الفصل الرابع

(المتسولة الشقراء 4)





ماري والدموع تملئ عيونها الزرقاء الزجاجية وكلماتها في صراع مع انفاسها المختلطة الغير المنظمة: سيدي ارجوك انني جائعة ولا اقوى على العمل فأنا مقعدة، سيدي انا عاجزة جدا، سيدي ارحمني ببضع من المال لدي نفس اخرى اعيلها لا تتحرك، ارجوك ياسيدي، مساعدتك سيدي،

وكان المقابل؟ لا رد، صمت، كان بنفس الهدوء الصارم، لكن ما الذي حدث ما الذي تغير لحظة وقوفها هنا امامه تشتكي اليه وكلمات العجز هذه التي تخرج من ثغرها.

اللعنة توجهت عيناه نحو يده، يده الضخمة المتشابكة بالعروق الدموية، يده التي تحمل علامة الخنجر، كلمتها، أنينها، شكلها، ذكره بألم غريب.

ماري حقا لا تعلم ما الذي حدث فقط توقفت كلماتها المتسولة منذ أدار السيد العميد وجهه، الن يعطيها شيئا هل هذا رفض ام ماذا؟

هل تعود ادراجها؟ لا يا ماري، ليس الان يجب ان تحاولي اكثر، فبالكاد كانت تنطق بكلمة حتى اخرج السائق يده.

السائق: هيي أنت؟

بمجرد أن إستمعت لنداءه استجابت في الحال وتوقفت عنده مرة اخرى، فاخرج حزمة حمراء بثوب حريري بها بعض القروش الذهبية.

مدت يداها وحملتها نحوه الى ان وضع الحزمة بين يديها، حزمة ثقيلة جدا لم يسبق ان كان ماذا المبلغ بين يديها. ولم تكن تحلم به حتى.

ثم استدارت بهرولة والابتسامة تعلو شفتاها، عادت الى السيد العميد تقف عند بابه باشراقة و جمال وجه واضحين.

ماري: شكرا سيدي، شكرا جزيلا لك سيدي، شكراً.

كان العميد في لحظات ذكرياته مع النذبة و هو صار على يده الى ان سمع صوتها الرنين مرة اخرى، ادار فقط عيناه نحوها ليرى ما أزال ألمه.

رأى في ابتسامتها ونظراتها الصغيرة الأمل بعد كل ذلك الألم الدي ذكرته به ها هي الآن تزيله فقط بابتسامة.

كيف لشخص عاجز مثلها ان يكون به بريق الحياة كأنها ليست مقعدة كأنها لا تشكو من شيء، ثواني فقط ثواني غيرت الألم الى أمل.

استدار وعيناه تكادان تنتزعان من مكانهما، و اعطى اشارة للسائق بالتحرك بعد اطلاق اشارة المرور مباشرة،.و انطلقت السيارة.

ماري عادت بكرسيها للوراء وهي تحمل الكنز بين يديها والابتسامة لا تفارق شفتاها، مرت عليها سيارة القادة الكبار، التي لم تسلم من أعينهم.

واخيرا شاحنات الجنود التي توجه البنادق نحوها، بمجرد ان رفعت عيناها اليهم، هلعت من هول المنظر وغطت وجهها الجميل بالخوف منهم حتى مروا من امامها بعدما ازاحوا البنادق.

كانت تنظر اليها العقيدة سديم من المرآة، و لا يظهر السرور على وجهها: كيف تجرأت هذه المتسولة الحقيرة ايقاف الموكب، لا احد فعل ذلك من قبل، يجب ان تقتل على فعلها هذا.

اتكئ الرائد دانتي على المقعد الخلفي بأريحية وهز رأسه الى السماء: جمالها شفع لحياتها و لحياتنا.

استدارت العقيدة اليه وعيناها تكاد تحرقانه حيا، هذا المنحرف لا يكف عن التغزل بالاناث و يظن أن الجميع مثله.

أزالت ماري يديها بهدوء وعيناها تشتكيان الرأفة، الخوف والهلع، الذين كادوا يفقدونها حياتها قبل ان تفعل البندقية ذلك.

ما ان مر الموكب لترتاح من الهلع حتى سمعت خطوات الشرطة، استدارت نحو الشرطة صرخت مخبئة وجهها من حشد الشرطة المتوجهين اليها و العصي بين أيدهم يستهدفون ضربها بدون رحمة رغم عجزها.

و ما ان اقترب احدهم منها لضربها حتى أتت الاوامر من جهاز لاسلكي، اوامر جعلته ينزل عصاه و يستدير وراء الكرسي ليقوم بدفعه ورفعه من على الرصيف.


ازالت ماري غطاء اليد عن وجهها، و هي تنظر للارجاء.

الشرطي: لا تفعلي هذا مرة اخرى،.هيا اذهبي من هنا

كانت تعلو الصدمة على وجه ماري فلم تزد عن كلامه كلمة، وحملت روحها وجسدها مبتعدة عن المكان بسرعة، وبسمة السعادة، الفرح والجشع تعلو وجهها، لقد حصدت مبلغا جيدا سيكفيها هي واسرتها للعيش لايام.

بينما باقي الحضور تغيرت انظارهم من الاشمئزاز الى انظار الدهشة من جرأة الصغيرة المتسولة الشقراء، كيف تجرأت على ايقاف موكب العميد زيوس الخامس؟ و سلمت من ذلك!


مسافة طريق، مسافة زمن، دخل موكب العميد منطقته، معسكر الإبادة، المعسكر المعروف بالموت والدم، لا يعرف لا مكانه ولا موقعه ولا الطريق اليه إلا أعوانه.

معسكر محصن باسوار شاهقة باسلاك لاسلكية وابراج مرتفعة تترقب اية دخيل من جميع الجهات.

ويرفع فيه علم الدولة مسحوبة بعلم آخر خاص بمعسكرات الموت السوداء، كانه علم القراصنة "جمجمة و اسفلها الرقم 11"، خارج اسوارها الاف لا بل ملايين الجنود ببزات ورتب مختلفة.

ما إن وصل الموكب امام البوابة السوداء العملاقة حتى فتحت بالكامل امام سيادة العميد، الذي يحمل الرتبة الثانية بجانب رتبته في الدولة، وهي قائد المعسكر الأعلى.

اي انه الآمر و الناهيي هنا، لقد كان المعسكر بتلك الضخامة، بمساحة مدينة وفي كل تقاسميها و بنيانها اسرار و اسرار خاصة بالمعسكر و الدولة.

في قسم النساء الذي يمثل الجزء الخلفي من المعسكر ، ساحة ضخمة و شاسع، كن جميع الجنديات، الاف منهن او حتى ملايين منهم، ذوات اللباس الاخضر العسكري يقفن بانتظام و يقدمن التحية للقائدة الجيش العقيدة سديم.


التي كانت تمر يداها وراء ظهرها و رأسها المرفوع الى الاعلى، و هي تمر بين صفوف الجنديات بكل هدوء و تبحث في وجوههم الواحدة تلوى الاخرى.

الى ان توقفت امام واحدة منهن واحدة تعرفها جيدا، الجميلة التي كشفتها بين احضان فراش العميد.

توقفت امامها وانظارها اليها تنبضان بالصرامة، الصرامة التي هزت الرعشة من اخمس قدمي الجندية التي بدأت ترتجف من شدة الخوف.

ترجف خوفا منها، تحققت من ملامحها جيدا فذاكرتا كالثعبان الاخضر، اكتفت بالنظر اليها واستدارت، و في نفس الوقت اتجهت نحوها جنديتين ببزتين سوداوتين.

جنديتين كالوحوش طويلات القامة وعريضات الكتف تضهر القوة عليهن، امسكا بالجندية من الجهتين وحملنها بالقوة فبدأت الجندي بالصراخ و البكاء.

الجندية: سيدتيي العقيدة لم افعل شيئا سيدتي العقيدة


لا إجابة و لا كلام فهنا لا يعترف بالرحمة بين الجنود، علقت الجنديتان الجندية من يديها في عمود ضخم و جردتاها من جميع ملابسها حتى اصبحت عارية تماماً في قلب ساحة المعسكر.

و امام الجميع أخدت الجنديتين ذوات البزة السوداء يمسك السوط وهن على استعداد لجلدها حتى فصل جلدها عن جسدها.



انتشر صراخ الجندية في ذاك المكان الشاسع، وارتفع صداه مع ملامسة او بصح التعبير حفر  السوط لجسدها العاري الجميل و التلذد في تشويهه، اكتفت العقيدة سديم بالمتابعة، عقابا لها على قضائها ليلة مع سيدها العميد.

بينما الجنديات الأخريات المصطفات من وراء العقيدة، كن يرجفن من الخوف، دقائق فقط حتى اغمي على الجندية العارية بسبب مانالته من السوط.

رفعت العقيدة سديم يدها معلنة بحركة بسيطة عن انهاء عقاب السوط لهذه العاهرة اللعينة، التي اصبح جسدها بسبب السوط كجسد الحمار الوحشي باشرطة دموية.

 تحركت بهدوء نحوها ومدت يدها لأحد الجروح ما إن لمستها حتى ارتجفت بين يديها فأمرت بحملها واخذها من الساحة، و استدارت لباقي الجنديات اللواتي كن مذعورات من شراسة العقيدة وقسوتها.


في الجانب الاخر، الجانب المظلم من معسكر الإبادة ، جانب الأسرى، فئران تجارب العسكر والدولة، واليد العاملة المجانية، كانت هناك مئات البنايات الضخمة السوداء المتشابهة والمتماثلة كأنها خلية النحل الاسود القاتل.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي