2

بعد عدة أيام من وصول نائل قرر الاتصال بصديقه آدم ليطمئن عليه ويسأله عن وقته المناسب للحضور مع عائلته.

بينما كان آدم مشغول في غرفته يقوم ببعض التصليحات رن هاتفه، فطلب من أخته أن ترى من المتصل فقالت له: أنه شخص يدعى نائل.

تأفف آدم وتذكر دعوة صديقه له وللعائلة في بيتهم فسألته أخته: لما كل هذا الضجر يا أخي؟ ألن تجيبه؟

أوم لها أخيه بالموافقة وأشار بأن تعطيه الهاتف ثم رد على نائل وقال: اهلا بك يا صديقي.

ضحك نائل وسأله: كيف لصديق أن ينسى صديقه؟
آدم: لا يعقل هذا، يا ترى من فعله؟

رد عليه نائل: أحدهم عاد إلى بيته ونسي بأن له صديق يفتقده، اين انت يا رجل؟

آدم رد عليه قائلا: في المنزل أين يمكن لي أن اذهب؟

بنبرة فيها من الحماس الكثير قال نائل: اذا كن على استعداد و تعال مع عائلتك إلى بيتنا.

تردد آدم في الإجابة فقال: لا تكلف نفسك يا نائل دعنا نجتمع انا وأنت في مطعم أو مقهى جميل ولا داعي لكل هذا.

لم يتفق نائل مع صديقه في هذه الناحية وأصر على موقفه وقال له: هذا لقاء عائلي أما اجتماعنا يكون لاحقا نقضي بعض الوقت معا.

بعد أن الح عليه جدا وافق آدم و قال: حسنا كما تريد لكن دعني أسأل امي عن وقت فراغها غدا ثم أخبرك.

وافق نائل على هذا، ثم ودعى الصديقين بعضهما على أمل لقاء قريب بينهم مع عائلاتهم.

سمعت خديجة حديث ولدها مع صديقه فسألته: ما الأمر يا بني؟ هل يوجد خطب ما؟

قال آدم لأمه نافيا: لا يا أمي لا يوجد شيء الأمر ليس كما تظنين بل هو خير.

خديجة: اذا اخبرني يا ولدي ماذا حدث؟

جلس آدم بقرب أمه وقال لها: أنه صديق في السكن الجامعي قد أصر على دعوتنا إلى بيته لنتعرف بأهل.

ابتسمت الأم وقالت: ما المناع لديك يا آدم اذهب وتعرف إليهم هذا أمر جيد.

أشاح آدم بنظره عن أمه وقال: يقصد أن نذهب نحن كا عائلة إلى هناك أنا وأنت وأختي أيضا.

فكرت الأم قليلا في كلام ولدها ثم قالت له: أن كنت تعلم أنهم اشخاص طيبون وعائلة محترمة لا بأس في ذلك لا مانع لدي.

لم يكن آدم يتوقع من أمه أن توافق بالذهاب فا هي معتادة على الجلوس دائما في المنازل ولا ترغب كثيرا ان تكون متواجدة في اجتماعات مع الناس فسألها: هل حقا تريدين هذا أما أن الأمر فقط من اجلي؟

ابتسمت خديجة وربتت على كتف ابنها ثم قالت: كلاهما معنا، أشعر بالملل في المنزل لم أخرج منذ مدة وأنت تعرف هذه العائلة فلا بأس في هذا الأمر.

قال آدم لأمه: أن أعرف صديقي نائل أما عائلته مازالت لا أعرفها أبدا.

خديجة: لا مشكلة أخبر صديقك بأننا نود زيارتهم متى يمكن لنا هذا؟

وهذا ما فعله آدم حقا أعاد الاتصال مرة ثانية بصديقه نائل يسأله عن وقت مناسب لزيارتهم واتفقا على أن يأتو في اليوم التالي بعد الظهر حتى يقضوا وقتا طويلا مع بعضهم البعض واستمتعوا أكثر.

بعد أن تم الاتفاق بين الصديقين ذهب نائل يخبر أمه بتوقيت الزيارة والموعد الذي حدد لزيارة أيضا من أجل تحضير غذاء يليق بضيوفه.

في حديقة المنزل تجلس نادية مع زوجها عادل تشرب القهوة تحت ضوء القمر يتبادلون أطراف الحديث ويتسامرون جاء نائل وجلس معهما وقال ممازحا: كيف تشربون القهوة بدوني؟

ردت نادية: كنت أظنك مشغولا وخشيت مقاطعتك لهذا لم ارد ازعاجك لكن دعني الآن احضر لك فنجان.

ثم همت بالنهوض لتحضر لنائل ما يريد إلا أنه أمسك يدها كي تعود للجلوس مرة أخرى وقال لها: لا أرغب في شرب القهوة لكن أود أن أقول شئ.

قال عادل لولده: تحدث يا بني ما الأمر؟

فقال نائل لوالديه: كل ما في الأمر أن صديقي آدم وعائلته سوف يكون في ضيافتنا غداً.

لم يكن الأمر محبباً لنادية لكن لا يوجد لديها خيار أخر فقالت: كم شخص هم؟ ماذا تريد أن أعد من أجلهم على الغذاء؟

بدا نائل سعيد بما قالته أمه لأنه يعلم عدم حبها لزيارة أشخاص لا تعرفهم من قبل ثم قال: أنهم ثلاثة فقط، وأنا أعلم جيد بأنك تختارين ما يناسب لذا لا مشكلة جميع الأصناف التي تعيدنها لذيذة.

بعد أن اتفقوا على بعض التفاصيل من أجل الغد استأذن نائل والديه وانصرف إلى غرفته تاركهم يكملون حديثهم.

بعد أن ابتعد نائل تماما عنهم قالت نادية لزوجها: هل أعجبك ما فعله ولدك؟

بعد أن شرب رشفة من فنجانه قال لها عادل: لقد دعاهم وانتهى الأمر، دعي الأمور تمضي بشكل هادئ إنها مجرد زيارة.

مضت الليلة ساكنة الجميع أوى إلى فراشه لينام بعد يومهم الحافل، وهم ينتظرون يوم أكثر متعة.

في صبيحة اليوم التالي بدأت نادية مع ابنتيها بتحضير لبعض الوصفات والأطباق من أجل ضيوف اليوم، لم تقتصر التحضيرات على الطعام فقط بل كانت أحدى أخوات نائل تعد قالب من الحلويات الباردة.

على أتم الاستعداد كانت خديجة وابنتها في الوقت الذي حدده لهم آدم، لأنه لا يحب التأخير كي لا يكون لدى أهل نائل انطباع سيء عنهم.

ثم أحضر سيارة أجرة كي توصلهم إلى وجهتهم؛ لأن آدم لا يملك واحدة على عكس حال نائل.

في طريق كانت خديجة تراقب الشوارع تتأمل الناس والطرقات وكل شيء تراه عيناها، فهي لم تذهب لزيارة أحدهم منذ مدة طويلة.

أمام ذلك البيت الكبير والباب الحديد الأسود وقفت السيارة، بعد أن أعطى آدم السائق ثمن إيصالهم، نزلت العائلة جميعاً منها ثم توجهوا نحو الباب.

خرج نائل حتى يستقبل صديقه مرحباً به: أهلا يا صديقي، لقد افتقدت كثيرا.

تعانق الصديقين ثم رد عليه آدم: وأنا أيضا، كيف حالك يا نائل؟

أجابه نائل: استمعت بعطلتي، ثم توجه بحديثه إلى أم آدم قائلا: كيف حالك يا خالة؟

ابتسمت بلطف خديجة وقالت: أنا بخير يا بني، شكراً لك.

نائل: تفضلوا إلى الداخل دعونا لا نطيل الوقوف هنا، عائلتي كلها تنتظركم.

أمسك آدم يد أمه يساعدها في صعود الدراج، كان فناء البيت كبيراً يحيط به من الأزهار أنواع مختلفة وبتنسيق جميل وألوان خلابة، لداخل قليلاً توجد أرجوحة مع طاولة وأجواء جميلة للسهر.

كانت نادية قد استعدت بإطلالة جميلة اختارت عباءة تشبه بشكلها الفراشة وبألوان السماء ولم تنسى أن تضع بعض الحلي والجواهر التي تمتلكها.

لم يكن الأمر أقل بالنسبة لملابس بناتها، بل أيضا كان اختيارهم شديد الجمال والتنسيق الملائم.

وصل نائل إلى الصالة مع صديقه وعائلته، والجميع ينتظر رؤيتهم نائل يقول: تفضلوا، تفضلوا من هنا.

ظهر آدم شاب بسيط بملابس عادية لا بزخ فيها، وأمه بجواره ترتدي عباءة سوداء خالية من أي أضافات أو زينة، كذلك كان حال هبة ملابس مرتبة لا يوجد فيها كثير من التفاصيل.

تقدم عادل يسلم عليهم: أهلا وسهلا بكم، تفضلوا.
سلم آدم على والد نائل وسأله عن حاله، بينما نادية لم تتحرك من مكانها أبدا، حتى نظر زوجها إليها وأشار لها برأسه كي تتقدم وترحب بالضيوف.

ابتسمت ابتسامة صفراء لم تنفرج شفتاها حتى وهمت تسلم على أم آدم بطريقة فيها من التصنع ما لاحظه الجميع.

أما الفتيات مع هبة بدا بينهم انسجاماً واضحاً، وكانت الفتيات فرحات بذلك اللقاء.

قاطع تلك الضوضاء التي حدثت صوت عادل يقول: دعونا نجلس قليلاً.

بينما جلس الجميع مع بعضهم كانت نادية تحضر طاولة العشاء مع بناتها، وعادل كان يتعرف أكثر على آدم وأسرته، فقال له: مسروراً جدآ بلقاءك يا ولدي.

بدا على وجه آدم الارتباك قليلا فقال: وأنا أيضاً سعدت بحضوري إليكم، لم أكن اود أن تتعبوا أنفسكم من أجلنا.

ضحك نائل ثم قال: أعلم لو أنني تركتك تفعل ما يحلو لك لما قبلت الحضور أو تلبية الدعوة.

رد عليه آدم: ليس الأمر كذلك لكن لدي بعض الالتزامات عند عودتي للبيت.

ابتسم نائل بخبث وقال: التزامات! أم أنك تهوى الانطواء فقط على نفسك؟

قاطع عادل حديث الشابين وبدا يسأل آدم عن حياته في بلاده وكيف توفى والده؟

اعتلى الحزن معالم آدم ثم قال: حالنا كان أفضل من الآن بكثير لكن الحرب لم تدعى أحد بدون أن يكون لها سطوة عليه، أما عن أبي توفى بطلق ناري لا نعرف مصدره.

عادل: ماذا يعني مجهول المصدر؟
رد آدم بقوله: كنا قد عزمنا على النزوح خارج قريتنا، وفي أثناء تجهيز أبي لسيارته أصيب برصاصة في بطنه، بقي في المستشفى عدة أيام إلا أن قبضت روحه.

انهمرت عينا خديجة بالدموع عندما تذكرت القصة ومأساتها، اعتذر عادل على سؤاله فقالت له: لا بأس، أنه قضاء الله علينا ونحن نرضى به.

في تلك اللحظة جاءت نادية تخبرهم بأن الغذاء قد أصبح جاهز، كانت واضحة التعامل مع الضيوف بطريقة مستفزة لم يكن كلامها لطيفا، بل كانت نبرة التعالي مفهومة وهذا ما أحرج آدم، وزاد استياء عادل من زوجته.

حول المائدة جلست العائلتين يتناولون طعامهم والجميع سعيد بهذا اللقاء، إلا نادية لم تكن على طبيعتها بل كان واضحاً عليها الضجر والانفعال بدون سبب يذكر.

انتهى الجميع من تناول طعامهم ثم عادوا إلى الصالة لشرب الشاي الذي أعدته أخت نائل الصغيرة، وعند ما همت خديجة بالانضمام إليهم سبقتها نادية بطلب غريب وقالت: هل يمكن لك أن تساعديني في ترتيب الأطباق يبدو أنك تجيدين أعمال المنزل والتنظيف.

صدم الجميع من طلبها الغريب والغير مقبول، توسعت عينا آدم ونظر إلى صديقه نائل لعله يفهم المراد مما قالته أمه وعن الأحراج الذي تسببت به لوالدته.

واشتعل عادل من شدة الغضب لما سمعه من زوجته فهو يحفظ أفكارها عن ظهر قلب، إنها إمرأة تحب الظهور واللمعان وأن تكون الاضواء والاهتمام كله لها، لديها من حب الذات الكثير لدرجة الغرور.

إلا أن رد خديجة كان أكثر غرابة بعد أن تصنعت الابتسامة على وجهها قالت: ولما لا سوف أساعدك لعلك تتعلمين بعض الأشياء من خبرتي وتطبقيها في حياتك أضمن لك عندها أن تغدو أفضل.

نحو المطبخ سارت نادية بخطوات المنتصر وكأنها كسبت أحدى الجولات في معارك حاسمة، أما خديجة فكانت غاضبة وقلبها يحترق من شدة الغضب، أنفاسها قصيرة بالكاد تتماسك تحدث نفسها: هل يعقل أن يوجد إمرأة بمثل هذا العقل؟ يبدو أن خلف هذا الجمال حقد يغرق كل من وجد.

لم تكن نادية تبالي بكم الإحراج الذي تسبب به لزوجها وابنها، كل ما تفكر فيه كيف لها أن تحتفل بعد أن حدث ما أردت وأن الأمر حدث كما هي تريد.

وبعد أن غابت الأمهات عن أعين الحاضرين حاول نائل تشتيت سحابة الصدمة التي وقفت على رؤوس الجميع فضحك ضحكة صفراء وقال: يبدو أن أمي قد أحبت والدتك جدا يا آدم.

يعلم آدم جيداً أن كلام صديقه لتخفيف من حده انزعاجه وغضبه المعتلي وجهه لم يجبه بشيء واكتفى بالصمت ثم أوم له بالايجاب.

أما أخوات نائل ياسمين وريم اصطحبن هبة أخت آدم إلى غرفتهم ليقضوا وقتا مع بعضهم كما يحب الفتيات بعيداً عن أحاديث الكبار.

خلف جدران المطبخ كانت أم نائل تخفي ابتسامتها الخبيثة، وتتظاهر بالعمل وكانت تمطر خديجة بطلبات وكأنها عاملة لديها وليست ضيفة وهذه زيارتها الأولى.

بعد أن انتهى عملهن في المطبخ عادت خديجة إلى الصالة حيث كانت تود الجلوس ثم تبعتها نادية، بعد أن قدم نائل كوب من الشاي لخديجة، قررت نادية أن لا تكتفي.

ثم قالت أم نائل لها أمام الجميع: لم يخب ظني بل كان حدثي صحيح، كانت الامور كما توقعت، عملك في التنظيف رائع، أن كنت ترغبين يمكنك المجيء والعمل عندي بشكل مستمر.

خنقت الكلمات القاسية تلك حنجرة خديجة الغرور والتفاخر كانا يفيضان من الكلام، عند هذا الحد اكتفى آدم شد قبضته كأنه يريد تسديدها في وجه نادية تلك التي تحيا على تقيم الناس بمظاهرها وما يملكون من مال ومجوهرات، دون مراعاة لحال هجرتهم الذي يغيب عن بالها.

إلا أن خديجة أمسكت قبضة ولدها وحاولت التخفيف عنه وأن تمتص غضبه ويهدأ قليلا ثم قالت لتلك المتعجرفة: هل سمعتني أشكو لك حالي يا سيدة نادية؟ أم أنني طلبت مساعدتك؟

ابتسمت نادية ابتسامة خبيثة ثم قالت: لا داعي لأن تطلبي شيء الأمر واضح من مظهركم.

لم يعد نائل قادراً على ضبط نفسه أكثر فقال لأمه بصوت منخفض: أمي! ما هذا الذي تقولينه؟

إلتفتت نادية لولدها مدعبة الاستغراب من سؤاله فقالت له: ما بك يا ولدي؟ ألا ترى أنهم بحاجة إلى مساعدة! لذا قررت مد يد العون لهم.

ثم عادت بالحديث لأم آدم تقول لها مضيفاً: هل تعلمين أن لك حظاً رائعاً، في صباح هذا اليوم جمعت بعض الألبسة التي لم أعد أحبها؛ أنوي التبرع بها لأحدى الجمعيات الخيرية؛ لكنني عدلت عن رأيي وسوف أعطيها لك.

ضرب عادل الطاولة من شدة غضبه بعد ما سمع من زوجته وترهاتها التي تلقيها هنا وهناك، ثم رماها بنظرات تكاد تحرقها من شدتها وقال: هذا يكفي، لا داعي لمثل هذا..

وقبل أن يكمل ما أرد قوله قاطعه آدم بالوقوف ثم قال لهم: أشكركم على هذه الدعوة ولكن الآن اسمحوا لنا يجب أن نغادر.

حاول نائل أن يقنع صديقه بالجلوس مرة أخرى فقال: دعنا نجلس قليلاً بعد، لما كل هذه العجلة؟

لم يجب آدم صديقه بأي كلمة بل عاد شكره للجميع وأمسك يد أمه متجهين نحو الباب، بعد أن طلب من أخ نائل الصغير أن يخبر أخته بأنهم استعدوا للمغادرة.

كان نائل خلفه يحاول تهدءت الوضع والاعتذار من خديجة وآدم لكن لا جدوى من هذا، الوضع متضطرب والأجواء مشحونة بتوتر وازعاج .

ودعا نائل عائلة صديقه عند الباب وانتظر حتى انطلقت السيارة مغادرة بهم ثم عاد إلى بيته يشعر بكثير من الخيبة بسبب فعل أمه، لم يكن الأمر قد هدأ بعد لأن

يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي