الفصل الرابع

نيوفوبيا
الفصل الرابع
للكاتبة ندى محسن|White Rose

كان يونس يجلس في غرفته طوال الليل، لا يعلم ماذا سيفعل، لقد شعر أن العالم يضيق به، لكن لماذا! ما الذي يجب عليه أن يفعله، يتذكر كيف أتت تلك الفتاة التي لطالما أعجب بها لتتحدث معه، لم يسألها عن أسمها حتى، مؤكد أسمها سيكون جميل مثلها، أبتسم بهدوء ولكنه تذكر عندما ذهب الى منزل ص
يقه ليقترض منه المال، لم يكن موجود لسوء حظه حينها، شعر أنه حقًا غاضب، لكنه أخذ قراره لن يسمع بمقابلتها وهو لا يملك شيء من المال، سوف يتحدث مع والدته ويمكنه أن يفكر كيف يدبروا أمورهم فيما بعد.

أبتسامة ظهرت على وجهه، بدى الأمر يهدأ من روعه بعض الشيء، على كل حال لن يحدث ما يجعل حالته تزداد سوءً أكثر من هذا، سوف يقوم بتنفيذ خطته وكل شيء سوف يكون على مايرام.

خرج من غرفته، أتجه الى غرفة والدته، قام بطرق الباب حتى أذنت له بالدخول وأقترب، وجدها تقرأ في كتاب يبدو أنه قديم، يبدو أنه قد مر عليه أكثر من خمسون سنة، لقد كان له رائحة الكتب العتيقة، طالعته من خلف عوينتها:

-حبيبي هل ترغب في شيء؟

أومأ لها وقد تركه من أمر الكتاب، كان الكلام صعب عليه، مرتبك كثيرًا، لا يعلم ما الذي سيقوله، سيبدو شخص بلا دم، منزوع الكرامة، لم يحب هذا أبدًا، شعرت بالكثير من الضيق والإحباط، حرك رأسه بفقدان أمل:

-لا يا أمي، أتيت الى هنا لأطمئن عليكِ ليس أكثر من هذا.

أبتسمت وهي تطالعه، أرادت التحدث معه في الكثير من الأمور، التي أصبحت كشيء يعتاد عليه، كان يشعر بالكثير من التشتت الغير مبرر، أخذ نفس عميق وهو يحاول أن يهرب من هذا المأزق، أبتسم لها:

-يبدو أنكِ تشعرين بالنعاس، أنا أيضًا أريد أن أنام، تصبحين على خير يا جميلتي.

أبتسمت والدته وهي تومأ له، خرج ومن ثم أغلق الباب ليستند خلفه، قلبه لا يريحه وعقله ينهره، هل من الممكن أن يجعل موعد حبيبته يفوته بسبب أنه لا يحمل شيء من المال! حرك رأسه بنفس، قرر أنه لن يفعل هذا، لن يتنازل أبدًا وسوف يفعل أي شيء حيال هذا الأمر.

أتى اليوم التالي، كان خفيف للغاية على قلب يونس، هادء، مرح، محب، لكن عقله كان يعاني، من أين سوف يأتي بالمال الذي سيجعله ينال أعجابها، كيف سيذهب معها وهو بالكاد يحمل ثمن وجبة بسيطة للغاية من الطعام له، لا يبدو هذا الأمر عقلاني، لن يجرح كبرياءه مهما حدث، أبتسم متهكمًا وهو يتسائل هل من الممكن أن يكون لديه كبرياء! هل من الممكن أن يكون هذا حقيقي حقًا!

أبتسم ساخرًا من نفسه قبل أي شيء، كان يشعر بالكثير من الإحباط، يتسائل لماذا عليه أن يعاني دائمًا! ما المشكلة لو مر كل شيء كما يريد! هل سيحدث كارثة؟

وقف وهو يشعر بالكثير من الضيق، ألف سؤال يجول في عقله عن هذا اليوم، كيف سينتهي به، هل سينتهي به مهزوم، مكسور، أم سيجبره الله!

قبل ان يتجاوز خطوتان وقعت عينيه على مال موضوع بجوار السرير، أتسعت عينيه، لقد أثار هذا دهشته، هل هذا مال أم أنه يتخيل! حرك رأسه بعدم إستيعاب:

-مستحيل حقًا، من الذي من الممكن أن يفعل هذا ويضعه هنا! أنبسطت أساريره، لم يفرق معه من وضعه، والدته أو تلك السيدة المدعوة إحسان والتي تصغر والدتها بعدة شهور لا غير، أبتسامة عرفت طريقها الى وجهه، شعور بالأنتصار كان رائعًا، ربما أنتصر على حزنه، ربما على العنكبوت التي يمكث في جيبه، لا يعلم، لكنه في أفضل حال.

وصل الى ناصية الشارع، كان ينظر حوله، ينتظرها، يرفع شعره الى الأعلى، قميصه الأسود هذا زاده وسامة، كان قد قام بحلق ذقنه قبل أن يهبط، بدى راقي جدًا وقد جعله هذا يرتاح أكثر، رأها تقترب لتقف أمامه، أبتسامة عرفت طريقها الى وجهه، عينيه شاردة في ملامح وجهها، لقد سقط في حبها من النظرة الأولى، قد يبدو الأمر هراء، لكنه حدث.

ساروا بجوار بعضهم البعض، كانت هي تتحدث عنه كثيرًا، تعلم انه قليل الحديث وهذا ما جعلها تتحدث اكثر، تحاول أن تجذبه تجاهها، تحدث يونس بعد أن صمت لفترة طويلة:

-أريد ان أعرف لماذا تفعيلن هذا؟

تعجبت وهي تنظر له مقربة بين حاجبيها:

-لا أعلم ما الذي تعنيه؟

أخذ نفس عميق:

-ليس من الطبيعي ان الفتاة هي من تأتي للشاب، أيضًا تتحدثين معي بشكل عفوي كثيرًا، أخبريني هل هذا الأمر طبيعي؟

أبتسامة ظهرت على وجهها وهي تتابعه، وقف فجأة وهو ينظر لها، يبدو انه يشعر بالكثير من الضيق منها، لكن ما السبب!

تساءلت بحيرة:

-ما الأمر يا يونس! أنت تنتظر للكثير من الوقت، تراقبني ومع ذلك لم يكن لديك الشجاعة؟ لو لم أكن أعرف أنك شخص جيد لم اكن لأخرج معك الأن، أنت كنت متردد كثيرًا في التحدث معي، لا اعلم لماذا حتى!

كان يتابع عينيها التي قامت بتصويبها الى عينيه:

-لا تفكر كثيرًا يا يونس، كل شيء في حياتنا يحدث لحكمة ما لا نعرفها.

تساءل وهو لديه الكثير من المفضول:

-ما هو أسمكِ؟ لن يصدق أحد انني في موعد معكِ ولا أعرف أسمكِ حتى!

نظرت له وهي تأخذ نفس عميق، أخرجته براحة قائلة:

-أروى، هذا هو أسمي.

أبتسم يونس وهو يومأ لها، تحدثت اليه وقد عادوا ليسيروا من جديد:

-أخبرني يا يونس هل أعجبك أسمي.

أبتسم يونس وهو يومأ لها:

-كثيرًا، هو يبدو مميز للغاية، مثلكِ تمامًا.

أبتسمت بينما هو ادرك ما قاله، هذا ليس طبعه، أبعت عينيه وهو يتجاهل النظر في عينيها، لا يعلم ما الذي يقوله، تمنى لو ينتهي هذا اللقاء، هي تتحدث كثيرًا، مؤكد سوف تشعر بالملل وهي بجواره، لن يكون وجودها معه بالأمر الحسن أبدًا.

كان عقله مشتت، يفكر في الكثير من الأمور، بماذا تفكر هي؟ هل سيسعفه ما معه من مال أم ستكون الظروف أسوء! لا يعلم، لكنه يحاول أن يهدء.

وصلوا أمام أحد المطاعم الراقية، أبتسمت أروى، كأنها طفلة صغيرة شاهدت الحلوى وهي ترغب في المزيد والمزيد منها:

-هيا يا يونس، سوف ندخل ونطلب الطعام، يمكننا أن نأكل بالداخل ويمكننا أن نأخذ طعامنا لأي مكان.

أومأ يونس لها وهو يبتسم، يتمنى أن يمر هذا اليوم دون أن يشعر بأي إحراج، بالفعل أشتروا الطعام، كان كافي لهم، لم يشعر يونس بالجوع ولم يحتاج لمال أكثير.

بل بقي معه القليل من المال، سوف يصعدون في سيارة أجرة وسيكون اليوم مر عليه بسلام، عليه أن يدخر المال من المعاش في المرة القادمة، سمع صوتها وهي تشير الى أحد العربات التي تبيع الأيس كريم:

-يمكننا أن نأكل من هنا ما رأيك؟ أظن انه سوف يكون جميل للغاية اليس كذلك؟

أبتسم يونس لها، حاول أن لا يرتبك، أومأ لها في تردد:

-كنت سوف أوقف سيارة أجرة لتقلنا الى المنزل، إن أشترينا الأيس كريم سوف نتمشى الى المنزل، هذا أفضل.

أومات له على الفور:

-حسنًا ليس لدي أي مانع، على كل حال أنا أفضل هذا أيضًا.

أبتسم يونس وقد انبسطت أساريره، يحاول أن يجعل كل شيء طبيعي، على مايرام، لكن لماذا أطرافه ترتجف، لماذا لا يبدو بخير، لماذا يشعر بالكثير من الإختناق؟!

أسئلة تهاجم عقله، تعود بلا جواب، لا يستطيع أن يتحدث في كل ما يدور بعقله، عقله شبه عاجز عن تفسير هذا الخوف، لا علاقة له بالعمل، لا علاقة له بوالدته أو والده، لا علاقة لكل هذا، الخوف بداخله فقط.

قاطع تفكيره صوتها المليئ بالحماس، على عكسه تمامًا؛ فهو بائس، مكتئب، جبان، دون أي سبب، تحدثت قائلة:

-ما هي النكهة المفضلة لديك؟

نظر الى عينيها قائلًا:

-ما نكهتكِ المفضلة يا أروى؟

أبتسمت اروى وهي تشير له على الشيكولاتة:

-أفضل نكهة الشيكولاتة، ماذا عنك؟

اومأ لها وهو يشير تجاهها:

-مثلكِ تمامًا، أطلبي لي ما تفضليه.

ابتسمت أروى وهي تنظر له، طلبت نكهة الشيكولاتة كما تفضل دائمًا، سارت بجواره وهم يتناولوه، رغم صمته كان يشعر بالكثير من السعادة.

لا يصدق أنها تقف بجواره، تشاركه في تناول الأيس كريم، أحب تلك النكهة لأنها المفضلة لها، أجزم أنه لم يكن ليفعب هذا لولا أنها تحبها.

تحدثت اروى وهي تنظر له:

-بماذا تفكر يا يونس؟ ما الذي يجعلك مرتبك متردد هكذا؟!

يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي