الفصل الرابع

في مكان اخر ..


استيقظت للتو على صوت قرع باب غرفتها كالعادة ،
فدائماً ما تزعجها شقيقتها الأصغر منها بثلاثة أعوام و التي اسمها رحيق ، فهي في كل صباح تستيقظ باكراً و تذهب راكضة الى غرفة اختها حياة و تبدأ في مناداتها و قرع باب غرفتها الى ان تستيقظ ... ،
فتستيقظ حياة بعد كل الازعاج التي تواجهه منذ الصباح ، نهضت حياة من سريرها ثم توجهت الى الحمام نحو المغسلة ثم بدأت بغسل وجهها من أجل ان تصحو و تستفيق ،
ثم توجهت حالاً الى مكتبها الصغير الذي خصصته في زاوية من غرفتها ، ثم أمسكت بقلمها و وضعت اشارة خضراء من اجل بداية يومها ، فهي دائماً ما تخطط من أجل يومها ، فهي تهتم جداً بالتخطيط و قاعدتها الأساسية و المستقرة هي "لا نجاح بلا تخطيط" ، فلطالما كانت حياة فتاة عملية ،
لم تكن تعطي أهمية لأي جانب من جوانب حياتها سوى جانب حياتها العملية و الدراسية ، بدأت في اختيار ملابسها كالعادة من أجل أن تستعد للذهاب الى جامعتها ، فهي بعد ان بذلت جهدها في الثانوية حصلت على معدّل عالي مما أهّلها لِأن تدخل في اختصاص طبي في قسم الأطفال ، و ها هي الآن على مشارف التّخرج من عامها الأول في الجامعة ، فلقد بقي اسبوع واحد على ابتداء اختباراتها النهائية ، اسبوع واحد و تبدأ عطلتها الصيفية الطويلة و التي سوف تمتلئ بمخططات حياة و تحضيرها للعام الجديد ، فهي في كل عطلة صيفية تبدأ في الاستعداد و تهييء نفسها من اجل الفصل الدراسي الجديد ..

و بعد ان ارتدت ملابسها و وضعت حجابها و جهزّت حقيبتها بعد ان ملأتها بكتبها الخاصة في مواد اليوم بحسب برنامج محاضراتها و وضعت طعام من اجل الطيور كالعادة ، فهي دائماً ما تأخذ في رفقتها طعام خاص من اجل طيور الحمام التي تصطف دائماً في الحرم الجامعي بكثرة ، و بعدها توجهت الى الأسفل بعد ان وظّبت و رتبت غرفتها ، و أقبلت الى المطبخ حيث كانت والدتها تعد لها الإفطار في رفقة شقيقاتها رحيق و نسيم ، تقدمت في اتجاه والدتها و قبلتها من وجنتيها ثم بدأت في الحديث قائلة لهم :

حياة : لن أشارككم في الفطور اليوم فلقد تأخرت و يتوجب عليّ الذهاب حالاً من أجل أن لا أفوّت أي معلومة مهمة من المحاضرة و لذلك الى اللقاء

مدت يدها ام غيث لكي تعطيها وجبة الطعام بعد ان وضعتها في علبة مخصصة لحياة و قالت لها موجهةً في كلامها

ندوى (ام غيث) : اذاً خذي لقد حضّرتُ لكِ الطعام ، يُمكنكِ تناوله أثناء الاستراحة ...

حياة : حسناً يا أمي شكراً لكِ

ثم قبّلت حياة يد والدتها ندوى و ودّعتهم جميعاً و اتجهت نحو باب المنزل لكي تخرج ، و اذ بالخالة سعاد على الباب ، فالخالة سعاد هي جارتهم حيث تسكن في جوار منزلهم بالظبط ، بدأت حياة في توجيه السلام عليها قائلةً لها

حياة : اهلاً و سهلاً خالتي سعاد ، تفضلي

الخالة سعاد : اهلا بك يا عزيزتي ، اين والدتك ندوى

حياة : انها في المطبخ تفضلي

الخالة سعاد : زاد الله من فضلك يا ابنتي ، هل انتِ ذاهبة الآن الى جامعتك

حياة : نعم يا خالتي سعاد فلقد تأخرتُ اليوم

الخالة سعاد : حسناً يا عزيزتي ، نعم صحيح فلقد سبقتكِ ابنتي رغد الى الجامعة في هذا اليوم

حياة : حسناً اذاً سوف القاها هناك في الجامعة

الخالة سعاد : بالتوفيق لكم يا عزيزتي

حياة : شكراً لكِ يا خالتي سعاد

ثم أكملت حياة طريقها نحو خارج منزلها ، بدأت تسير بين أذقة حارتها الهادئة بين نسائم الصباح و نسمات الهواء اللطيفة ، كانت تسير و موجهةً في نظرها نحو زهور الياسمين التي تمتلئ بها جدران حارتها القديمة ، فتراها كل ما مرّت من جانب زهور الياسمين تأخذ نفساً عميقاً لكي تتلذذ برائحة زهور الياسمين و كأنها فراشة تدنو من الياسمين لتشتم عبقه و عبيره و تأخذ من رحيقه ، أكملت طريقها نحو موقف الحافلة التي تقلّها دائماً الى جامعتها و بدأت تنتظر قدومها ، و بعد مرور ثلاث دقائق أقبلت الحافلة و صعدت اليها من أجل الوصول الى الجامعة دون تأخير ، فحياة لا تحب التأخير او التسيّب من دوامها ، فهي لطالما كانت ملتزمة جداً منذ الابتدائية ، جلست في مقعدها المعتاد بعد ان سلّمت على جميع صديقاتها و زميلاتها في جانب صديقتها ميسم التي ترافقها دائماً في الحافلة و في الجامعة و تشاطرها مقعدها في قاعتها الدراسية أيضاً ، كانت الحافلة خاصة فقط بالإناث فلقد اجتمع آباء الطلبة و وضعوا حافلة مخصصة لبناتهم اللواتي يذهبن الى الجامعة معاً و في رفقة بعضهم البعض دائماً ، بعد ان اتفقوا و أجمعوا على هذه الخطوة ، و لذلك كل من كان بالحافلة كان من الاناث فقط ، ففي المقعد الأول تجلس سهى في رفقة اختها التوأم نهي ، و المقعد التالي هو مخصص لحياة في رفقة ميسم و في المقاعد الأخيرة كانت هناك وداد في رفقة عائشة و خديجة ، اما المقعد الفردي و الذي يقع في جانب النافذة من الجهة اليمنى كان فارغ و ذلك لأن هيام كانت غائبة فهي كانت غائبة طوال هذا الأسبوع ، حيث كانت جميع الفتياة يتشاورن و يتهامسن عن سبب غياب هيام فهي لم تأتي منذ مدة اسبوع كامل مما جعلهن يتساءَلون عن سبب غيابها المجهول ، و بعد مرور عشرة دقائق على التمام وصلت الحافلة و توقفت عند بوابة الجامعة حيث الحرم الجامعي و كان قد بقيت عدة دقائق على ابتداء المحاضرة الأولى ..


. فضّلت حياة أن تُطعم الطيور كعادتها الدائمة قبل ان تدخل الى القاعة الخاصة بها ، فلقد توجّهت حالاً الى ساحة الحرم الجامعي ، فلقد كانت ساحة كبيرة و واسعة و قد كانت تبدو كساحة تراثية منذ القدم ، و كالعادة كانت ممتلئة بأسراب طيور الحمام الأبيض ، فدائما ما كانت حياة تحب تلك الساحة و ذلك بسبب وجود تجمع كبير من اسراب الطيور ..

جلست على مقعد خشبي في وسط ساحة الحرم الجامعي و بدأت تطعم الطيور و تدث بالطعام على ارض الساحة تارة و تطعم بعض الطيور القريبة منها في يدها تارةً اخرى ، لقد كانت تُرسم ابتسامة دائمة على وجه حياة عندما تكون في رفقة تلك الطيور و كأنها ترى السلام و تلحظه من وجودهم ، لقد كانت تشعر بلطف الأيام و رقّة اللحظات ، لقد كانت تشعر ببسمة و رفق القدر ..

انتهت من إطعامهم بعد أن أفرغت كل الطعام الخاص بالطيور الذي كان بحوزتها و نهضت من على الكرسي و توجهت نحو مدخل كلية الطب التي التحقت بها منذ عام من الآن و توجهت في دربها نحو قاعتها ، ثم دخلت و جلست على مقعدها المعتاد في قرب صديقتها ميسم ، و بعد دقيقة واحدة دخل الدكتور المسؤول عن مادة المقرر الأول كما وُجد في البرنامج الخاص بفصلها الدراسي لهذا العام ..

و بعد مرور ساعة على التمام انتهت المحاضرة الأولى و حلّ وقت الاستراحة و بدأت حياة في تناول الطعام الذي اعدّتهُ لها والدتها في رفقة صديقاتها ، فلقد كانت الفتيات المحجبات قد خصصن مكان لوحدهن من أجل تناول الطعام ، فكانو يقضون طوال فترة استراحة الغداء مع بعضهم البعض في صف الطعام كما يسموه ، و أثناء الطعام بدأنَ بعض الفتياة في الحديث عن موضوع غياب هيام

وداد : أشعر و كأن هيام تريد الانفصال عن الجامعة

ميسم : و من قال ذلك

عائشة : ربما ذلك بسبب غيابها الكثير

خديجة : مع الاسف سمعت بعض الاشاعات أيضاً عن انفصالها

بقيت حياة صامتة فهي لا تتدخل في شؤون الآخرين في العادة لكن عقلها و بالها كانا مشغولان في قصة غياب هيام ، لكنها لم تعر ذلك اهتمام فهي لا تريد التدخل في شؤون الآخرين و الأشياء التي لا تعنيها و بعد ذلك نهضت من مكانها و ذهبت متوجهة نحو القاعة من أجل أن تهيّء نفسها للمحاضرة
التالية و بعد مرور عدة ساعات و انتهاء دوامها و قفت في رفقت الفتياة تنتظر موعد قدو الحافة من اجل ان يعود جميعهم الى منازلهم ..

وصلت الحافلة و أوصلتهم الى منازلهم ، ثم توقفت حياة و لم تكمل في مسيرها نحو منزلها بل ذهبت في اتجاه منزل هيام ، و عندما وصلت الى منزل هيام دقت الباب مراراً و تكراراً لكن لم يكن هناك من مجيب و لم يفتح أحد الباب مما جعل حياة ان تقرر العودة الى منزلها ، لكنها بقيت تفكر أثناء عودتها عن غياب هيام عن الجامعة و عدم وجود أي فرد من أفراد عائلتها في المنزل مما أثار شك حياة أكثر ..

حلّ المساء و هي لم تنتهي حياة من دراستها و تحضيرها لأول أختبار ، فتراها قد أقفلت باب غرفتها و بدأت في الدراسة لوحدها في صمت و هدوء و سكون بعيداً عن الضجيج و الزحام ، و اذ بأحد ما يدق باب غرفتها

حياة : من الطارق

رحيق : انا يا حياة

حياة : لقد اتيتِ مجدداً من أجل أن تزعجيني يا رحيق أليس كذلك

رحيق : لا لا على العكس ، فلقد أرسلني والدي من اجل ان استدعيكِ

حياة : حقاً

رحيق : بالطبع

فتحت حياة باب غرفتها و ما لبثت ان فتحته حتى اقتحمت رحيق غرفتها و بدأت في القفز على سرير حياة و اصدار الضجيج ، ثم لحقت بها نسيم و بدأتا بازعاج حياة معاً مما جعلا حياة تنزعج كثيراً من تصرفهما و تبدأ في الركض خلفهن من اجل الامساك بهن و معاقبتهن

حياة : سوف أُمسك بكن انتظرنني ، سوف القنكما درساً لن تنسوه

و بدأت حربهن المعتادة في اللحاق ببعضهن البعض ، على الرغم من فارق العمر بين حياة و رحيق و نسيم الا أنهن يظهرن و كأنهن من أعمار بعضهن ، فلقد كانت حياة فتاة ناعمة جداً ذات بشرة بيضاء و عينان خضراوتان برموش كثيفة و شفاه كرزية ، كانت ملامحها هادئة جداً ، اما شقيقتها رحيق فلقد كانت بيضاء ذات عينان عسليتان اللون و كانت طويلة القامة على عكس حياة فلقد كانت قصيرة و ناعمة نوعاً ما ، أما نسيم فلقد كانت تشبه رحيق كثيراً ما عدا لون عيناها فلقد كانت شهلاء العينان ، و كان جميع من يعرفهن يطلق عليهن اسم "الثلاثي المرح" ..

ثم انتهت حربهن بعد قدوم والدتهن فقد قامت والدتهن ندوى (ام غيث) في توبيخهن ، ثم عادت حياة الى الدراسة من جديد ..

عادت الى الدراسة من جديد و لكنها لم تتمكن من استجماع أفكارها فلقد كان بالها مشغول بسبب قصة هيام ، ثم قررت ان تنهض و تصنع قهوتها في نفسها ، فلطالما كانت قهوتها سر سعادتها ، فهي مولعة جداً في شرب القهوة و المطالعة ، تحب الهدوء و تهوى البساطة و تُعجب بالبسطاء أمثالها ، فهي تعلم و تدرك بأن التفاصيل الصغيرة و البسيطة قد تكون متعتها و سعادتها أكثر بكثير من الأشياء الفاخرة ..

توجهت الى المطبخ الخاص بهم و بدأت تعد قهوتها بكل سعادة و بعد ان انتهت من اعدادها وضعتها في كوبها الخاص و عادت الى غرفتها ، فتحت نافذة غرفتها لكي تتنفس العلياء و الهواء الممزوج بعطر الياسمين الفواح و بدأت ترتشف قهوتها و تقرأ كتابها الذي اشترته منذ مدة اسبوع فهي من أهم هواياتها اقتناء الكتاب ، ففي كل يوم أحد من الاسبوع تقوم بشراء كتاب ما و تبدأ في قرائته بحسب تخطيطها ، فهي فتاة تحب التخطيط و التدقيق و السير على الخطى و الدرب الصحيح ..

و فجأة وردها اتصال ما و لقد كان الاتصال وارد من جهة اتصال هيام ، مما جعلها تجيب حالاً على الاتصال الموجه من صديقتها هيام

حياة : هيام ؟

هيام : نعم هذه انا يا حياة ، كيف حالك

حياة : بخير الحمد لله و انتِ كيف حالك

هيام : بخير أيضاً ، كنتُ اريد ان اطلب منكِ طلباً

حياة : تفضلي ، اطلبي ما تشائين فان شاء الله اكون عند حسن ظنك و اتمكن من مساعدتك

هيام : اريدك ان تطلبي اوراقي الجامعية و تعطيها لخالتي مهى ، انتِ تعلمين منزلها

حياة : لكن لماذا ، بالاضافة الى انني جئت الى منزلكم و قرعت جرس باب منزلكم مراراً و تكراراً لكن ما من جدوى و لم يفتح لي أي أحد الباب ، فماذا هنلك و لماذا تطلبين اوراق جامعتك

هيام : كل مافي الأمر أننا انتقلنا الى محافظة أخرى و لذلك أحتاج الى اوراق جامعتي من اجل ان التحق في جامعة اخرى

حياة : حسناً اذاً ، كما تريدين سوف أجلبهم لك و أقدمهم الى خالتك مهى

هيام : شكراً لكِ يا عزيزتي حياة لكن هناك طلب آخر

حياة : العفو هذا من دواعي سروري ، ما هو الطلب الآخر يا عزيزتي هيام

هيام : في الحقيقة ..

حياة : ماذا هناك ، اكملي ..

يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي