الفصل الثالث..

الفصل الثالث ..
يسمع صالح طرقا علي الباب ، يرد للطارق سامحا له بالدخول ، يُفتح الباب وتدخل موجدة برأسها علي استحياء ، تقول انها تود ان تتكلم معه قليلا ، يسرع بالقيام ليتقدم منها يطلب منها الدخول ، تقول ان أسيل معها ، يزيد في ترحيبه بهما ، يصافحهما وهو يشير لتدخلا ، تتقدما بارتباك ، يقول ان عمر سيصل بعد قليل ، ترد أسيل انها جاءت من اجله ، يبتسم في سعادة وهو يطلب منها الجلوس ، تعود لتجلس في نفس المقعد حيث كانت تجلس امام عمر ، وتعود موجدة لتجلس امامها ، يتركهما ويستدير ليجلس علي رأس المكتب حيث كان يجلس عمر ، يطلب منهما ان تخبرانه بما يمكنه ان يساعدهما به ، ترد أسيل انه يمكن ان يساعدهما كثيرا اذا ما اجاب علي سؤالها ، يقترب من حافة المكتب ويسند عليه مرفقيه وقد أنتبه اليها ، تنظر بعينيه فيرتبك لنظراتها ، تسأله من اين يعرفها ، يزداد ارتباكه ، يضحك بتوتر تراه وتلاحظه موجدة ، يقول انه رآها اليوم بهذا المكان منذ ساعة او اكثر قليلا ، تقول وعيناها لاتزال تخترق عينيه ، انها تقصد قبل الان ، من اين يعرفها ، يقصر عينيه وهو ينظر اليها ، يسألها ان كانت هي تعرفه ، ترد انها من تسأل ، لكنها ستجيب عليه رغم هذا ، هي لا تذكر انها قابلته او لمحته في مكان قبل اليوم ، لكن من الواضح انه رآها او قابلها قبل اليوم ، لايزال ينظر اليها نظرة متشككة ، تردف ، او رآي من هي تبدو مثلها تماما ، اختها مثلا ، يتنهد ويعود للوراء ليسند ظهره علي الكرسي ، يقول انه يعتقد انه رآها ، يصمت لثوان ، يقول او انه رآي شبيهة لها منذ ايام ، تزداد حماستها التي تظهر علي نبراتها وهي تميل بجزعها للامام تسأله متي ، يرد ولاتزال نظرة الشك بادية علي عينيه انه من يسأل هنا ، يحاول ان يدعي المزاح فيقول انه المحقق في هذا المكان ، تقول انها جادة في سؤالها ، لقد رآي اختها الغائبة ، علي الاقل يخبرها اين ومتي ، يرد بحزم انه مدرك لاحتمالية هذا الامر ، حتي انه سيتابع التحقيق مع عمر بخصوص ما رآه ذاك اليوم كي يحاولا الاستدلال علي كيفية اختفاء اختها ، يرتجف قلبها مع كلماته ، هل الامل لايزال قائما في عودة اختها اليها ، هل لم تتأخر كثيرا ، ترجوه بصوت ضعيف ان يجيبها لعل النار التي بصدرها تخمد قليلا ، تعود لتقول بعدما رأت صمته لتحثه علي الكلام انها قد تكون ذات فائدة لهم اذا ما اخبرها ، يكاد يرد حين يفتح باب الغرفة ويدخل عمر الذي بدا مندهشا لوجودهما ، يكاد صالح يقوم فيشير اليه عمر بعينيه ان يبقي مكانه ليتقدم منهم وقد احضر كرسيا يجره من امام المكتب الاخر ليضعه بجوار أسيل ويجلس عليه بعدما يحييهما ، يجلس صامتا وكأنه غير موجود ، لا تدري ما سبب هذه الارتعاشة التي اصابت جسدها حين وصوله ، ما سبب الارتباك الذي باتت عليه وقت جلس قريبا منها رغم انه لا ينظر اليها ، كان منتبها الي زميله يتابعه بعيناه ، تحاول ان تتذكر اين توقفوا في نقاشهم ، تسمع صالح وهو يسرد علي عمر سبب قدومهما ، تسمع همهماته وهو يتابع كلام زميله وقد ضم يديه بين ساقيه ، لا تستطيع الالتفات اليه لتري وجهه لكنها تسمع انفاسه ، تنزعج من هذا الشعور الذي تشعر به لقربه منها ، ليست في حال يجعل قلبها يتسارع لمجاورة احد الاشخاص ، ولو كان بمثل وسامته ، تعود من افكارها تلوم نفسها اكثر من ذي قبل ، هل جنت لتكون تلك مشاعرها وقد غابت اختها لا تعرف اين ، يلاحظ صالح شرودها ، يسألها ان كان هناك ما اخطأ بذكره الان ، ترد وقد عادت من شرودها انه لم يخطئ بشئ ، تلتفت فجأة ناحية عمر ، تتلاقي عيونهما فتتسارع دقات قلبها اكثر ، تتمالك نفسها وهي تسأله ان كان من حقها السؤال الذي طرحته علي زميله ام انها تجاوزت خطوطا حمراءا حين طلبت منه ان يخبرها اين ومتي رآي أيسل ، لم تكن تدري انه ايضا في عالمه يسرح بتلك الرائحة التي اخذت عقله منذ رآها للوهلة الاولي ، عيناها المتسعة يغلفهما القلق فيزيدهما جمالا وتوهجا ، قطرات الدمع التي استقرت بين جفنيها لا تغادرهما تزيدهما بريقا ولمعانا ، حركات شفتيها وهي تتحدث تثير لديه التساؤل عن طعمهما بين شفتيه ، يغمض عينيه ليوقف شلال الافكار التي تبعده عن مهمته ، لم يعرف عنه انه من أولئك الذين يستغلون الوظيفة لاغراضهم الخاصة ، يعود ليفتح عينيه وقد استقر فيهما نظرة جادة لا تنم علي شئ وكأنه ارتدي رداءا من ثلج ، ترتجف لنظراته ، يقول ان الكوميسار صالح لديه كل الحق في اخفاء تلك المعلومات في الوقت الحالي ، يحول عيناه عنها ويتجه بنظره الي صالح ، يقول رغم هذا قد يكون في معرفتها للامر عونا لهما في ادراك ما حدث ، يمط شفتيه وهو يقول لعلها تعرف افضل منهما هذا المكان او هذا الشخص ، يبدو عليها الابتهاج لكلماته ، تنظر الي صالح واصبعها يشير الي عمر الذي اكد كلماتها السابقة ، تقول بحماس ان هذا ما تقصده ، هي لن تفعل سوي ما يطلبونه منها ، لكن قد تستطيع ان تمدهم بمعلومات ، تتوقف للحظة ، تعود لتنظر الي عمر وقد عقدت حاجبيها ، تسأله اي مكان يقصد ، واي شخص هذا الذي يعنيه بكلامه ، فاجأته عيناها مرة اخري ، ألم يكفيها هذا العبق الذي يشتت انتباهه ، يتنفس عميقا ، يقول انه سيشرح لها الامر ، لكنه يعود بعدما رآها تتطلع اليه كطفلة تنصت لابيها ، يقول ان صالح افضل منه علي الشرح ، ينظر لصالح مشيحا بعينيه عنها يطلب منه ان يخبرها عما رآه لعلها تساعدهم في فك احدي عقد ذلك اللغز ، تستدير لتواجه صالح ، يشعر براحة وهي تبعد عيناها عنه ، يحاول ان يهدئ من تنفسه وهو يبتلع ريقه ، يشعر وكأنه متهم يحاول الافلات من أتهامه بجريمة ارتكبها ، يخبرها صالح انه رآي اخري تكاد تكون هي ، ترد باندفاع انها أيسل ، يستطرد انه رآها باحدي محلات الملابس النسائية الشهيرة باسطنبول منذ اقل من اسبوعين ، لاتزال تتابعه باهتمام هي وموجدة التي تراقب الجميع في صمت ، يقول انها كانت تقف مع احدهم ، شخص ممتلئ الجسم ، ابيض اللون ، منتفخ الوجه ، لديه شامة علي خده الايمن ، تصيح موجدة وهي تنظر لأسيل في اول كلام لها منذ جلست انه يصف يونس ، تضع أسيل يدها فوق شفتيها بعدما اصدرت شهقة تعجب وقد اتسعت عيناها بالدهشة ، تقول ان عليه ان يتذكر متي بالتحديد ، الامر مهم للغاية ، تعود وتسأله عن اسم هذا المتجر الذي رآها به ، يخبرها باسمه ، تعود لنفس حالتها ، تقول ان يونس هو المدير العام لهذا المتجر ، يزداد انتباه كلا من عمر وصالح ، تسمعه من وراءها يقول ان صالح رآها في اليوم الاخير قبل اختفاءها علي الاغلب ، يوجه كلامه لصالح يقول هذه آخر مرة شوهدت فيها اذا ، يقوم من كرسيه ، يتجه الي حيث يجلس صالح الذي يحاول ان يقوم للمرة الثانية فيدفعه عمر برفق ليعود مكانه ، يفتح درج مكتبه ويخرج الاوراق التي بها محضر الابلاغ عن أيسل يضعها فوق المكتب ، يعود ويخرج اوراقا اخري بها عمليات مراقبة هذا المتجر ، يتحرك ليأتي بالكرسي الذي كان يجلس عليه بجوارها ليضعه بجوار صالح وقد تحول الي المحقق عمر في هذه اللحظة ،  
ينظر الي الاوراق ويقارن بين التواريخ ، يقول ان ظنه صحيح ، هي كانت هناك في اليوم الذي توقفت فيه عن الاتصال بها ، يسمعها كأنها تحدث نفسها ، كيف ، يبدي تعجبه ، تنتبه ، تقول ان يونس اخبرها انهما تشاجرا ولم يعودا حبيبين ، يرد صالح سريعا انه رآهما يتشاجرا فعلا ، تعاود الانتباه اليهما في صمت ، يقول عمر انها قد تساعده بطريقة ما ، ترد انها ستفعل كل ما يطلبه ، يقول انه كان مقررا ان يزور هذا المتجر الان ، لكن ، ينظر الي ساعته ، يقول من الواضح ان الوقت تأخر علي هذه الزيارة ، هو يفكر في ان تقوم هي بتلك الزيارة في الصباح ، هو سيرافقها الي هناك وينتظر بعيدا ليري ردة فعل يونس هذا لرؤيتها ، حينها سيبدأ في اجراءته والتقصي في الامر بصورة رسمية اكثر ، تهز رآسها موافقة ، تعود لتسأله بقلق اذا كان هذا يعد تأخيرا في البحث عن أيسل ، تقول مفسرة سؤالها و الندم باد علي نبراتها انها تأخرت في الابلاغ عنها كثيرا والان سيتأخروا ليلة اخري في البحث ، يبتسم ، يقول ان ليلة اخري لن تزيد الامر سوءا ، بل انهم تقدموا كثيرا بالكلام الذي تم بينهم الان ، تنتبه لشئ دار بعقلها ، تلتفت لصالح وهي تسأله عن سبب تواجده بهذا المتجر ذلك اليوم ، تعتذر عن تطفلها فقد يكون ذهب مع حبيبته او صديقته ، تقول انها تقول هذا لانها لم تري محبسا بيده لتتوقع ذهابه مع خطيبته او زوجته ، يبدو بعضا من لانزعاج علي عمر ، لطالما اعجبت النساء بصالح ، هو دائم الابتسام ، دمث الخلق ، يعرف كيف يعاملهن ، يدرك جميع من حوله قدرته علي استمالة اي فتاة يريدها اليه ، وهي الان قد راقبت كفيه واصابعه وعرفت انه غير مرتبط باحداهن ، امر يضيق له صدره ، يرد صالح بابتسامته انه لم يكن هناك لامر شخصي ، كان هناك في عمل ، تتسائل باستغراب كيف هذا ، وما عمله في هذا المكان ، ولماذا تذكر اختها حتي انه اندهش لرؤيتها اليوم ، يتذكر عمر كلمات صالح ** ذات جمال غير اعتيادي ** ، تعود لتقول ** دقيقة ** تحول نظرها فجأة الي عمر تسأله كيف علم ان هذا اليوم بالذات كان يوم اختفاء أيسل ، ما تلك الاوراق التي امعن النظر فيها وتأكد منها ان التاريخ مطابق لتاريخ اختفاء اختها ، يرد بثقة ان هذا الامر يعد احد تحقيقاتهم السرية ، يقول هو امر لن يخبرها به الان ، ولكن قد يخبرها به في وقت لاحق ، لاتزال نظراتها تتقلب بينهما في شك ، تقول انها شاكرة لهما ما شاركاها به حتي الان ، تسأله ان كانت ستقابلهما في المخفر ام انها ستتوجه الي المتجر مباشرة لتقابلهما هناك ، يلاحظ عمر انها جمعت بينه وبين صالح في مهمة الغد رغم انه تكلم من قبل بصيغة المفرد ، كان سيصطحب صالح معه في كل الاحوال لكن سؤالها زاد في حالة الانزعاج التي اصابته ، يرد ان من الافضل ان تأتيا في الصباح الي هنا وليتوجهوا جميعا الي المتجر بعد مراجعة بعض الامور معا ، تنتفض واقفة تشكرهما ، تقول انهما اعادا لها بصيص من الامل بكلامهما تقف موجدة لتصافحهما بعدما صافحتهما أسيل ، تتوقف عند الباب لتلتفت اليهما مرة اخري ، تقول انها تعتمد عليهما ليساعداها كي تجد أيسل ، تتمني الا يخذلاها ، يهز كلاهما رأسه لتعود وتفتح الباب لتخرج وتختفي وراءه ،
يلاحظ صالح شروده بعدما غادرتا الغرفة ، يسأله عن الخالة جولاي ، يرد ساهما انها كما هي ، حالتها لا تتغير ، لايزال في انتظار ان يبلغهم احدهم بامكانية زرع كلية لها اذا ما وجدوا المانح المناسب لفصيلتها وتحاليلها ، يقول بحزن انه لا يتخيل دنياه بدونها ، قد لا يراها كثيرا بسبب ضيق وقته واعماله التي لا تنتهي ، لكنه يكتفي بما يعرفه انها موجودة وقت يستطيع رؤيتها ، يقول انها الوحيدة الموجودة لاجله ، يدق الباب ويفتح دون انتظار اذنا للدخول منهما ، تظهر بضحكتها من خلف الباب مازحة وهي تتسائل عمن جاء ، يرد عمر في استياء مكررا سؤالها ، من جاء ، تقول جوبسي مدعية الانزعاج من سؤاله انها من جاءت ، يهز رأسه في اعياء من مزحاتها الغريبة ويضحك صالح وهو ينظر الي صديقه الذي يحاول تمالك نفسه امامها ، تضع بعض الملفات امامهما ، تقول ان الرئيس يطالبهما بتقرير مفصل عن التحقيق في اختفاء الفتيات ، تقترب من عمر وتهمس انها تكاد تشك بفقدانه لمسته السحرية في حل القضايا كما تعودت منه ، يقول بصوت متعب انه يوافقها الرأي ، قد يكون فقد تلك اللمسة بسبب كثرة الحديث عنها ، تسأله باهتمام عما يشغل فكره ، يرد باقتضاب ، العمل ، لا يشغل فكره سوي العمل ، هي تراهما الان يعملا فما الذي يشغله سوي هذا العمل ، تزداد تقربا منه وهي تقول ان عليه ان يترك نفسه للحياة قليلا ، عليه ان يرفع رأسه من فوق تلك الاكوام من الاوراق كي يشعر بالحياة التي تمر دون ان يدرك ما الذي يخسره ، تقول بصوت تحاول ان تبدي منه انوثة تفتقدها انه لا يعرف ما الذي يفقده ، يضحك صالح وهو يقوم من مكانه ، يقول ان الامر يتطور سريعا وعليه ان يذهب الان قبل ان يحدث امامه ما لا يستطيع متابعته ، يقول ضاحكا فليبحثا عن غرفة بموتيل كي ينهيا كلامهما ، تضحك جوبسي ولكن عمر يقوم من مكانه يدفعها برفق بعيدا وهو يقول انه ذاهب وحده ، تتعجب مما يفعله ، تقول انه اصبح جبلا من ثلج كما يقول الجميع ، الا يستطيع ان يكون بشرا ولو دقيقة ، يرد صالح ضاحكا انه لا يريد ان يكون بشرا ، هو يتمسك بموطنه الثلجي من كوكبه الذي اتاهم منه ، ينظر اليه عمر وهو في طريقه للخارج يقول ان عليه الاستعداد في الصباح للتوجه لذاك المتجر مجددا ، تنتبه جوبسي لكلامه ، تقول لماذا سيزورا هذا المتجر مرة اخري ، ألم يتأكدا من عدم ارتباطه بتلك الفتيات من قبل ، يرد صالح ان الامر مختلف هذه المرة ، تسأل باهتمام ، كيف مختلف ، يقول عمر انهما سيقدمون تقريرا في الغد فلتري هذا الاختلاف في التقرير ، تقول بجدية انها زميلتهما وسؤالها خاص بالعمل ايضا ، يقول عمر انها ليست ضمن فريق التحقيق بهذا القضية ، يشير لصالح كي يرافقه وهو يحييها مغادرا ، تسرع لتستوقفهما وتسأل عن تلك الفتيات اللاتي كن بغرفتهما الان ، يلتفت اليها صالح ، يسأل اي فتيات ، ترفع حاجبها وهي تنظر لعمر ، تقول تلك الحمراء ومعها ، يضحك صالح ويقاطعها ليقول انهما ، يقطع عليه عمر استكماله لحديث لا يري ضرورة للتأخير بسببه ، يجره من يده وهو يقول لها غدا ، غدا سيتحدثوا بهذا الامر، يغيبا كلاهما وراء الباب ويتركاها لتضرب بقدمها الارض في غضب .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي