الفصل الثالث

وصلت في رفقة العم ابو غيث الى الورشة ، لقد كانت عبارة عن صالة كبيرة و واسعة ، و كانت توضع آلات و معدات الخياطة في صفوف و كان هناك الكثير من الموظفين و العمّال ، و لقد كانت الصالة مقسومة الى قسمان ، القسم الذي في جهة اليمين كان خاص للذكور أما القسم الذي في جهة اليسار كان خاص للاناث ، كان الجميع قد بدأ في عمله دون أصوات او كلام او احاديث فلقد كان الجميع يعمل بصمت ، ثم اقترب مني العم ابو غيث و قال لي بأنه يتوجب علي بأن أبقى في جانبه و هو سوف يقوم في اختيار عملي ، لقد كان يبدو العم ابو غيث حكيم جداً و لكن كانت ملامح وجهه تبدو عليها الحزن الشديد ، تفاجئت من ذلك لكنني موقن بأن كل شخص منا لديه هم مختلف عن الآخر و هذا ما بجعلنا نصبر على عيش حياتنا ، فمن يعلم ما هو سبب ذلك الحزن و الأسى الذي يظهر على وجهه رجل كبير في السن شاب شعره و بُح صوته ذو لحية طويلة مرتدياً لباسه التقليدي و قد لف رأسه بعمامة حمراء اللون كالتي يرتديها الناس في سوريا

ثم أخذ بيدي
العم ابو غيث و جعلني أجلس في جانبه و بدأ يسألني عن دراستي ثم أجبته بأنني لم أدرس و ذلك بسبب عملي من أجل مساعدة والدتي و توفير الطعام و الشراب لعائلتي ، ثم أبقاني جالس في جانبه ، و بعد قليل ورد العم ابو غيث اتصال ثم طلب مني مرافقته و رافقته الى خارج الورشة و اذ بشاحنة محمّلة بالقماش فلقد كان العم ابو غيث قد أوصى عليها سابقاً من أجل ورشته الخاصة ، ثم نزل المحاسب و بدأ في الحساب قائلاً

_لقد طلبنا القماش بقيمة خمسون ألفاً و لقد سحبنا منهم سابقاً بقيمة سبعون ألفاً و نريد التوصية على طلبية اكبر فإذا يترتب علينا

و بدأ ينظر الى آلة الحاسبة و يقوم بحساب الكمية ، لا أدري كيف قاطعتُ حديثه و أجبتُ قائلاً لهم

_ اذاً يترتب عليكم دفع مئة و عشرون ألفاً و لكن ان أردتم التوصية على طلبية أكبر يمكنكم ايداع النصف أي ستون ألفا

فالتفت جميع نحوي يبحثون عن مصدر الصوت فرأو شاباً في مقتبل العمر و اقترب نحوي ذلك الرجل ممسكاً دفتره و اقلامه ناظراً إلي بكره و قال لي بنبرة اشبه بالتوبيخ : و من انت يا هذا !

فرد عليه العم ابو ايث قائلاً : اسمه محمد و هو معي يا حسام

فتراجع حسام لمكانه و عاد يكمل عمله فنظر لي العم ابو غيث و قال : هل ما اجبت به صحيح يا محمد ؟
فهززت رأسي مجيباً : طبعا يا عم العملية بسيطة

فأشار لي بأصبع ان اسكت و عاد و التفت إلى حسام الذي يعمل محاسباً عنده و قال : عندما ينتهي عملك احضر إلى الفواتير يا حسام انا في مكتبي

و عاد ابو غيث نحوي امسك يدي و قال : هيا تعال نعي يجب ان اريك اقسام العمل و المنتجات ...

تمشيت بصحبة العم ابو غيث و هو يطوف بي ارجاء الورشة بينما يريني انواع الماكينات و يلقنني اسماء الاقمشة و انواع الخيوط ...

ثم نزل بي إلى القبو و فتح الباب و اشعل النور
و دخل هو امامي و وقف في منتصف القبو و قال : هذا يا محمد هو مشروعنا الجديد ان شاء الله

فرددت عليه مجيباً بأن : لم افهم قصدك يا عم ما الذي يوجد هنا القبو فارغ !

ابو غيث : حالياً ... حالياً فقط يا محمد و لكن بعد فترة قصيرة سترى القبو ممتلئاً بماكينات تصنيع الاقمشة الحديثة و سنتمكن من تطوير عملنا يا بني ...

هيا تعال معي سنذهب إلى مكتبي يكفيك عملاً هذا اليوم

امسك بيدي و عاد متوجها إلى الطابق العلوي تخطينا قاعة العمال و توجها إلى احد الممرات حيث غرفة الاستراحة و مكتب المدير و مكتب المحاسب فتوقف ابو غيث للحظة و نظر إليَّ قائلاً : ادخل إلى هذه الغرفة و احضر لنا كوبين من العصير و تعال يا محمد
فأسرعت إلى الغرفة لاجهز ما طلب مني ثم عدت إلى الخلف متقهقراً و نظرت له بطرف عيني صائحاً : ماذا تريد ان تشرب يا عم !

ابو غيث : لا فرق ليكن على ذوقك لا مشكلة

هززت برأسي مجيباً بالقبول و دخلت فرأيت الة العصير بها حزانات من كل اصناف العصير ملأت كوبين اثنين و عدت لألحق بالسيد ابو غيث و توجهنا إلى مكتبه ...

وصلنا إلى المكتب و كان عبارة عن طاولة كلاسيكية صغيرة تشبه تلك التي توضع في الدوائر الحكومية تتوسط غرفة متواضعة فجلست انا و العم ابو غيث على الكراسي متقابلين لبعض و امسك كوبه و قال لي : اخبرني يا محمد كيف علمت الاجابة عندما كنا بالخارج و انت لا تملك الة حاسبة و لم تدرس حتى ؟

شبكت اصابعي ببعضهما و قلت له : بصراحة لا ادري يا عم لكن امي تقول انني موهوب بالحساب و لا يصعب عليَّ شيء بهذا الخصوص ..

ابو غيث : والدتك .. اجل لقد حديثتني زوجتي عنها قليلاً قلي كيف صحتها و هل تقوم على رعايتها جيدا ؟
فخفضت رأسي بدون ان اجيب بشيء فعلم ابو غيث انني لا احب ان اتكلم عن امي بشيء امام احد فتبسم لي و قال لا عليك نؤجل هذا الكلام لوقت لاحق
قلت لي انك موهوب بالحساب اليس كذلك ، اممم جميل ربما ستساعدك هذه الموهبة يوماً ما يا بني

طُرق الباب و دخل منه ذلك الرجل النحيل ذو الانف الطويل المدبب بمشيته التي تشبه مشية الطاووس بالتكبر رافعا رأسه للأعلى " انه حسام ذلك المحاسب اللئيم " ...

القى التحية على ابو غيث و وضع امامه كشوفات حساب و فواتير و قال : تفضل هذا حساب هذا الشهر امامك انا انتهى عملي اليوم سأعود غداً لنتحقق منهم مع بعضنا البعض

ابو غيث : حسنا بأمان الله يمكنك الانصراف

خرج المحاسب و هو يرمقني بنظراته و كأنه يكره رؤيتي و اغلق خلفه الباب

فقلت للعم ابو غيث : ما بال هذا الرجل احس انه لا يحبني ابدا
ابو غيث : لا عليك انما هي اطباعه الحادة فقط فهو هكذا مع كل الناس فعليك ان تتحمل منه قليلا فظاظته و غلظته ...

و الان قل لي ما رأيك ان نراجع هذه الاوراق مع بعضنا لنرى قوة ذهنك و مهارتك بالحساب

فأجبته بفرحة : من دواعي سروري يا سيدي

فوضع كفه على كتفي و قال : عم نادني يا عم اتفقنا !
فاجبته : كما تريد يا عم

بدأ العم ابو غيث يقلب الاوراق على مهل و نحن نراجع ما فيها و لم نكن نعلم اننا امام عملية نصب معقدة و سرقة احترافية ستفتح لي ابواباً جديدة و خطيرة في المستقبل مع عائلة الشيد ابو غيث . ..

يتبع ..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي