الفصل الثانيي

فتحت جميلة عسليتيها بإرهاقٍ وتعب عندما شعرت بلكزات احدهم على ذراعها لتنتفض بقوة، نظرت الى المصدر فوجدته رجلٌ عجوزٌ ظهره منحني يبتسم لها بفمٍ فقد معظم اسنانه ونظرات عينيه زائغة وقد كان قريب للغاية منها وهو يهمس بفحيح امام وجهها:
-لقد جاء القطار.
استوعبت جميلة ما يقوله وهي تفرك عينيها بكسل، عندما رفعت عينيها لم تجد ادم الى جوارها، ظنت لوهلةٍ ان ما مرت به بالأمس لم يكن سوى حلم،
توقفت فجأة عن افكارها عندما لاحظت ان القطار يتحرك بالفعل، كانت حركته بطيئة ويبدو انه قد تحرك لتوه، اخذت حقيبتها وركضت برشاقة خلفه وما هي الا ثوانٍ وكانت قد وصلت اليه بالفعل لتتمسك بمقبض الباب قبل ان تقفز بداخله تأخذ انفاسها الضائعة وما ان انتظمت حتى اعتدلت تبحث عن مكانها.
وصلت الى غرفتها الخاصة في القطار كانت صغيرةً تحتوي على فراشٍ بالأعلى ومقعدٌ بالأسفل، وضعت حقيبتها في المكان المخصص لها ثم بحثت عن زر مكيف الهواء وقررت ان تنام اخيرًا،
كانت ستغير ملابسها مرةً اخرى قبل الوصول الى وجهتها لكنها قررت ان تنام بثيابها، اخرجت زجاجة المياه خاصتها ثم بللت ورقة محارمٍ تمسح بقعة الدماء التي تجمعت على الجرح ثم قامت بعقيمه.
اعتدلت تعتلي الفراش وهي تغمض عينيها في محاولةٍ للنوم ولكن هيهات فقد كانت جائعة للغاية ولا يمكنها النوم، زفرت بضيق ثم اعتدلت تبحث في حقيبتها على اي اموالٍ او شيء تتمكن من أكله ولكن دون جدوى فلقد صرفت اخر مبلغ لديها في حجز تذكرة القطار هذه.
نظرت الى الخارج بشرود تحاول ان تتقبل ان الدنيا تضيق عليها مرةً بعد مرة، تود ان بكت مرةً ثانية ولكن منذ متى الدموع كانت حل؟ فهي لن تملأ معدتها الفارغة ولن تعيدها الى الجامعة مرةً اخرى ولن تعيد اي شيء كالسابق، وبينما هي في وسط افكارها سمعت طرقات على الباب خفيفة،
تساءلت عن الطارق فأجابتها فتاةً رقيقةً انها النادلة في مطعم القطار، فتحت الباب ثم نظرت اليها لتجدها تحمل صينية بها بعض المأكولات، كادت جميلة ان تخبرها ان ترحل ولكنها قد احضرت الطعام بالفعل، اخبرتها انها لا تريده ولكن النادلة قالت بأدب:
-عذرًا انستي ولكن تم دفع ثمنه بالفعل لا يمكنني اعادته للداخل.
شكرتها جميلة بابتسامةٍ رقيقةٍ وهي تأخذ الصينية من يدها ثم اغلقت الباب خلفها، جلست على المقعد ووضعتها على قدمها وبدأت تأكل بنهم فلقد كان الطعام جيد حقًا،
كانت هي ستكتفي بشراء بعض القهوة مع قطع البسكويت لم تكن تحلم بخبزٍ محمصٍ بالزبد والى جواره مربى التوت الازرق والمزيد من الزبد مع الجبن المطبوخ ومعهم قهوة وزجاجة مياهٍ معدنية.
انهت طعامها تشكر الله على هذه النعمة قبل ان تبحث عن المرحاض حتى تغسل وجهها ويديها دون ان تلاحظ العيون التي تراقبها من بعيد والذي لم يكن غير ادم فهو من ارسل لها الافطار،
فعلى الرغم من كراهيته لهذه النوعية المستغلة من الفتيات الا انه لم يحتمل فكرة انها تتضور جوعًا، ما ان رآها عادت الى غرفتها مجددًا واطمئن عليها ذهب هو الاخر الى غرفته كي ينام قليلًا فلم ينم منذ الامس فقط قام بإراحة عينيه.
بعد ساعاتٍ طويلةٍ من السفر قضتهم جميلة في النوم استيقظت اخيرًا وكالمعتاد خرجت للمرحاض قبل ان تعود لغرفتها مرةً اخرى ثم اخرجت هاتفها تقلب به تتصفحه قليلًا تبحث عن اخر التطورات في وسائل التواصل الاجتماعي،
عندما دخلت على الصفحة المخصصة للجامعة كانت صدمتها عندما وجدت قرار فصلها من الجامعة في منشور تم تثبيته وكأنهم يقصدون فضحها واهانتها، لم تجد بد من حذف جميع حسابتها فلم يعد لها مكان في هذا الوسط بعد الان.
انشغلت جميلة بالنظر من النافذة ومازالت مشدوهة من الجبال الشاهقة والسهول الشاسعة بلونها الاخضر اليانع ترعى بها اغنام بفرو ناصع البياض وقد تلألأت اشعة الشمس فوق النهر الازرق مما اعطاها راحة لا مثيل لها،
على الرغم من كل ما عانته خلال اليومين السابقين وما ستعانيه عند عودتها للمنزل الى والدتها العجوز التي انجبتها بعد سنوات عديدة من الزواج،
ابتسمت بشجنٍ تشعر بالتعاطف مع والدتها التي عاشت طوال عمرها محرومةً من الاهل والمال وحتى الانجاب بعدما تزوجت لتأتي هي لها بعد ان فقدت الامل تمامًا وتنجبها،
ولكن؛ لم يكن هذا كافي فلقد كانت فتاة ووالدها اراد ولد يحمل اسمه، كما انها ولدت جميلة للغاية وهذا في حد ذاته كارثة، فهذا يعني شيء واحد في مجتمعات الارياف وهو العار.
اخر ما تريده جميلة الان هو ان تتذكر كيف مرت طفولتها مع والدها حتى توفاه الله اخيرًا وتركها مع والدتها التي ذهبت لخدمة قصر الاقطاعيين كما يطلق عليه الجميع من اجل جمع فتات الخبز والمال فقط من اجل ان تصير ابنتها طبيبة ماهرة تفتخر بها وتعيلها.
تنفست جميلة بحسرةٍ وهي ترى اقتراب المحطة الخاصة بها فنهضت تخرج من حقيبتها عباءةً سوداء، ارتدتها متنهدة بقوة لتغطيها من اعلى رأسها الى اخمص قدمها ثم وضعت فوق رأسها حجاب اخفت به شعرها بالكامل وهي تحمل حقيبتها اسفله فلم يعد احد يراها،
ثم اتجهت الى باب القطار وهنا لمحت بطرف عينيها ادم يقف امام الباب التالي منها، خفق قلبها بقوةٍ كبيرة كالطبول عندما علمت انه في نفس القطار ويتجه الى نفس بلدتها فأخفت وجهها عنه وهي تنظر ارضًا، تعلم انه يبحث عنها ولكنها لن تنجذب الى فقير.
بحث ادم عنها ولا يعلم لما كان يتمنى ان يراها مرةً اخيرة او ان تكون على الاقل في نفس البلدة معه ربما سيسلي نفسه بها قليلًا فهو يملك مال اكثر مما يملكه اكرم بالتأكيد وهي تبحث عن الثروة على اي حال وحينها سيستمتع هو بكل هذا الجمال وخصوصًا نهر العسل في عينيها كان سيغرق به حد النخاع.
خرج ادم من المحطة ليجد سيارتهم تنتظره كي تقله، ابتسم بخفة وهو يتجه الى السائق الذي وقف ينتظره باحترامٍ والذي ما ان لمحه حتى فتح الباب بأدب
ما ان توقفت السيارة التي تقل ادم حتى هبط منها ووقف مثل التمثال يطالع المنزل الذي تم نفيه منه منذ ان كان صغيرًا، مازال لم يدرك ما هو الذنب الذي اقترفه حتى يتم حرمانه من شقيقيه ووالديه،
كل ما يتذكره او يظن ذلك هو أسدٌ بداخل المنزل يحاول الفتك به بينما والده يقف حائلًا بينهم يمنعه من ذلك، ومن العجيب ان الاسد لم يهجم على والده او اي شخص غيره وكأنه كان يضمر له الشر وبعدها سافر الى الولايات المتحدة الامريكية مع والده الذي اسس احدى شركاتهم هناك.
عاود ادم شعور الرهبة وهو يشعر ان هناك شيئًا ما بالجناح الغربي يراقبه، فنفض رأسه برفض لحاله ثم اتجه الى القصر وقد نجح في رسم ابتسامةٍ على شفاهه، صعد درجات السلم والتي بدت وكأنها نحتت بحرفية شديدة فالقصر بالكامل فوق تلة معزولة، وصل بعدها الى باب خشبي ضخم للغاية وكأنه صمم للعمالقة
قبل ان يطرق ادم الباب كان قد فتحه رئيس الخدم وهو ينحني له باحترام بعدها قام بإفساح الطريق له، دلف ادم بهدوءٍ يتجه الى غرفة المعيشة والتي تم فرشها حديثًا بأثاثٍ عصري وراقي بألوان هادئة تجمع ما بين اللون العاجي متناغمًا مع الاسود، السجادة من اللون الاسود الذي ظهرت به خطوطٌ من درجات البني ولمسة من البرتقالي يشبه الوسادات التي رصت على الارائك،
مما دفع ادم للابتسام فلابد ان هذه هي لمسة زوجة شقيقه الكبير ادهم، فقد تزوجوا بعد قصة حبٍ عندما تقابلوا في انجلترا حيث كان يدرس ادارة الاعمال هناك وها هم يملكون طفلةً ملائكيةً قامت والدتها بتسميتها سارة حتى يكون اسم عربي واجنبي في ذات الوقت.
كانوا يتسامرون فيما بينهم بينما يتناولون شاي المغرب مع بعض البسكويت، وما ان لمحوه حتى ابتسموا له ترحيبًا به بينما طالعته والدته بغضب وهي تنهض تحتضنه باشتياق قبل ان تبتعد وتقرصه من وجنته وهي تقول له بعتاب:
-أتيت من السفر على صديقك مباشرة ونسيت والدتك يالك من شقي.
عاد ادم احتضانها باشتياق يحن الى رائحتها ودفء حضنها، كان اكثر ما يشتاق اليه في هذه البلد هو ملمس والدته وحنان ابتسامتها وربتها على كتفه والتي تشبه اكثر اللمسات رحمة وانسانية،
ثم تركها لثوانٍ حتى يتمكن من القاء التحية على شقيقه ادهم والذي كان يبتسم له بمودة وهو يداعبه:
-اتغيب من عملي ليومين كاملين من اجل استقبالك وانت تركض على صديقك يا لك من ناكر.
ابتسم لهم ادم يحاول ان يبرر اسبابه عندما اقتربت منه اليزابيث تحتضنه تلقي عليه التحية، ووسط هذا الجو العائلي بحث ادم بحزن عن شقيقه الاوسط أيهم يعلم انه لن يجده فهو في احد المصحات بسبب مرض ما وراثي ولكنه يشتاق اليه حقًا فلقد كانوا مقربين منذ ان كانا صغارًا، حمحم ادم وهو يقول متسائلًا:
-هل هناك اخبار عن أيهم بعد؟ هل تحسنت حالته؟.
اشاح كلا من اليزابيث وأدهم نظرهم بعيدًا وكأن الامر لا علاقة لهم به بينما نهضت والدته من مكانها بتوتر، ثم قالت بصوتٍ غامض:
-هناك امرٌ مهم يجب ان اخبرك به ادم.
*********
في مكان اخر على النقيض تمامًا من قصر الاقطاعيين حيث القصر تم بناءه فوق تلة ولكن البيت تم تشييده على منحدر فأصبح من اول الاماكن التي تغرق عند حدوث سيول،
عند تشييد القصر تم الاهتمام بكل تفاصيله حتى انك تجد الزخرفة والرسومات المحفورة اما البيت المتواضع وضع اساسه حتى يتمكن من بداخله العيش دون مراعاة ان تكون ادمية حتى، لم تحتاج جميلة حتى لطرق الباب المتهالك فما ان دفعته حتى فتح على مصرعيه نظرت حولها بقلبٍ منقبض عندما لاحظت ان هناك شخص ما ينام على الفراش.
اقتربت جميلة بسرعةٍ تنظر الى والدتها ذو الوجه الملائكي بهلع شديد، تعلم انه ليس من عادة والدتها ان تبقى في الفراش كل هذا الوقت،
كان اول ما فعلته انها تأكدت من وجود نبض لتتنفس براحةٍ بعض الشيء، كانت بشرة والداتها صفراء مثل طفل حديث الولادة مبتسر،
اجبرتها على فتح عينيها لتجدها من الداخل صفراء مثل الليمونة بينما تشققت شفاهها من شدة الجفاف.
وقفت تنظر الى والدتها بقلة حيلةٍ هي لا تستطيع ان تحملها على ذراعيها وتذهب بها الى المشفى كما انها لا تعرف احد لتطلب مساعدته فخرجت من المنزل تبحث عن شخصٍ ما حتى تذكرت صديقة طفولتها (هنا) الفتاة المتواضعة والحنونة ذات القلب الابيض فأسرعت الى منزلها المجاور لها تسأل عنها بلهفة.
خرجت لها جدة هنا الطاعنة في السن بظهر منحني وعيون لا ترى من امامها تسألها عن هويتها، أجابتها جميلة بصوت مختنق تريد ان تنفجر باكيةً ثم سألتها عن مكان هنا لتجيبها انها تعمل في قصر الاقطاعيين.
تركتها جميلة ثم اتجهت راكضة نحو القصر فالجميع يعلم مكانه وحتى ان لم يعلموا فهو واضح للجميع بشموخه ووجوده فوق الجميع وكأنه يثبت مكانته،
ومثل سهم مشتعل وصلت بسرعة الى القصر وقد وقفت امام البوابة عدة ثواني عندما جاءها رجل في العقد السادس من العمر ببشرة سمراء وجلباب ناصع البياض والعمامة المماثلة فوق رأسه وهو يسألها بجمود وغلاظة:
-من أنتِ يا فتاة وما الذي تفعلينه هنا؟.
اخذت انفاسها المبعثرة وهي تخبره بصوتٍ متهدج انها تريد صديقتها الفتاة هنا فهي تعمل عندهم، نظر لها الرجل شذرًا ثم تركها وجلس على المقعد وقد اتكأ عليه بغرور لا تعلم من اين أتى به وكأنه يظن نفسه حارس باب الجنة ثم قال ببرود:
-ارحلي من هنا ممنوع دخول المتسولين.
لم يكن المسكين قد ادرك بعد انه ضغط على اخر ذرة طاقة احتمالٍ لديها الا عندما امسكت بتلابيبه واجبرته على الوقف ثم هدرت بصوت عالي:
-لم أحضر هنا من اجل التسول ولا يهمني اهل القصر او ما يملكونه فليحترقوا في الجحيم معك كل ما اريده هو صديقتي، اذهب الى احضارها والا كان اليوم هو نهايتك.
*********
وبالعودة الى ادم ووالدته صعد خلفها لا يمكنه ان يفهم لما تتصرف بهذا الغموض عندما يتعلق الامر بأيهم وبينما هي تتجه الى الجناح الغربي تلقي له بعض العبارات التي تبدو مثل احجية على غرار ان شقيقه لم يذهب الى مصحةٍ من قبل وانه مازال هنا في القصر ولكنه اختلف عن الطبيعة التي يعرفها، وان الحلم او الكابوس الذي ظل يراوده لسنواتٍ لم يكن كابوس من الاساس، وهناك سببٌ مهمٌ لنفيه الى امريكا وهو من اجل حمايته.
لم يتفوه ادم بحرف فهو لم يعتاد ان يدخل في مجرى حديث لا يفهم معناه حتى يستوعبه، وصلوا اخيرًا الى بابٍ حديدي كبير يفتح بأرقام سريةٍ مثل خزائن البنوك فوضعت الام الرقم بسرعة وما ان فتح حتى دلفوا الى الداخل،
ما ان رأى ادم المنظر امامه حتى تراجع برعبٍ مسرعًا، امسكته امه من يده وهي تقول بصوت محذر:
-احترس ان بإمكانه الاحساس بخوفك، وبالمناسبة هذا اخاك أيهم.
لم يفهم ادم ما الذي تريد والدته ان توصله له بينما امامه خيال ما يمسك في نافذة غرفته ينظر للخارج وكأنه ينتظر شخص ما قبل ان يلتفت اليهم وهو بصوتٍ رخيم يكاد يكون مفهوم:
-لقد أتت اخيرًا هي عند البوابة الان غاضبة فليذهب احدهم لإحضارها انا اريدها هنا والان.
كل ما فهمه ادم ان اخاه يريد فتاة ما من عند البوابة، ووجد انها الفرصة المثالية كي يتمكن من الفرار من هنا فقال بسرعة انه سيذهب لإحضارها،
كان الوضع اصعب من ان يحتمله عقله ظل يركض حتى وصل الى البوابة، اراد بشدة ان يصرخ بوجود وحش ما داخل القصر وان الجميع في خطر لكن ما ان وقعت عينيه على جميلة ذات الوجهة المخضب بالحمار من الغضب حتى اقترب منها بسرعةٍ وهو يسألها باهتمام:
-هل أنتِ بخير؟.
نظرت له بعيون دامعة وهي تنفجر به هو الاخر قائلة:
-وهل ابدو لك انني بخير؟ لقد عاملني كأنني متسولة والدتي تموت اريد انقاذها.
من الجيد ان ادم كان دائمًا يمتلك الفراسة وحسن التصرف، وبدون التفكير لمرةٍ ثانية اسرع الى مرأب السيارات ثم اخذ اقرب سيارة له بعد ان تأكد انها من الممكن ان تكفي لشخص نائم بالخلف،
ثم شغل محركها بعد ان وجد المفاتيح بها، انطلق الى البوابة فوجد جميلة بانتظاره فتوقف لها بأن تصعد بجانبه، ترددت للحظة قبل ان تحسم امرها بعد ان صرخ بها بأنه سيساعدها.
كان الوضع يجري بسرعة البرق، وخلال لحظاتٍ كان قد وصل الى المنزل المتهالك ثم حمل والدتها وتوجه الى اقرب مشفى ولكن ما ان نظر الى المبنى القديم امامه وقد علق فوقه يافطة قديمة كتب عليها مشفى حتى انطلق مبتعدًا.
فصرخت به جميلة لأنه لم يتوقف فأجابها بطريقة عملية:
-والدتكِ لديها اليرقان وستحتاج الى نقل دم وعملية جراحية واهتمامٍ شديد هل تظنين انها ستجد ما تحتاجه هنا؟!.
ادركت جميلة انه محق فصمتت تمامًا ولكنها تفوهت بكلمة واحدة "شكرًا لك" مما دفعه للابتسام قليلًا وهو يقود السيارة بأقصى سرعةٍ له تاركًا الكثير من التساؤلات داخل رأسها من هذا الرجل؟ وما الذي يفعله في قصر االاقطاعيين.
وان كان صديقها يومًا ما عيونه تبدو مألوفة لها للغاية لكنها ليست ما تبحث عنه، تساءلت أي الاقدار التي جعلتها تجتمع به خلال يومين في أحلك اوقات حياتها وكأنه ملاكها الحارس.
وصلوا اخيرًا الى عاصمة المدينة حيث الرقي والتحضر اكثر وبعد خمس دقائق كانوا امام مشفى تخصصي، اوقف ادم السيارة وهو يتجه الى الباب الخلفي قبل ان يحمل والدتها متجهًا الى الداخل فأشار الى احد رجال الطوارئ بطرف اصبعه فأتى له مهرولًا فقال بنبرةٍ مغرورةٍ بعض الشيء:
-انا الطبيب ادم العامري صاحب المشفى وهذه المريضة هنا تخصني.
خلال لحظات انقلب الحال فها قد أتى الاطباء وطاقم التمريض ومعهم نقّالة راكضين يحاولون تقديم كل فروض الولاء للمريضة ووهم يقومون بنقلها الى الجناح المخصص لها،
وما ان صارت بداخل الغرفة قاموا بتركيب حقنة الكانيولا ووضعوا بداخلها محلول ملحي ومسكن للآلام قوي، استغلت جميلة الوضع للحظات حتى تدخل المرحاض حتى تتمكن من الاستحمام وتغيير ملابسها بأخرى عصرية تحت نظرات ادم الغاضبة،
استفزه اهتمامها بمظهرها حتى في فترة تعب والدتها تفعل ذلك، بعد لحظات ظهر الاستشاري الذي قام بالكشف عليها ليخبرهم انه تمزق في المرارة ويجب القيام بعملية منظار حالًا.
حاولت جميلة ان تفهمه ان والدتها لا يمكن ان تحتمل مثل هذه العملية في مثل هذا العمر ولكنه اخبرها بكل بساطةٍ انها ان لم تقم بها سيتعفن الدم وستكون الوفاة من نصيبها،
ومن الواضح انها ضعيفة جسديًا ومناعتها ايضًا فما كان منها الا ان وافقت على مضض وخصوصًا ان ادم طمأنها انها بالمنظار وسهلةً للغاية.
بينما كانت والدة جميلة في غرفة العمليات احضر العامل في المشفى صينية تحمل فوقها بعض اكواب القهوة يقدمها اليهم مع بعض الحلويات لكن جميلة اكتفت بالقهوة وهي تقترب من ادم تقف امامه باستحياء ثم اخرجت هاتف حديث واعطته له قائلةً:
-اظن انك رأيت منزلنا وتعلم اننا لا نملك الكثير ولهذا ارجو ان يغطي هذا الهاتف ثمن المصاريف التي تكلفت بها.
نظر لها بتفحصٍ مخفيًا ابتسامةً ساخرةً فها هي تتصرف بنبلٍ بينما من قام بشراء هذا الهاتف لها لم يكن الا اكرم صديقه الذي قامت باستغلاله اسوأ استغلال،
يعلم ان الامر مجرد تمثيليةٍ منها وانها تعلم انه سيرفض وحينها ستحفظ دماء وجهها وستحصل على ما تريده ايضًا،
تذكر كلمات شقيقه الغير مفهومة بأنه يريدها فقرر ان يضرب عصفورين بنفس الحجر وهو يقول بتأكيد:
-لا يمكنني ان اخذ الهاتف منكِ ولكن ان اردتِ تسديد الدين الذي عليكِ فلتعملي في القصر لدينا.
ظهر الرعب على وجهها وهمست بصوتٍ منخفض:
-ولكن الوحش.. حسنًا موافقة ان كان هذا سيجعلني غير مدينة لك.
حدجها بنظرة متعجبة اذا هي تعرف الوحش ومن الواضح انها هي من يريدها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي