نكبة الياسمين

عكرمة`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-09-26ضع على الرف
  • 82.1K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

.. نكبة الياسمين ..

من بين الركام و الحطام ، من هُدام الحجارة و الرماد المنثور ، أزهر الياسمين على الرغم من كيد كل عدو و لئيم ، متناثراً بمسك دماء الشهداء و عطر الارواح و أشلاء اجساد تناثرت في بقعة من ارجاء اوطاننا الحبيبة ،
أرضنا و وطننا و ديننا و اشعبنا هم اركان قوتنا و مبلغ امانينا
، لم تبتلع الأرض دمائهم و لم تفرط حبات الثرى بأجسادهم و بقي عطرُ أرواحهم يعتنق بلادنا و أوطاننا ، لا يزال عبير مسكهم و جمال ذكراهم يعتنق الجدران المحطمة ، لا تزال ذكراهم في قلوبنا ، لحظاتهم بسماتهم و المواقف التي جمعتنا معهم و كل شيء لا يزال محفور في جزء من الخريطة المرسومة في وجداننا و قلوبنا ، حفرة سورية و ازهار ياسمينها رغماً عن كل من عاث فيها فسادا و اجراماً ، لا تزال زهور ياسمين أرضنا و لم يجف حبر أقلامنا لم ينضب ..
نستمر في تقديم اسمى معاني الإخاء و التكاتف
و اعلى المراتب من النبل و الكرامة ..

تمسكنا بالشهادة او النصر و لا سبيل لنا سوى واحد منهما و لا زلنا في خضم تلك الحروب ، نقاوم و نجاهد في سبيل الله متمسكين بذروة النصر فلعلنا يوماً ما نكون نحن المُنتصرون أو نرتقي دون ذلك ..

لقد هُدم الوطن الذي جمعنا في ذلك التاريخ المشؤوم ..

15 مايو ..

تاريخ ذكرى نكبة ارضنا و وطننا ، تاريخ ذكرى انهيار شعبنا ، تاريخ ذكرى هدم أرضنا و حرقها ، تاريخ ذكرى الفاجعة التي حلّت بنا ، تاريخ ذكرى نكبة فلسطين الحبيبة مهبط الانبياء و مسرى خاتم الرسل مهد الحضارات و وجهة كل ذي شرف و إباء ...

نستعرض معكم لمحة صغيرة من تاريخ طويل من قصة عاشها و وطنين جارين و شعبين اكثر من شقيقين



15 مايو بداية مأساة و معاناة و تهجير و بداية استقلالهم ، هم يحتفلون بذكراهم بفرح و طرب و نحن نتذكر مأساتنا من كل عام ..

نخرج و نتظاهر و نحتج ، نحارب بألسنتنا و اغصان و بالحجارة الصغيرة و هم يقومون بالرد علينا عبر أسلحتهم و عدتهم و عتادهم و عنفهم و تدميرهم لنا ..
نمضي في سبيل المجد و الحرية و الكرامة برغم كل ما نواجهه من صعوبات ..
نصمد و نحاول و نمسك و نعتصم بحبل الصبر لعلنا نبلغ ما نرنو إليه بسلميتنا في وجه ذلك الاحتلال الغاشم الفاجر الظلوم

يوماً بعد يوم تزداد وحشيتهم و همجيتهم و يزداد ثباتنا و استمساكنا بأرضنا و حقنا
في كل يوم يرتقي شهداء و تعلو الصيحات و الصرخات المستنهضة لأمتنا العربية النائمة
و لكن لا حياة لمن تنادي
و مع كل اشراقة شمس جديدة نتيقن ان لا حل لنا سوى بتكاتفنا مع بعض كأمة عربية مسلمة موحدة في وجه قوى الشر العالمية بعد ان توحدت جميعها تحت راية احتلال ظالم واحد
يهدف لتهجير ابناء الوطن من وطنهم و إحلال جنس جديد من الذين ينتسبون للبشرية هذا الجنس الذي تمثل ببعض اللاجئين الهاربين من الظلم من بعض دول العالم فاحتضناهم و اسكناهم في منازلنا ...

اتذكر يوم وصلوا الينا عراة حفاة جياع فكسوناهم و اطعمناهم و اسكناهم صدور البيوت و المجالس و ما لبثوا إلا ان بدأوا يستوحشوا و يظهرون انيابهم الغادرة في ظهورنا فتحول الضيف إلى عدو يطرد المالك من بيته و يسكن به بدلاً عنه و يهدم و يخرب

اخبرنا التاريخ انهم قومٌ لا ينفع معهم ود و لا عرفان ، ناكرون للجميل امرون بكل منكر و خسيسة ...
تشتت الناس و مادت بهم الارض و مادت بهم رواسيها فتبعثر الناس من ابناء وطني كحبات عقد من اللؤلؤ الثمين و لجأ كل مجموعة منهم إلى بلد مجاور في بلاد الشام و الرافدين اؤلائك الذين لم يستطيعوا الصبر على الاذى و فقدوا بيوتهم و اشقائهم و اولادهم ..
اجبروا على النزوح المر و تذوق طعم الغربة المر و عايشوا لياليها القاتمة المعتمة

فكانت الشعوب خير ملجأ لهم و خير معين و من جملة الشعوب هم شعب سوريا كانوا كعود من الخيزران من ضمن حزمة من العيدان تشد بعضها البعض بجوار كثير من الشعوب العربية ..

بينما بقي بعض من ابناء الشعب الفلسطيني مرابطاً في بيتوهم يحمون ما تبقى من البقاع الطاهرة يمنعون المحتلين من تدنيسها و تخريبها
قابضين على الجمر مستعصمين بالحق لأذين بركن الله الشديد الذي لا يذل من اتخذه ملجأً و ملاذاً ..
لا زلت اذكر عندما اغلقنا باب منزلنا الصغير و وقفت انا و امي و اخوتي الصغار خارجاً ننتظر ان تأتي سيارة الاجرة لكي نخرج في نزهة كما وعدتني امي حينها و اقنعت اخوتي الصغار ايضاً ..
كان عمري لا يزيد حينها عن سبعة اعوام او ثمانية لا ادري
من يهتم بعدد السنين هذه الايام !
لا احد لو كان احد ما يهتم لذلك الامر لما مضى على خروجي في تلك النزهة خمسة عشر عاماً ! !
اجل خمسة عشر عام مضت و انا برفقة امي و اخوتي أحمد و إيناس ..
امضينا هذه الاعوام و نحن نتنقل من بلدة لأخرى و من بيت لأخر لم نستطع الأستقرار في منزل معين حتى في غربتنا ..
تصور ان تكون مغترباً في بلد الغربة ايضاً

كنا نسكن المنزل عاماً ثم يأتي صاحب المنزل ليطلب الإجار فأقف انا بعتبة الباب نافضاً كفايَّ معلناً الافلاس و طبعاً و كعادة الكثير من البشر المتحجرة قلوبهم لا يهمهم إن كنت حقاً تملك المال أو لا ..

لا يشغلون تفكيرهم بأين ستنام هذه العائلة
أين يتبيت امرأة في ريعان شبابها و معها اطفالها الثلاثة الايتام .. !

نسيت ان اخبركم انني يتم أو كنت يتيماً فلا يتم بعد البلوغ
اعترف انني كنت دائماً فظ اللسان حاد الطبع مع كل من تسول له نفسه ان يتكلم بحرف واحد يزعج امي

نعم فأنا ابن انتفاضة الحجارة و لم اخرج من بيتي إلا لأنني علمت ان بقائنا يعني الذل على ايدي الظالمين فكان لابد لي من ان اكون السد المنيع في وجه ذلك ...

اتعلمون لقد بتنا لياليَّ في العراء في الحدائق في المساجد في ... لا اريد ان اكمل

اتسائل فقط ما ذنب امي ما ذنب اخوتي ليعيشوا ذلك تلك المأساة و يروا حجم الظلم و الكم الهائل من القسوة ..

لا زال صوت نحيب امي في الليل و هي تبكي تناجي الله ان يساعدنا و يعطف علينا

ربما كنت انا شطر المساعدة التي حصلت عليها لطالما تشاجرت مع اصحاب البيوت مع اصحاب المحلات التجارية ..

لم اكن شقياً او متعدياً على احد و لكن بالله عليكم ماذا سيحدث لو اخذت حبات الطماطم ال ... لن اصفها بما يزدري نعمة الله هكذا علمتني امي
فلنقل عنها انها التي كان يرمي بها صاحب المحل للدجاج و الحيوانات

كنت احاول اخذها دون ان ازعج احداً فقط لكي تقوم امي بطهيها و تجهيز طبق ما يأكله اخوتي على العشاء او على الغداء فلطالما نمنا و نحن لم نأكل سوى وجبة واحدة فقط دون ان يدري احد بذلك

عشنا فترة عصيبة في السنوات الأولى حاولت فيها العمل بأي مهنة لأسد بها حاجتنا بعد ان تعطف احد الجيران علينا بقبو صغير كان قد جعله مستودعاً للبضائع فاقتسمنا منه بضعة امتار و اقمنا جدران بيتنا المتواضع من الاقمشة البالية و الكرتون المقوى و الحمد لله استطعنا الاستقرار بمنزلنا هذا لمدة عامين ..

و في احد الايام بينما كانت امي تصلي التراويح في شهر رمضان المبارك في المسجد القريب و برفقتها اختي إيناس إذ تنبهت إحدى النساء الموجودات بالقرب من اختي و سمعتها تقول بصوت اشبه بالبكاء " امي لقد تعبت و انا جائعة هل يوجد سحور ! "
ظنت المرأة ان اختي جائعة من الصيام فقط فاخرجت قطعة حلوى من جيبها و اعطتها لأختي فلم تمد يدها و خافت من اخذها


اجل هذا ما علمتنا اياه امي " نحن فقراء لكننا لا نستعطف الناس و الله هو الرزاق "

نظرت إيناس لأمي فأشارت لها بأن تأخذ الحلوى من يد السيدة فمدت يدها و اخذت تلك الحلوى و جلست السيدة تمسح على رأسها و تعبث بخصلات شعرها الذهبي الناعم و نظرت لأمي بباتسمة بريئة و قالت : لازالت صغيرة على الصوم يا اختي فلتنتظري سنة على الاقل

فنظرت إيناس للسيدة و قالت ببرائة الأطفال : لست صغيرة استطيع الصوم لكن امي لا تيقظني لتناول السحور ...

كل هذا و امي تتبسم و تتظاهر بأنها بخير و تحاول اسكات إيناس ...

استغربت السيدة و نظرت لأمي متعجبة من كلام ايناس و قالت لها : احقا ذلك يا اختي !

بالبداية انكرت امي الامر و تحججت بأن إيناس نومها ثقيل

لكنها لم تستطع ا الكتمان اكثر فانفجرت بالبكاء و غطت عينيها تحاول كتم تلك الدمعات المنهمرة على خديها ....

يتبع ...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي