حادثة الموت

أمل منجد`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-10-24ضع على الرف
  • 51.6K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأوّل

تراقص الموت والنجاة على عتبة مسرح الحياة، تزداد خُطاهم واحدة تلوى الأخرى على أمل البقاء.


نحيب تصفيق وتشجيع يلازم الأجواء، الموت للنجاة والنجاة للموت، وأخرى تهتف النجاة للنجاة والموت للموت.

دقائق قليلة تفصل مرحلة الإختيار، فكما تبدو الصورة؛ الفوز للموت والقضاء على النجاة، اشتد الصراخ بين مؤيد ومعارض!

حتى يصل الأمل يلّوح من أفق بعيد خلف الستار، لا للموت لا للدمار النجاة للنجاة والموت للموت، حُسِم الأمر إذاً النجاة للحياة على قيد الأمل..


في الصباح الباكر صوتُ العصافيرِ يملأ أجواء حديقة الم
نزل، شعاع الشمس ليس بهذه القوة رائحة القهوة والبن المحروق تفوح في الأجواء
بيتٌ هادئ، أم بسيطة، أبٌ يكافح من أجل أبناءه، ومع أصوات القنابل والقذائف يولدُ الأمل من جديد

تلك هي العائلة الصغيرة التي كانت سابقاً تعيش حياةً مليئةً بالهدوء والبساطة.
ما إن تغيرت الأحوال حتى أصبحت حياةً مليئةً بالضجة العارمة.

وفي زحمة الحياة صباحاً مع الاستيقاظ إلى المدارس والجامعات والغوص في متاعب الدنيا نبدأ من جديد.
العائلة هي الوطن والملاذ الآمن الذي نعيش فيه، فهي السند وهي الحب، ومنها ينبع الحنان والاطمئنان، فهي أوّل ما نخافُ منه وأوّل ما نخاف عليه.
فتبدأ تلك العائلة من أبو أحمد، وأم أحمد، أحمد، وداع، محمد.

بصوت مليئ بالحزن، والأسى ظاهر على ملامح وجهه، قال الأب: احزموا أمتعتكم سوف نذهب من المنزل.

أصبحت علامات الدهشة واضحة على وجوه الجميع.
ثمّ أضاف الأب قائلاً: منزلنا عشنا به طويلاً،
في هذه الزاوية تشاجرنا وفي تلك كنا نسهر سوياً، والزاوية الأخرى كنا نحفظ بها القران، هنا أبي ضمني عندما عُدت من المدرسة، وهنا أمي تحضّر لي الطعام الذي أحبه وهنا كنا نأكل مجتمعين على مائدة واحدة، لا يُسمع منها سوى صوت الضحكات تتزايد و تعلو، كيف سنترك الطرقات التي طالما مشينا بها سويةً، طريق المدرسة برفقة أبي الذي كان يمسكُ يدي من طرف والطرف الثاني ممسكاً بيدِ أخي أحمد،
كيف سنتخلى عن أقاربنا، كيف سنذهب إلى مكان لا نعرف عنه شيئاً؟
كل هذه الخواطر والذكريات كانت تجول في عقولهم!

وداع: بصوتٍ مليئ بالخوف والرهبة، قالت: أبي إلى أين سنذهب؟
أبو أحمد: لا تقلقي عزيزتي فأرض الله واسعة.
أم أحمد:نادت وداع وأخوها أحمد، هل أنتما جاهزان هل انتهيتما! وداع أحضري أخاك الصغير أبوكما بانتظاركما.
وداع وأحمد يودعان غرفتهما بحزن وأسى شديد يغلقان باب الغرفة ويجريان سويةً يقولان بصوتٍ واحد: نعم يا أمي.
وداع: كنت جالسة في المقعد الخلفي من السيارة، أنظر إلى بيتنا من بعيد وقلبي يعتصر من الحزن الشديد بدأت دموعي تنهمر على وجنتاي وأنا ألقي آخر النظرات، حتى بدا بيتنا سرابٌ بعيد.
بدأ أبي يذكرنا ويحدثنا عن فضل الهجرة في سبيل الله وعن الأجر الذي سنحظى به.
الأم : كلنا رضى يا حبيبي الحمد لله على كل حال
أحمد: أظن أن بيتنا الجديد سيكون جميلاً وسنعيش حياة طيبة
وداع: أتمنى ذلك، لكن بيتنا هو الأجمل في نظري.
أبو أحمد: حبيبتي وداع يا فلذة كبدي كوني على يقين أنّ الله لن يضيعنا، نحن هاجرنا في سبيل الله هجرة خالصة لله عزّ وجل، سيقفُ الله بجانبنا دوماً.
وداع: بكل رضى، نعم يا أبي كلامك صحيح.

بدأت مشاعرنا تهدأ رويداً رويداً وبدأت الأحاديث الجميلة والضحكات تعلوا في السيارة.

وداع: بضحكاتٍ عالية، أمي انظري محمد إنه يضحك على شكل الخروف الذي يركض في الطريق، صوت ضحكاته ترنُ رناً على مسامعنا

ما إن مضى الوقت سريعاً مع الضحكات والأجواء الجميلة حتى وصلنا إلى وجهتنا المطلوبة، بدأنا نحمد الله على السلامة.

وداع: بابا هل هنا سيكون منزلنا!

نزلنا واحدً تلو الآخر من السيارة وعلامات الدهشة والتعجب ظاهرةٌ على ملامحنا، طرق نمشي عليها حذراً من شدة وعورتها!

أبنية مقصوفةٌ ومخربة، كلابٌ تملأ الشوارع،

أمي أرجوك أمسكي يدي هناك كلب كبير يحدق بي إنني خائفة جداً.

أم أحمد: لا تخافي يا وداعي أنا بجانبك دائماً.

بدأ يبكي أخي الصغير وأصواته تعلو المكان، لا شيء سوى خطواتنا وبكاء أخي محمد.

في طريقنا أشجار أغلبها ذابلة لا أحد في الطريق سوانا، نمضي إلى المجهول لا نعلم ما هو مصيرنا ولا أين سنعيش!

لم يتكلم أحد مننا مطلقاً، فقط الأفكار تنهش عقولنا.

أبو أحمد: مهلاً هذا هو مدخل عمارتنا، هيّا بنا الطابق الأول يا صغار.

مشينا سوياً، أخرج أبي مفاتيح بيتنا الجديد من جيبه الأيمن.

باب خشبيّ قديم، غرفة الجلوس أريكتان فقط وطاولة قديمة، غرفة النوم ما إن تجلس عليها خشبها يسقط أرضاً، إنه بيت مهترئ!
انقبضت قلوبنا جميعاً كيف لنا أن نعيش في هذا المنزل!

أبو أحمد: أنا ذاهب لكي أحضر لكم أدواتاً للتنظيف وبعضاً من الطعام كي ننظف المنزل ونأكل سوياً، طأطأت أمي رأسها باستياء وقالت بحزن نعم نحن بانتظارك.

ما إن ذهب الأب بدأت وداع تتكلم مع أمها قائلةً: أمي كيف لنا أن عيش في هذا المنزل إنني خائفة جداً، لا نعرف أحدًا، منزل قديم للغاية، مكان موحش مليئٌ بالكلاب، أنا لا اشعر بالأمان أبداً أنا خائفة جداً.
حبيبتي وداع تعالي إلى صدري لا تخافي يا ماما كل شيئ سيكون على ما يرام، الله معنا وما خاب أحداً كان الله في عونه.

عاد أبو أحمد سريعاً إلى منزله وهو يحمل بعضاً من الطعام وأدوات التظيف.
أكلنا سريعاً القليل من الطعام، وقال أبي أنه ذاهب ليقوم ببعض الأعمال.
ذهبت أمي لتملأ دلواً بالماء لنقوم بغسل الأرض.
فتحت الصنبور يا إلهي لا يوجد ماء! بدأت تلف الصنبور أكثر فأكثر لا ماء لدينا ظهر الاستياءُ على تعابير وجهها
وداع: أمي ماذا سنفعل لا ماء لدينا أبي غادر منذ قليل
حلّ الصمت لا أحد يتكلم

أحمد جالس على الأريكة ويحمل علي فخذيه النحيلتين محمد ويلاعبه ويمازحه.

مع كل لحظات الألم الذي نعيشه لا نستطيع الاستغناء عن بعض من الضحكات وخاصة من الأطفال الصغار.

جلسنا جميعنا نلاعب محمد ونمازحه، وها هو محمد بدأ يضحك ويصدر أصوات غرغرة الأطفال.

وفجأةً! وفي أثناء لعبنا مع محمد وفرحنا بضحكاته الجميلة سمعنا صوت أحد يطرقُ باب منزلنا، دُهشنا جميعاً! من سيقوم بطرق باب منزلنا ونحن لا نعرف أحداً هنا.

أمي : من هناك!

بدأ قلب أمي يتسارع بالنبض، وبدأت علامات التوتر والخوف تظهر على ملامحها.

اقتربت الأم من الباب رويداً رويداً، يداها ترتجف خوفاً من يا ترى يطرق بابنا في هذه المنطقة!

أم أحمد وأولادها الثلاثة خلفها صاحت بصوت مسموع: مين!

صوت يصدر من الشقة أمامنا، أنا اسمي غفران جارتكم أسكن في البيت الذي يقابلكم.

فتحت أمي الباب لكن قلبها لم يكن مطمئناً لما يجري، لكن قبل أن تفتح الباب قامت أمي بتخبئة أساورها التي كانت ترتديهم بيدها اليسرى تحت أكمامها، أظنها خافت أن تطمع بنا غفران أو أن تقوم بسرقتنا.

رأينا جميعنا غفران، فتاة في العشرينيات من عمرها ذات الوجه المدوّر البشوش، عيناها عسليتان واسعتان، جسمها ممتلئ بعض الشيئ، كان وجهها مطمئناً، لكن ومع ذلك مازلنا خائفين حذرين.

غفران: السلام عليكم نحن جيرانكم أحببنا أن نطرق الباب عليكم ونرى إذا كنتم تحتاجون مساعدة؟

أم أحمد: وعليكم السلام، شكراً لك، لكن لماذا لا يوجد ماء، هذا اليوم الأول إلنا في هذا البيت ولم نقم بتنظيفه بعد.

غفران: لا تقلقي، سأعطيك من مائي قدر حاجتك.

أخذت أمي الماء من غفران وبدأنا بتنظيف المنزل أساعد أمي في غرفة المعيشة انتقالاً إلى غرفة النوم، محمد بدأ بالبكاء أظن أنه يتور جوعاً.

بدأت أطعم محمد، يا إلهي يا صغيري إنك تأكل بشراهة كأنك لم تأكل منذ عام كاملاً.

أخي وأمي انتهيا من تنظيف المنزل بأكمله عندها كنا في وقت العصر، الشمس تقتحم أرجاء المنزل وجميعنا جلسنا بجانب بعضنا نتساءل أين أبي! متى سيأتي إلينا فقد ضاقت بنا وحيدون هنا.

فجأة طُرق بابنا مرةً أخرى
وداع: أمي أنا متأكدة أنها غفران
أم أحمد: وداع تمهلي نحن إلى الآن لا نستطيع أن نأمن أحد لا تفتحي الباب وحدك
انطلقنا جميعنا لنفتح الباب، وإذا هي غفران مجدداً
غفران: مرحباً أم أحمد كيف حالك!
أم أحمد: الحمدلله ـ تشعجت وقلت لها ـ تفضلي لنشرب القهوة سوية

انبهرتُ من أمي كيف قالت لها أن تتفضل إلى منزلنا بهذه السرعة، لكن أظنها أنها قد تعبت وحيدة مع ثلاثة أطفال وتوكلت على ربنا كما تقول فإنها فتاة وحيدة عشرينةٌ لطيفة ماذا ستفعل لنا نحن جميعاً.

ما إن ولجت غفران ذات الوجه البشوش بيتنا نراها حاملة صينية عشاء كبيرة
فيها ماتشتهي أنفسنا جميعاً " الزيت والزعتر " والباذنجان " المقلي وبعضاً من الخبز والزيتون واللبنة "

وداع تتكلم مع نفسها لبنة! إنها أكلتي المفضلة، لقد أحببت غفران إنها جارة لطيفة.

أم أحمد: يا إلهي لماذا كل هذا يا غفران! سامحك الله عذبت نفسك كثيراً.

صراحةً أمي قد خافت كثيراً من هذا الأمر لم قد قدمت لنا كل هذا ونحن لا نعرفها من قبل
أم أحمد: ذهبت تهمس في آذان أبنائهاذ وداع أحمد لا تأكلوا من هذا الطعام.

وداع: وأحمد: بصوت واحد لماذا يا أمي! إنها فتاة لطيفية وتقدم لنا المساعدة.

أم أحمد: بعصبية ورفض قاطع قلت لا وانتهى الأمر.

دخلتُ أنا وأحمد إلى غرفة النوم مستائين من هذا الحال.

أم أحمد وغفران في غرفة المعيشة.

غفران أين ذهبوا وداع وأحمد هيّا تعالوا لنأكل سويةً

أم أحمد: عذراً غفران تناولنا الطعام منذ قليل ولسنا بجائعين نعتذر منك.

غفران : لا ما هذا الكلام سنفطر سوياً

أصرت غفران كثيراً على أمي حتى نفطر سوياً وأمي خجلت منها كثيراً ومن إصرارها الكبير علينا، خاصةً أنها عذّبت نفسها وأحضرت الطعام إلينا.

أم أحمد: وداع، أحمد تعاليا لنفطر سويًا.

وداع وأحمد يركضان إلى غرفة المعيشة بشوق وأخيراً.

جلسنا على الأرض باعتبار أن بيتنا لا يوجد به مائة طعام حتى نأكل عليها.

أمي تناولنا الخبز وتمسي باسم الله في قلبها، خوفاً علينا.

غفران فتاة مرحة جداً، تدخل إلى القلب سريعاً ضحوكة بشوشة الوجه لاتفارق الابتسامات وجهها.

غفران : نحن نسكن في الطابق الذي يليكم لكن هذا البيت هو بيت اخي الذي سيتزوج قريباً كنا أنا وأختي ناهد نقوم بتنظيفه والعمل به من أجل تجهيزات العرس.

وداع: لماذا لا تأت أختك ناهد لكي نتعرف عليها! أتوقع أنها لطيفةٌ ومحبوبة مثلك تمامًا.

غفران: أمي إمراةٌ كبيرة وأبي أصبح كبيراً في السن

أنا وأختي فتاتان في مقتل العمر طالبتان جامعة، أنا أدرس الحقوق.
أما أختي فهي تدرس معنا في نفس الجامعة في كلية الآداب قسم اللغة الإنلكيزية في جامعة حلب.

لدينا بنت أختي الصغيرة إنها من عمر ابنك أحمد في الصف الرابع الابتدائيّ يتيمة الأم تعيش في منزلنا ونقوم براعيتها أنا وناهد
أما أخي إبراهيم فزفاه قريبٌ إن شاء الله وستكون زوجته جارةً لكم.

وداع: لماذا لم تحضري معك رغد لكي نتعرف عليها ونلعب سوياً!

أم أحمد: حفظكم الله جميعاً، شكراً لك على هذه المائدة الحد لله، أطعم الله من أطعمنا وسقى الله من سقانا.

غفران: هنيئاً لكم جميعاً، ما رأيكم أن نذهب جميعاً لبيتنا لكي تتعرفوا على أمي أختي ويلعب الأولاد مع بعضهم البعض.

أحمد: أمي أرجوك أن تقبلي ذلك فنحن لا نملك الأصدقاء هنا.

أم أحمد: تنظر نظرةً حادة في عين أحمد، سامحينا غفران فقد اقترب مجيئ زوجي إلى المنزل إن شاء الله سنذهب غداً.

غفران: على راحتكم سررت بمعرفتكم، سأذهب لكي أساعد في أمي في أعمال المنزل وأدرس بعض الشيئ، السلام عليكم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

وداع: أمي لماذا لم تقبلي أن نذهب إلى بيتهم
أم أحمد: وداع تأخر الوقت، ونحن لا نعرفهم جيداً، وبالي مشغول جداً على والدك يا الله أين أنت يا حبيبي! تركتنا وحيدين وذهبت
أسألك يارب أن تحميه لنا.

غفران وأحمد: آمين، اشتقنا لك يا أبي
بدأت أم أحمد تقلق كثيراً، التوتر كان مسيطراً على أهل البيت جميعهم.

لقد مضى على أذآن المغرب نصف ساعة أصبحت السماء حالكة الظلام!

بدأ الذعر ينتابنا ويسيطر علينا، خاصة أن بيتنا لا يملك شيئاً من مفاتيح الأمان، فالباب خشبيٌ قديم، يكاد من طرقةٍ قوية بعض الشيئ أن يسقطَ أرضاً، ونصبح بالعراء بدون باب نغلقه علينا.

أخي محمد لم يبقَ عنده ما يكفي من الحفاضات والحليب، قلقت أمي حِيال ذلك وقررت أن نذهب جميعاً لنبحث عن مكان يبيع حفاضات الأطفال.

أم أحمد: سنذهب لنشتري حفاضات لمحمد جهزوا أنفسكم.

وداع: أمي لكننا لا نعرف الطريق هنا كيف سنذهب ونعود !! ماذا لو أضعنا منزلنا وبقينا مشردين في شوارع المنطقة لا نعرف أحداً
أم أحمد: لا عليك سنحاول الذهاب من نفس الطريق ونحفظ الأماكن، أخاك لا يملك ولا أي حفاضة لا بُدَّ لننا أن نذهب جمعياً.

انطلقنا جمعياً من المنزل والدنيا مظلمةٌ تمامًا، أمي تحمل محمداً على يديها وتمسك أخي أحمد بيدها الأخرى أنا أمسك بيد أخي نمشي وأعيننا تتحسس المكان بكل ما أوتينا من قوة ونحاول حفظ الطريق لكي نعود إلى منزلنا بسلام آمنين.

وصلنا إلى وجهتنا واشترينا الأغراض التي نحتاجها، وعدنا إلى بيتنا من نفس الطريق الذي جئنا منه، حمداً لله وصلنا إلى عمارتنا بسلام آمنين، تخرجُ أمي مفتاح البيت من شنتتها لنسمع أحداً ينزل على الدرج من الطابق فوقنا، وكان واضح أنها امرأة فصوت كعبها يطرق على السلالم، وإذا هي غفران تنزل متجهةً إلينا
غفران: مرحباً، كنت سآتي إليكم، لكن إذا عندكم مشوار سأعودٌ لاحقاً.

وداع: لا نحن جئنا الآن إلى البيت تفضلي
غفران: لا أريد أن احرجكم سآتي غداً إن شاء الله.

ام أحمد: إن شاء الله، نتشرف بك ِ
أذن العشاء وأبي خارج المنزل، ولا نعرف إلى الآن أين هو! ولا نعرف أحداً لكي نسأل عليه فقط الأفكار السيئة تلعب بعقولنا
حاولت أم أحمد أن تطمئن أولادها وتمنحهم بعض الأمان.

لكن قلبها يعتصر حزناً، وينزف دماً خوفاً على زوجها

حاولت أن تتصل به لكن شبكة الاتصالات سيئةً جداً، فكرت أن تذهب إلى شرفة العمارة، أوصت وداع أن تهتم بأخوتها وذهبت إلى الطابق الأخير ومع كل درجة تصعدها تدعي ربها أن يكون زوجها بخير أن لا تفقده فهو الملاذ الآمن لها ولأطفالها.

وصلت إلى الطابق الأخير وأمسكت جهازها الخليوي ويداها ترجفان، تحاول الاتصال لا يوجد شبكة، تعيد الاتصال مراتٍ عدة، ولكن عبثاً لا جدوى

يئست أم أحمد وقررت أن تعور إلى بيتها و أطفالها، ولم يتبقى لها سوى الدعاء تضرعاً إلى ربها عز وجل أن يحفظ لها زوجها.

عادت إلى الأطفال، ولم ترد أن تشعرهم بالخوف أكثر من ذلك واضطرت أن تكذب عليهم بعض الشيئ وتقول أن أباهم بخير وسيعود قريباً
حاولت أن تتماسك أعصابها، لاشيئ يخفف عنها حزنها، لا أحد يواسيها ولا أحد يقف بجانبها
نفكر في عقلها الباطني كيف ننام ليلتنا الأولى هنا لوحدنا، أين أنت لتحمينا ،أتوسل إليك يا الله ، لا أملك إلاّ الدعاء والتضرع إليك ، ما خاب أحد توكل عليك ياربِّ.

وداع: أمي لقد نام أخي محمد، انظري نام على يدي، إنه يحبني كثيراً
أم أحمد: هيّا بنا لنذهب إلى النوم، على أمل من الله عزّ وجل أن نستيقظ لنرى بابا قد عاد غداً
أحمد: أمي أين سننام! أنا خائف لا أودُ النوم وحيداً، دعيني أنام بجانبك.

أم أحمد: حسناً تعاليا للنوم بجانبي
وداع وأحمد يركضان إلى غرفة النوم، يستلقيان وتستلقي أمهم بجانبهم
محمد ينام على سريره الهزاز الصغير بجانب سريرنا.

وبعد عدة دقائق ومن شدة التعب نام الأطفال جميعهم وبقيت أم أحمد لا تستطيع إغلاق جفن عينها من شدة الخوف، ما إن مضى الوقت حتى استلمت أم أحمد وطغى التعب عليها حتى غطّت في نوم عميق وسلمت أمرها وأمر أولادها لله، وأستودعهم عند رب العباد بعينه التي لا تنام.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي