الفصل الثالث

صعدت الزعيمة عبر السُلم  الخشبى الى أعلى المبنى كعادتها عندما تود الجلوس والاختلاء بنفسها ،جلست على لوح من الخشب يتصل بطرفى السطح وهى تتنهد بقلة حيلة ،جلست الى جوارها بيسان بصمت تتركها حتى تتحدث وحدها ،نظرت الزعيمة الى الفراغ أمامها وهى تتحدث الى بيسان دون ان تنظر اليها_ماذا بعد بيسان ،ماذا علىّ أن افعل ،قاربت على عامى الواحد والعشرون ولكنى لا اجرؤ على فتح ما وصتنى به أمى بفتحه ،أخشى أن افتحه بعد أن يكون الاوان قد فات

بيسان بهدوء _فلتفحيه الان اذا
الزعيمة بتردد_أخشى أنى لا اتحمل ما سأجده ، ثم أكملت بألم _مازالت ذاكرهم وهم يتلفظون انفساهم الاخيرة أمام عينى ،لا أنساها
بيسان بألم_فليرحمهم الله ،لا تملى الدعاء لهم بالرحمة
الزعيمة وهى تهز رأسها بالنفى_لا انساهم ابدا ،ادعوا لهم دوما ،ثم اخرجت تنهيده مطولة وهى تقول_افتقدهم كثيرا وافتقد ابواى الحقيقيين
لتقول بيسان ببسمة تختلط بدموعها التى انسابت بعدما ذكرت الزعيمة والديها _كانا حنونين علينا جدا ،لم ارى أحد بمثل طبية قلبوهم تلك ،كانا يعتنيان بى واخى سفيان جيدا بعدما هربنا من ملجأ الايتام حيث كنا نُعَامل بقسوة  ولا آدميه هناك ،قررنا الهرب وترك المكان فالشارع احب الينا من
الذل والامتهان فى الملجأ مع أناس فقدت قلوبهم للرحمة ،بل اظن ألّا قلوب لهم ،لينتشلنا والداكِ الحقيقيين من التشرد والضياع ويتكفلان بنا ويؤويانا تحت كنفهم وحنانهم  الى أن ماتا رحمهما الله وعُدنا مرة أخرى الى التشرد والفقر ومن ثم بعدها تعرفنا عليكى ومنذ ذلك الوقت ونحن معاً لم نفترق

لتقابلها الزعيمة بابتسامة صادقه وهى تحاول التجلُد ومسح دموعها فهذا ليس وقت الضعف ابدا ....

" لابأس بقليل من الضغف والدموع  احيانا لنفرغ شحنه الحزن بداخلننا لنتمكن من الاستمرار قُدماً فى دروب الحياة العسيرة ،فإذا ما كتمنا حزننا بداخلنا ولم نخرجه فسوف نشعر باننا على وشك الانفجار  كالقنبلة الموقوته ولم نتمكن وقتها من السيطرة على انفسنا ،فالدموع تغسل الاحزان فسبحان من جعل الدموع رحمة لنا تخفف عنا ما نمر به ،الدموع ليس ضعفا ابدا وانما هى وسيلة لتحقيق الغاية وهى الشعور بالراحة بعدما اخرجنا طاقة الحزن والكبت داخلنا لنقف ونقاول ونحاول من جديد "بقلمى_ ام عائشه
لتقول الزعيمة_ولن نفترق أبدا بيسان فلا قوة فى الارض تستطيع تفريقنا ابداً الا بأمر الله ،اسال الله ان يديمكم نعمة فى حياتى
بيسان _بل انتى هى نعمتنا يازعيمة ،يعلم الله كم احبكِ ،لو كان لى اخت لم أكن لأُحبها هكذا ،لتحيطها الزعيمة بيديها وتمد يدها نحو بيسان تمسح بها دموعا عالقه بين اهدابها تأبى تركها وشأنها مطالبه بالمزيد والمزيد من الدموع،
لتسمعا صوت صيحات وهتافات تحت من الاسفل فتنحنيا قليلا بجسديهما وتميلان للامام وهن مازلن جالسات على ذاك اللوح الخشبى وتنظران لاسفل فى فضول لمعرفه السبب..
___
كان وسيم يلعب مع الاطفال  الغميضه ويحاول أن يجدهم واحداً تلو الاخر فلقد استطاع بمهارة ايجادهم وتخمين أماكن اختبائهم وعندما يجد أحدهم يمسكه ويحمله الى اعلى ويدور به فى سعادة ويقول_ امسكت بك ليصيح الصبى بفرحه وهو يُحمَل ويُدار به فى الهواء فتنتعش روعه البائسه ويمتلأ قلبه بالتفاؤل من جديد فهناك بارقه أمل فى الافق لتغيير حياتهم الى الافضل ،كان وسيم يشعر بأنه حُر طليق يلعب مع الاطفال باندماج كامل بكل جوارجه يحاول ان يعوض الاطفال ما حُرم منه ، الا يرى فيهم كسرة الفقد هذه، ليكسر المقولة الشهيرة ويضرب بها عُرض الحائط وهى " فاقد الشىء لا يُعطيه".
"ففاقد الشىء هو اكثر من شَعُر بألم الفقد والحرمان ،لذا عندما يُعطِى ،يُعطى بسخاء ،يُعطى حتى لا يرى غيره يذوق ألم الفقد هذا مثلما ذاقه هو ...يُعطِى ليعوض نفسه حرمان مر به ،فيشعر بلذة عندما يُسعِد من حُرموا مما حُرم هو منه "ام عائشه
لتتبسم الزعيمة بفرحه وتقول _يبدو أن هناك من يستمتع بوقته بالاسفل ،لننزل ونلهو معه نحن ايضاً

لتنظر لها بيسان بدهشه وهى تشاهدها تقوم من مكانها وتتجه نحو الاسفل لتشاركهم اللعب ،فقد كانت الزعيمة دوما حازمة لا تُظهِر سوى الجديه فى التعامل رغم حنوها على الاولاد الذين معها

لتراقبها من أعلى وهى تبتسم بسعادة لسعادة الزعيمة وسعادة الاولاد الذين معهم وتقرر مشاركتهم اللعب واللهو ايضا لتنزل بالاسفل سريعا ولكنها سرعان ما تتوقف مكانها لتتذكر انها مازالت لا تثق بوسيم فتتجه نحو أخيها وتجلس جواره لتجده مستمتعا بمشاهدتهم يمرحون هكذا فلقد مضى وقت طويل على رؤيتهم فرحين بهذه الطريقه
___
عندما شاهد الاطفال الزعيمة تلعب معهم وتشاركهم القفز والمزاح زاد حماسهم وعلىَ صيحاتهم  فى ارجاء المكان واخذوا يقفزون فى الهواء ،ويتضاحكون فيما بينهم ،نظر وسيم اليها بفرحة لمشاركتهم اللهو وأومأ اليها مبتسما ،فبادلته الايماء وهى فرحة بما يقدمه للاطفال
انتهزت بيسان انشغال الزعيمة باللعب مع الاطفال وقال لاخيها _سفيان
انتبه لها سفيان ونظر اليها قائلا باستغراب _ماذا هناك بيسان لما تخفضين صوتك هكذا ؟
بيسان_سفيان ابقه منخفضا لا اريد ان تسمع الزعيمه
سفيان باهتمام _ما الامر اختى
بيسان_الزعيمة قاربت على اتمام عاملها الحادى والعشرون ،ولم تفتح ما وصتها أمها بفتحه بعد ،الوقت يمضى ولم يتبق سوى شهر واحد فقط

سفيان بتفكير_معك حق،نحن لا ندرى ماذا تحتويه الحقيبه ،قد يكون هناك أمر يحتاج الاستعداد له ،ثم ان والداها اوصوها بفتحه قبل اتمام العام الحادى والعشرون
بيسان_اذا تحدث معها ،هى تنصت لك
سفيان _حسنا،سأحادثها فى الامر عندما اجد الوقت المناسب
بيسان بامتعاض _سفيان اقول لك لم يتبقى سوى شهر واحد
سفيان _حسنا حسنا ،سأحادثها غدا باذن الله ،ارتحتِ الان
بيسان وهى تتنهد _أجل  ،هذا افضل ،لا يجب ان تظل هكذا فى قلق واضطراب ،عليها ان تفهم مافحوى هذه الحقيبه
واثناء ذلك سمعا صوت الزعيمه تنادى عليهم لكى ينضمان اليهم فى اللعب _سفيان ،بيسان لما لا تنضمان الينا ،هيا تعاليا
نظر سفيان الى اخته الذى ابتسمت بمرح ،بدى سفيان مترددا فغمزت الزعيمه لبيسان فقامت بيسان بسحب يد اخيها لتجعله يقف عنوة ويشاركهم مرحهم ،فوقف سفيان مضطرا فشخصيته جادة بعض الشىء لكنه شاركهم مرحهم

حظوا جميعا بوقت ممتع الى ان تعبوا وجاء موعد نومهم ،قامت الفتيات بمساعدة بيسان لتحضير العشاء وقام الاولاد بترتيب المكان مثلما كان،
تناول الجميع عشاءه ثم خلدوا الى النوم .
صعدت الزعيمة الى السطح تنفرد بنفسها قليلا تتأمل السماء ،
لم يكن وسيم يشعر بالنعاس فى هذا التوقيت لذا

استغل الفرصه ليحادث الزعيمة فصعد اليها لاعلى قائلا _هل لى ان اجلس
_تفضل وسيم
جلس وسيم على بعيدا نسبيا عنها صمت قليلا وهى ايضا كانت كانت تجلس بصمت ثم تكلم وسيم قائلا
وسيم _ايتها الزعيمة هل لى  بسؤال
اومأت له بهز رأسها فقال_هل يعلم هؤلاء الاطفال القراءه او الكتابه،اقصد هل نالوا قسطاً من التعليم ؟
لتنظر له بأسف_للاسف لا ،لم تتح لهم الفرصه لتلقى  التعليم
ليحزن وسيم من أجلهم _يالا المساكين
_هل حصلت على فرصتك من التعليم وسيم؟
_أجل ،كان عمى يخصص لى معلما فى الصغر لتعليمى القراءه و الكتابه وعندما صبوت (اصبح صبياً)اصبح عمى هو معلمى ،كان يُحضِر لى الكثير من الكتب لاقرأها،كانت القراءه هى أنيسى الوحيد ،كان صديقى الوهمى الذى اسمع منه المعلومات والمفاهيم ،كنت اقرأ الكثير من الكتب العلمية لازيل الملل الذى كان يحيط بى ،أكمل وهو ينظر للسماء،كثيرا ما كنت اتمنى شريكا ايا كان احكى معه ثم نظر اليها مبتسما_تعلمين انا الان فى قمة سعادتى فأمنيتى الوحيدة قد تحققت اخيرا خرجت للعالم الخارجى ،اخيرا اجد احد اتحدث اليه ويسمعنى ويتفاعل معى ،لااظننى اريد اكثر من هذا

لتنظر اليه باستغراب_لم افهم وسيم ،اتعنى انك كنت تعيش وحيدا،الم تقل ان عمك كان معك !،ايضا لم تقل لى كيف تركت بلدتك وجئت تائهاً إلى هنا

تنهد وسيم ثم قال _سأخبرك بحكايتى
_أسمعك
_تربيت طوال حياتى بداخل شقه صغيرة لا اعرف فى اى بلدة تقع ولا موقعها حتى ،لم اخرج منها قط ،كان من يهتم بتعليمى هو عمى ،لا احد غيره قط سوى معلمى الذى علمنى مبادىء القراءه والكتابه والعمليات الحسابيه ،ثم تولى عمى تعليمى اللغات والعلوم ،لم اقرأ قط عن الثقافات لم اقرأ اى كتب اجتماعيه ،فقط كان يحضر لى الكتب العلميه وبعض الكتب المترجمه وكان يطلب منى ترجمتها الى ان اصبحت  بارعاً فى الترجمة والنقد
_ولمَ لم تخرج يوما ،اكنت مريضا مثلا
_لا انا الحمد لله كنت اتمتع بكامل صحتى ،لكن عمى كان يمانع خروجى
_ولمَ يمنعك ،اتقول لى انه منعك طوال العشرون عاما من ان تخرج او تقابل احد
وسيم بحزن_أجل ،يقول انه يُخبئنى من الذين قتلوا والدىّ ويريدون قتلى أنا ايضا فكان عليه اخفائى عن الانظار فلا يعلم بشأنى أحد فبذلك يحافظ على حياتى

ابتسمت بسخريه _أيسمى هذه حياة الذى جعلك تعيشها،اعزلك عن العالم كله خوفا عليك من القتل،كان من الممكن ان تموت مكتئباً وحدك ولا يعلم عنك أحد شيئاً،لمَ لم تحاول المجازفة والخروج للتعرف على العالم

_أنا لم أعرف لى أحد غير عمى الذى احبه من كل قلبى ،لم أرى والداى قط ،عوضنى هو عن كل شىء كان هو عزائى الوحيد على حياتى تلك ،لم اعارضه يوماً على شىء أمرنى به فأنا ادين له بالكثير ،فلقد طلبت منه كثيرا الخروج ،لكنه كان يرفض رفضاً قاطعاً ،ويقول انه لن يسمح بتعريضى للخطر ابدا فالخطر يحيط بنا فى كل مكان
لتقول وهى لم تقتنع بكلام وسيم ولا بجحه عمه فى عزله هكذا عن العالم _وكيف خرجت الان وتركت مكانك
_ذات مرة دخل على عمى وهو يرتجف من الخوف وقال لى انى ينبغى ان اخرج من هذا المكان فى الحال فلقد عرفوا مكانى ويخططون لقتلى ،كنت مزوهلا بما قاله ،مندهشا مما يحدث حولى ،لا ادرى كيف خرجت لاجدنى اقف فى الشارع خارجاً حيث تمنيت ان اكون يوما لاجده يطلب منى ،البقاء وحدى ومواجهه العالم بل ويخبرنى ان ارجع حقه وحق والدى ايضا ،ثم ابتسم بسخريه_كيف هذا وانا كالوليد هنا ،اتعرف على ما يدور حولى لاول مرة ،ليس لى تجارب سابقه فى اى شىء،احمد الله انى التقيت بكم ،أنتى انتشلتنى من هم كبير كنت به ومشاكل اكبر كنت بصددها ،شكرا لك يا زعيمة .
نظرت له بصمت تفكر فى كلامه استشعرت صدق حديثه
ليتنهد هو ويقوم من مكانه _لقد تأخر الوقت ،سأخلد الى النوم ،لنتحدث فى وقت لاحق ،تصبحين على خير يا زعيمة ،نظرت له وهو ينزل السلم الخشبى وهى تقول_تصبح على خير

اعادت رأسها للجانب الاخر فوجدت سفيان ينظر اليها
فنظرت اليه بدهشه _سفيان ألم تنم بعد ،منذ متى وأنت تقف هنا

سفيان بهدوء_لا انام حتى تنامى يازعيمة ،انا هنا منذ ان صعد اليك وسيم

شعرت الزعيمة بالفخر برجلها الصغير الذى يهتم بها ،نعم صغير فى السن لكن شخصيته كرجل راشد حكيم قالت _وما رايك فيما قاله

_لا أعلم ،كلامه غريب

_لكنه صادق،شعرت بذلك ،قالت ذلك وهى تدس يدها فى جيبها وتخرج ساعه وسيم _ولكن ساعته تلك من اين حصل عليها ،أله علاقه بهم ،أشعر أن عمه ذاك وراءه سر خطير

هز سفيان رأسه _أجل اظن ذلك صمت قليلا ثم قال _ربما لو فتحتى الحقيبه الان ،قد يفسر لنا الكثير
ابتلعت الزعيمة ريقها واجفلت عينها وقالت بتردد_أءنت أيضا تريدننى أن افتحها ،لا ادرى لما اخشى فعل ذلك ،اشعر انى لن اجنى سوى المتاعب من وراءها
_لم يعد هنالك وقت ،وصية والداكِ ،هى الا تفتحيها الا عندما توشكين على اتمام الحاديه والعشرون من عمرك
_حسنا ،مازال هناك شهر كامل فلنؤجل الامر لوقت لاحق

سفيان باصرار_بل الان افتحيها الان ،واجهى خوفك هذا فلربما تجدين أمراً تحتاجين للاستعداد له

_وما هو هذا الامر
_لا ادرى ،سنعرف عندنا تفتحينها

_الان ،الا تخشى الذين يلاحقوننى

_اعتقد انهم يلاحقونكِ بسبب الحقيبه التى ستفتحينها ،اخشى ان يسرقونها قبل ان نعلم ما بها
تنهدت بضق _معك حق ،ربما ان الاون لفتحها ،ان الاوان لحقيبه انتظرت كل هذا الوقت لتفتح الان ،من كان يظن ان اعيش لهذا العمر ،كنت اظن ان بعد ما حدث لوالدى انى لن اعيش دقيقه بعدهم

_اطال الله فى عمرك زعيمتنا،وبارك الله لنا فيكى
_وفيك بورك سفيان ،هيا تعالى معى سنرى ما السر الذى انتظر طيلة هذه السنوات لكشفه

نزلا بالاسفل وخرجوا من المبنى متجهين الى غرفتها السريه بحذر شديد
سفيان_سأرى اذا ما كان هناك أحد يلحق بنا أم لا والحق بكِ يا زعيمة
_حسناً
ضغطت الزعيمة على حجر ما فى الجدار لينفرج الجدار بفتحه صغيرة تسمح بمرور شخص واحد فقط مرورا جانبياً  لتدخل الى مكان صغير لا يسمح سوى لشخصين بالوقوف فيه ومن ثَم تدب الارض بقدمها مرتين متتاليتين لينفتح جدار آخر وتدخل هى غرفه واسعه نسبياً بها سريرا وطاولة موضوع عليها صندوق صغير  ودولاباً حجمه صغير حديدى لا يُفتح الا بطريقه معينة وقفت الزعيمة أمام الدولاب يُهيأ للناظر اليها انها ستفتحه لكنها لم تفعل وانما كان على الدولاب الارقام من واحد الى العدد عشرة ،اخذت نفساً طويلا ومشت بأناملها على الارقام بترتيب معين تحفظه هى عن ظهر قلب ليُفتح باب سريا فى الدولاب غير بابه الاصلى الذى يبقى الملابس داخله ،وانما بابا خارجيا كان جزءا من الدولاب الاصلى كانهم بابين خلف بعضهما البعض  لتظهر أمامها حقيبه سوداء اللون صغيرة عليها نفس العلامه الموجودة على ساعه وسيم ،لتمد يدها لتأخذها بيد مرتعشه وقلب مرتجف موجوع بدقات سريعه كأنها تعلن عن ناقوس الخطر ، وبانفاس مضطربه وشهقات متتاليه وأعين تذرف دموعاً بغزارة كأنها شلال لا ينضب ماؤه ،أحست أن الزمن عاد بها الى الوراء لتتذكر  عندما كانت صغيرة وتعيش بأمان فى كنف والديها الحبيبان
####
فلاش باك

كانت ترتدى الزى المدرسى الجميل الخاص ببلدتهم هو عبارة عن جيب وجاكيت زيتونى اللون واسفله قميصا من اللون الاخضر الفاتح المقلم بالخطوط البيضاء ،كان الزى جميل عليها رغم تواضعه فقد كانوا ميسورى الحال اقرب الى الفقر لكنهم كانوا يعيشون على الرضا بما قسمه الله
قالت ببسمة صافيه _أمى ،أنا جاهزة للذهاب للمدرسه
الام ببسمة حنون_ماشاء الله ياابنتى ،اسأل الله أن يحفظك وينور لك دربك
ابتسمت لها بحب ومن ثم احتضنت والدتها بسعادة_احبك امى
الام_وأنا ايضا احبكِ كثيرا ياابنتى
_أين أبى ،هل ذهب الى العمل
_أبيك ،يجلس بالغرفه الاخرى مع اصدقاء لنا ويود ان تلقى التحية عليهم
_حسنا أمى لا بأس
أمسكتها الام من يدها الى الغرفه المجاورة وبمجرد أن رآها الرجل والسيدة اللذان يجلسان مع والدها حتى هبا واقفين وفى اعينهم نظرات غريبه متناقضه لبعضها  ..لهفه..شوق..حنين...سعادة يشوبها حزن..فرحه يشوبها ألم ودموع تنسدل على خديهما ،ارتمت السيدة نحوها تأخذها بين ذراعيها وتنحنى للاسفل مستندة على ركبتيها لتكون قبالتها تماما وهى تقول_ندى ابنتى..كيف حالك حبيبتى ..اشتقت اليكِ كثيرا

لم تعرف الصغيرة ما تفعل فنظرت الى أمها التى اومأت اليها براسها ،لتربت الصغيرة على ظهر السيدة وهى تقول_أهلا بك يا خالة ،أنا بخير ،شكرا لك

ليقول الرجل بابتسامة حزينه_ياإلهى ما أجملها و الطفها ،فلتحفظها ياربى

ليقول والدها معرفاً اياهم _ندى هؤلاء اصدقاءنا واقاربنا ،جاءوا للاطمئنان عليك ،فلترحبى بهم ،هذا العم" أمين" وهذه  الخاله السيدة" زينب"
ندى مرحبة بابتسامتها البريئة العذبه_اهلا بك عم أمين ،اهلا بكِ خالتى زينب ،سعدت برؤيتكما كثيرا
ليقول أمين بصوت متحشرج_نحن أسعد يابنتى ،سعيد برؤيتك بخير وسلامه ،اقتربى لتجلسى الى جوارى أنا وخالتك زينب ،لنُملى اعيننا منكِ ونسعد بقربك فلربما لا نلتقِ ثانيةً

زينب_اعتنيا بندى جيدا فنحن نشعر أن نهايتنا قريبه
الام_لا تقولا هذا ،أطال  الله فى أعماركم وحفظكم من كل سوء 
أمين وهو يحيط الصغيرة ندى التى لم تبلغ من العمر أكثر من تسع سنوات فقط وباليد الاخرى يمسك يدها بحنان بالغ  ويقول بحزن دفين_ما كان ينبغى علينا أن نكون هنا ولكن كان علينا أن نرى ندى وترانا ولو لمرة  واحدة فقط ،فقد تكون المرة الاولى والاخيرة ،كان سيكون صعب علينا ان نرحل دون أن نراها

زينب بحزن مماثل_وهى تسند رأس ندى الى صدرها،كم كنت اتمنى ان تربى ندى وسطنا لكن ما باليد حيلة ،واعرف انكم ستحيطونها بحنانكم وترعونها بحب صادق
لتقول الام بالم _ربما تتغير الاحداث يوما وتنصلح الاحوال وعندها لن تكونا بحاجه الى الاختباء اكثر

أمين_لا اظن ذلك،هو يضيق الحصار علينا كثيرا هذه الاونه،لا ادرى أنى له بهذه القوة والنفوذ،اظنه استطاع كشف هويتنا وسيجدنا قريبا

الوالد_لا بارك الله له،له من الله ما يستحق ،حسبنا الله ونعم الوكيل
طبع أمين وزينب كل منهما قبلة مطولة على رأس ندى يبثونها فيها كل الحب .. الوداع ..وكانهم يتركون قلبيهما معها وهما يقولان_استودعكِ الله ياابنتى ،فلتهتمى بنفسكِ جيدا ولا تسمحى للحزن بالسيطرة عليكِ ،عليكِ التغلب على حزنك والمضى فى طريقكِ قُدما،كونى قوية ياندى ولا تسمحِ لاحد بان يكسرك ،استعينى بالله دائما وتوكلى عليه فهو خير معين

لم تكن ندى تعى ما يحدث حولها من هؤلاء ولم الحزن يسيطر عليهما هكذا ولما يبكيان عندما رؤوها ولما يقولان لها هكذا

ارتديا معطفيهما وغطا وجههما بغطاء الراس ومن ثم نظرا بنظرات غامضة مطولا الى ندى التى كانت تنظر باستغراب لصنيعهما قبل ان يرحلا ويختفيا عن انظارها  ،سألت ندى والدتها باستغراب_أمى مابهما ولما يقولان هذا لم أفهم شيئاً

لتُخفى الام دمعه تجاهد فى السقوط حزنًا على ما يحدث مع أمين وزينب فما يحدث معهم تُدمى لهم الاعين حزنا على ما عانوه فى حياتهم لتقول بحزن_مساكين ادعى لهما ،لعل الله ينجيهما مما هما فيه
ليقترب الاب من ندى وزوجته ويقول بوجل_أخشى أن يصيبهم مكروه
لتقول الام  وهى تشعر بالخوف على ابنتها_ندى لاتذهبى اليوم الى المدرسه ،فلتبقى معنا هنا
ندى باستغراب _لما يا أمى أنتِ لا تحبيننى أن اتغيب عن المدرسه !
الام بارتباك_أ..أنا اريدكِ معنا هنا اليوم
ندى بفرحة لانها ستتغيب عن المدرسه _حسنا أمى سأبقى معكم ،لتأخذها الام بين يديها وهى تمتم _لا حول ولا قوة الا بالله .
قضت ندى معهم طيلة اليوم بسعادة غامرة ، صنعت لها امها ما تشتهيه من طعام وجلس الى جوارها والدها يعلب معها بالدمى القطنيه التى صنعتها لها أمها ،كانا يريدان ان يعوضاها عن حنان والداها الحقيقيين ،يريدان أن يكون بذاكرتها ذكريات سعيدة لها معهما ،ذكريات تجعلها تبتسم رغما عنها ،ذكريات تنسيها هموما قد تمر بها يوما ،ذكريات تجعلها تدعوا لهما دائما بكل الحب والامتنان ان يغفر الله لهما ما اقترفاه من ذنوب عسى يتقبل الله دعاء تلك الصغيرة ،
مر اسبوع ولا جديد يذكر ،تذهب ندى كل يوم الى المدرسه ومن ثم تعود لتجد والدتها قد اعدت لها طعام الغداء ووالدها قد جاء فى استراحه الغداء ليتناول  طعامه ومن ثمَ يعود ليكمل عمله مرة أُخرى ،
أما العم أمين والخالة السيدة زينب لم ترهم مرة أُخرى ولم تسمع عنهم شيئا منذ ذلك الحين
ذات مرة انهت ندى يومها الدراسى ومشت فى طريق عودتها الى منزلها البسيط ،
وجدت بعد النساء تنظرن لها بشفقه وحزن ،احداهما تضرب كفاً بأخرى وتقول _يالها من مسكينه ،مازالت صغيرة على تحمل هذا
والاخرى تنظرلها بأسف وتقول_عوضكم الله خيرا منه
لم تكن تفهم لما ينظرون ويتهامسون هكذا ،لكنها شعرت بعدم الاارتياح وان هناك خطب ما ،وما اكد شعرها هذا هى وجود سحابه دخان كثيف يخرج من مكان بالقرب من بيتها ،أجل الدخان كان ينبعث حيث يكون بيتها لتتسع حدقه عينها عندما تظن ان هذه السحابه الشديده من الدخان مصدرها بيتها ،لتكمل بقية الطريق عَدْوا حتى تصل الى البيت بسرعه ،لتسمع احداهن تقول _ياالهى لقد كان حريقا ضخما للغايه ،لم يستطع الرجال السيطرة عليه وانقاذ اصحاب البيت
_مساكين اصاباتهم بالغه الخطورة  ،آمل أنت ينجيا منها 
_لا اظن فهما كانا متفحمين للغاية

لتقف ندى أمام بيتها التى تأكدت أنه هو من يحترق بصدمة وتتصنم محلها قدماها متيبستان فى  محلهما كان يمكنها الحراك وهى تشاهد باب بيتها يقع بعد أن اصبح رمادا وكل ما بالمنزل قد اصبح حطاما فى حطام،انسابت دمعاتها على خدها الصغير تنظر الى طيف منزلها الذى اصبح لا يصلح لشىء ،وتحول كل شىء الى خراب ،وضعت يدها على اذنها وتهز رأسها بعنف تحاول أن تنفى ما تسمعه من السيدات حولها ،عقلها الصغير غير قادر على استيعاب بعد ما يحدث او ما قد حدث بالفعل ،لكنها فجاءه تذكرت والداها فانحلت عقدت قدماها وتقدمت سريعا نحو الحطام الذى ينبعث منه الدخان الكثيف الذى يصيب مستنشقه بالاختناق وهى تنادى_أمى ،أبى أين أنتما

ليحاول ابعادها رجل ما عن هذا المكان فالمكان مازال ساخنا وقد تحترق من شدته او تصاب بالاختناق من الدخول بداخل منطقه الدخان الكثيف ،لتحاول ابعاد يدها منه وهى تقول _اتركنى ،اريد ان ارى والداىّ ،ثم صاحت بصوت عالٍ،أمـــى ،أبــــى ،اتسمعاننى !
انتظرت ان يأتيها الرد ولكن لا إجابه ،لتحرر يدها من قبضه الرجل وتجرى نحو الحطام مرة أخرى وهى تبكى _أمى ،اريد أمى ، فيقول رجل آخر بتأثر_انهما فى المشفى دعينى اوصلك الى هناك
____
كانت حالتهما متأخرة كثيرا فقد اصيبوا بحروق من الدرجه الثالثه فى جميع انحاء جسدهما وبالرغم من حالتهما الصعبه تلك كانا لسانهما لا يفتران عن ذكر ابنتهما ندى ،يريدون ان يروها على وجه السرعه ،كانت الممرضات المسئولات عن حالتهم تشفق عليهم كثيرا وتمتم بحزن_لا حول ولا قوة الا بالله
والاخرى تقول_يبدوا ان ندى هذه ابنتهم ،اتمنى ان تاتى باسرع وقت احس انهم يلفظان انفاسهما الاخيرة
الممرضه الاخرى بصدمة وهى تضع يدها على فمها _ماذا تقولين!!!
_ألم تسمعى كلام الطبيب ،حالتهم متاخرة جدا ،لن يصمدا طويلا
لتسمعا صوت رجل قادم ومعه فتاة صغيرة يقول برجاء_ارجوكِ ،هذه الصغيرة تريد ان ترى والداها
لتقول الممرضه وهى تنظر للصغيرة _أهذه ندى
ليومئ الرجل برأسه فتقول _حالتهما لا تسمح بالزيارة لكنهما يصران على رؤيتها لعلها تكون اخر امنيه لهما ،لتجفل عينى الرجل وهو يقول_ألهذه الدرجه حالتهما حرجه !
لتنظر له بأسف وهى تقول_الله قادر على كل شئ ربما تحدث معجزة ما فينجيان
امسكت الممرضه الصغيرة ندى التى كانت لا تكف عن البكاء من يدها وادخلتها الى حيث يرقد والداها ،كانا محاطان بالشاش من كل مكان فى جسديهما والكثير من الاجهزة متصلة بهما
عندما تراهم الصغيرة على هذا الحال تترك يد الممرضه وتهرع اليهما _أمى ابى ،ماذا حدث لكما
،لينتبها لها ويحاولان مقاومة آلامهما وينظران اليها بأسف شديد حاولت الام مسك يد ندى لكنها لم تستطع من شدة الحروق بهما لدرجه انها فقدت قدرتها على الحركه،مدت الصغيرة ندى يدها لتمسك بهما بحذر شديد فهى تراهم يتألمان كثيرا وقالت ببكاء_شافاكما الله ،ما الذى حدث ولما انتما هكذا ولم بيتنا تفحم ،لم كل هذا فجاءة
تركتهم الممرضه وخرجت ليحظوا بالخصوصية قليلا
تكلم الاب بضعف بالغ _ندى ..اسمعينى يا ابنتى فليس هنالك وقت ...هناك امر هام لابد ان تعرفيه يا ابنتى،انتبهى جيدا لما سأقوله ولا تنسى منه حرفاً واحدا
لتقول الام بألم_ندى ،انتِ تعرفين كم نحبك تعرفين قدر معزتك فى قلوبنا ،لكن الحقيقه ياابنتى أننا لسنا ابواك الحقيقيان
لترفع ندى حاجبيها بصدمه وتفتح اعينا على وسعها _ماذا تقولى يا أمى
ليكمل الاب وهو يجاهد ليخرج صوته _ندى ابنتى ،نحن من ربياكِ فقط ،اتعرفين الرجل والسيدة التى زارانا قبل اسبوع مضى ،هما ابواك الحقيقيان ،هناك من يطاردهم ويريد قتلهم فخافا عليك وجاءوا بكِ الينا لنربيكِ كابنتنا حماية لكِ ممن يريدون البطش بهم ،كانا يترددان علينا كلما سنحت لهم الفرصه ليطمئنا عليكى وقبل اسبوع جاءا ليودعانكِ ،للاسف ندى ماتا مباشرة بعدما خرجا من عندنا ونظن انهما قُتلا
كانت ندى لا تصدق ما تسمع ،اهى فى حلم ام حقيقه عقلها الصغير لا يتحمل هذه الصدمات الكبيرة والمتتاليه
ليخرجها صوت امها تقول_ندى ابنتى تماسكى من أجلنا ،انتى ابنتنا التى لم ننجبها ،ندى هنالك امر هام عليكِ معرفته،والداكِ قبل ان يرحلا اوصيانا باعلامك عن مكان سر ما وطلبا منا الا نخبرك بهذا السر الا عندما تصلين للعام الحادى والعشرون من عمرك ولكن ...ولكن.. لم تستطع الام قول انهم سيتركانها هما ايضا ويرحلان
_لابد ان تعرفى مكان هذا السر الان ندى ولكن لا تفحيه ابدا ولا تحاولى الا عندما تقتربين من عامك الحادى والعشرون ،اطال الله فى عمرك ابنتى
الاب_ندى اسمعى السر موجود فى مكان سرى لا يعلم بشانه سوانا ووالداكِ فقط انه فى .... وهنالك طريقه للدخول هناك.... وطريقه فتح الدولاب هى ....
اسمعى ياابنتى اعرف انك ذكيه لا تنسى هذا ابدا ابقيه فى ذاكرتك لحين وقته ،ولتعلمى ان والدك الحقيقيتن كان يحبانك كثيرا ونحن ايضا
الام_سامحينا ياابنتى فنحن لم نستطع ان نوفى بوعدنا لهم بحمايتك والاهتمام بك ،استودعكى الله
ليسود الصمت المكان ويغلق الابوان اعينمها للابد وتسكن روحهما الطيبه وتصعد الى بارئهما ،ليسمع صوت صافرات الجهاز ،دليل على توقف النبض ،فتدخل الممرضات مهرولات تنظرن للاجهزة بصدمة وتنظرن لندى التى تقف محلها لا تفقه شيئا اشياء كثيرة متضاربه حقائق ،صدمات ،اسرار ،سكون ،تصنمت محلهما تحملق فى والداها الذين اغمضا اعينهما وصمتا عن الكلام ،لتأخذها الممرضه بأسى من اجلها _فلتأتى معى حبيبتى
لتقول ندى_اتركينى ،اريد ان ابقى مع والدى ،لم صمتا كانا يتحدثان منذ قليل ،قالا انهما يحباننى فلم تركانى هما ايضا ،اقتربت منهم واخذت تهز جسديهم  بيدها_هيا افيقا لا لا ترحلا بعيدا وتدعاننى وحدى ،ماذا افعل من دونكما ،مازلت صغيرة ،من سيحنو على بعدكما ،الى من سأسكن وقد كنتما لى الماوى والسكن كنتما لى الدفء فى ليالى الشتاء الباردة ،كنتما وسادتى التى انام عليها ،عكازى الذى اتكأ عليه لاقوم وأقف من جديد ،كنتما لى الدرع الحامى من غدر البشر ،لم رحلتما وتركتمانى بلا ماوى بلا سكن بلا عكاز بلا وسادة وبلا درع ،لم يتبقى لى شىء ،كيف سأعيش دونكما ،قولا لى
لتربت الممرضه على شعرها بحنان وشفقه_الله لا ينسى احد يا ابنتى فليتولاكِ الله برحمته ،وليرحمهما الله ،هيا تعالى معى ،لابد ان نحضرهما ليتم دفنهما

_لا اتركينى ابقى معهما قليلا ،اتركينى انعم بوجودهما حتى لو كانت روحمها ليست بجسدهما ،اقتربت منهم والدموع تنهمر بغزارة وطبعت قبلة على جبين كل منهما بحنو بالغ كأنهما طفل رضيع تخشى ايقاظه وهى تقول _فليرحمكما الله حبيباى ،هل تسمحان لى بالتمدد الى جواركما ،اقتربت من فراش أمها وصعدت اليه وافترشت الى جوار امها الراقدة احتضنها بشدة وشددت من احتضانها وتركت لنفسها العنان لتبكى بشدة وضعف وشهقاتها تعلو وتهبط
كان منظرها يقطع نياط القلوب وقفت الممرضات متأثرات بهذا المنظر أمامهم لم يستطعن منع الصغيرة من اخر حضن لها بين يدى والدتها ،تركوها الى ان اخرجت ما بعجبتها من بكاء علها ترتاح الى ان غفت من شدة البكاء والتعب
_____
####
عودة للوقت الحالى
فاقت من ذكرياتها على يد تربت على كتفها فانتفضت فزعه فوجدت بيسان وسفيان ينظران اليها بحزن يعلمان انها كانت تتذكر ما حدث ،بمجرد ان راتهم الزعيمة حتى ارتمت بين ذراعى بيسان تبكى بمرارة وتقول بصوت متحسرج مختنق _لقد رحلا بيسان ،رحلا ،اشقت الهما كثيرا ،اذكر ذلك اليوم كأنه أمس ،تركتها بيسان باحضانها فترة من الزمن الى ان هدأت تعلم كم عانت وكم تقاسى الان
عندما هدأت الزعيمة مسحت دموعها بظهر يدها وهى تقول_لا لا استطيع فتحها الان اعذراننى ،قالت ذلك وهى تناول سفيان الحقيبه
اخذها منها ليعيدها مكانها مرة اخرى فالزعيمة اطلعتهم على كل شىء اخبرها به والداها
سفيان _حسناً سأعيدها ،مشى فى طريقه نحو الدولاب ومد يده ليدخلها به ولكنه سمع الزعيمة تقول وهى تنظر ارضا بوجه جامد بعد ان اغمضت اعينها وفتحتهم مرة أخرى _انتظر سفيان ،سأفتحها ،لابد ان اعرف ما فحواها ،اظن بسببها قتل والداى، ووالداى  الحقيقيان ايضاً ،وبسببها يلاحقوننى ايضا
اقترب سفيان ولتفتحها
ليقول _لا بل انت من سيقوم بفتحها ،ناولها اياها ،اخذتها منه بيد مرتعشه لتفتحها و لتزيل القماش الذى عليه والذى اصبح باليا بعض الشىء بمرور الزمن لتجد علبه قطيفه بنفسجيه اللون بها نفس شعار الساعه ،نظرت فى أعين بيسان وسفيان الذان اشارا لها باعينهنا لتفتحها ،تنهدت باضطراب وهى تفتحها بتردد لتجد .......
__ ____
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي