معزوفة القمر

محمد عمر`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-12-10ضع على الرف
  • 21.3K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

مقدمة و الفصل الأول

دائما ما يسعى الإنسان ليثبت نفسه، ويحقق نجاحا يحتفى به عثرات كثيرة تقف في سبيل الوصول إلى ما نريد، النجاح يستحق العناء وإكمال الطريق رغم المشقة.

اليأس والملل حصى صغيرة تأتي مع مرور الوقت الطويل تأخر من الوصول إلى الغاية لكنها تصبح في ما بعد سلم يصلنا بالمرء إلى القمة.

نائل طالب جامعي التحق بالجامعة بعد ما انهى دراسته الثانوية بتفوق ومعدله التام كان يأهله لدخول في كل المجالات، اختار دراسة الطب كي يحقق لأمه رغبتها.

منذ صغره كان يسمعها وهي تقول: الدكتور نائل.
وتحدث الجميع بهذا وكأنها ترى وصوله إلى الجامعة حقيقة أمام عينيها.

شغف كبير تملك نائل للوصول إلى ما يريد وتحقيق ذاك الحلم، لم يذخر جهد ولم يأخر واجب من أجل في سبيل هذا، إلا أن أمر واحد كان يعكر صفو ذلك النجاح.

الجامعة التي سوف يدرس بها في مدينة أخرى، مما يتوجب عليه السفر خارج المدينة وترك عائلته وحدها.

تجهز نائل لسفر في صبيحة ذلك اليوم، وكان والده ووالدته ينتظران في الصالة، أمام أخواته فقد اعدوا الفطور الأخير له قبل السفر.

بعد ما حزم حقائبه وبات على أتم الاستعداد نزل نائل ليقضي مع عائلته وقتا قبل الانطلاقة الجديدة، القى عليهم تحية الصباح ثم قبل يد أمه وأبيه، وكانت أمه تدعو له دائما وتقول: لتكن السعادة والتوفيق رفقا دربك يا ولدي.

بعد أن تناولت العائلة الفطور سويا، سمعو صوت ينادي من الخارج، فتح نائل الباب ليرى ما في الأمر، اذا بها السيارة التي ستقله قد وصلت.

نهض الجميع من مكانه، العناق الأخير قبل سفر نائل بكت أمه خائفة عليه من القادم، لم يسبق أن يبتعد ولدها عنها مثل هذه المرة، رغم أنه أصبح شاب لكنه لا تراه سوى طفلها المدلل.

ودعا نائل عائلته، وانطلق بعد أن وضع حقائبه في الصندوق الخلفي من السيارة، ثم صعد إليها، وانطلقت رحلته وظل يلوح بيده لعائلته حتى غاب عن ناظرهم بشكل نهائي.

في الأيام الاولى كان على نائل إنهاء إجراءات التسجيل، وبعض الأوراق المهمة له في الجامعة، بدأت الدراسة ولم يكن لدى نائل وقت يضعه في التعرف على أصدقاء أو بناء علاقات مع أحدهم.

كان له صديقا واحد فقط إنه آدم بسبب انشغاله الدائم في الدراسة والاختبارات، لم يكن آدم صديقه من البلد بل كان من جنسية أخرى لبلد مجاور، جاء مع عائلته بعد أن نشبت في بلادهم حرب أحرقت كل معالم الحياة في وطنهم.

لم يكن آدم وحده من جاء بعد الحرب بل كانت عائلته الصغيرة، أمه وأخته التي تصغره بعامين أما والده فقد توفي نتيجة الحرب المشتعلة وعلى إثر ذلك خرجت العائلة مغادرة البلاد.

كان نائل متفوق في دراسته على صديقه آدم لأنه كان متفرغا تماما لدراسة، بينما كان آدم المعيل الوحيد للعائلة وكل ما يحتاجونه يقع على عاتقه، إنه السند الوحيد لأمه وأخته، بينما ينحدر نائل من عائلة ميسورة الحال بشكل ممتاز، وتكفل والده بجميع مصاريف دراسته وغيرها.

لم تكن حياة نائل فارهة أو ذات طابع عالي من الترف، إنما كان قادرا على الدراسة وتأجيل العمل حتى انتهاء دراسته والتخرج من الجامعة.

كان الصديقان يقيمان معا في السكن الجامعي، يساعد أحدهما الاخر في وقت الحاجة إن استطاع، رغم تلك الصداقة التي تجمعهم إلا أن نائل كان دائم التذمر من صديقه، ويملي على آدم كثير من الامور، ولا يفوت فرصة تسمح له بتقليل من مستواه الدراسي والاجتماعي وبأن نائل هو صاحب البلد بينما آدم ضيف مؤقت فيها.

إلا أن آدم كان هادئ جدا لا يكترث لكلمات نائل المستفزة والجارحة أيضا، وكل ما حصل نقاش بينهما عن طريقة نائل بالحديث معه برر موقفه بأنه مزح ولا يكمن في طياته أي شيء من الحقيقة.

حتى اعتاد آدم على هذا الكلام دون أن يقف عنده أبدا، إلا ان صديقه نائل يبالغ لحد كبير بقول كلماته تلك حتى يجيبه آدم بكل برود: قل ما تشاء لقد اعتدت على تلقي الصفعات.

هذه الكلمة دائما ما تسكت نائل ويكف من بعدها عن مضايقة صديقه لوقت وجيز فقط.

تفوق نائل المميز في الجامعة زرع في نفسه بذور الغرور والتعالي على من حوله، إلا أن لم يكن محبوباً بين الاصدقاء أو عند الاساتذه.

إنما أغلب من يحيطون به يتجنبون التعامل معه، أو حتى تكوين صداقة قوية بسبب ما يلاحظ عليه جميعهم من تصرفات وردة فعله الغير مبررا في كثير من الأحيان.

بينما يرى نائل نفسه متواضعا مع غيره يستحق ما هو أفضل مما يحصل عليه، وأن الجميع دون مستواه الدراسي والاجتماعي.

بعد أن انتهى الفصل الأول من الدراسة وقبل أن يعود كل من نائل وآدم إلى بيته عند عائلته، قرر نائل ان يدعو صديقه لزيارتهم في البيت فقال له: ما رأيك يا آدم أن نجعل صداقتنا أقوى؟

استغرب آدم من هذا الطرح ولم يفهم قصد نائل فسأله: ماذا تعني يا صديقي؟

عدل نائل جلسته وقال: أن نستغل هذه العطلة وتتعرف عائلة كل منا على عائلة الاخر.

بدا واضحا على آدم عدم فهمه أيضا فأضاف نائل بقوله: أنا ادعوك مع عائلتك لقضاء يوم في بيتنا، تتعرف أمي وأمك على بعضهم ونقضي يوما مع بعض.

تردد آدم في الموافقة فهو لا يعرف رأي أمه في مثل هذا، ولا يرغب في إحراج نفسه مع صديقه ثم قال: دعني أفكر ثم أخبرك في وقت لاحق.

نهض نائل وهو يحمل حقيبته معلنا بدء استعداده للمغادرة وهو يقول: لا أقبل اعتذار مهما كان السبب سوف أخبر عائلتي بقدومكم.

أرد آدم التحدث لكن نائل قطع حديثه بقوله: أظن أن الوقت قد حان حتى تجمع اشياءك وتغادر أنت أيضا.

بعد ان استعد الصديقان ودع كل منهما الآخر وانطلاقا في كل منهما في وجهة مختلفة عن الآخر عائد إلى منزله.

كانت عائلة نائل قد استعدت بشكل جميل من أجل استقبال ابنها لأن هذه زيارته الأولى من بعد التحاقه في الجامعة، الكل يشعر بالحماس وفائض من الحب والشوق للدكتور نائل.

لم يكن الأمر أقل أهمية في بيت آدم كانت أمه تجلس على تلك الشرفة الصغيرة تراقب من بعيد تنتظر أن يلوح طيف ابنها قادم لزيارتها أخيرا بعد غياب امتد لأشهر، وكانت قد اعتدت له طبقه المفضل الفاصولياء مع الأرز.

في بيت نائل كان الوضع أكثر سخاء فقد أعدت أمه له أصناف كثيرا من الطبخ وعدد من أنواع المقبلات منها الشرقية والغربية أيضا، ولم تنسى أن تحضر له صحن كبير من السلطة التي يحبها.


وصل آدم إلى الحي رأته أمه من بعيد أسرعت تفتح له الباب تسلم عليه، احتضنها وقبل يديها وهي تدعو له بالتوفيق والنجاح والرضا ثم قالت: ادخل يا بني الغذاء جاهز بدل ملابسك ريثما انتهي من بعض الأمور.

أما نائل بعد أن سلم على الجميع من حوله وقبل يدي أمه، أما أبيه لم يكن قد وصل إلى البيت بعد بل كان في طريقه لهم.

استأذن نائل من أمه الصعود إلى غرفته من أجل الاستراحة قليل بعد عناء السفر، وينزل حين يصل أبيه، لم تمضى أقل من ساعة حتى وصل عادل والد نائل من عمله، وفورا وصوله سأل عن ابنه.

بعد ان انتهت نادية أم نائل من تحضير طاولة الطعام، أرسلت ابنتها مريم تنادي أخيه كي ينزل ويتناول الغذاء جميعا، طرقت الصغيرة باب الغرفة سمح لها بالدخول قائلا: تفضل!

دخلت مريم الغرفة خجلة بضحكة مغمغمة تقول لأخيها: لقد وصل أبي وكل شئ جاهز.

ضحك نائل من كلام أخته الصغيرة نهض من سريره وحملها في حضنه ونزل على الدرج وهي بين يديه تضحك وتقول لأخيها: أصبح أميرة مثل ساندرلا.

يرد نائل بقوله لها: بل أنت أجمل من ساندرلا.

كان عادل يجلس في الصالة ينتظر ولده، عند ما رأى نائل والده وضع أخته ثم اتجه نحو أبيه يقبل يديه ويسلم عليه، لكنه شعر بأن يد أبيه باردة رغم الجو الحار سأله عن سبب ذلك فرد عادل قائلا: لا اعلم يا بني الأمر يتكرر منذ فترة، لا عليك مني دعنا نتناول الطعام ألست جائعا؟

اجتمعت العائلة حول المائدة سعيدون بوجود نائل معهم مجددا، وكأن النشاط عاد لهم جميعا بعد مجيئه.

تذكر نائل حينها دعوته لصديقه آدم فقرر أخبار العائلة بهذا فقال نائل: لقد دعوت صديقا لي في الجامعة للحضور إلى بيتنا.
سألته نادية: هل نعرفه؟
رد نائل على أمه بقوله: لا يا أمي أنه ليس من بلادنا بل مهاجر إليها، إلا أنه إنسان جيد.

لم يرق للأم ما سمعت من ابنها فقالت: لما تدعو أحد لا أعرفه، بالإضافة إلى كونه من بلد أخر!

استغرب نائل ردة فعل أمه وسألها عن سبب اعتراضها؟
أشاحت نادية بنظرها عن ابنها وقالت له: لا أحب الغرباء، ولا الدخلاء بتأكيد أنه سيكون ذو عين فارغة، أو ربما يسترق النظر إلى الفتيات، غير أنني لا استبعد أن يكون لص.

أثارت كلمات نادية الغضب في رأس زوجها ثم جمع قبضته وضرب على طاولة وبدون النظر إليها قال: انتهى الأمر لقد دعى صديقه عليك أن تفعلي ما يتوجب اتجاه ضيوفنا، ولا تنسي بأن أصابع الكف تختلف عن بعضها، فما بالك بالبشر!

سكت الجميع بعد كلا أبيهم، إلا أن نادية كانت تتمتم ببعض الكلمات الغير مفهومة ولا المسموعة من أحدهم، وكانت مجبرة على القبول بسبب قرار زوجها وموافقته.

بعد وصول آدم بدقائق وصلت أخته أيضا من المدرسة أنها في المرحلة الثانوية، وجدت أمها قد اعدت الطعام ورتبت السفرة وكل شيء على أكمل وجه دخلت لترى ماذا تعد امها في المطبخ وقالت: ما هذه الروائح الشهية، أشعر بأنني قد يغمى عليي من الجوع.

ضحكت خديجة من كلام ابنتها وقالت لها: ارجوك لا تفقدي وعيك لأنك من سينظف الأطباق بعد الغذاء.

ردت عليها هبة: حسنا يا أمي كما تريدين.

وحين همت هبة بالخروج لتبديل ملابسها المدرسة، قالت لها أمها: اذهبي وأخبري أخيك بأن كل شئ جاهز.

بدت الصدمة على ملامح هبة وسألتها: هل حقا وصل آدم؟ لما لم تخبريني حتى الآن؟

ثم أسرعت نحو أخيه تقفز فرحا بعودته، معبرة له عن اشتياقها وافتقادها له في كل الأوقات.

بينما تتحدث هبة مع أخيها، نادت أمها لكليهما: هيا يا أولاد الطعام جاهز.

ضحك آدم وقال لأخته: ستبقى أمي تقول أولاد لو بلغنا من العمر عقود.

سمعته أمه ماذا قال فضحكت وردت عليه: اجل أني أراكم أطفال يجب اطعامكم واخشى عليكم من البرد والجوع وأن يؤذيكم أحد.

جلست العائلة الصغيرة حول مائدتهم المتواضعة والحب بادى عليهم جالس بينهم يجمع قلوبهم يضحكون ويمزحون.

في المساء كان نائل جالس يقرأ أحد الكتب، لا يشعر بمن حوله، واذا بأبيه يقف قربه يربت على كتفه فسأله: كيف حال دراستك يا نائل؟

رد عليه بعد أن أغلق الكتاب: أتابعها باستمرار دون تراكم أو تأجيل حتى لا تتكدس عليي الوجبات.

ابتسم عادل فرحا بكلام ولده وقال: لدي ثقة كبيرة بنجاحك وعلى يقين بأنك لن تقصر أبدا، ابن ابيك لا أخشى عليك من شيء.

كان نائل سعيد بكلام أبيه ونظرات الفخر التي رأها في عينيه زادته إصرارا على إكمال ما يريد والوصول إلى الافضل.
ثم قال نائل: ارجو أن أكون قادرا على حمل هذه الثقة، ولن تندم أبدا سأفعل ما بوسعي كي لا أخذلك يا أبي.

عانق عادل ولده وشده إليه بقوة وقال: اعلم هذا يا بني، أنت أهل الثقة وتستحق الافضل.

يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي