الفصل الثاني

نيوفوبيا
الفصل الثاني
للكاتبة ندى محسن|White Rose

كان ينام على سريره، يتذكر ما حدث، لا يعلم ما الذي جعله يقع في موقف كهذا! يتذكر ردود أفعالهم، نظرات والدة إسلام التي توبخه وتعتذر من يونس، كانوا ودودون وكأنه فرد منهم، عينيه كانت تلتقي بعيون نجمة من وقت لأخر، أرتسمت على وجهها أبتسامة وهي تومأ له، كأنها تواسيه قائلة أن لا بأس بكل ما يحدث.

شعر بطرقات على باب غرفته، لم يتحدث؛ فهو يعلم أنها والدته، مؤكد تريد التحدث معه، مؤكد تريد أن تسأله ما الذي فعله بشأن العمل، كان يريد أن يصرخ وهو يكره كل ما يمر به، أغمض عينيه فهو يعلم أنها تدخل لتحكم الغطاء عليه ولن ترحل إن لم يجيبها، بالفعل دلفت الى الغرفة لتطمئن عليه، أحكمت عليه الغطاء وأغلقت الضوء ومن ثم خرجت.

فتح عينيه وقد كانوا يلمعان بحزن، شيئًا فشيئًا أجتمعت الدموع بعينيه، شعور بالضيق ينتابه كثيرًا، لا يجد أي مبرر له.

في منزل والد إسلام كان الجميع يجتمع حول مائدة الطعام؛ فاليوم هو إجازة لوالده وليس مسموح بتفويت أي وجبة خارج المنزل، في هذا اليوم يجتمعون، يتحدثون معًا، يشعرون حقًا أنهم عائلة واحدة، كان إسلام يبتسم بلا سبب، مرة بعد مرة، ترك والده الملعقة وهو يرمقه بتعجب شديد:

-قل لي ما الذي يضحك! لا أفهم ما تفعله!

حمحم إسلام، لقد شعر بالإحراج وهو كان يتذكر بعض الأشياء المضحكة عن أصدقاءه حتى عن أفراد عائلته، صمت وقد خيم الصمت على المكان من جديد، نجمة تتناول الطعام بهدوء، والدتها تستمر بوضع الطعام أمامهم، إسلام يريد أن يفر هاربًا من المنزل كما أعتاد أن يفعل دائمًا، تحدث والده مقترحًا عليهم:

-اليوم أختاروا ماذا تريدون لنفعله، هل تفضلون الخروج أم البقاء في المنزل!

أنبسطت أساريرهم جميعًا؛ فهو يفضلون الخروج دائمًا بالأخص والدتهم التي تسكن المنزل بشكل شبه دائم.

بالفعل بدأ الجميع في أختيار ما يروقهم من ملابس أنيقة، أقترب إسلام من والده:

-أبي قل لي هل من الممكن أن أصطحب أحد أصدقائي معنا؟

تعجب والده؛ فلم يطلب إسلام مثل هذا الطلب مجددًا، أومأ له ليخرج إسلام وهو يشعر بالكثير من السعادة، حرك والده رأسه بفقدان أمل:

-لا أعلم متى سوف ينضج عقل هذا الشاب، متى سوف يريد الأستقرار! هل سوف يعيش عمره بتلك الطريق! رحمتك يا الهي.

بالفعل أتصل إسلام بيونس الذي تعجب كثيرًا من إصراره عليه بأن يأتي ويشاركهم في نزهتهم، بدى يونس مضطرب، لا يعلم ماذا يقول لكن الأمر أنتهى بموافقته في النهاية، كان يتعجب من الطريقة التي يقنعه إسلام بها، كان لا يتركه حتى ينتهي الأمر بموافقته!

كان يوم هادئ، عائلة إسلام متفاهمه، رزينة، ذات عقلية ممتازة، شعر يونس أنه فرد منهم، لم يعاملوه كشخص غريب وبالأخص والدته، لقد كانت أكثر من والدة يونس طيبة.

كانت تلتقي عينيه بعين نجمة مصادفة، لكنها كانت تبعد عينيها سريعًا، يلاحظ إحمرار وجنتها بشكل ملحوظ، كان يتعجب ولا يعلم ما الذي يحدث لها، نظراتها التي تلمحه من وقت لأخر، ظن أن هناك شيء خاطئ به، ربما يبدو قبيحًا لها!

كان يتوتر، بدأ جبينه يرشح بقطرات المياه، يشعر بكثير من الضيق والأرتباك، وقف فجأة في ذلك المنتزه قائلًا:

-علي أن أذهب، والدتي بمفردها كما تعلمون، لقد سعدت بهذا اللقاء.

ودعوه ليذهب من بعدها، كانت نجمة تنظر تجاهه في تعجب شديد، هذا الشخص غير مفهوم ابدًا بالنسبة لها، عينيه شاردة بشكل شبه دائم، حتى أنه يتعمد إخفاء أسنانه عندما يضحك! تتسائل ما الذي يحدث له لماذا يبدو ساحب، حزين الى هذا الحد!

وصل يونس الى المنزل، سمع صوت ضحكات والدته وضحكات شخصية أخرى لم يميز من تكون هي، قام بطرق الباب ولم يريد أن يدخل عبر المفتاح إحترامًا لمن بالداخل، فتحت والدته وهي مبتسمة، يبدو عليها الكثير من السعادة:

-تعالى يا حبيبي فالتدخل، إنها إحسان صديقتي منذ الجامعة، هيا فالتسلم عليها.

دلف يونس وهو ينظر الى الأسفل في أحترام:

-مرحبًا كيف حالكِ.

أقتربت وهي تتحدث معه بإنبهار:

-لقد كبرت كثيرًا، حديث والدتك عنك لم ينصفك يا يونس.

تعجب يونس كثيرًا؛ فعلى كل حال لا يجد نفسه جيد في شيء!

دلف الى غرفته ليترك لهم الحرية، بعد قليل غاب صوت إحسان، وجد باب غرفته تُفتح ودلفت والدته إليها، تحدث قائلًا:

-ما الأمر؟ هل ذهبت صديقتك!

حركت والدته رأسها بنفي:

-لا يا حبيبي، هي لن تذهب الأن، سوف تبقى معنا لبعض الوقت.

تعجب يونس، وقف بإنفعال واضح، لم يكن يرحب بجلوس أحد معه بشكل دائم، تحدث قائلًا:

-لماذا! هل ستبيت معنا تلك الليلة؟

أومأت والدته له وهي تشعر بالكثير من الحيرة؛ بسبب ردود أفعاله، تحدثت قائلة:

-تعلم هي أتت من الخارج، ليس لديها مكان لتذهب إليه الأن، سوف تجلس معنا حتى تجد مكان مناسب لها.

نظر يونس لها بعدم إستيعاب، حرك رأسه بنفي وضيق قائلًا:

-بحق السماء يا أمي ما الذي تقوليه أنتي! لماذا؟ نحن غرب لها لماذا ستجلس معنا! فالتذهب عند أحد من أقاربها.

حركت والدته رأسه بنفي وهي معترضة على طريقة يونس الذي يفكر بها:

-حبيبي هذا ليس صحيح، ليس من الجيد أن نتركها وهي ليس لديها غيرنا يا يونس، هي ليست متزوجة، لا يوجد أحد من أقاربها معها!

حرك يونس رأسه بنفي، غير مرحب ويتحدث بجدية:

-ليس من شأننا هذا، لا أريد لأحد أن يجلس هنا، كيف سأعيش بوجود شخص غريب أخبريني.

كانت والدته تتعجب من إنفعاله، لقد كان زائد عن الحد بشكل مبالغ به، أخذت نفس عميق وحركت رأسها بنفي، تحاول أقناعه:

-يونس، لا تكن شخص قاسي، لا يمكننا أن نتخلى عنها، هي صديقتي المقربة ولا يمكنني تركها، صدقني ما تقوله صعب، أشبه بالمستحيل.

فقد يونس الأمل في تغيير رأي والدته، كانت عينيها ترجوه أن يتقبلها، جلس على سريره صامتًا، يبغض كل ما يمر به، خرجت هي من غرفته تاركة إياه غارق في ظلامه.

كانت شبه متأكده أنه سيقبل وجودها، ربما وجود الكثير من الأشخاص معه سيساعده على تجاوز صمته الدائم وأفكاره المبعثرة.

اتى اليوم التالي، أستيقظ يونس ووجد إحسان تجلس على الطاولة، عينيه ألتقت بعينيها، أبتسمت وهي تشير له بالأقتراب قائلة:

-هيا يا يونس تعالى، لقد أحضرت لك طعام شهي، أنظر كيف طهوت البيض أيضًا، ستحب هذا الطعام كثيرًا، عندما تفضله وتعتاد عليه سوف أقوم بتعليمك كيف يمكنك أن تصنعه.

شعر يونس بالكثير من الجوع، تذكر أنه لم يأكل جيدًا بعد عودته من الخارج، جلس وقد أعجبه كثيرًا مذاق الطعام، يبدو أن إحسان لديها نفس جيد في الطعام، أبتسمت وهي تشاهده معجب بطعامها ومن ثم ذهبت لتحضر بعد الشاي، خرجت والدته بعد قليل وقد بدى عليها النعاس:

-صباح الخير، متى أستيقظتم!

أجابها يونس:

-منذ قليل، بالكاد تناولت طعامي وها أنا أجلس هنا.

أومأت له والدته وذهبت الى المرحاض، أقتربت إحسان واضعة الشاي عى الطاولة ليبدأ في إحتساءه، كان يتعجب من نشاط تلك السيدة كثيرًا، لا يبدو عليها عمرها، بشرتها الخمرية، عينيها البنية المكحلة، أبتسم وهو معجب بذوقها في إرتداء ملابسها كثيرًا، سألها بحيرة:

-ما هي بلدكِ يا سيدة إحسان؟

أبتسمت هي في المقابل، نظرت له قائلة:

-أنا من الصعيد، لا تناديني بسيدتي لا أحب تلك الألقاب، يمكنك مناداتي بإحسان لا بأس.

تعجب يونس، لكنه أومأ لها في هدوء وعاد يحتسي الشاي الخاص به.

كان عقله مشوش كثيرًا، يتسائل كيف ستعيش معهم، كيف سيتدبرون أمورهم يا ترى ومعاش والده بالكاد يغطي طعامه وطعام والدته، لا شيء أكثر من هذا!

شعر بالضيق محركًا كتفه بعدم أكتراث، تحدث في سره قائلًا:

-لا يجب علي أن أفكر كثيرًا بأمر كهذا، لا يوجد داعي للقلق، أمي من جعلتها تأتي الى هنا، يمكنها هي أن تفكر كيف ستتدبر أمورها ولا شان لي بكل هذا.

كانت إحسان كثيرة التحدث، تجذب الكثير من المواضيع ليتناقشوا بها، بدأ يونس في الإندماج، بدأ في التحدث معها في كثير من الأمور، كان يشعر بالكثير من الأرتباك في البداية، متحفظ على حديثه وكأنه سيعاقب مع كل كلمة ينطق بها، كان يحاول أن لا يتمادى في الحديث والضحكات كما تفعل والدته، مازال غير مرحب ببقاءها معهم والتدخل في خصوصيتهم، على كل حال لن يفرق معه.

يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي