لعنةالأختفاء

Mohamed82`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-03-18ضع على الرف
  • 66.5K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الاول..

الفصل الاول ..
لن تعرف كم انت قويا حتي يصبح كونك قويا هو الاختيار الوحيد الذي تملكه
في الحكايات والقصص التي نقرأها نعتمد كثيرا علي انها خيال لا يرقي لان يصبح واقعا ، قد يصيبنا هذا الشعور بالاحباط احيانا اذا ما كان هذا الخيال من الروعة حتي اننا لا نصدق ان هناك من يعيش هذه السعادة في الحقيقة ، وقد نشعر اننا محظوظين كثيرا لاننا بعيدون عن هذا النوع من الحكايات التي تفتق ذهن الكاتب عنها واخرج لنا احداثا مخيفة او صادمة قاسية ، في كل الاحوال نصطدم بان ما نقرأه ليس حكاية كل يوم التي نعيشها حين نصحو ونغلق عليها عيوننا ونحن نتجه للنوم ، وغالبا ما نجد كثيرا ممن هم حولنا يعيشون مواقف نتألم لمجرد سماعها أو يتجه شعورنا نحو الخوف ، مواقف كثيره ، قضايا كثيرة ، خوف ورهبه ، هروب والم ، حب ومشاعر ، وايضا اختفاااء ، لكن في حكايتنا هذه جزء كبير من الحقيقة ، فقد حدثت تلك الاحداث بالفعل باحدي الاماكن القريبة مني كثيرا ، حدثت لاناس اعرفهم ، اناس من لحم ودم وليسوا حبرا علي الورق ، او احرف تترابط علي شاشة حاسوبي بعد بضعة ضغطات علي ال كي بورد ، ليست احدي الحكايات التي علي طرف اصبعي ، انها ما نطلق عليه مستوحاة من قصة حقيقية ، ابطالها بشر يتحركون بيننا ندركهم احيانا ونغفل عنهم كثيرا ، لكن حين تتحول تلك الاحداث التي وقعت بالفعل الي حروف مقروءة تظهر هذه العلاقة التي بين الكاتب وابطال روايته ، بين الراوي وشخصيات حكايته ، علاقة اشبه بعلاقة الخالق بالمخلوق ، ورغم انها شخصيات يعرفها الا انه يضفي عليها ابداعه الخاص ، يحركها بارادته ويضيف اليها ما يريده ويحذف عنها ما لا يعجبه ، بالنهاية هي نتاج عقله مهما تشابك الخيال والواقع ، سيترك القارئ يلعن بعضهم ويقع في غرام آخرين ، ويسقط متعبا من الاعياء بعدما لهث وراء خيوط وهمية كي يحل لغز احدهم ، بالنهاية مهما تلاقت خطوط الحقيقة مع الرواية ، لا تصدق سيدي القارئ كل ما اتلوه عليك من احداث

حطت الطائرة التي تستقلها بارض مطار اسطنبول بعد رحلة قصيرة من أزمير ، كانت قد عاهدت نفسها الا تقطع هذه الرحلة ابدا طيلة عمرها ، لكن هذا الغياب الذي استمر عشرة ايام دون حس او خبر من توأمتها أيسل ، غياب جعل أسيل تتراجع عن عهد قطعته الا تعود لتلك المدينة التي تدهس الغرباء تحت الاقدام ان لم يكن لديهم من يساندهم خلال وجودهم بها ، لم تكن من الذين يخضعون لاحد ولا ينحنون لعواصف ولا يتملقون اشخاصا ، قررت ان تعود الي حيث مسقط رأسها رغم غياب الام والاب بعد الحادثة التي فقدتهما فيها لكن أيسل ، اختها التوأم ،اصرت علي الا تعود ، هي راقصة البالية التي تحلم بيوم ستغزو فيه الشاشة الفضية بجمالها الآخاذ ، كما انها واقعة في الحب ولن تستطيع ان تتخلي عن حب حياتها كما اسمته ، طوال عام تراسلها كل ليلة قبل ان تنام تخبرها بكل اخبارها بمكالمة فيديو تضحكان خلالها وهما يرويان احداث اليوم الذي عاشته كل منهما بعيدة عن الاخري ، حتي جاء هذا اليوم الذي لم ترد فيها علي مكالمتها ، انتظرت ان تخبرها عما اعاقها عن الكلام معها يوما بعد يوم ، لكن بعد ثلاثة ايام اضطرت للحديث ويونس ، حبيب أيسل الذي قررت ان تظل باسطنبول من اجله ليخبرها انهما تخاصما منذ ايام ولم يسمع منها خبرا منذ ذلك الحين ، اغضبها بروده وتجاهله لعدم ظهورها بالفرقة التي ترقص بها ، لكنه فسر لها غيابها انها ربما هربت مع آخر كان سببا لهذا الشجار الذي كان بينهما ، لم يقنعها بكلماته رغم انها لاحظت توتر أيسل في مكالماتها الاخيرة، لكنها تعرف ان أيسل قد تهرب من يونس ولكن لن تهرب منها ابدا ، لجأت لتوركو صديقتها المقربة لكنها لم تكن ذات فائدة هي ايضا ، فقد كانت في رحلتها مع صديقها او حبيبها خارج اسطنبول لا تعرف عما يجري بها شيئا ، كانت هاندا هي محطتها الاخيرة كي تطمئن علي توأمتها التي غابت لاكثر من خمسة ايام دون خبر منها عن سبب الغياب ، لكنها وجدت هاندا هي الاخري قلقة ، تحاول تطمئنتها وتحتاج للاطمئنان هي الاخري ، امر جعلها تزداد توترا وانزعاجا بعدما اغلقت ابواب الاخبار كلها عنها ، فليس لأيسل آخرين في هذه المدينة الكبيرة التي تيتلع االغرباء كل يوم ، وربما تبتلع اهلها ايضا ، انتظرت الي نهاية الاسبوع ولكن بعدها لم تقوي علي الانتظار اكثر من هذا ، قررت العودة للمدينة التي كرهتها يوما من اجل من احبتها عمرها كله ، قررت العودة لاسطنبول رغم مقتها لرائحة جوها وازدحام شوارعها وعجرفة اهلها ، قدمت علي اجازة مفتوحة من معهد الموسيقي الذي تعمل به مدرسة بيانو ، عاونها مدير المعهد علي الحصول علي تلك الاجازة بعدما اصبحت لا تقوي علي العمل في الساعات التي تحضر فيها ، تلفحها ريح اسطنبول وهي تمد برأسها لتخرج من باب الطائرة ، الاضواء تحيط بالمكان حولها ، من يري اسطنبول من نافذة الطائرة يعتقدها مدينة الاحلام بانوارها المضاءة كأنها سلاسل ذهبية واحجارا ماسية ، كان هذا حالها اول مرة أتت اليها مع أيسل ، لكنها وجدتها كابوسا لا ينتهي بالاستيقاظ ، كابوسا مستمرا علي مدار الاربع وعشرين ساعة كاملة حتي خلال النوم ، كان قرارها بالعودة لازمير ليس سهلا وخصوصا وهي تعود وحدها دون رفيقة عمرها ولكن لم تعد تطيق هذه الحياة التي يملؤها الخداع من حولها ، كان اول فراق لهما حاولتا ان تعوضاه بالمكالمات الليلية بينهما ولكن لم يكن ليعوض شوقها لعناق افتقدته ، ورائحة اشتاقت اليها ، والان ها هي تعود من اجلها مرة اخري ،
تناولت حقيبتها من فوق سير الحقائب لتجرها خلفها وتمضي خارج المطار لتسمع صوتا يصرخ باسمها في حماسة ، تلفتت نحو الصوت لتجدها تشير اليها والابتسامة تملئ وجهها ، تسرع اليها وترتمي باحضانها لتبكي لاول مرة منذ غابت أيسل ، تبكي كما لم تبك من قبل حتي يوم جنازة والديها ، تحيطها موجده بذراعيها وتضمها اليها بقوة وهي تربت علي ظهرها ، تطلب منها ان تهدأ ، تعدها ان يجدوها ، تقول هي هنا الان ولابد وان تظهر ، لن تظل مختفية كثيرا ، تأخذ منها حقيبتها تجرها و تتأبط ذراعها ، تخبرها انها اشتاقت اليها كثيرا ، تحاول ان تمازحها وهي تقول انها كادت ان تلحق بها بازمير بعدما ذهبت وتركتها تعاني وحدها مع وحوش اسطنبول ، لكن أسيل لا تستطيع الابتسام او حتي الكلام عن اسطنبول وما كان منها ، تقول في صرامة انها لابد وان تذهب للمخفر الان لتبلغ عن غياب أيسل ، لن تستطيع الانتظار حتي الصباح ، توافقها موجدة ، تقول انها كانت ستفعل هذا لولا انها لم ترد ان تفعل هذا قبل حضورها ، تطلب منها ان تذهبا الي البيت سريعا لوضع حقيبتها ثم ليذهبا بعدها للمخفر ، لكن أسيل ترد بانها لن تضيع ثانية اضافية لما ضاع من بحثها عن اختها المفقودة .
ترجلت أسيل بمجرد وقوف موجده بسيارتها امام المخفر التابع للمنطقة التي تقطن بها أيسل ، تسرع الي الداخل وتضطر موجده للركض وراءها لتلحق بها ، يسمعها وهي تطلب من احدهم ان تقابل الضابط المختص بقضايا التغيب ، لتسمع صوتا من وراءها يسألها عما تريد منه .
تلتفت الي الصوت ، ترفع رأسها الي وجهه تراه امامها بعيونه الخرزية يتطلع اليها باهتمام ، ترد بسرعة ان اختها مختفية منذ عشرة ايام وهي تريد ان تبلغ عن اختفاءها ، تري نظرة غريبة في عينيه ، وكأنه لا يصدق انها تبلغ عن شخص يهمها امره ، يقول هل توا تذكرت انها مختفية منذ عشرة ايام ، نبرة التهكم في صوته لم تغب عنها ولكنها مدركة لغياب المنطق في انتظارها كل تلك المدة للابلاغ عن مفقود او غائب ، ترد انها تريد الابلاغ الان ولا شأن لاحد باسباب تأخرها ، كانت موجدة قد لحقت بها في الوقت الذي سمعتها ترد بحزم علي هذا الشاب الاسمر الطويل الذي وقف يتابعها بعيون ساخرة و ابتسامة تؤكد تلك السخرية ، تقول موجدة موجهة حديثها له انها وصلت الان فقط من ازمير وهذا سبب تأخرها في الابلاغ ولكن لم ترد حتي ان تستريح او ان تذهب الي البيت قبل ان تبلغ عن اختفاء اختها ، الامر كله غريب من كل الوجوه ، تغيب الابتسامة عن وجه الشاب وهو يمد يده لأسيل و يقدم نفسه ، عمر اردوتش ، احد ضباط المباحث والمحققين بهذا القسم ، تمد أسيل يدها لتسلم عليه وهي تقول ، أسيل سانجو مدرسة موسيقي بازمير واخت ل أيسل سانجو المتغيبة منذ عشرة ايام دون ان تعرف لها طريق ، يشير لها كي تتقدمه في اتجاه مكتبه ، متجاهلا وجود موجده وكأنها غير مرئية ، تتقدم أسيل وتنضم اليها موجدة لتمشي بجوارها ، ، يسرع امامها ليفتح لها باب احد المكاتب لتدخل ، يشير الي احد مقعدين امام المكتب العريض لتجلس وتجلس موجدة علي المقعد المقابل لها في الوقت الذي يستدير ويلف حول مكتبه ليجلس علي مقعده وهو ينظر اليها متفحصا وجهها وملامحها ، بشرتها البيضاء الصافية وعيونها العسلية المبللة بدموعها ، شعرها الناري الذي احاط بوجهها فاضاف لها توهجا غريبا زاد من جاذبيتها ، شفتيها الوردية التي لا تنفك عن عضها باسنانها من التوتر الواضح عليها ، نظرتها الحادة المليئة باللوم المتحفزة للهجوم اذا ما استدعي الامر ، لحظة صمت غلفت المكان قبل ان يبدأ باخراج اوراقه وهو يمسك بقلمه يتكتك به في حركة تبدو عصبية بعض الشئ لاحظتها موجدة وغابت عن عيون أسيل التي لا تفكر سوي بماذا ستخبر هذا الرجل الذي بدأ كلامه معها باتهام مقنع لها بالتقاعس عن الابلاغ عن اختفاء عزيز عليها ، اتهام تتهم به نفسها كل ثانية قبل ان تراه في عيون الاخرين ، يبدأ باسئلته الروتينية عن اسمها ومحل اقامتها واسم المتغيبة ومحل اقامتها وعلاقتها بها ، كلها اسئلة اجابت عنها بسهوله وسرعة لتنهي هذا الجزء الاولي في التحقيق كي تبدأ بسرد ما تعرفه عن تغيب أيسل الذي لا تعرف ماذا تصفه ، هل هروب كما قال يونس او انه اختفاء قسري لا تجد له مبررا في رأسها سوي ان اذي لحق باختها جعلها تغيب دون انذار او سابق اخبار لها بهذا الغياب .تقول بصوت يرتجف انها لا تدري كيف تبدأ كلامها ، كل ما تعرفه ان اختها لم تتغيب عنها من قبل ، كانت دائمة الحديث معها رغم انهما تعيشان كل ببلد ، تقول ان اختها راقصة بالية باحدي الفرق المحترمة ليس لها علاقات غريبة او مشبوهة باحد ، تربطها علاقة حب باحد الشباب منذ ما يقرب علي العام ، يونس اوزديكان ، يعمل مديرا عاما لاحد فروع محلات ملابس عالمية باسطنبول ، تعيش مع صديقتيها توركو توران وهاندا لياز بسكن مشترك منذ ان تركتها أسيل وعادت الي ازمير ، اي ما يقرب من الستة اشهر ، لا تعلم لها اية اعداء .
تقول ان أيسل شخصية مرحة تحب الحياة و الحياة تحبها ايضا ، دائما ما كانت تقول هذه الجملة بثقة ، تقفز الدموع لعيونها وهي تكرر وكأنها تحدث نفسها * ان الحياة تحبها * ، كيف تتخلي عنها و تختفي منها بهذا الشكل الغريب ، يسألها عمر عن سبب تأخرها في الابلاغ عنها ، ترد انها كانت تنتظر ان تظهر بين يوم وآخر ، لا شك انها اخطأت ، ولكن كان لديها بعض أمل بعد كلمات يونس لها ، كانت تريد ان تصدق ما قاله ، يتعجب عمر ويسألها أية كلمات تلك التي جعلتها تنتظر عشرة ايام ، تقول بصوت خفيض ان يونس اخبرها انها قد هربت مع احدهم ، يعود ليتكتك بقلمه وهو يسألها اذا كان هذا امر قد فعلته اختها من قبل ، هل تظنها بالفعل قد هربت مع احدهم ، ترد بسرعة وهي تهز برأسها ان هذا امر مستحيل ، لو ارادت ان تترك يونس لتركته دون ان يرف لها جفن ، تقول ان أيسل هي النصف الجرئ منها ، لا تخشي شيئا ، لا تخاف من اظهار مشاعرها ولا تخفيها ، وحتي لو ارادت هذا ، فكيف تفعله معها ، تقول انها لم ترضي بعلاقتها بيونس في البداية ، رضيت فقط حين تمسكت به أيسل ، لكنها تعلم لو تركت يونس ما كانت أسيل لتعوقها عن ذلك ابدا ، بل قد تساعدها في الامر اذا ما طلبت منها المساعدة ، لم تكن لتخفي عنها انفصالها عن يونس اذا ما حدث انفصال ، وما كانت لتخفي ذهابها مع اخر اذا كان هناك اخر في حياتها .
يتعجب عمر اكثر ، يسألها باستغراب كيف استقبلت هذا الخبر من يونس اذا كانت لا تصدقه ، ترد واللوم بنبراتها واضح انها ارادت ان تصدقه ، ارادت بشدة ان تكون اختها تركته وهربت ، تجهش في البكاء وهي تقول ان هذا كان الحل الافضل لها كي ترضي بغيابها ، لكن ، تتوقف عن الكلام ، يسألها ، لكن ماذا .
ترد انها لا تدري كيف تصف الامر ، هو مجرد شعور لديها ، ينتبه وهو يحثها علي الكلام بوضوح اكثر ، تقول ان اخر مكالمات تمت بينهما لاحظت شرودا علي أيسل ، لا تدري كيف تفسر الامر ، يقول لعلها بالفعل وقعت في غرام اخر ولا تريد ان تبدو لها انها ستترك رجلا من اجل اخر ، ترد أسيل بتردد ، انها لا تعلم ولكن كلما فكرت في الامر تيقنت اكثر ان ارتباكها لم يكن لسبب عاطفي ، لاول مرة تشعر انها مترددة وبداخلها ما يمنعها عن الكلام ، يسألها عمر عما تقصده ، ترد بنبرات مرتعشة ، كأن هناك ما يخيفها او تتردد ان تقوله.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي