3لماذالايصدقني أحدا؟

وجدت والدتي تنهار باكية وهيه تقولي لي وشهقاتها تكاد تصل للسماء:
_يرحمه ربي برحمته الواسعة، قلبي يتمزق لأجله، ربي يصبر والدته المسكينة علي فراقة، ويصبرك بني أعرف كم كنت تحبه كشقيق لك.

شعرت أن الأرض كانت تتبخر تحت قدمي، لم أستطع استيعاب ما قالته امي، لكنها لا تمزح معي، هذا ليس بمقلب سخيف دبراه لي معا، بكاء امي وانهيارها، ليس بمزاح علي الاطلاق، وقفت وأنا اقترب منها شعرت بأن الارض تحتها تسحبها بعيدا عني ولا اعرف كيف أصل لها؟ لكني وجدت بانني هو من لا يتحرك، الصدمة عنيفة علي قلب مراهق مثلي.

قلت لها كأنني أحاول تصديق ما تقوله:
_ماذا تقولين يا أمي؟ عن أي محمد تتحدثين؟ لقد كنا معا منذ أقل من ساعتين فقط، كنا نتشاجر بسبب لوسي الفتاه السمينة، ضحكت معه عليها، لكنه تشاجر معي لأنني أطالت في سخافتي، كيف تقولين لي الأن بأن شقيقي مات؟ ما هذا المزاح الثقيل أمي منذ متي كان المزاح يدخل فيه الموت والحياه؟

أمي بطيبه قلبها، جثت علي قدميها أمامي، وهيه لاتزال تبكي كأنني أنا او احد أشقائي هو من مات، وجدتها تفتح ذراعيها الحنونة وتضمني بقوه كأنها تريد سجني في صدرها لتحميني من أي شر بالعالم، قالت بحنو وهيه تبكي:
_يرحمه الله المولي العظيم برحمته بني، لن يعز عن خالقه، لكنه توفي بطريقه بشعه قاسيه، والدته دخلت عليه الغرفة تناديه ليتعشى، لكنه وجدته محترقا، متفحما، كأنه تعرض لدرجه حراره صهريج، لكن لم يكن هناك أي آثر للحريق في غرفته، هو فقط من أحترق عزيزي، لا أعرف بماذا تشعر والدته حاليا؟ لكن هذه الطريقة البشعة في الموت لا يتمناها المرء لألد أعداءه، اللهم صبر قلبها وأربط عليه إلي يوم الدين لك المثل حبيبي.

شعرت بأني عقلي الصغير سينفجر، صدمه قاتله أحرقت قلبي، وحتي اللحظة لم أصدق أمي، اضطررت لدفعها بعيدا، ركضت إلي الخارج، ركضت في الشوارع كالمجذوب، عاري القدم بثياب البيت، وجهي مخطوف، شعري مشعث، كأنه شاب من الفزع والصدمة، وصلت منزل صديقي "محمد"، وقفت علي باب منزله، مشدوه، مصدومو متجمد، فاقد الوعي وأنا مستيقظ.

صراخ، دموع، وآهات مؤلمة في منزل صديقي، كنت أبكي أيضا
كأنني فقدت أخي وحبيبي. دخلت غرفته ورأيت بأم عيني السجادة محترقة، علي ما أظن بأنه أحترق هنا في تلك البقعة تحديدا.

سألت شقيقه الأكبر فقال إنه في مشرحة المستشفى الآن
ما زالت النيابة تتحقق، وهم ليسوا متأكدين حتى ما إذا كان "محمد" أم لا
استغرق التحقيق أسبوعًا، اتهمت والدته بقتله الشرطة لم تجد مبرر لحرقه بهذه الطريقة.

برروا ما حدث بأن والدته قامت بحرقه في مكان أخر ونقلت جثمانه بكل برودة أعصاب ودماء إلي غرفته حتي تدعي الجهل وهيه منهارة.
المهم هو اعتقال والدته للاستجواب، لأنها الوحيدة التي كانت في المنزل في ذلك الوقت
ودُفن محمد، أو ما بقي منه على وجه الخصوص. كانت جنازة كبيرة مليئة بالحزن والدموع.

عدت إلى المنزل من الجنازة، لم أتحمل الجلوس في منزل "محمد" أكثر أثناء غيابه عنه
نمت على الفراش، آتت والدتي لتنام بجواري لتسهيل الأمر علي، لتؤازرني فيما فقدت، لكن بعض الأحضان والكلام المواسي والدموع الحارقة، لن تعيد إلي رفيقي، شقيقي، الشخص الذي خططنا معا لدخول الثانوية العامة ومنها لكليه الطب حتي نصبح أطباء نتخصص بقسم الأطفال لننقذ أكبر عدد منهم، كان لدي"محمد" قناعه بانه سيجد حلا لمرض "السرطان" المميت الذ يقضي علي حوالي ثلاثون بالمائة من الاطفال كل يوم في العالم، لكنه مات، مات صديقي الحالم، من سيبحث الأن عن هذا العلاج، من سيحاول إنقاذ العالم من بعد.

هذا التفكير الموجع، والذكريات القريبة جدا المؤلمة، زادت جراحي شقوقا لن يداويها الزمن، بكيت بقلبي صامتا حتي لا أزيد هم والدتي، طلبت منها بلطف وأنا اكافح دموعي كي لا أنهار امامها، قلت لها:
_أمي سأكون بخير أعدك، فقط أريد النوم وحدي من فضلك، انا لم أعد صغير وأحتاج أن ابقي وحيدا لأجتاز هذه الكارثة، من فضلك أمي.

احترمت رغبتي لأول مره في حياتي، أو لأنها أشفقت علي بجدية، تركتني بعدما قبلت رأسي وقالت لي وهيه تمسك يدي دعاء ما قبل النوم حتي يحفظني الله من الكوابيس وخلافه مما يفزع النائم.

نمت بصعوبة أخيرا، لكنني حلمت به، حلمت ب"محمد" وهذا أمر طبيعي لأن عقلي الباطن يفكر فيه، لكن ما هو غير طبيعي هو أنني أراه في غرفته يصرخ صراخ هيستيري كأنه يتعذب، او يسلخ حي.

رأيت مشهداً آخر، والدته جالسة أمام التلفزيون بالخارج ولا تستطيع سماع صراخ ابنها، مجددا المنظر يعود لمحمد، لكنني رأيت للتو،
رأيت الأرض تتشقق، كانت في حفرة، مغرمة بنار جهنم، النار كأنها حية، تتراقص بداخل الحفرة كأنها تود الصعود لأعلي والانفجار بالغرفة كلها.


لكنها سحبت "محمد" من ساقه ودخلت الحفرة محمد يصرخ بجنون ولكن النار أحرقته في الحفرة، وحدث صمت مرعب، دام طويلا، فجأة ظهر جسد "محمد" فجأة، أصبح جسده أسود ومتفحمًا، لا يظهر عليه أي ملامح، أي شيء ، لا تفرق وجهه من ظهره.

في هذه اللحظة فتحت عينيّ وجلست وأنا أبكي، فقط أبقي بحرقه ووجع شديد، لكن فجأة
رأيت شخصًا يقف في الظلام، شخصًا في مثل طولي تقريبا، مسحت عيني ظنا مني بأنني اتوهم، ركزت بشده لأستوضح في الظلام واري جيدا هل هذا حقيقي؟ ام لازلت احلم.

لكن هذا ليس بحلم لعين، انه هو "محمد" نظرت إليه، أشتد علي البكاء أكثر، لم أكن خائفا منه. قلت له بدموع وشفقة:
_محمد، محمد أخي ماذا حدث لك يا صديقي؟ لماذا تركتنا يا صاح؟ هل غضبت مني بسبب تلك السمينة؟ هل أحببتها أو ما شابه؟

كنت أحدق فيه، فوجدت "محمد" يميل برأسه جهة اليسار كأنه لم يفهم مني شيئا،
وفجأة تحول وجهه الأبيض الشاحب كالأموات إلي أزرق، وكأنه ميت غرقًا أو بسكتة دماغية.
وكانت عيناه مرعبه، عيناه سوداء للغاية لدرجة أنني لم أخاف منه عندما ظهر لي في الظلام بعد وفاته، لكني أرتعب منه الأن وهو يحدق في بتلك العينان السوداء بغضب، كان يقترب ببطء خطوة خطوة، خطوات ساقه ثقيلة علي الأرض، كأنه يجاهد ليرفعهم ويخطو بهم.

أسمعها في أذني تؤذيني. أريد أن أهرب، أريد أن أركض بكل ما في من قوه، اريد أن أنادي والدتي، لكنني أشعر بأطرافي مجمده بقوه في الفراش، كأنني تصلبت عليه، شردت لوهلة بقدمي التي أبت أن تتحرك حركة واحدة، لكنني شعرت بأنفاس باردة كنفحات الثلج في وجهي، رفعت عيني وأنا أنتفض بداخلي، لأني فقدت أي احساس بجسدي.

رأيته أمامي، وجهه في وجهه يكاد يلمسه، توقف الهواء في حلقي، اتسعت عيناي حتي كادتا أن تقتلعا من مقلتي، تحدث بصوت غليظ كأنه صوت مزدوج أو صوت بصداه، لم أعي ماهيه صوته بسبب فزعي الذي لن أجد كلمات لتصفه، قال بمنتهي الغضب:
_لماذا؟ أتقولها لي بكل وقاحة، لماذااااااااااا؟ لا تقلق يا صديقي الوقح، أربعون ليله، فقط اربعون ليله وستري بأم عيناك لماذا يا رفيق العمر؟

صرخ في وجهي صرخة، من المستحيل ان تصدر من طفل، بل من إنسان أصلا، سقطت على الجانب الآخر من هول الفزع، سقطت في الجهة المقابلة له، لكنني لم أنهض مجددا، كنت أنظر لقدماه من أسفل الفراش، لم تكن أقدام بشرية بالمرة، مهلا لحظه أنا رأيت هذه الأقدام المرعبة قبلا، نعم، رايتها في المدرسة، في ذاك القبو الملعون الموجود في المكتبة.

لكن ماذا يعني هذا؟ لم تدوم صدمتي وتساؤلاتي طويلا، وجدت القدمان المخيفتان تتحركان ببطء، أنها تأتي إلي، تقترب مني أنا، يسيران علي الأرض بثقل كبير، يدب الرعب في قلبي اكثر، ماذا أفعل ياربي؟ غلي أين اذهب؟ كيف اهرب من هذا الشيء؟ وماهيته من الاساس؟

أسئلة لا حصر لها تدور برأسي كالطاحون الدائرة لكني كيف سأجد أجوبة لكل تساؤلاتي وأنا اموت في جلدي من الفزع وتلك الأقدام كادت أن تصل لي، لم اجد سوي فراشي لأتحامى بأسفله، تدحرجت تحت الفراش وأنا اترجف كليا.

وصلت القدمان إلي مكاني، لحظات وينظر صاحب القدمان المخيفتان إلي وجها لوجه، ماذا افعل يا اللهي؟ لقد فقدت كل ذرة من التماسك بداخلي، كم تمنيت أن تنشق الارض وتبتلعني الان، ماذا سأفعل عندما يهجم علي بعد أقل من لحظه؟ إلي أين سأهرب يا اللهي؟ أغمضت عيناي بعنف، تلاوت ما أتذكر الأن من آيات القرآن الكريم، اتلعثم وأعيد نفس الآية مرارا وتكرارا، لكن فجأة.

سمعت صوت آت من بعيد، صوت رد الروح لجسدي الذي أصبح كالجثة الهامدة، صوت أعاد الدماء تجري في شراييني، صوت أذان الفجر، المؤذن ينادي بالتكبير.

فتحت عيناي بعدما دب الأمل في روحي من جديد، لكني لم أجد "محمد"، أو الذي أخذ جثة "محمد" وأتى بها إلي ليقتلني، استغليت صوت الاذان الذي كان بمثابة نجدة أتت لتنقذني من الجحيم، هربت من تحت الفراش.

ركضت إلي غرفه والداي، قفزت علي فراشهم كالطفل الرضيع احتميت في حضن والدي، كنت أرتجف بعنف وأنا غارق في عرقي، كنت بالفعل كمن خاض تجربة الأسقاط النجمي التي تهلك صاحبها وتفقده عقله كليا.

دعيت من كل قلبي أن يكون كل هذا مجرد كابوس آثر الصدمة وعندما أستيقظ أجد نفسي علي فراشي وكل هذا مجرد كابوس بشع، لكن للأسف لم يكن كابوسا، اضطررت للكذب مره أخري علي والداي كي أتغيب عن المدرسة، أستمر غيابي أسبوعا كاملا.

طوال هذا الاسبوع، كنت خائف من النوم وحدي في غرفتي، نمت بجانب والدي ووالدتي ولكن والدي طفح كيله مني ومن أفعالي الطفولية، في أخر ليله لي في غرفتهم صاح في والدى:
_إلي متي سيستمر هذا الوضع يا حسن؟ أنت لست بطفل رضيع لتنام بجواري أنا وأمك، ايضا بني عليك انت تتخطي حزنك وتعود لمدرستك مره أخري، لقد تركتك علي سجيتك طيلة الأسبوع المنصرم، لكن طفح الكيل بني، الحياه لا تقف علي فراق أحدهم، علينا مواصلة الحياه، لن تنسي طالما أنت هنا بعيدا عن رفاقك الأخرين ودراستك، هيا بني أدخل توضأ وصلي ركعتين قبل ان تنام، ولا تنسي ان تدعي لصديقك رحمه الله هيا بني أنت رجل الأن والرجل لا يخشي النوم في غرفته، أو ينعزل بهذا الشكل حبيبي.

لقد أحرجني والدي بطريقته المعتادة، لم أجد حلا سوي الخضوع لرغبته، في الصباح التالي عدت إلي مدرستي مجبر، لم أجد أي شيء تغير عدا صديقي"مؤمن"و لقد أنطوي علي نفسه وأبتعد عن كل الرفاق، لأحظت أنه أصبح شاردا حتي في حصه الأستاذه"دعاء" أستاذة مادة التاريخ الذي يعشقه.

لاحظت أيضا أنه خائف، نعم أراه ينتفض فجأة كأنه يري شيء لما يراه الجميع، حاولت تجاهله لأن لدي ما يكفيني من المتاعب، كنا جميعا متأثرين بما حل بصديقنا "محمد" لكن "مؤمن" كان متأثر بشكل أكبر لدرجة اثارت فضولنا فهو لم يكن مقربا منه مثلي أنا.

مرت أيام وأسابيع علي حادثة "محمد" الغامضة، لكن في الليلة الأربعين لوفاته
تكرر نفس السيناريو. دخلت والدتي علي غرفتي وهيه تصرخ بصدمة وفزع!
أخبرتني بينما كانت تبكي مثل الروبوت:_(حسن، مؤمن صديقك ايضا مات بنفس الطريقة يا حسن مات محترقا في غرفته، ما الخطب بني؟ كيف يموت اصدقاءك بهذا الشكل؟ حسن - - -.

لم أعد أستمع لبقيه هذا الحديث من والدتي، تجمد لساني وساقي ،شلت دماغي وهيه تدور بعنف حتي كدت ان أفقد وعييو الأن فقدت تأكدت بأن هناك خطبا ما لم يخبرني به رفاقي.

ركضت بغير وعي لكني لم أركض لمنزل "مؤمن" بل أسرعت علي منزل رفيقي "مصطفى" طرقت بابه بجنون، فتحه لي شقيقه وصرخ في وجهي:
_حسن أنت، لماذا تدق الباب هكذا؟

دفعت "جمال" شقيق "مصطفى" صديقي، ركضت إلى غرفته، وجدته جالسًا على الأرض
جالسًا يبكي بجنون، رآني فأنتفض واقفا مرعوب، ركضت عليه وأمسكت به من ملابسه، صرخت فيه بجنون بلا وعي مني:
_مصطفى، مصطفى أنت ومؤمن ومحمد ماذا فعلتما بحق الجحيم؟ محمد بعد موته ظهر لي شبحه في غرفتي، جاء وقال ستعرف لماذا متت بعد أربعين يومًا؟ واليوم بعد أربعون يوم يقتل مؤمن بنفس الطريقة، وأنت تجلس هنا بدلا من وجودك في منزله مع رفاقنا، أسمع مصطفي إن لم تخبرني حالا ما الذي فعلتموه من خلف ظهري تسبب في قتل محمد ومؤمن؟ أقسم لك بروحهم بأنني سأقتلك الان بيدي، أنا افقد عقلي يا رجل، ماذا فعلتممممم؟

ألقيت به على الأرض فمسح دموعه وجلس، لم يستطع منع دموعه من التساقط.
لكنه قال بخوف وبكاء:
_انا خائف يا حسن انا خائف جدا سيأتي الدور علي انا أيضا، محمد ومؤمن ماتوا لم أصدق محمد عندما قال لي هذا، ولم أصدقك يا مؤمن، أنا آسف، أسف جدا.

"مصطفى" كان يهذي مع نفسه، صرخت في وجهه وأنا اصفعه بقوه ليعود لأرض الواقع وأنا أقول له:
_ماذا تقول انت يارجل، قلت لك تحدث معي، لا تتحدث مع نفسك، هيا تكلم.

أخبرني "مصطفى" بعدما هدأ أخيرًا؟ قال بتوتر حاد:
_أتذكر، تذكر ذاك اليوم الذي كنا فيه في المدرسة. في اليوم الذي هربنا فيه من المدرسين لنضرب ذاك المشاغب شقيق سحر ألم تكن تدعي سحر، المهم أنك ركضت إلى المكتبة، محمد رآك وأنت تدخل هناك، أيضا رأي أن المعلم سوف يقبض عليك، أضطر ان يثير بعض الصخب لإبعاد الأستاذ عنك، الشيء المهم هو أن المدرسة أصبحت فارغة كليا، رحل كل أساتذة المرحلة الإعدادية، المهم هو أنني أخبرتهم أن يذهبوا لإخافتك ونوهمك بأننا مدرسون، الرفاق رفضوا

لكني دخلت تركتهم بالخارج ودخلت، لكن مؤمن أراد رؤيه وجهك بعدما نفزعك ونضحك معا، أشرت له أن يتبعني، وجدنا بابًا سريًا في المكتبة لكننا سمعنا صوت بكاؤك، تعجبنا بشدة، فتحنا الباب، لكننا وقفنا مذعورين وجدناك تقرأ كتابًا وأنت تبكي مرعوبا

لكن هذا ليس ما أخافنا يا حسن، رأيناه خلفك شخص طويل، طويل جدا، له قرون يا حسن، مؤمن وأنا ركضنا بسرعة، صدمنا في محمد الذي سقطت أرضا، تركناه وأكملنا ركض حتي الخارج، لكنه خرج خلفنا وهو مرعوب يرتجف حرفيا

كان يقول ببكاء هيستيري كأنه يهلوس بأنه رأى الشيطان وقال إنه سينتقم منا جميعًا، إذا أردنا أن نعيش ، يجب أن نضحي بشخص ما ، لكن لا أحد منا صدقه حينها، لم نأخذ كلامه علي محمل الجد، حذرنا أن نخبرك بكل ما رآينا حتي لا تتشاجر معنا لأننا رئينا ما أنت فيه وتخلينا عنك وتركناك وحدك، أنا آسف يا حسن، لا أعرف ما الذي أنا آسف عليه؟ لكني لا أريد أن أموت مثلهم، ما زلت صغيرا يا حسن.

عاد مصطفى إلى نوبه البكاء الهيستري أنا لم أهتم ببكائه، لم أحاول حتي التخفيف عنه، بل تركته وهرعت للشارع، لم أذهب لمنزل "مؤمن" أيضا، بل عدت لمنزلي، أغلقت على نفسي في منزلي. كل ما يدور في ذهني هو كلام "مصطفى".

دخلوا خلفي، "مصطفى" الأول "مؤمن" خلفه، اخرهم كان "محمد" يعني الموت يأخذهم بالترتيب العكسي، من دخل الأخير يموت أولا، إذا سيحين الدور عليا أنا أيضا بعد "مصطفى"، سأحترق أنا أيضا مثلهم، سأموت هل سأموت أنا أيضا وأنا بعمري 13 عامًا فقط، لماذا يا الله؟ ما هذا يا"حسن"؟ الأعمار بيد الله وحده، أيضا القدر ،المكتوب، الموت والحياه، كلهن بيد الله وحده، لا يوجد شيء مثل مخطط الموت و مخطط الشيطان.

تحدثت مع نفسي بصوت عالي كالمجنون:
-الكلام مخيف، انا أصدقه بشده، هل أتجاهله وأعتبر أن موت رفاقي مجرد صدفه وقضاء وقدر؟ أم ماذا أفعل؟ افترض أن مصطفى مات هو أيضًا، ما الحل وقتها؟ هل أترك الشيطان يأخذني أنا ايضا ويقوم بحرقي حيا؟ أترك نفسي للهلاك، أموت وأصمت، كيف انا خائف؟ بل مرتعب حتي العنق.

وجدت نفسي أبكي بجنون، دخلت والدتي إلي وأنا أبكي، أخذتني بين ذراعيها
لكنني لم أبكي على صديقي، كنت أبكي على ما سأراه، ما سأعانيه الليلة، كنت متأكدًا من أنني سأرى "مؤمنً" اليوم.

بما أنني سبق ورأيت "محمد" من قبل بعد وفاته، وكما توقعت في الليل ، كنا في غرفه الجلوس، أنا وعائلتي، فجأة سمعت صوتًا يناديني من غرفتي، نظرت بقلق على عائلتي
لكن لم يسمع أحد منهم أي شىء كما يبدو، حاولت أن اتجاهل هذا الصوت، قلت لنفسي أنني اهلوس وذاك الصوت غير حقيقي، لكن الصوت لم يكن يريد أن يصمت
(حسن حسن حسن)


لم أستطع تجاهل هذا النداء أكثر من هذا، نهضت وأنا خائف، لكن كان علي أن أرى من هذا يناديني بأصرار، وما يثير فضولي أن هذا ليس صوت مؤمن صديقي
وصلت لغرفتي، وقفت أمام الباب، دفعته انفتح ببطء علي غير عاداته، نظرت نظرت بالدخل من بعيد، لكنني لم أر شيئًا أو أي شخص.

حمدت الله علي هذا، استدرت لأعود لأسرتي، سمعت صوت شيء يغلق بقوة وعنف، انتفضت مكاني بفزع، نظرت للغرفة مره أخري، وجدت درجي يغلق بقوه، لكنني وجدت كل ملابسي خارج الدرج، خارج الخزانة وتبعثرت في كل أنحاء الغرفة، في غمضة عين.

دخلت الغرفة وأنا ارتجفت، علي أن أري من الذي فعل هذا بغرفتي؟ لكني لم أري أي شخص بالغرفة، لكني رأيت آثار قدمين، لم تكن قدمان لبشر، هذان هما قدمان الجدي الذي رأيته في قبو المدرسة.

استدرت بسرعة للهروب، لكن الباب أغلق بعنف في وجهي، جلست على الأرض أخفيت وجهي بين يدي وقدمي، ناديت علي أهلي لينقذوني، علي أي شخص، لكن لم يسمعني احدهم كنت وحيد ، ولكي يكتمل رعبي أنقطع التيار الكهربائي.

رفعت وجهي، تأكدت أن التيار الكهربائي أنقطع بالفعل، الان انا وحدي في الغرفة، لا لست وحدي تماما، هناك شبح او جن مارد أو شيطان رجيم معي بالغرفة، لم أجد حلا سوي البكاء عليهم يشفقون علي ويتركونني بلا أذي.

لكن ربنا عظيم لدرجة أنه لا ينسى عبيده أبدًا، شيئًا ما ألهمني
قرأت القرآن بصوت عالٍ، في الواقع أغمضت عيني وقرأت بصوت عالٍ:
_بسم الله الرحمن الرحيم الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنه ولا نوم، له ما ف السموات السموات السموات.

لم أستطع إنهاء التلاوة، لأنني سمعت صراخًا يخرج من كل ركن من أركان الغرفة.
طرقات جنونية علي باب الغرفة، دويًا مجنونًا في كل مكان، استقفت أخيرًا من نوبة الهلع التي أوجهها
جاءت عائلتي أنقذوني أخيرا، كسروا الباب علي قبل أن يتوقف قلبي عن الخوف
لم يفهم أحدهم سبب هذا الصوت الذي جفلهم بالخارج وجعلهم ينتفضون فزعا، وآتوا لغرفتي رأوا ما أنا فيه، ركضت والدتي إلي، ضمتني وهيه ترتعش وأنا شبه ميت، وجهي شاحب، شعري مشعث، العرق يغطي وجهي بالكامل، كأنني كنت في خضم حربا قاسية.

أنقضت ليالٍ وأيام كثيرة على ما حدث، لكن لم يحدث شيء آخر
هذا ما أخافني. أتعلم عندما تنتظر وقوع كارثة ستحدث وأنت متأكد من حدوثها وتنتظر كل لحظه وأنت مرتعب من سماعها، هذا كان حالي ليل نهار.

علمت أن "مصطفى" سيموت بنفس الطريقة وسيأتي الدور لي لكني حاولت النفي حاولت الكذب عن نفسي لكن هذا اليقين بداخلي، وحدثت المصيبة كنت في المدرسة وسمعت خبر صديقي "مصطفى"

سمعت من الأستاذ "عمر" الذي دخل الفصل وكان حزينًا، يلقي علينا الأخبار
كالصاعقة، لقد شل جسدي حقا هذه المرة، وليس هذا فقط، لقد وجدت الفصل يدور بي
الأرض تختفي من تحت قدمي، لا أستطيع أن أرى شيئًا غير السواد، السواد الذي عما عيني، وفي النهاية رحمني الله وفقدت وعيي أخيأخي
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي