يوسف سلطان

Abdullah Marzouk`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-11-25ضع على الرف
  • 77.3K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول، الجزء الأول

في يوم صحوٍ هادئ، وأشعة الشمس الساقطة على وجهه تداعب بشرته، مستأنسًا بحرارتها في تلك الأجواء الباردة، كان أحد الأشخاص في نزهة مع حيوانه الأليف، وخلال سيره على أرصفة أحد تلك الأحياء الراقية شد ناظريه روعتها وأناقة ما بداخلها عندما مرت من أمامه، متسائلًا لمن قد تعود تلك السيارة الفارهة ذات اللون الاسود اللامع، ربما لم يتعرف على نوعها ولكن يتضح من مظهرها وجمالها ارتفاع سعرها، مما يدفع في قلبه نوعا من الغيرة لعدم قدرته على امتلاكها رغم ما يملكه من مال وفير ومنزل كبير، ولكنه نسي ذلك الشعور العابر بعد عدة ثوان بمجرد أن تكمل تلك السيارة سيرها مختفية من أمامه.

تابعت السيارة سيرها حتى تقف أمام مقرٍ رئيس ضخم تابع لشركة او مؤسسة ما، السيارة يقودها سائق أنيق المظهر، تستدل من طريقة تعامله وحكمته على كبر سنه، ولكنه لا يبدو كبيرًا جدا في السن ويتمتع بلياقته، لديه لحية خفيفة تزين وجهه ويلبس ملابسًا رسمية لائقة، أما من يجلس في السيارة من الخلف فهو شخص وسيم الشكل، بني الشعر يميل الى الأشقر، ويغلب على مظهره صفات الشخصيات المهمة وذات التأثير في المجتمع.

لن ترى وجهه من السيارة حتى وإن حاولت بسبب التظليل الخلفي الاسود، ولن تستطيع رؤيته حين ينزل من السيارة لوجود عدد هائل من الأشخاص عادةً لكي يستقبلوه، ويمر من خلالهم وكأنهم يصنعون له موكبًا، وحتى إن كنت قد لمحته، فلا يعد شكله مألوفًا بسبب قلة ظهوره، ولكن يمكنك التنبؤ بأن ذلك الشخص هو يوسف سلطان.

وها هو ذا يترجل بتواضع من السيارة عندما فتح له سائقه الباب، ليجد نفسه أمام باب شركة كبيرة والتي تعد في الأصل واحدة من أملاكه، مبنى واسع ضخم، يمتد لعدة طوابق ويعد أكبر وأكثر مبنى ارتفاعًا في تلك المنطقة.

بمجرد أن نزل من سيارته، رأى المساعدة الشخصية سارة، وهي امرأة جميلة ذات صفات قوقازية، كانت واقفة امام المبنى لتستقبله.

ثم تخبره بعد استقباله بآخر التفاصيل مسترسلةً كالآتي:
-سيدي يوسف، لقد تم تحديد الاجتماع على أن يكون بعد قليل، أرجوك اِحضره ولا تتقاعس؛ إنه اجتماع مؤثر في تاريخ هذه الشركة، ولقد اجتمع لكي يحضروه مجموعة من الخبراء والمحللين من عدة شركات أخرى مشاركة في هذا الحدث، لذا احتجنا إلى حضورك وبشكل عاجل.

حينها سأل يوسف: ومتى سيبدأ هذا الاجتماع؟

اجابته سارة: سوف يبدأ الاجتماع بعد دقائق في صالة الاجتماعات الوسطى، وأردت اخبارك أن الترتيبات كلها جاهزة تقريبًا، لكننا مازلنا بحاجة إلى بعض الإجراءات الأخيرة التي تتطلب توقيعك لكي تكتمل، وأريدك أن تتطّلع على هذا التقرير من فضلك.

تصفح يوسف سلطان التقرير سريعًا وكأنه يتصفح جريدة ثم قال: عمل جيد، وأيضا.... يبدو ذلك رائعًا.

سارة: نعم لقد تعمدنا استيراد مواد أفضل مع تنسيق صارم للميزانيات كما...

قاطعها يوسف قائلا: نعم نعم أعلم ذلك، لكن لم أكن اقصد ذلك عندما قلت رائع على كل حال.

سارة: اعذرني، ولكن ماذا قصدت يا سيدي بقولك ذلك؟

فأجابها يوسف مداعباً: ألا يبدو هذا واضحاً؟ قصدت ملمع الشفاه بالطبع لم يسبق لك ان تستخدمي مثل هذا اللون.

قالت سارة متجاهلةً تماماً ما قيل: حسنا يا سيدي سأبلغهم بانتهاء الترتيبات.

ضحك حينها ثم قال: وانت ماذا عنك؟ هل تريد الانضمام الى هذا الاجتماع يا شارلي أم ستتصرف ببرود مثل البعض؟

شارلي (السائق): لا أجد اهتماماً في مثل الأمور في الحقيقة، لذا اظن أنني سوف انتظرك هنا، أبلغني إن احتجت أي شيء يا سيدي.

بدأ الاجتماع وجلس كل من في القاعة للمناقشة بشأن مستقبل هذا الفرع من المؤسسة، وما قد يؤدي إليه المشاركة في ذلك الحدث العالمي.

أول من تواجد في مكان الاجتماع كان المدير محمد وهو المدير التنفيذي لمعظم شركات يوسف سلطان وأحد معارف طفولته، كما أنه من بدأ الاجتماع قائلًا: يأتي في الذكر اولًا معرفة أحوال الأسهم المشاركة في هذا الحدث، وعلى صعيد التفاؤل يبدو أن بعضًا من اسهمنا ارتفع سعره كثيرًا مع الدخول في شراكات مع مؤسسات عالمية كما أنه تم اتخاذ خطوة كبيرة عن طريق تغيير مورد المواد الخاص بنا.

ثم أكمل: ولكن في الناحية السلبية يوجد انخفاض في أسهم أخرى، ولكنها ليست بمعضلة فقد بدأنا بالفعل العمل على ذلك، وجئنا ببعض الحلول لها، ففي البداية يمكننا العمل على زيادة الإنتاجية مع زيادة في الرواتب للتحفيز والاهتمام بالتصدير للخارج عوضًا عن التصدير المح.........

واستمرت المناقشات هكذا الى نهاية ذلك الاجتماع الذي لم يفكر يوسف في اثنائه سوى متسائلًا كيف يمكن أن تكون الاجتماعات مملة إلى هذا الحد، وأغرق نفسه في التفكير بما قد يكون نوع العشاء الذي سيتناوله بعد هذا العناء من شدة الملل الذي يشعر به.

وبمجرد انتهاء الاجتماع ذهب يوسف الى مكتبه، وإن كان تسميته بالمكتب يعد تقليلاً من شأن ذلك المكان الواسع الذي يبدو وكأنه جناح كبير في فندق عالمي.

ما أنفك يوسف يدخل مكتبه حتى تجده يخلع سترته بهدوء، ثم يضعها جانبًا على علّاقة للملابس بجانب الباب، ثم يقترب من مكتبه الموجود في نهاية ذلك المكان، ويتكئ بيديه عليه ويضع قبعته الباهظة ثم يجلس على الكرسي، بمجرد أن مد يده في أحد الادراج ليخرج شيئاً ما ليشربه وكأسًا، فإذا بزائر له تبلغه به سارة، " من هو هذا الزائر؟ " قالها يوسف متضجرًا.

فردت سارة سريعاً: انه سايمون يا سيدي...
ولكن دخل سايمون اثناء ذلك عنوةً وبدى وكأن شيئًا غير سار قد حدث.

حينها أشار يوسف إلى سارة يأمرها بالانصراف وغلق الباب.

بدأ يوسف الحديث محاولًا مداعبة سايمون: يا إلهي.. سايمون كراشدي؟ هل أتى من اسبانيا من يحكم العالم السفلي؟ ولكن ما الذي قد تفعله هنا بنفسك؟

ولكن ما حدث هو أن أبدى سايمون استياءه وظهر عليه بعض علامات الحزن وكأن أمرًا ما يؤرقه ويمنعه من المزاح، فأكمل يوسف قائلًا:
سأوفر عناء الاستقبال والمزاح، لذا يمكنك الجلوس الآن وحدثني عما جئت من أجله، وبعدها يمكنك أن تحدثني عن تلك المواضع التي سألتك عنها منذ فترة.

وجلس سايمون ثم دار بينهما حديث لم يكن لأحد أن يعرف ماهيته او عما يدور، ولكن بدى أنه تناول مواضيع عديدة حتى اخذ من الوقت الكثير.

انتهى ذلك الاجتماع الطويل، ثم خرج سايمون من البرج وبرفقته يوسف، ثم ودعه يوسف سلطان مبتسما وركب السيارة قائلًا الى سائقه: بعثت إليك بتفاصيل الموقع الذي ستذهب إليه، وأيضا أريدك أن تبلغ البقية أن لدينا مهمة جديدة وعاجلة، لذا فليبقوا متأهبين من أجل تعليماتي.

أثناء ركوب يوسف السيارة قابل سايمون مساعده والذي يعد ذراعه الأيمن ومرافقه، وأشار سايمون بيده ناحية يوسف سلطان وقال لمساعده: أترى ذلك الرجل(يوسف)؟ قد يبدو من النظرة الاولى -إن كنت لا تعرفه- مجرد شخص ثري كل ما يميزه الوجه الحسن وكثرة المال وإن كنت لماحًا فقد تظن أن له صلة بالعالم السفلي الاجرامي بسبب ظهور ثروته المفاجئ والكبير، أما إن بحثت في جهات أخرى فستجد: "يوسف سلطان.. رجل وسيم ذو ثراء فاحش تتخطى أملاكه المسجلة والشرعية المائة والخمسين مليار دولار امريكي، شاب قليل الظهور أمام الكاميرات، يحب الملابس الكلاسيكية والرسمية".

ذلك فقط ما قد تجده في ويكيبيديا او جميع المواقع وحتى في ملفات الشرطة ان بحثت عنه وربما تجد صورة له وهو يرتدي بدلة سوداء انيقة وقبعة باهظة، هذا وبالإضافة الى معلومات سطحية عن سلسلة شركاته ومؤسساته لكن لن تجد غير هذا وربما لن تجد حتى هذا مذكورًا، فهو شخص لا يظهر ظهوراً تاماً للعلن، بل لا يظهر اطلاقًا، لذا لا أحد يعلم تماماً ما الذي يفعله طوال وقته.

شرب قليلًا من الماء ثم أكمل: رجل غامضٌ ماضيه بدأ تحقيق ثروته في السنوات الأخيرة، ولكن الحقيقة التي أعرفها من تعايشي معه ومصادقته انني لا اريد عداوته بأي شكل، انه شخص مرعب "حتى بالنسبة لي".

سأله المساعد الخاص به: لا أظن أن ذلك بسبب ثروته الفاحشة أو أنه يستطيع التحدث بأكثر من عشر لغات ولديه العديد من الجنسيات، ما الذي يجعل شخصًا مثله مرعب بالنسبة لك؟

اجابه سايمون: بالطبع ليس بسبب ذلك، ولكن المشكلة تكمن في مدى رعبه إن اعتبر شخصًا ما عدوًا له، فقدرته على التخطيط ومقدرته للخروج من أسوأ المواقف دون ضرر مذهلة، بل لا يشوبها شائبة أحيانًا، يسبق بعدة خطوات من يجابهه، وبالنسبة إلى ماضيه فقد يفعل أي شيء حتى يحصل على....

قاطع كلام سايمون في هذه اللحظة أن أصابه طلق ناري وبدأ ينزف من صدره، أمسك سايمون على جرحه متنهدًا من شدة الألم، وضغط عليه أيضًا مساعده فقال سايمون كراشدي بصوت نحيل جدا: بهذه السرعة؟ لقد انتهى الاجتماع فقط للتو...

كان مساعد سايمون مصدوما مما حدث وغير واعي بسبب سيده المصاب وظل يناديه ويقول: هيي! سايمون ما الذي حدث لك الآن؟ اجتماع؟ ماذا به هذا الاجتماع؟ وعمَّ كان هذا منذ قليل؟

سايمون: من ضمن ما قد دار فالاجتماع أرادني يوسف أن أبحث له بمعلومات عن فريدريك ويبدو أنه...

المساعد: فريدريك؟ اتقصد مالك الفندق ذاك؟ ولكن لم؟ لا أظن أن له علاقة بيوسف سلطان او ما يخطط له.

سايمون: لا، قد يبدو ما يفعله يوسف فوضويًا، ولكنه...
أخذ سايمون يحاول التقاط أنفاسه لذا سكت قليلًا ثم أكمل: ولكنه في الحقيقة مترابط ولكلٍ سببه.... يبدو أنني قد وصلت حد...

أغمي على سايمون بسبب النزيف الحاد ونقله مساعده الى المشفى الخاص بهم، وهو مستودع صغير به اطباء يعملون تحت إمرة سايمون -سواء بالابتزاز او بالمبالغ العالية غير الشرعية، فهو مجرم مطلوب لا يمكن ان يذهب الى مشفى عام او حكومي-، ثم يتم إعلام مساعده بخبر وقوعه في غيبوبة مؤقتة بسبب فقدان كمية كبيرة من الدماء، كمان أن هذا المستودع يفتقر إلى حد كبير لإمكانيات الرعاية الجيدة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي