الفصل الثالث صدمه، انتقام ونهايه

جوريـــــــــات

الي الآن لا اصدق بأن السيد شاكر قد رَحل،
كان من احن الناس وأحسنهم خلقاً،
لم اكن اعلم ما الذي يمكنني فعله بهذا
المصنع الكبير،
كان مليء بالملابس التي لا حصر لها
جلست انا وتينا نفكر ماذا نفعل بها كان هذا بعد
وفاة السيد شاكر بعدة ايام تقريباً،
كانت وفاته صدمه احتلت تفكيري وقتها،
لا اصدق بأنه رحل،
لم يمر علي عملي معه ما يقارب العامين لكنه كان
شخص جميل وعطوف جدا،
جلسنا انا وتينا نفكـر بما سنفعله في هذه الملابس
اخذنا بعضاً منها كسوة لنا والبعض قمنا ببيعهم وقمنا بإعطاء، الفقراء والمحتاجين،
كانت فرحة الاطفال لا توصَـف كنت اشعر بالسعادة
وللمرة الاولي لرؤيه وجوه هؤلاء المساكين تبتسم،
بعد بيع الملابس واعطاء بعضها للفقراء مر ما يقارب الشهرين حتي قمنا بإخلاء ذاك المصنع،
وبالمال الذي اخذناه من بيعنا للملابس، استأجرت اناس ليقوموا بإفراغ المصنع من الداخل كلياً وبناء غرف صغيره نقوم باستئجارها ظلوا اكثر من ستة اشهر يقومون بإعادة بناء المصنع كفندق،
لن تكفي اموال الملابس الذي قمنا ببيعها فعملنا انا وتينا في مكان يباع فيه كل شيء وهو ما يسمي في بعض البلدان بـ" المول" كان كبيرا للغاية للحد الذي يجعلني اغفل عن مكان باب الخروج كان عبارة عن طوابق كثيره تتعدى السبع،
كنت انا في الثاني وتينا في السادس كنا نجني اموال كثيره جدا كل شهر حتي قاموا عمال المصنع بالانتهاء، بعد اسبوع بدأ الزوار في المجيء واستئجار غرف كنت سعيدة لظني بأن الحـياه ابتسمت لي اخيرا لجعلي صاحبه ذاك الفندق الكبير بالرغم من وجود فنادق بالقرى المجاورة،
ذهبت للجلوس بمفردي كعادتي اتذكر ما حدث بي في صِـغَـري بعد حرقي لذاك الوغد مطعمه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سرت وسرت حتي توقفت عند شاب في اوائل العقد الثالث يبحث عن عامل يوصل الطلب الي المنازل مقابل مبلغ ليس بهين من المال، وافقت وذهبت اليه وطلبت منه العمل،

كانت ملامح وجه هذا الشاب عابسة دائماً كانت مخيفه نوعاً ما لكنني كنت اظهر بأننـي قَـوية ولا اخشاه،
كان يدفع لي ضعف ما قاله اثناء العرض،
كنت في البداية اظنه قاسي، لكن اثناء جلوسي معه وعملي وجدته حقاً غايه في اللطف،
طلبت منه ذات ليله بأن امكث في هذا المكان الصغير مقابل اخذ نصف الأجر فقط، فقال لي حسناً ولكن لَـن أنقص من مالك شيئا ..

ازداد اعجابي به الي حد كبير حتي كنا جالسين ذات يوم فقلت له:

ــ لما تفعل معي كل هذا

قال:
ـ ماذا تقصدين

قلت بامتنان :
ــ اقصد كونك لطيف جدا معي، وتساعدني وانت من بحاجه للمساعدة

قال:
ــ كنت مثلك يوماً ما
كنت امكث طوال اليوم اركض هنا وهناك للبحث عن عمل ولن اجد
حتي قمت بالعمل مع رجل حكيم كان يصنع الحلوى
تعلمت منه فـ حين توفاه الله صنعت انا الحلوى ويوما بعد يوم ازداد حجم بضاعتي وسرت هكذا كما ترين

قلت :
ــ يمكنني القول بأنك تشفق علي اليس كذلك

قال بابتسامه :
ــ وما يناسب حالك هذا سواها عزيزتي
ثم اخرج زفيره وقال:
ــ امزح عزيزتي
انا فقط اقدم مساعده لشخص كان بحاجه لعمل لا اكثر

قلت:
ــ حسناً اشكرك علي هذه المعاملة الحسنه سيدي

فـ، ابتسم هو وهم بالرحيل،

ظل هذا الحال لأربعة سنوات ونصف كنت انا في
السادسة عشر والنصف من عمري حتي جاء اللي ذات
ليلي وقال بأن صديق له سيشتري منه هذا المكان
لأنه سيغادر المدينة للعمل بمدينه تبعد كثيرا جدا
عن
مدينتنا، سألني اذا كنت اود الذهاب معه لكنني
رفضت
لعدم صلاح تلك الفكرة، فقال لي ان اعمل مع صديقه
فرفضت هذا لأن صديقه حينما كان يأتي لمحل بيع
الحلوى كان ينظر الي نظرات تربكني وبشده،
فلم اقبل بفكرة وجودي معه بمكان واحد البته،
رحلت لأبحث عن عمل جديد فلم أجد الا بعد اربعة ايام من خروجي من محل الحلوى وجدت مصنع كبيرا
جدا دخلت لأتفقده وأبحث عن عمل به يناسب سني هذا
فوجدت رجل ذو هيبه رجل ضخم حزين الملامح،
كانت تلك المرة الاولى التي ارى فيها السيد شاكر،
سألته ما يحزنه فـ أخبرني بأن زوجته توفت منذ يومين كنت سأذهب ظناً مني بأن هذا ليس الوقت المناسب لطلبي لكنه قال:
ــ ماذا تريدين عزيزتي

التزمت الصمت لبضع ثوان ثم قلت:
ــ عمل سيدي

قال بابتسامه عذباء :
ــ يمكنكِ العمل هنا فيما تبرعين

ابتسمت وشكرته علي قبولي،
عملت في المصنع اعمال عده، كـ التنظيف او إحضار ادوات وأشياء وطعام للعاملين حتي اتى ذات ليله وقام هو بتعليمي كيفية العمل وصنع الملابس من قطع القماش العادية،
احبني حينها جدا لسبب لا أعلمه ولكنه كان يقول بأنني أذكرة ببراءة زوجته وجمالها كان رجل حقا حنون وجميل تذكرت كل هذا وابتسمت علي حبه الصادق وجمال روحه وعفويته رغم وقاره وهيبته الا انه كان خفيف الروح كثير التبسم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قُـطِع حبل ذكرياتي حينما وجدت تينا تركض الي تبكي وتقول لي بأن أسرع معها لمكان المصنع لان هناك شيء سيسحق الجَميع

ذهبت مع تينا وقلبي وجسدي يرتجفان خوفاً، كانت تينا لا تستطيع التحدث من كثرة بكائها،
وصلت بعد مده، وصعقت مما رأيت،
وجدت المصنع يحتـرق كلياً،
وبعض سكانه يهربون ويصرخون ومنهم مشتعلون ايضاً،
حقاً لا أعلم حينها ماذا افعل،
جثيت علي ركبتي أصرخ وابكـي بكاء ظننت ان حياتي ستنتهي عند هذه اللحظة من شدة الألم والحزن اللذان تمكنا مني، كنت ألعن اليوم الذي ولدت فيه،
ماذا فعلت ليحدث بي كل هذا،
كنت أشعر بأنها نهايتي من كثرة البكاء والأنين،
حقاً كان سيقضي عليّ من شدة حزني
كانت شهقاتي تسمع من يبعد عني بكيلومترات من كثرتها وعلوها،
توقفت عن البكاء ظناً مني بأنه ليس الوقت لهذه المهزلة فهناك اناس تحترق وتموت،
كان هناك اناس كثيرون يطفئون الحريق ويساعدون علي اطفائه حتي انتهينا بَـعد بضع ساعات،
ذهبوا جميع الناس وبقيت وحدي كأنني في عالم آخر لا يعلم عنه أحد، حتي تينا لم اجدها بجانبي في هذا الوقت،
ظلت نوبات بكائي ملازمة لي حتي شروق شمس اليوم التـَالي، ثم استوعبت ما حدث جيدا وأخبرت نفسي بأن بكائي لن يجعل شيء يعود،
كل ما كان يؤلمني ويبكيني هم هؤلاء البشر الذين احترقوا وأصبحوا كتله من الفحم كانت ترعبني اشكالهم وبشده،
نهضت من مجلسي ودخلت المصنع للمرة الاولي بعد ما حدث،
لم اعد قادره علي الثبات بعدما رأيت تلك البشر المفحَّـمه، فانهارت قوتي وبدأت بالصراخ،
كأنني اخرج ما قمت بادخاره داخلي لسنوات،
صرخت بقوه لا أعلم من اين اتت كانت صرختي تزلزل المصنع بأكمله صرخت وبكيت حتي جاءت تينا وتوسلت الي بأن اتوقف عن ما أفعله لكي لا اضر نفسي،
توقفت عن الصراخ ثم لم اشعر بنفسي سوي انني اعانقها وأبكي،
حتي قالت لي سأجعلهم يندمون علي فعلتهم،

اعتدلت ثم نظرت اليها وقلت لها:
ــ من هم

فقالت:
ــ اصحاب الفندق في المدينة المجاورة

قلت:
ــ مَـن قال لكِ هذا ولِما فعلو ذلك

قالت:
ــ في الوقت الذي كنا نقوف فيه ببناء الغرف ذهبت الي الفندق المجاور
كان هناك شاب يدعي "سمير" يعمل بذاك الفندق يتغزل بي ويمدحني بين الحين والآخر
لم يكن هناك حل سوى مصادقته لأعلم ما الذي يمكننا فعله لجعل فندقنا كفندقهم،
كنت اريد ان اعلم لما دخوله يثير دهشه الكثير من الناس ولما هو دائما مليء بالزبائن،
أصبحت اذهب اليه للجلوس والحديث معه واسأله بين الحين والآخر علي ما في ذاك الفُـندق،
ثم قال لي اشياء لم افهمها ابدا،
قال لي بأن هذا ليس فندقاً عادياً وانا هناك غرفه فيه يأتي منها رجال ..
قاطعت تينا وقلت باندهاش:
ــ ماذا، كيف يأتي منها رجال انا لا افهم شيئاّ
صمتت تينا لبرهه ثم أكملت قائله
لالا للا يأتي منها أحد اقصد انهم يقومو بإدخال البشر فيها كل بضعة اشهر ويخبروهم بأنها غرفة ملهى او شيء كهذا وهذا مقابل اموال كثيره، ومن بقوموا بتشجيعهم علي الدخول وادخال في عقولهم أمـر تلك الغرفة هم اناس يعملون في الفندق ويتظاهرون بأنهم قد دخلوها واستمتعوا بما فيها

قلت:
ــ انا لا أفهم اي شيء،

قالت:
ــ ولا انا صدقيني ولكن كل ما دخل عقلي هو ان من يدخل هذا الفندق يتقابل مع أناس يشجعون الزبائن بدخول تلك الغرفة ولكن هذا كل تقريباً خمسة اشهر هؤلاء الأناس ليسوا زبائن البته بل هم من اصحاب الفندق وهم علي اتفاق بحدوث ذلك.

قلت:
ــ ثم ماذا

اكملت تينا قائله:
ــ ثم صمت ولم يكمِل حديثه

قلت:
ـ لم يقل لكِ ما بها

قالت:
ــ لا،
قال لي انه لا يعلم ما بها واذا علم احد ما بها قبل دخوله يقتل ويـصـ .. لا اتذكر ما الذي يحدث به ايضاً فهي كلمه لا اعلم معناها

قلت:
ــ لِما حرقوا المصنع

قالت:
ــ كنت اسير وانا حقاً حزينة، لم اكن اريد رؤيه ما يحدث،
كانت رؤية هؤلاء البشر المحترقون تقتلني، فوجدته يأتي الي ركضاً ويسألني ماذا اصابني،

لم ارد اخباره بأن هذا المصنع لكِ وانا عاملة بِه فقلت له اني حزينة قليلاً علي حريق حدث بالبلدة المجاورة، فصعقت من رده حين قال بأن اصدقائه الذين يعملون بالفندق الذي يعمل به هم من فعلوا ذلك بأمر من صاحب الفندق نفسه، ثم قلت لماذا، فرد قائلا، بأن لم يعد يأتِ اليهم زبائن كثيرون كما كان من قبل فأمر صاحب الفندق بإحراقه ليرجع فندقهم كما كان من قبل

قلت:
ــ حسناً فقد جنوا علي أنفسهم بالموت دون علم منهم
فالعَـين بالعَـين، والسِـن بالسِـن
والبادئ اظلَـم

ذهبت الي نفس البلدة ولكن من دون تينا،
تلك البلدة هي نفسها البلدة التي ولدت فيها ولكن بيتي كان يبعد بعض كيلومترات عن ذاك الفندق .
كنت احتفظ في مكان ما تحت الرمال ببندقيه اعطاني اياها السيد قائم، كنت علي يقين بأنني سأكون بحاجه اليها يوماً ما، اخذتها وأخفيتها بملابسي وعدت الي مكان المصنع حيث تجلس تينا،
ذهبت اليها وطلبت منها بأن تذهب الي ذلك الفندق وتستأجر غرفه بقول ان الفندق التي كانت تسكن فيه حُـرِق،
وحين جلوسها تذهب الي غرف الزوار وتخبرهم بأن ذاك الفندق سيُحرَق وإن لم يغادروا سيحرقون وتقول لهم ايضاً بأن لا يخبروا احد بذلك ويخرجون علي انهم سيعودون مجددا ومن ثم يخرجون بلا عوده،
استمر هذا الأمر لخمسه ايام،
حيث انهم اذا خرجوا معاً دفعه واحده حتما سيكشف امرنا، خرجت هي باليوم الثالث وتركت للبقية اوراق كتب فيها ما نريده وبعد قراءته يقومون بالتخلص منه ولكن خارج الفندق، كنت اريد ان لا يتأذى احدُ فحسب، كانت تريد اخبار سمير بذلك لكنني عاهدتها بأن لا اؤذيه فلم تفعل،
في اليوم السادس ذهبت بتلك البندقية واقتحمت الفندق وأنا اصرخ وأسب تلك الأوغاد علي حرقهم مصنعي، صدمت ثم صعقت ثم اعتقدت بأنني انتهيت حين وجدت خمسة رجال مصطفون امامي وبيدهم اسلحه،

صرخت بقوه وقلت:
ــ ما هذا امخطئون ومع ذلك تريدون موتي
ما هذا بحق الجَحيم
ماذا فعلت بكم ،
ثم رأيت اناس كثيرون يشاهدون ما يحدث، اظن انهم سكان الغرف، واظن ان تينا لم تفعل ما امرتها به، او فعلت ولم يقوموا هم بالتنفيد

ازحت من رأسي التفكير في هذا الآن ثم نظرت الي هؤلاء الرجال المصطفون امامي

وجدت شخصاً تقدم وعلي وجهه ابتسامه ساخرة كان يضحك ويقول:
ــ كنت بانتظارك عزيزتي لماذا تأخرت تينا عن اخبارك بأننا من فعل ذلك
الم تخبـرك تينـا بأننا علي علم بقدومك
لـقد تخلت عنكِ من تظنيها صديقتك تخلت عنكِ لأجلي انا.

كانت الصدمة تحتل كل انش فـي وجهي
ــ لا انت تكذب
تينا لم تفعـ...

قطع حديثي قائلاً:
ــ باستطاعتك سؤالهـا

قلت وأنا بالكاد لا أصدق:
ــ لا لالا ماذا تقول انت.

، كانت تينا واقفه بالخارج،
كنا متفقين علي انني لو فعلت اشاره بيدي وهي تكورها وفردها عدة مرات فهذا يعني بأن تخبر الحراس والمسلحون الذين استأجرتهم انا بالدخول اليّ والبدأ في القتال، ومع انشغالي بهذا،
اقترب ذالك الشخص مني ووضع سلاحه علي وجهي ، لكنني صدمت حينما وجدتها تهرول باتجاه ذاك الوغد وتقول بصراخ :
ــ سمير لالا تفعل ذالك ارجوك لم نتفق علي هذا
ثم نظر باتجاهها وأطلق طلقه بين عينيها وهو يقول: ــ اذاً لماذا قمـتِ بتسليمها الي ايتها الخائنة

جعلتها الطلقة تسقُـط ارضاً

صَـرخت صرخة دوت جدران المكان بأثره وقمت بطلق الطلقات انا والحراس الذين كانوا معي كنت لا ارى سوى مشهد قتل تينا أمامي وحريق مصنعي والبشر المفحمه توعدت له في نفسي بأن احطم بسلاحي كل انش في وجهه القبيح هذا ، مات ثلاثة من اصل ثمانية من الحراس خاصتي وتخلصوا الباقي من هؤلاء الاوغاد حتي قُـتِلوا جميعا باستثناء ذاك الوغد سمير، تجولت بعيني في المكان فلم اجده
ثم صرخت بإسمه صرخة ارعبتني انا من قوتها،
حتي وجدته يظهر من خلف طاوله وتعلو كلتا يديه
باستسلام قائلا:
ــ سأعطيكي ما تشاءين لكن لا اريد الموت

بكيت مره اخرى عندما نظرت الي جثمان تينا الغارق
بدمائه ثم سمعت صوت حركه، نظرت فوجدته يشير سلاحه امام وجهي ويطلب مني الجلوس حتي يكبل
يداي وقدماي، اندهشت من قوله هذا، يريد تكبيلي فقط، اي انه لم يقتلني اذا هم يريدون مني شيء لا
أعلمه
اظهرت بأنني استسلمت،
فانحنيت لأضع سلاحي ارضاً، ثم وبدون سابق انذار
امسكت بقدمه وقمت بسحبها باتجاهي فسقط ارضا
ولكن رصاصه من سلاحه اتت في كتفي
في تلك اللحظة اطلقت عدة طلقات في رأسه فسقط مفارقا حياته وسقطت انا ايضاً من قوة طلقاته
المصوبه باتجاه ذراعي،
وقبل ان أغمض عيناي رأيت رجال يخرجون من غرفه
متواجده فيه نهاية الفندق منهم من يذهب ويأخذ
اناس رغماً عنهم علي عكس ما قالت تينا، ومنهم
اتوا بإتجاهي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي