ان تنجب لانهم فى الاساس متزوجون وان اعترضت فيكون الرد لما تعترضين بل احمدى الله ان هناك من قدرك واعتبرك انثى
واخر يقول احمدى الله ان الفرصة لازالت مسموحة وقد فاتتك فرص الزواج
يومها تحسرت عل حالى وبكيت قهرا والما ودعوت الله بجبر كسرتى فعوضنى بشخص وجدته يتقدم لخطبتى وقد عشقنى من اول مرة .
عشقنى لنفسى وقال لى احببتك واحببت براءة وجهك من اول مرة رايتك فيها صدقينى يا شما هو الوحيد الذى اعادنى لانوثتى وشعرت انى لازلت احمل جمال يغرى الرجال ففرحت ووافقت وكان غنياً فانهال علي بالهدايا ومع كل هدية كلمات رقيقة اعادت لى الحياة وكانى كنت اعيش فى الجنة ولكن السعادة لم تدم طويلا وكأن الدنيا كانت فى غفلة عنى وفى يوم اعتبرته بكل اعوامى اتانى خطيبى وقال لى اعتذر منك انسينى وردى لى هداياى فصدمت وسالته فقال لى اخوتك قصوا على حقيقتك وعدم زواجك حتى الان فانصدمت وقلت وهل كونى كافحت لاربى اخوتى عيبا فى نظرك ثم انك كنت تعلم هذا فما الجديد ؟
قال لى : اكتشفت انكى كنتى تبيعين جسدك ولهذا هم ابتعدوا عنك وتبرأوا منك
هنا شل لسانى ولم اعرف ما اجيبه به وانهرت ودخلت فى غيبوبه ولانه كان رجلا شهما حملنى الى المستشفى وظل معى حتى استعادت وعيى وقد عرف من الجيران حقيقتى وانه ظلمنى فاخذ يعتذر واعلن تمسكه بى ولكنى رفضت
شما : ولما رفضتيه بعد ان عاد اليكى معتذرا ؟
جميلة بدموع انسانة مقهورة : لانه صدق في الظنون ثم اننى قد علمت انى اصبحت مشلولة ولن اشفى الا بمعجزة تحييى اعصابى ومن يومها وانا حبيسة هذا الكرسى
سماح : ولما قالوا عنك كل هذا وماذا عن شقيقك الاصغر ؟
جميلة بدموع : لانهم غاروا منى كونه رجلا باهظ الغنى اما عن شقيقى فقد علمت ان زوجته قد اشتركت مع اخوتى فى تدنيس شرفى لانها كانت تغار من معاملة وحب اخى لى ثم علمت انه لما عرف لم ينهرها او يطلقها فقررت البعد عنه هو الاخر وكل ما ارهقنى بعدها هو انى اصبحت لا استطيع القيام باى عمل حتى انفق على نفسى
سماح : وكيف تغلبتى على هذه المشكلة وكيف تعرفتى على شمواه ؟
ضحكت جميلة كون سماح تدلل شما واكملت : لقد وجدت اعلان عرضه على احد جيرانى ان هناك عائلة تطلب مساعدة لشيخ مريض ولا تحتاج منها سوى ان تهتم بعلاجه وتسليته فتحدثت الى صاحبة الاعلان فكانت شما وكان الشيخ هو جدها وكنت فى قمة انبساطى انها ارادت ان اقيم معها فوجدتها فرصة لاختفى نهائيا عن عائلتى المزيفة ومن يومها وحتى بعد موت جد شما اصبحت هى كل عائلتى
انكبت شما عليها واخذت تقبلها وتدعوا لها : سيرزقك الله فرحة تحييى عواطفك وقلبك واعصابك
وتابعت قائلة كانها تريد ان تعطيها قوة : يقول الجبار العليم ان به تحيا العظام وان كانت رميم وانه لا ريب يا جميلة قادر ان يعيدك للطفل القديم وقد ينفخ فى روحك نورا وهو بظلامك والامك عليم وقد يفتح فى قلبك بابا لمعنى الجبرالعظيم وهذا انتظارى لك من ربى لانى دوما ما اظن فى ربى الخير
سماح فى محاولة منها لتغيير هذا الجو : ما هذه الزهور يا شمواه
شما وهى تقرص على اذنيها : هذه زهور ارتبها لاحدى الحفلات
سماح وهى تتعمق النظر وكانها تفكر فى تغيير شىء ثم ابتسمت وقالت : اتركى لى هذا التنسيق فانا خبرة فى الزهور فابى دوما ما كان يعمل فى مزارع جمع الزهور لاستخلاص الزيوت والعطور منها ولى خبرة فى هذا
.........
فى فيلا يوسف
ظل يوسف يلعب ويلهو مع الاطفال واى شخص يريد ان يرى شخص يوسف الحقيقى يراه وهو يتعامل ببرائته مع هؤلاء الطفلين فهما يأخذانه الى عالم اخر عالم يتعامل فيه بشخصيته الاصلية التى لم يتعامل بها الا مع واحدة فقط فى حياته
هنا دخلت عليهم مها بنفس ملابس نومها وقالت بابتسامة : والله انكما لمحظوظان فانى لم ارى ابتسامة ابيكما الا وانتم بحضرته
ركضت نحوها ياسمين وقالت بطفولية : انا ابتسم لكى يا امى
ضحك عليها يوسف وركض خلفها وقال : لا تبتسمين الا لى والا اكلتك اكلا
ركضت ياسمين مبتعدة عن امها وهى تصرخ من الضحكات وخلفهما مالك توامها
.......
كان حمزة وفريدة معا فى حديقة الفيلا يتهامسان
حمزة : لا تقلقى يا فريدة سافاتحه الليلة فى تقديم موعد زواجنا
فريدة وهى تقترب بدلال واغراء لحمزة : اخاف ان ينكشف امرى يا حمزة واخى كما تعرف ان قال كن فيكون كانت تهمس اليه وهى تقترب منه حتى لم يعد حمزة قادرا على مقاومتها فقبلها ثم انتبها مفزوعين على صوت ضحكات الصغيرين فعرفا ان يوسف حتما خلفهما فابتعدا وكان شيئاً لم يكن
اتى يوسف بينما كانت فريدة تهندم من حالها فى توتر
يوسف : ماذا بك يا فريدة ؟
حمزة بسرعة حتى لا يلاحظها يوسف : ما رايك يا يوسف ان قدمنا موعد زفافنا ؟
يوسف بلا مبالاه : وما السبب فى العجلة ؟
حمزة : وما السبب فى التاجيل ايضا ؟
يوسف وهو يفكر للحظات : اجعلوها اخر الشهر المقبل
حمزة ولما لا يكون اوله؟
يوسف بحدة وهو قاضب الحاجبين : هل سمعت قبل هذا انى اكرر كلمة قلتها ؟
فريدة بخوف : حسنا يا يوسف نجعلها اخر الشهر المقبل
مرت لحظات صمت استاذنت بعدها فريدة وعادت لغرفتها تبعها الطفلين يركضان نحو امهما بينما بقى حمزة معه
حمزة : هل نامت امى ؟
يوسف : نعم لقد نامت لتوها
حمزة : لا اصدق حتى الان انك الوحيد التى تقبل ان يغسلها وترفضنى انا
يوسف : لانك عندما تغسلها تشعرها انها ثقيلة عليك وبالتالى تذكرها بشيخوختها وعجزها ولا تعاملها بلطف وحب
اما انا فلا اشعر باى شىء سوى انها مثل امى حقا وصدقا فهى الوحيدة التى اشم فى عطر انفاسها عطر امى وحنانها ولم انسى ابدا انها الوحيدة التى عاملتنى برفق بعدها
صدقنى يا حمزة لم اشعر انى بنى ادم له حقوق الا عندما اتيت الى بيتكم ولم اشعر يوما ان والدك هو مجرد عمى وانما لم اشعر فى الحقيقة الا كونه ابى
حمزة : اتعرف يا يوسف انا نفسى اتعجب عن سر التآلف بين امى وابى على الرغم من كبر سن امى عن ابى
يوسف : الحب والتفاهم لا يشترط لهم سن ولا جنسية ولا تعليم والعلاقات الناجحة لا تاتى ابدا بالحب وحده بل هى مجموعة عوامل متكاملة
حمزة وهو يبتسم له بجانب فمه ويقول : عجبا لك من يراك وانت تتحدث عن الحب لا يعرفك ولا يقول ان هذا هو يوسف الجبار
يوسف وقد تباطأ عن السيرنحو الحديقة وكانما يفكر فى شىء
حمزة : اعلم بالتاكيد انت تفكر فيها اليس كذلك ؟
يوسف : والله العجب لك انت فكيف تسالنى سؤال كهذا وانت تعلم انى زوج اختك ؟
حمزة : لا انا اتكلم بحيادية فانا اعلم ان الحب ياتى رغما عنا فالحب شىء وربما الزواج شىء اخر ثم انى الان اتكلم بروح وصوت اخو يوسف وابن عمه وكاتم اسراره وليس بصوت حمزة شقيق زوجته
يوسف : اعلم انك اجبرت على الزواج من فريدة
حمزة : مثلما اعلم انا انك ايضا اجبرت على الزواج من مها
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي